أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - عن إشكاليات إعادة إنتاج الذات العربية















المزيد.....

عن إشكاليات إعادة إنتاج الذات العربية


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 6121 - 2019 / 1 / 21 - 10:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يحتاج بناء ذاتنا العربية، أو الوطنية/ القطرية إلى إرادة حرّة ومستقلة. ويشكّل ذلك مقدمة للتركيز على قضايا متعددة، منها: إعادة تقييم علاقتنا السياسية والاقتصادية بالغرب من منظور وطني، مواجهة الاستبداد السياسي الذي حوّل لغته الأيديولوجية إلى فعل سيطرة أدّى إلى جمود في الرؤية المجتمعية وانفصام في الشخصية السياسية، تخليص حاضرنا الثقافي من استمرار هيمنة رواسب الجمود العقائدي والتخلّف الماضوي الممتدة آثاره حتى اللحظة إلى آليات تفكير واشتغال التيارات الدينية وأخرى سياسية، وكذلك النظام السياسي العربي. شكّلت إزاحتنا كمواطنين عن ساحة المشاركة الفاعلة، وتحويل الغالبية إلى ملحقات سلطوية تفتقد الإرادة المستقلة والحرة، مدخلاً لتردّي أوضاع التفكير الإبداعي، تلاشي لغة الحوار والتواصل، جفاف منابع الفكر السياسي، ضياع الطاقات البشرية، وتصدّع السيادة الوطنية.

يدلّ السياق العام للتطور البشري على أن المجتمع غير القادر على إعادة إنتاج ثقافته من منظور التطور العالمي وغير القادر أيضاً على تحويل الماضي/ التراث إلى مادة تاريخية للدارسة والبحث، سيبقى فاقداً للقدرة الإنتاجية الذهنية والمادية والروحية. وبالرغم من كوننا جزءاً من العالم، لكننا ما زلنا خارجه ثقافياً وحضارياً وتكنولوجياً، حتى أننا تحولنا بوتيرة متسارعة إلى مستهلكين لمنتجات الحضارة والتطوّر، وعالة على تاريخنا والحاضر، ويكشف عن ذلك انعدام فاعليتنا وتأثيرنا في سياق التطور الكوني. ولم تقف أوضاع مجتمعاتنا عند ذاك الحد، لكنها انزلقت إلى قعر الهاوية، ولذلك علاقة مباشرة بانحسار حقوق المواطنة بفعل الاستبداد السياسي، وتمدّد الفكر الديني السلفي الذي يرى دعاته أن تمثّلنا طرائق معيشة أسلافنا وتفكيرهم إضافة إلى تمسّكنا بتراثنا الإسلامي يشكّل مخرجاً من أزماتنا الراهنة. ونشير هنا إلى أهمية فصل المقدّس عن الدولة والسياسة، والتعامل مع الدين بكونه علاقة الأنا الفردية والجمعية مع الخالق، المحافظة على حقوق المتدينين الدينية وحريتهم بتأدية شعائرهم الخاصة.
أما حكامنا، فإنه إضافة إلى كونهم يسيطرون على المناخ العام بالقوة القهرية والإفقار، فإنهم يريدون أن يكونوا العقل المفكر عنّا جميعاً، ما يعني مضاعفة التهميش، وبالتالي ارتفاع منسوب الاضطراب المجتمعي. ومن اللافت أن معظم حكّامنا، إن لم نقل جميعهم، يستخدمون رجال الدين لتدعيم سيطرتهم وتغليفها بطابع الشرعية الإلهية.
وإذا حاولنا مقاربة أوضاع نخبنا الثقافية، نلحظ أنها تتعين في إطار مروحة واسعة من آليات وأنماط التفكير المادية منها واللامادية، بعضها يُجمع على أن الدين هو المخرج. فيما بعضها الآخر يستخدم مناهج تفكير حداثية لدحض الفكر الديني ونقضه. وفي السياق المذكور غالباً ما يتحول المنهج العلماني الحداثوي التغريبي، ومذاهب وعقائد أخرى وتيارات فكرية إلى أُطر أيديولوجية متكوّرة على ذاتها. كذلك إن دعاة التوفيق بين الدين والحداثة يعانون من إشكاليات متعددة، في وقت تحولت فيه كثير من الأحزاب السياسية إلى تجمعات طائفية عشائرية عائلية... ولا يغيّر من ذلك التزام مثقفين وسياسيين الميلَ النيو ليبرالي. فالنيو ليبرالية تتناقض، كما بات معلوماً، مع المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجميعهم يرزح تحت كابوس أنظمة أمنية تعمل على تجفيف منابع السياسة والثقافة المغايرة، ما أدّى إلى إغلاق أبوب الحوار العقلاني، وإلى انتعاش الذاكرة العصبوية الماضوية، وتحوّلها إلى خزائن تفيض على حاضرنا بأدوات التطرّف والقتل والتكفير والتخوين.
إن محاولة قراءة الثقافة الموروثة تفترض الوقوف خارجها، وأن تُوضَع في سياق النقد العقلاني المقترن بالتطور الحضاري العالمي. لكنَّ كثيراً من نخبنا الثقافية ما زالت تدعو إلى التكوّر على ذواتنا الثقافية، فتتقاطع بذلك مع آليات تفكير سلفية ترفض المؤثرات الثقافية العابرة للأطر الوطنية، التي تشكّل صنو الحداثة. علماً بأننا نستخدم بحياتنا اليومية مادياً وذهنياً منتجات الحداثة الغربية، ونشير في السياق إلى نقطتين: الأولى، أن ثمة فرقاً كبيراً بين استهلاك منتجات الحضارة الغربية، وإنتاجها، والأخيرة تحتاج إلى ثورة عامة وشاملة تنطلق من نقد أوضاعنا الثقافية وآليات تفكيرنا ونقضها، وتمثّل قيم الحضارة العالمية وعقلها العلمي. والثانية، أن ثقافة الحداثة المرتبطة بالمعايير الديمقراطية تقودنا إلى وعي الأنا بذاتها وبالآخر.
من جانب آخر، إن عدم الاعتراف بفقدان غير دولة «وطنية» أسباب وجودها، وعدم ارتقاء بعضها الآخر إلى مرتبة الدول الوطنيّة، يساهمان بتعقيد أوضاعنا. كذلك إنَّ التفاؤل بالعولمة الرائجة، والديمقراطية النيو ليبرالية، لم يخلّفا غير اليأس والبؤس والوهم والانعزال وإعادة إحياء القبليات السياسية منها وغير السياسية. لكنَّ ذلك لا يعني التسليم بهيمنة الاستبداد وانتصار النيو ليبرالية. فالعولمة بنسختها النيو ليبرالية لم تتجاوز عتبة الصراعات الجيوبوليتيكية بين قوى كبرى ما زالت تقود العالم. أما نهاية التاريخ «إن كان له نهاية»، فإنه لن يتوج بانتصار الليبرالية. فالليبرالية بشكلها الجديد تُفاقم من عدم المساواة والاستقطاب الاجتماعي عالمياً، وتعوق تقدم الديمقراطية الاجتماعية، ما يعني ارتفاع حدة التناقض الكوني واتساعه في حال استمرار هيمنتها. ما يدفع إلى البحث عن مخارج أخرى فكرية تُعيد التطور إلى مجاله الإنساني، وتحدّ من إعادة إحياء الهويات القبلية.
لقد بات واضحاً أن عودة مفاعيل التطرف، وانتعاش المدّ القومي الشعبوي الانطوائي يُشكّل ردّ فعل على ما خلّفته العولمة النيو ليبرالية من تداعيات اجتماعية وطبقية داخل بلدان الشمال، وعلى طبيعة علاقة دول الشمال بدول الجنوب. فأزمات العالم الليبرالي باتت تشكل مدخلاً للفوضى التي يتسم بها النظام العالمي، إضافة إلى التناقض. وتتزامن التحولات المذكورة مع عودة غير دولة لفرض سياسات حمائية، علماً أنها، وتحديداً واشنطن، حملت لواء العولمة وما زالت تعمل هي وغيرها من الدول الرأسمالية الكبرى على تحطيم الحواجز أمام رأس المال المعولم العابر للحدود والجنسيات. تحديداً بينها وبين دول الجنوب.
إن ما يمرّ به النظام العالمي من تحولات نكوصية ينعكس علينا نحن العرب بأشكال جداً كارثية. فنحن حتى اللحظة لم نغادر ماضينا، وإن ادعى بعضنا أننا نعيش عوالم الحداثة، لكننا نعيشها بعقول وآليات تفكير طفولية، ما يجعلنا نعيد إنتاج تبعيتنا للغرب، وأيضاً هوياتنا القبْلية، ونتوهم أنها تُشكل مصدر قوتنا وتعبيراً عن طبيعتنا. ما يدفعنا إلى التأكيد أن تجاوز أوضاعنا، واندماجنا بالحضارة إنسانياً يحتاج لتغيير عام وشامل يجمع بين الأخلاق والفلسفة والعلم والسياسية.
وإذا كانت الثورة الرقمية تُعَدّ الأهم في اللحظة الراهنة، إلا أنه يجري استثمار أدواتها لإعادة إنتاج العقل وتوضيبه وتنميطه، وذلك تحقيقاً لمعادلة مفادها: عقل بشري معولم يعمل وفق آليات نمطية متجانسة، وفي سياق ضوابط وميول تشتغل على التحكم بها جهات مهيمنة.
نشير أخيراً إلى أنه تجري إعادة تشكيل العالم المادي والروحي في لحظة تتسم باختلال النظام العالمي، صحوة القبْليات بتجلياتها المختلفة، تضعضع الفكر الديمقراطي الليبرالي، ارتفاع البطالة طرداً بازدياد التطور التقني، توظيف منتجات الثورة التكنولوجية لمفاقمة احتكار أدوات القوة والسيطرة والهيمنة، وتعميق ارتهان دول الجنوب لشمال العالم.
فهل ننجح كعرب في تجاوز أوضاعنا الراهنة، وتحقيق نهضتنا المنشودة؟ كيف ومتى؟ الإجابة دونها سيل من تحدّيات، ويكتنفها الغموض؟ علماً أن تصالحنا مع ذاتنا وانفتاحنا على الآخر يفتحان نوافذ التغيير وأبوابه.



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن إشكالية إعادة تصنيع العقل البشري عولمياً
- سوسيولوجيا الهشاشة والفقر: سوريا أنموذجاً
- المثقفون الرُّحّل
- المثقفون الرُحّل
- الدستور وقضايا التغيير في سوريا
- مَن أنتم؟ هل كان القذافي محقا؟
- التحوّلات الدولية وعلاقتها بمستقبل سوريا السياسي
- عن إشكالية التغيير السياسي في سوريا
- أنا الآخر؟!
- من تحديات إعادة الإعمار في سوريا.؟
- صراع الجهالات
- السوريون وتحديات المحافظة على السلم الأهلي
- الصراع من أجل الهيمنة
- من الحرية إلى انهيار الوحدة الوطنية
- عن علاقتنا كعرب بصناعة التاريخ
- سوريا والخريطة الجديدة للصراع بين القوى العظمى
- الأكراد بعد عفرين
- الأنظمة الشمولية وإشكالية التماثل البنيوي؟!
- إلى «سوتشي» دُر؟!
- معتز حيسو - باحث وكاتب وناشط يساري سوري - في حوار مفتوح مع ا ...


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - عن إشكاليات إعادة إنتاج الذات العربية