|
صراع الجهالات
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 5897 - 2018 / 6 / 8 - 15:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن البحث في إشكالية صراع الحضارات يدفعنا الى الإشارة الى أن الارتباط بين أزمة التفكير العربي والإسلامي وبين فشل تجارب القوميات العربية (وأنظمة أخرى) في إحداث تنمية اقتصادية وبشرية متلازمة مع أشكال حكم ديموقراطية أسهم في تحويل العديد من بلداننا ومجتمعاتنا إلى مجال مفتوح للتدخلات والاحتلالات الدولية والإقليمية، وأيضاً إلى التطرف والتكفير والجهاد المقدّس.
يُضاف إلى هذه الصراعات، صدامات متجلية ظاهرياً بكونها تكثيفاً لمواجهات تستمد زخمها من الموروث التاريخي من جهة، ويُراد الدفع بها إلى حقل الصراع الأيديولوجي من جهة أخرى. هذا ما يكشف عن وجود ترابط عضوي بين بنية التفكير العقائدية السائدة، الدينية منها والسياسية، وبين أوضاع غير نظام عربي ينكشف على مزيد من التأزم الداخلي، وعن ميل ينحو باتجاه تفاقم الفوضى والصراع. يرتبط ذلك مع تفاقم حدة التناقض والاستقطاب كأحد تجليات أزمة النظام الرأسمالي بنكهته الأميركية المعولمة، ما يعني أن ثمة ارتباطاً عضوياً بين أزمة النظام العربي وأزمة رأس المال العالمي. وأمام تراجع تأثير الفكر التنويري، وأيضاً اليساري والعلماني والمدني بفعل عوامل ذاتية وموضوعية تاريخية وراهنة، يتعلق بعضها بالقمع السلطوي الممنهج، كان من الطبيعي أن تتفاقم المواجهة بين التطرف الديني والطائفي وبين أنظمة حكم تجسّد الوجه الآخر للتطرف والأحادية، إذ إن أي طرف لا يحتمل أياً من أشكال التنوع السياسي، وبشكل خاص الديموقراطية التي يرى فيها كلاهما مقتلاً له. والواضح أن لحظتنا الراهنة تشكّل مدخلاً لاستنهاض وإعادة إنتاج المتعفن من تاريخنا، وبالتالي تحويل مجتمعاتنا إلى مجال مفتوح لصراعات عبثية تكشف عن تغوّل العمى العصبوي إلى مرحلة يبدو فيها أن «المتخلف» من تاريخنا بات يطغى على أوضاعنا الراهنة، ويتصدر أيضاً مشهد العنف الدموي بين عقائد وهويات صغرى محمولة على مفاعيل خارجية إقليمية ودولية، وتناقضات أخرى داخلية. هذا ما حوّل مجتمعاتنا إلى ساحة يرتبط فيها هدر الحريات والحقوق، وصولاً إلى هدر دم الإنسان مع العقائد الأحادية الإطلاقية بتجلياتها المختلفة. وبعد التدقيق في ما يجري من صراعات داخل إقليمنا العربي، يمكن القول إن جميع ما أتينا على ذكره من عوامل لا يستقيم من دون ربطه بتحولات إقليمية ودولية أفضت إلى تسعير تلك الصراعات. مجالنا المجتمعي والجغرافي بات مفتوحاً للاستثمار في الجهل والتخلف والاستبداد وسياسات الإفقار، وبالتالي اتساع دائرة الصراع الذي يتجلى ظاهرياً بكونه أحد تجليات الصراع بين الحضارات أو بين الثقافات. وكما هو معلوم، إن الحضارات تتلاقح وتتفاعل وتتواصل في ما بينها، والفكر في لحظة انفتاحه على التطور والعالمية لا يدخل في صراعات كالتي نشهدها فقط عندما يتحول إلى عقائد ومذاهب تعاكس التطور بفعل التكوّر على الذات والارتباط بالماضي الذي بات يهيمن على تفاصيل يومياتنا. فهو يصبح من الممكن أن يكون حاملاً للصراع وإحدى أخطر أدواته، وذلك ليس له علاقة بما يسمى صراع الحضارات، لكنه صراع «جهالات» يقوده جهلاء تحولوا في لحظة معيّنة إلى زعماء يقبضون على ناصية التشريع للجهاد ضد «الإلحاد والديموقراطية والعلمانية» لنقلنا إلى «الفردوس الموعود». وفي الإشارة، إن نظامنا العربي لا علاقة له بالعلمانية كمنهج للتفكير والحكم، ولا بأي من نماذج الديموقراطية وأشكال المدنية وحقوق المواطنة. وهذا ما مهَّد الطريق بفعل آليات اشتغاله السياسية الشمولية، والأمنية القمعية، والاقتصادية الاحتكارية، لكل أشكال التطرف التي نشهد بعضاً من تجلياتها في اللحظة الراهنة، فتقاطعت مخاطر التطرف مع اتساع دائرة الإفقار والتهميش والاستقطاب، وانفتاح مجتمعاتنا على الفوضى المحمولة على التنافس والصراع الإقليمي والدولي. فأي مصير ينتظرنا بعدما تحولت بلداننا إلى مجالات مفتوحة للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وجميعها يدفع إلى تحويل مجتمعاتنا إلى مرتع للتطرف والاقتتال المذهبي والطائفي؟
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السوريون وتحديات المحافظة على السلم الأهلي
-
الصراع من أجل الهيمنة
-
من الحرية إلى انهيار الوحدة الوطنية
-
عن علاقتنا كعرب بصناعة التاريخ
-
سوريا والخريطة الجديدة للصراع بين القوى العظمى
-
الأكراد بعد عفرين
-
الأنظمة الشمولية وإشكالية التماثل البنيوي؟!
-
إلى «سوتشي» دُر؟!
-
معتز حيسو - باحث وكاتب وناشط يساري سوري - في حوار مفتوح مع ا
...
-
على أنقاض «جنيف 8»: في إشكالية التمثيل السياسي السوري
-
بخصوص أعداء دولة المواطنة؟.
-
الهوية وعلاقتها بالاستعصاء الديموقراطي
-
عن أوضاع النساء السوريات في ظل الحرب اكتب
-
عن أوضاع النساء السوريات
-
سوريا الآن: سباقات من نوع مختلف
-
استعصاء المشروع الديمقراطي في سوريا
-
في أوضاع الصحافة العربية الرائجة
-
ماذا عن مركزية الدولة السورية
-
متلازمة العمى العصبوي
-
تآكل خيار علمانية الدولة السورية
المزيد.....
-
ترامب وهاريس يتصادمان بشأن قضايا وطنية رئيسية في المناظرة ال
...
-
انفجار يستهدف قاعدة للتحالف الدولي في مطار بغداد واستمرار ال
...
-
شهيدان ومصابون في طولكرم وقادة إسرائيليون: الضفة على حافة ال
...
-
هاريس تواجه ترامب في مناظرة فاصلة للسباق نحو البيت الأبيض
-
تغطية مباشرة.. أول مناظرة رئاسية بين ترامب وهاريس
-
حملة كامالا هاريس تقول إنها ستتحقق من صحة كلام ترامب في الوق
...
-
7 شروط في مناظرة دونالد ترامب وكامالا هاريس.. إليكم ما هي
-
موسكو تستضيف المنتدى الدولي لمناهضة الفاشية
-
صافرات الإنذار تدوّي في 7 مقاطعات أوكرانية وسماع أصوات انفجا
...
-
ليبيا.. سيول تجتاح منطقة المنصورة في سبها ونداءات استغاثة بو
...
المزيد.....
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
المزيد.....
|