أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الأشواق التي لا تكتمل














المزيد.....

الأشواق التي لا تكتمل


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5960 - 2018 / 8 / 11 - 01:49
المحور: الادب والفن
    


للروائي الألماني توماس مان عبارة في روايته " الموت في فينسيا" - الصادرة عام 1913- مفادها أن الشوق نتاج المعرفة الناقصة. فهل تكبر الأحلام والأشواق من أو بسبب نقص المعرفة؟ وهل أن أشواق الإنسان إلي العدل والحرية والحب والكرامة قائمة على أن معرفتنا بما نصبو إليه ناقصة؟ فإذا ما اكتملت معرفتنا بموضوع أحلامنا –ذوت أشواقنا؟!. ذكرتني عبارة توماس مان بقصة حكاها لي والدي عن أنه وهو مازال تلميذا في المنصورة وقع في غرام فتاة ، كان يلمح رأسها خلف ستار شباك يوميا أثناء ذهابه إلي المدرسة وعودته منها . قال إنه تعلق بتلك الفتاة وتغزل فيها بأجمل قصائده المبكرة إلي أن اكتشف أنها قلة فخارية ثابتة في صحن فوق إفريز الشباك، وكان يهييء له من ارتجاف الستار في الهواء أن الفتاة تحرك له رأسها وتتابعه ببصرها! علقت الحكاية بذهني خاصة حين قرأت فيما بعد قصة ليوسف إدريس بالمعنى ذاته عن شخص في زنزانة ملاصقة لحائط سجن النساء وتخيل أن على الناحية الأخرى من جدار زنزانته امرأة تطرق الجدار تواصلا معه، إلي أن يتضح أن سجن النساء لا يقع على الناحية الأخرى! إذن فالمعرفة التي لم تكتمل هي التي تؤجج الأشواق، فصارت القلة عند والدي معشوقة القلب؟ وصار التمني عند المسجون امرأة تخاطبه؟. شيء كهذا يحدث لنا حين تبدو لنا نظريات التغيير السياسي طريقا إلي الفردوس الأرضي، ثم نتبين أن الغرام، وأن الولع بالثورة، وهم وراء ستار شفاف أضفينا عليه كل جماله من نقص المعرفة؟! ومن الشوق إلي المستحيل؟. أذكر أنني حين سافرت للاتحاد السوفيتي كتبت في أولى رسائلي من هناك إلي صديق مقرب:" تصلك رسالتي من زمن آخر، من المستقبل". كنت أتخيل أنني بلغت المستقبل الذي ستمضي إليه البشرية! وبمرور الوقت تكشفت الأوضاع هناك عن شيء يختلف عن اللوحة التي رسمها الشوق والتمني معتمدا على المعرفة الناقصة. ومنذ نحو خمسين عاما كان والدي يهون على نفسه ويخاطبني بقوله : لم ير جيلنا شيئا من أحلامه تتحقق ، لكن جيلك أنت سيرى العدل والكرامة والمساواة بدون شك ". إلا أن جيلي لم ير شيئا من ذلك. والآن لا أجد في نفسي الشجاعة الكافية لأهون على نفسي وأقول لابنتي: " لكنك أنت سترين كل هذا". أسأل روحي : هل كانت الأشواق العظيمة ثمرة معرفة عظيمة ناقصة؟ وهل أن اكتمال المعرفة هو النقطة التي يبدأ عندها الشوق في النقصان؟
في حياة كل منا " قلة" على إفريز شباك، قد تكون حزبا سياسيا، وقد تكون امرأة، وقد تكون ولدا يعقد عليه كل آماله، وقد تكون صديقا ، وقد تكون وهم الكتابة، أو القيام بدور بارز. ونحن نمنح تلك الأحلام أجمل أوقاتنا ، وأقصى طاقاتنا ، ونحيا على أن كل ذلك أو بعضه هو النور الذي نقاتل من أجله، ثم نكتشف أن شيئا لم يتحقق، ونكتشف أيضا أن في الأحلام شيئا آخر، كالبذرة التي تظل تنمو، وتتمدد مثل الضوء الذي يتخطى كل الحواجز. وهكذا نعرف أن الأحلام كلما تجسدت في هيئة محددة تجاوزتها إلي صورة أرقى، وأن القلب الذي خفق من أجل قلة وراء نافذة هو وحده القلب القادر على الاستمرار والبحث. لقد طوى الإنسان قلبه آلاف السنوات على حلمه بأن يكون طائرا مرفرفا ، يفرد جناحيه على العالم ، وكم مرة يتبين له أن حلمه هذا وهم ، إلي أن تراكمت لديه المعرفة فتمكن من التحليق بأجنحة فولاذية إلي أبعد نقطة في الفضاء . وليس المغزى الرئيسي من قصة القلة أننا كثيرا ما نقع في عشق الأوهام ، لكن المغزى الرئيسي أننا نقع في العشق . ليس مهما أن تتحطم نظريات التغيير السياسية ، المهم أننا مازلنا نريد التغيير ، فإذا تحطم الأصدقاء والأحبة ، وتكشفوا عن أوهام ، فإن الطريق الوحيد لاكتساب الأصدقاء والأحبة هو المزيد من الإيمان بأن العالم ممتلئ بالأصدقاء والكتاب والسياسيين وبالكثيرين ممن تنطوي جوانحهم على الشعر والأمل. والأفضل أن تعاقبنا الحياة بقولها : " كنتم واهمين" عن أن تعاقبنا بقولها: " لقد عشتم حياتكم بنفوس جرداء قاحلة، بلا عشق، ولا تمني" .
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائرات الورقية والدولة اليهودية
- ثلاثمائة مثقف مصري وعربي يؤكدون : الأوبرا تنهب إبداع الخميسي ...
- نابليون بونابرت معلقا رياضيا !
- أحمد عبد الله زعيم الطلبة .. النغمة المفقودة
- رمضان في طفولتي
- البرادعي لا يفيد ولا يخلو من السياسة
- دار الأوبرا المصرية تنهب إبداع الخميسي ! فضيحة !!
- أمسية في محبة إبراهيم فتحي
- الإبداع ومواسم الخداع
- بيان من المثقفين والأحزاب المصرية تضامنأ مع الشعب السوداني
- صبري موسى .. الكاتب المعروف المجهول
- سلام لسعد الدين إبراهيم وموشى دايان
- عهد الطفولة .. اخرجوا من فلسطين !
- ترامب.. من إبادة الهنود إلي إبادة العرب
- مقتل بائع الكتب .. موت المثقف
- من المنفلوطي إلي يوجين نيدا
- مائة عام على ثورة أكتوبر
- مذيعات التلفزيون .. قمر يا ست !
- إلى متى يُقتل الأقباط ؟
- حرب أكتوبر .. ذكريات للإبداع


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الأشواق التي لا تكتمل