التاريخ يصنع مرة, ويكتب أكثر من مرة

فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 1522 - 2006 / 4 / 16 - 11:45
المحور: كتابات ساخرة
    

من ذكريات عيد الجلاء في هنغاريا.

في مناسبة عيد الجلاء, وفي احتفال ضمّ حوالي ألف شخص ـ من عرب وأجانب ـ تحدّث من جملة المتكلمين أستاذ وقور ومحظوظ ـ وكيف لا يكون ذلك وهو أخ لأستاذ أكثر وقارة ومن رجال الإمارة ـ, وهو رئيس البعثة الدبلوماسية السورية في دولة هنغاريا (المجر),
يومها أبدع سيادة السفير في خطبته كعادته, فهو ليس فقط سياسي ودبلوماسي, بل باحث تاريخ أساسي, وهو منقّح ومصحّح وصانع للتاريخ مثل رجال البلاط الرئاسي!

وكما علّمونا صغاراً في المدرسة, وكما سمعنا من الأهل والأجداد أن فرنسا استعمرت سوريا, أو غزتها واحتلتها أو فتحتها ولكن ليس على الفتح الإسلامي! وكذلك علّمونا أن ثورات عديدة تفجّرت ضد الفرنسيين في شتّى المناطق من سوريا, وعلّمونا أيضاً أن جامع هذه الثورات وموحّدها وقائدها كان سلطان باشا الأطرش! وهو لم يعلن نفسه قائداً عاماً للثورة بل قادة الثورات "بايعوه" بذلك, لأن الثورة السورية الكبرى انطلقت من قريته ومدينته وجبله وبمبادرته الشخصية وحسه الوطني, ولأنه أكثر الرجال الذين أوجعوا الفرنسيين كما يقول الفرنسيين أنفسهم!
علّمونا ذلك مدعّمين هذا العلم بالأرقام والتواريخ والشواهد!

لكن سيدنا الدبلوماسي العتيد, ومصحح التاريخ الرشيد, وممثل وراعي مصالح سوريا "الأسد" العنيد,
كشف غباءه بمطالعته للحضور في كلمته الرزينة والغنية جداً, بأن الثورة السورية الكبرى قادها صالح العلي!
ونسي ذكر سلطان باشا الأطرش أو تناساه!

وعلّمونا أيضاً أن صالح العلي إبن الساحل السوري ـ مسقط رأس هذا الدبلوماسي المشارقي ـ وإبراهيم هنانو الكردي, وحسن الخراط والأشمر وغيرهم قادوا ثورات في أقاليم من وطننا, وعلّمونا أيضاً أنهم كانوا من أشجع الرجال وأكثرهم وطنية! هذه حقيقة!

وأعتقد أن هؤلاء الأبطال الذين ناضلوا ضد الفرنسيين, نادمين الآن في قبورهم على فعلتهم, لأن الاستعمار الفرنسي لم يكن أسوأ من حكم العساكر والمافيا!

وفي مناسبات أخرى ولسادة أخر ومن زمّاري البلاط الأغر, تناسوا أو نسوا ذكر القائد العام للثورة السورية الكبرى, وأحدهم من بلدة لا تبعد الكثير عن بلدة سلطان الأطرش!

وقبل بضع سنوات وفي صحيفة تقدمية جداً, ـ صحيفة صوت الشعب ـ وبمقالة عن الجلاء ذكر إسم سلطان الأطرش بعد خمس أو ست أسماء لمجاهدين كبار دون ذكر أنه القائد العام للثورة السورية الكبرى ....

ربما يبحث المؤرخين الجدد عن محرر سوريا الأول, وقد يكون والد الرئيس الأول, وهو جد الرئيس الثاني وجد جد الرئيس المقبل!!!

إنني على ثقة أن صالح العلي يخجل من ذلك الدبلوماسي المشارقي العتيد, وسلطان الأطرش يبتسم لهذا أو ذلك السياسي المؤمن ببلاطه, ويدرك القائد العام للثورة السورية الكبرى أن التاريخ يصنع مرة ويكتب أكثر من مرة!
فهل فكّر أولئك السادة أنه قد يأتي من يكتب التاريخ من جديد!

تحية لكل الذين شاركوا في الدفاع عن وطننا وناضلوا من أجل استقلاله!
وتحية لكل الذين يناضلون الآن من أجل حرية وتحرر الوطن!
لا أظلم النظام الحاكم إن قلت الاستعمار الفرنسي كان أكثر رحمة لسورية من الاستعمار الأسدي!!!

بودابست, 17 / 4 / 2006, د. فاضل الخطيب

#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات