أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - الشاعر : مجيد الموسوي .. رثاء الذات عبرَ الآخر(1 -2 )















المزيد.....

الشاعر : مجيد الموسوي .. رثاء الذات عبرَ الآخر(1 -2 )


جاسم العايف

الحوار المتمدن-العدد: 6094 - 2018 / 12 / 25 - 11:58
المحور: الادب والفن
    


(الموسوي)* مجايل لشعراء العقد السبعيني ،ويشكل الشعر، له ، عالما أوسع من وجوده الشخصي ، وعبر كل ما كتبه وأصدره كان - الشعر - السعي الذي لم يفارقه :
"أيها الشعرُ
أطلق زوابعك في سهوبي
ودعني أتحرر من خفة اللغة
وهشاشة الهواء
وهروب المعاني..!
فقد آن أنتزع من قفص الصدري فؤادي
وأرميه في التيّار الأعمق الهدار
التيار الذي يحفر مجراه معربداً
ويملأ الأقاصي بالزبد
وانحدرُ
معه
حيثُ
ينحدر!".
نتلمس القصيدة لديه ، بصفتها حالة غامضة من الغياب - الحضور ، الحلم - اليقظة ، التذكر - النسيان، حالة من احتدام الروح يغدو فيها الإمساك بالبدء أو المنتهى أقرب للمستحيل. وحتى اللغة لا تكاد تلتقط من هذه الحالة إلا بعض سطوعها وشراراتها. القصيدة لديه تريد أن تقول شيئاً ،أن تبوح بسر ما، برؤيا، بحلم، بشيء مدهش، شيء من السحر يؤجج الأعماق،ويشعل الروح.إنها أشواق متحدة بالأقاصي، ونشوة شاملة تتلبس الروح، ومن هنا يصبح تحديد بدء القصيدة شاقاً وعسيراً!. كيف تبدأ القصيدة إذن لدى (الموسوي)؟. ثمة محفزات توقظ فيه الحنين إلى عالم الغرابة والمجهول والرؤى، ترنيمة بلبل، وجه عابر، أغنية، فتاة ناحلة محبطة، كلمة في الريح، مشهد ما:
" أخيراً: أيها الوجهُ البعيد تمدَّ لي خيطاً رفيعاً / تستفزّ به الكهولةَ، أي خيط للنعاس يجيءُ! / أي شذا تبقّى، بعد/ أي ملاءة كالريح خافقةٍ سألمسها / واغسل في مساحبها اكتظاظّ الشعرِ/ أيّ حديقةٍ أولى تفتحُ لي/ فادخل".
هكذا تتفجّر المصادفة أو المفارقة أو اللوعة الخفية ، فيندفع للقول ، محاولاً الإيغال في عالم الشعر، والإمســــاك بشيء من لهبه ونشوته، من شذاه وغبطته وربما من جنونه وفوضاه. ولكن هل هذا التوصيف يكفي لولادة القصيدة؟. عند هذا الحد نغفل مسألة غاية في الأهمية ،يذكرنا بها شاعر صيني عاش في القرن الثالث قبل الميلاد ، كان من سوء حظه أن يخسر موقعة عسكرية، لكنه ربح الشعر!. ذلك الشاعر الذي جعله "ماكليش" في "الشعر والتجربة" دليله لمعرفة عالم القصيدة. إنه الشاعر "لوتشي"الذي يحدد الحواضن الموضوعية لولادة القصيدة، من خلال جملة من المسائل، يرى فيها الأساس في ولادة النص الشعري بوصفه اصواتاً وكلمات ، قبل أي شيء، فإذا أردنا أن نحدد ذلك بنقاط أوردها " لوتشي" يمكن أن ندرجها على النحو التالي: يجلس الشاعر على محور الأشياء، و يتأمل في سر الكون ويغذي عواطفه بمآثر الماضي. ثم يتنهد لمرور الزمن ،إذ يتقلب مع الفصول. ويعاني من البرودة وقلبه مفعم بالرهبة. فإذا اطمأنت روحه ، رمى بالكتب بعيداً، وتناول ريشته ليعبر عن نفسه بالكلمات. هذه القضايا هي التي تضبط إيقاع الشعر، وتحدد اتجاه بوصلة الشاعر، وتولد القصائد من خلال تلاحمها في سياق متصل خاص، وإذا تأمل المتلقي هذه الآراء التي تبدو للوهلة الأولى، محض تعبيرات، فإنها تنم لوحدها عن لًمع من المعرفة، تشع من وراء الأقاصي البعيدة التي يقطعها الساعون وراء الشعر:
"من ترى
أيقظني في آخر الليلِ
وغطّاني بغيم الأسئلة
من ترى
أسلمني الجمرةَ
وانسل بلا صوتٍ
إلى الغابة ملتفّاً بخفق النجمةٍ المشتعلة
تاركاً في معطفي البرقَ
وفي كفيَّ
عطر السنبلةْ
مضرماً في روحي النار
التي أسميتها : الشعر!
......
تُراني
أرفض السرَّ
الذي أودعنيه
أم ترى أن أقبلهْ"؟.
الشعر لدى (الموسوي) ليس مجرد انتظار سلبي لانبثاق الرمز من أعماق اللاوعي، بل من قطبين هما، الإنسان - العالم، لينبثق بعد ذلك ضوء القصيدة المشع من الأشياء، التي يتأملها. أن هذا وصف خارجي لولادة القصيدة، ولكن بأي طريقة، يحدثنا "لوتشي"عنها؟. فالشاعر هو الذي "يأسر السماء والأرض داخل قفص الشكل".إنه بكلمات أخرى ليس ذلك المخترع للأشكال الحرة، بل العكس إنه يستخدم الشكل كشبكة، يتصيّد، ويأسر التجربة جميعها ويحدد "لوتشي"
ذلك بقوله: " نحن الشعراء نصارع اللاوجود لنجبرهُ على أن يمنح وجوداً ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقى، إنك كشاعر تأسر المساحات التي لا حد لها في قدم مربع من الورق". بالنسبة للموسوي القصيدة لا تولد من فراغ أو من حسن النوايا ، إنها معاناة خاصة تجمع طَرفَي التأمل والشكل، أي تفريغ رؤيا الشاعر في شكل، إنها الإنسان بكل تجلياته، ومعه الأشياء جميعها لكن داخل شكل محدد.
*
ثمة بعض المهيمنات تلقي بثقلها على ديوانه "كوابيس انكيدو" ومنها علاقات المرثي - الراثي ، وتوجه المرثية يقع بين ثناياها، ، فالمرثي ، غالباً ما يُقصى خارجاً ، ليكون الراثي (المهيمنة). " الموسوي" تلبس شخصية (انكيدو) عنواناً ومدخلاً، فالمرثي انكيدو يعادل - الموسوي- والنص - كوابيس انكيدو- هو في النهاية نص - الموسوي- ذاته ، و شخصيات النص رمزية وغالباً ما تستبدل. الموسوي ابدي قدرة على الذهاب نحو التماهي في رثاء ذاته من خلال رثاء الآخر ببلاغة وقدرات موهبته الشعرية:
"حين انحنيت اقبل وجنتيكِ الباردتين
تلك الليلة شممت رائحة الحليب الأول،
بشفتيّ المبللتين بالدمع،
كنتِ نائمة كسراج مطفأ
ويداكِ مكبلتين بالسكون
وجسدكِ هادئاً
كسنبلة قطعت وألقيت فوق التراب
التراب الذي صار سر يدكِ".
نلاحظ أن الشاعر" الموسوي" هنا ينشيء نصاً يحاول فيه تلمس محنة الميت - الشاعر ذاته - والذي ما زال حياً ، و يعمد إلى افتراض نفسه في نصه الذي تهيمن عليه رؤى الغياب ، وعبره يدخل ذلك العالم الغامض ، وهو يتأسى على نفسه مع وصية لا تتحقق :
حين أمضي
إلى جدثي صامتاً
عارياً
غير هذي الثيابْ
اتركي في الترابْ
عند قبري
قرنفلةً
وقميصَ الصبا
إنْ أذنتِ
وبعضَ نبيذ شفيف
وهذا الكتاب
**
يفتتح " الموسوي" مجموعته الشعرية "دموع الأرض" بيوميات الربيع الدامي مستعيراُ فيها ما ذكره هنري مللير:"الحرب هي شكل من أشكال الجنون، سواءُ أكانت أهدافها نبيلة أم منحطة. والقتال ليس سوى فعل يدل على اليأس لا القوة ". لذا فـهو يلعنُ شعرياً الحربَ..الحربَ التي تخّرب الأوطان والمدن والإنسان وقيمه وذاكرته وروحه:
رؤوس تطوّح حاسرةً،
ودماءٌ
ت..
س..
ي..
لْ !.
أما عن ما يرافق الحروب من بربرية وانتهاكات ،عبر التاريخ ، وفي كل مكان وزمان، فيرى:
في هدأة الليل
تأتيني أصوات العويل البشري:
أصوات المذابح التاريخية كلّها
أصوات الجماجمِ
والأكف
والأرجل..
أصوات الموتى.
(مجيد الموسوي) من الشعراء العراقيين الذين يواجهون الواقع الضاري والعالم وبربريته برومانسية، تلك الرومانسية الخلابة المفتقدة حالياً ،وعبر الـ (أنا) الخلاقة وغير منغلقة على ذاتها بغنائية مترفة:
هكذا
مثلما قد
ترى خفتَ اللحنُ في فم هذا الفتى..
واستحالت قصائده حجرا..
....
كاد يتبّع الطير
وهو يغادر مكمنه الحرّ
لكنه دونما سبب واضحٍ
رجع القهقرى.
ثمة ميل في توجه " الموسوي" إلى رصد الواقع وضراوته وإصرار على عدم التصالح معه، من خلال تساؤلات، وتقلبات ذاتية، إنه يواجه العالم الصلد ،والراهن الفظ ، بالشعر والذي يتميز غالباً بالبحث والتأمل والأسئلة التي لا جواب لها:
لماذا
توجست، حين دخلتُ المدينة،
من شجرٍ غائم
وعيون
تراود
خطوي ونهر بلون الرماد!؟.
مفتتح القصيدة يستدعي قصيدة" البحث عن خان أيوب" لـسعدي يوسف، لكنها تشق لها طريقاً آخر، لا يلتقيِ بتلك القصيدة. و يفترق عنها بالموضوع وبخصوصية التوجهات:
لماذا رأيت ُ الحدائق والشرفات الخفيضة
والطرقات التي كنت اعرفها
والمنائرَ والعشب
قد وشحت بالسواد
لماذا!.
ثمة نبرة خاصة للحلم والشفافية جعلت رؤيته تتجه صوب التأمل والتفكر ومعايشة الخيال فـهو ينفذ إلى الوجود الإنساني عبر نصوصه الشعرية وغنائيته روحياً، وبوحه وحنانه المُفتقد، في ما نقرأ الآن من شعر، أو نسمعه من على المنابر:
"أترى:
كلما اقترب الوعدُ
واختلج النجمُ
ساوره الوهمُ ثانيةً
فاكتفى بوساوسه سفناً
ومضى
مبحرا.."!.(يتبع)




#جاسم_العايف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث كلمات
- على تخوم البرية.. يجمع لها الكمأ
- -إن في نفسي شيئاً لن تستطيعوا قتله أبداً...-- بيشوب
- الأحزاب الإسلامية والاستثمار السياسي للدين
- في ذكرى الباحث والكاتب.. خليل المياح
- اغتيال شارع
- هواجس الولد البلوري
- عن عاصفة 8 شباط الدموية
- فن ال (مايم- بانتوميم) و:..الصمت.. أنهُ الصمت
- اتحاد أدباء وكتاب البصرة يحتفي ب(سحر القراءة) للكاتب جاسم ال ...
- عضو البرلمان العراقي:.. تبعية أم استقلال..؟!
- فضاءات مهدي محمد علي النثرية - الشعرية / القسم الثاني
- فضاءات مهدي محمد علي النثرية - الشعرية (1 - 2 )*
- القراءة بسحرها
- الكتبُ :.. وسحرها
- يوم صناع الحياة..بناة المستقبل
- -نجم آخر هناك-:.. والمباغتات الدائمة
- شارع المتنبي.. ذاكرة مغتالة
- حكايات الفراشات وحريرها
- طفل البستان: رؤى وأخيلة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - الشاعر : مجيد الموسوي .. رثاء الذات عبرَ الآخر(1 -2 )