أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ضيا اسكندر - كنّا أشقّاء، وسنبقى..














المزيد.....

كنّا أشقّاء، وسنبقى..


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6149 - 2019 / 2 / 18 - 16:24
المحور: سيرة ذاتية
    


أول زيارة لي لمدينة الحسكة حصلت في صيف عام 1984. وكانت بمهمّة وظيفيّة للمشاركة مع ورشة دمشق المركزية في تركيب أجهزة لاسلكية لسيارات الصيانة والطوارئ العائدة لشركة كهرباء الحسكة. بغرض تحسين الأداء من خلال سهولة الاتصال والسرعة في توجيه العمال وإبلاغهم عن الأعطال أنّى كانوا.
كانت فرحتي كبيرة للتعرّف على هذه البقعة الجغرافية النائية من وطني العزيز. لذلك فقد سافرتُ بالقطار قبل موعد مجيء زملائي بيوم من شدة تَوْقي إليها. لدى بلوغي الشركة، كانت على بوّابتها سيارة شاحنة محمّلة ببكرات كابلات كهربائية، وعدد من العمال يقومون بتفريغها ودحرجة بكراتها إلى المستودع.
اقتربتُ من أحد العمال وسألته:
- لو سمحت، أين مكتب المهندس المسؤول عن قسم الطوارئ؟
وقف هنيهةً متفكراً وسرعان ما أضاء وجهه نور التذكّر المباغت، فأشار بيده إلى أحد العمال كان يقوم بدحرجة بكرة كغيره من العمّال وهو يتصبّب عرقاً. وأجاب:
- ذاك الشابّ الطويل الذي يرتدي بنطال جينز وقميص أزرق نصف كمّ، هو رئيس القسم.
أُصِبْتُ بحالة من الذهول والدهشة؛ فقد تعوّدنا أن يتميّز المهندس بلباسه وأناقته ومكتبه وسيّارته.. لا أن تغيب عن شخصيته ومكانته كل تلك السِمات. اقتربتُ منه وربّتُّ على كتفه بمحبّة وقلت له:
- أستاذ أنا موفد من اللاذقية إليكم لتركيب أجهزة اللاسلكي لورشاتكم..
نفض يديه بخفّة وعيناه تبرقان فرحاً في زهوِ المنتصر. تفحّصني لثواني ثم عانقني مرحّباً وكأنه يعرفني منذ سنوات.. وقال لي كلمةً واحدة تعبّر عن فيض لهفته بتحقّقِ ما كان يصبو إليه:
- وأخيراً!
فقد كان محبطاً من كثرة مراسلاته للوزارة التي يطلب فيها ضرورة تزويد ورشاته بأجهزة اللاسلكي أسوةً بأغلب شركات الكهرباء في محافظات القطر.
من خلال علاقتي اليومية معه لمدة خمسة عشر يوماً تعمّقت معرفتي به. وعرفتُ أنه شيوعي كردي درس في الاتحاد السوفييتي. وكان حريصاً على مرافقتنا أثناء عملنا كلما تسنّى له الوقت. ويترقّب بحماس وصولنا إلى لحظة إطلاق صافرة النهاية معلنةً بأن مهمتنا قد تكلّلت بالنجاح.
أذكر أنني سألته في إحدى جلسات الاستراحة بعد أن توطّدت ثقتنا ببعض:
- رفيق، هل ترغب بإقامة دولة كردية تضمّ أكراد سورية والعراق وإيران وتركيا؟ وهذا حقّكم طبعاً كما هو الحال لدى باقي شعوب العالم.
فأجاب بهدوء والبسمة لا تفارق وجهه الجميل الملوّح بالسُّمرة، بعد أن أدنى رأسه نحوي كأنّما يخشى أن تسمعه الجدران:
- بالتأكيد أتمنّى. إلا أن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح بذلك. ونحن في سورية لا تعني لنا القومية الكردية أكثر من كونها حالة تراثية؛ نرغب أن نتمكّن من خلالها التحدّث بلغتنا دون خوف. ونحتفل بأعيادنا ومناسباتنا دون تنكيل من السلطة. نحلم أن يكون لدينا صحف وإذاعات وقنوات تحكي عن همومنا وثقافتنا وطموحاتنا وآمالنا.. نحن لا نريد إقامة كيان كردي مستقل؛ فسورية بلدٌ صغيرٌ لا يتحمّل التقسيم. ثم إن الأكراد والعرب والسريان والآشور وباقي الأقليات القومية.. لا تشغل كانتونات مغلقة؛ ففي الحيّ الواحد، في القرية الواحدة، في المدرسة، في إدارات الدولة ومؤسساتها.. توجد فيها كل المكوّنات التي ذكرت. ونعيش مع بعضنا كالأخوة. أقصى ما نحلم به في هذا المجال هو إنصافنا ورفع الظلم عنّا وإعادة الجنسية لعشرات الآلاف مِمّن حُرِموا منها منذ عام 1962. نريد إدارة محلّية حقيقية دون وصاية. وتنمية متوازنة عادلة في كافة المناطق. (وأضاف مقطّباً) لا يُعقل أن نقدّمَ للعاصمة مثلاً 20% من الدخل الوطني، ونُخَصّصُ بـ 1,5% من الموازنة العامة! صدّقني يا رفيقي، عندما تتمتّع بحقوقك وكرامتك، وتشعر بوجودك الإنساني المحترم، بغضّ النظر عن انتمائك القومي والديني والسياسي وغيره.. لن تعودَ تشغل بالك؛ لا القومية ولا غيرها. ولا تفكّر حينها بالدولة المستقلة..
أذكر عندما انتهت مهمّتنا، وقمنا بإجراء الاختبارات الأولية للاتصال اللاسلكي وتأكّدنا من نجاحها، تملّكه انفعالٌ طروب. وشرع يصفّق وهو يتوهّج من الفرح والسعادة كطفلٍ اشترى لعبة جديدة. وأصرّ على دعوتنا لتناول الغداء احتفالاً بهذا الإنجاز الكبير. الذي طالما سعى إليه لمواكبة العصر في أحدث تقنيّاته. ولن أنسى ما حُييت الجولة السياحية التي أطلعني فيها على أهمّ معالم شرق الفرات.
نسيتُ اسم ذلك المهندس الكردي المتواضع النبيل. وأتمنى من كل قلبي أن يكون ما زال حيّاً.
نعم، لقد كنّا أشقّاء وسنبقى.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معجزة العصافير
- وتساقطتْ أوراقُ الليمون
- المعلّم «الكافر!»
- «المعلوم!»
- المرأة ربيعٌ أيضاً
- لا للقتل..
- دعوة لتغيير النشيد الوطني السوري
- ذكريات
- حنا مينه يودّع مصدر إلهامه..
- البيرة، وما أدراك ما البيرة!
- الفقراء في كل مكان..
- إلى متى سيبقى القلقُ دَبِقاً بنا؟
- المطار، مطارك أستاذ!
- لسعات خليجية..
- «الوشّيش!»
- بعثيّة، بعثيّة..
- ليس بالعلمانية وحدها يحيا الإنسان!
- في الصَّيدليَّة
- حلّاق القَبْوُ
- هلْوسة مُحْتَضَر


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ضيا اسكندر - كنّا أشقّاء، وسنبقى..