أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاطف الدرابسة - أنتِ .. والبلد !














المزيد.....

أنتِ .. والبلد !


عاطف الدرابسة

الحوار المتمدن-العدد: 6213 - 2019 / 4 / 27 - 02:20
المحور: الادب والفن
    


قلتُ لها :

كلما حاولتُ أن أكتبَ عنكِ أو أكتبَ لكِ أجدُني أكتبُ عن البلدِ ، وما أصابَ البلدَ ، وقد حاولتُ مرَّةً أن أكتبَ عن غموضِ عينيكِ وعن أسرارِها ، وما يجري فيهما ، فإذا بي أكتبُ عن غموضِ هذا البلدِ وعن أسرارِه .

ليتني أعلمُ ما العلاقةُ التي أسعى إلى أن أُقيمَها بينكِ وبين البلدِ ؟ كم تغيَّر هذا البلدُ يا حبيبةُ وكم تغيَّرتِ وكم تغيَّرنا ، ما أجملَ هذا البلدَ حين كان يُقيمُ في الأغاني والقصائدِ ولوحاتِ الرَّسامينَ ! كان مثلكِ حلماً جميلاً ، ليلاً ساحراً ، غيرَ أن السِّياسيينَ غيَّروا كلَّ ملامحِه : القوميَّةِ والدينيَّةِ والمجتمعيَّةِ فأفسدوه ، وتاجروا بأعضاءِ جسدِه كما يُتاجرُ المجرمونَ بأعضاءِ البشرِ ، قطَّعوا أوصالَه وأطرافَه ، باعوا الكلى والقلبَ والعيونَ ، ويدُّعون إنَّنا في عصرِ الخصخصةِ والعولمةِ والتجارةِ الحرَّةِ ، لم يتركوا لنا شيئاً نقتاتُ عليه ، أو نُسكِتْ صرخاتِ جوعِنا وعطشِنا .

كلَّما حاولتُ أن أكتبَ عنكِ أجدُ حرفي يبكي البلدَ ويبكي أهلَ البلد ، أعني هنودَه السُّمرَ ، بات هذا البلد بلا سورٍ إو أبوابٍ كأنَّه رَبعٌ مُستباحٌ ، أو كأنَّه أرضٌ بديلةٌ للغرباءِ من الشرقِ والغربِ ، من الشَّمالِ والجنوبِ ، يفتحُ أحضانَه لهم ويقيمونَ ويطولُ بهم المُقامُ ، يتقاسمون مع هنودهِ الماءَ والطعامَ والأرضَ، و القِسمةُ ليست عادلةً ، فهم أصحابُ الحِصةِ الكبرى ، وشيئاً فشيئاً صار مُستَقَرَّاً لهم حيناً ومَعبراً أحياناً أخرى ؛ مُستقَرَّاً إذا كانوا هم حُكَّامُه وأسيادُه وصُنَّاعُ القرارِ به ، ومَعبراً إن حلَّت به بعضُ نوائبِ الدَّهرِ .

كلَّما حاولتُ أن أُعبِّرَ لكِ عن مشاعري ، أعني عن محبَّتي ، أجدُني أُغازلُ البلدَ ، وأجدُ لغتي تسألُ غصباً لا طوعاً : أين شبابكَ العلماءُ ؟ هؤلاءِ الشَّباب الذين بنينا لهم الجامعاتِ ، وصرفَ عليهم الأهلُ الملايينَ ليتخرَّجوا في الجامعاتِ ، مهندسينَ وأطبَّاء وفيزيائيينَ وكيميائيينَ ، ثمَّ لا يجدون عملاً ، ويقفون بالطَّابورِ أمامَ سفاراتِ الدُّولِ الغربيةِ جاهزينَ مؤهلينَ خالصينَ للعملِ دون أن تخسرَ عليهم تلك الدُّولُ فلساً واحداً .

وهكذا يا حبيبةُ تقاسمونا وتقاسموا البلدَ ، أخذوا الشَّجرَ والأرضَ والحجرَ ، وأخذوا شبابَنا صفوةَ البشرِ ، ولم يتركوا لنا مشروعاً سياديَّاً إلا وباعوهُ ، فأيُّ بلدٍ هذا الذي لا يتحكَّم باتصالاته أو نفطِه أو شركاتِ طيرانه أو معادنِه الطبيعيَّةِ أو بحرهِ الميَّتِ المسكينِ أو مينائهِ الوحيدِ ؟ أيُّ بلدٍ هذا الذي يدفعُ بأبنائه المتعلِّمين من الأطباءِ والمهندسينَ إلى الهجرةِ غير آبهٍ بملايينِ الملايينِ من الدولاراتِ ، وغيرِ آبهٍ بمستقبلِ هذا البلدِ فقد دخلَ مرحلةَ أرذلِ العمرِ وهو في أوجِ الشَّبابِ .

يا حبيبةُ اسمحي لي أن أعتذرَ من عينيكِ ، فكلَّما حاولتُ أن أكتبَ عنكِ أجدني أكتبُ عن البلدِ ، حتى لو لم يبقَ في ذاكرتي أو في ذاكرتكِ بلدٌ !



#عاطف_الدرابسة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمر المجنون
- نصٌّ للكهولِ فقط !
- للعاشقينَ فقط !
- شعبٌ مُصابٌ بارتفاعِ الضغط
- سلالةُ البحار
- سجونٌ .. لا تنتهي !
- صدى الظمأ
- عقولٌ .. حديثةُ الولادة
- حين يعانقُ الشَّوكُ الياسمينَ !
- زمنُ الكلاب
- الصَّوتُ المُسافرُ في الرُّوح ..
- الفسادُ في أوطاننا .. مشروعٌ نهضوِّي
- أملٌ .. بزمنٍ جديد
- أبناء الظلام
- أين مفتاحُ الوطن ؟
- آخرُ قطرةِ ضوء ..
- حلمٌ في خريفِ الليل ..
- حيث البداياتِ .. كان الوصول
- أبتعدُ .. لأرى ..
- التيه الأخير


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاطف الدرابسة - أنتِ .. والبلد !