أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي















المزيد.....

تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1462 - 2006 / 2 / 15 - 11:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد يمكن صوْغ السجال بين عرب ومسلمين من جهة، ودانمركيين وأوربيين من جهة أخرى، بصدد رسوم تنال من نبي الإسلام، في صورة تساؤل عن العلاقة بين المقدس وحرية التعبير: إلى أي مدى يمكن الاحتجاج بحرية التعبير للمساس بمقدسات دون أن نجازف بردود فعل تمس حرية التعبير ذاتها كقيمة عالمية؟ وهل يمكن التذرع بالمقدس وحرمته لتقييد حرية التعبير، دون أن نثير شيئا فشيئا سخطا ضد المقدس وتدنيسا له؟ غير أن المقاربة المهيمنة هذه، وكل مقاربة متمحورة حول القيم، تخفق في رؤية الجوهري في السجال الحالي، أعني بعده المؤسسي، أو الأطر الفكرية والسياسية التي يجري ضمنها السجال، دون أن تكون هي ذاتها موضع تفكر ومساءلة.
بدايةً، لا يتواجه المقدس وحرية التعبير وجها لوجه، بل تتوسط بينهما هياكل سلطة مندرجة في سياقات محلية ودولية بالغة التعيين، ونظم اجتماعية حاملة لذاكرة وثقافة وعلاقات سلطة عالمية، ويسبح هذا وذاك في شرط عالمي وتاريخي يطلق عليه البعض اسم "صراع الحضارات"، وآخرون اسم "الحرب ضد الإرهاب"، وثالثون اسم استهداف الإسلام أو التآمر على العرب، وما إلى ذلك. لم يخرج السوريون إلى شوارع عاصمة بلدهم ليحرقوا سفارتين ونيف إلا في سياق ملموس جدا، يتواطأ مع خروجهم أو يشجعه، وفي أقل الإيمان، يرتب عليه انعكاسات محدودة، أدنى من تلك التي يواجه به اعتصام من أجل الحريات، أو للتضامن مع منتدى مغلق أو مع معتقل سياسي. وليست الرسوم ذاتها بريئة عن سياق مؤسسي، سياسي وثقافي، محاب. وقد أمكن لعرب وأوربيين أن يشيروا بسهولة إلى أن شحنة الاستهزاء التي حملتها الرسوم غير ممكنة ضد الهولوكوست مثلا.
لا نقول أبدا إن السياق أنتج الأزمة، ما نقوله إن الأزمة استفادت من سياق مناسب لها. الرسامون والصحيفة كانوا يمارسون حريتهم، والمسلمون كانوا يحتجون على الاعتداء على حرمة دينهم ونبيهم. لكن الوقوف هنا لا يمكن من معالجة الأزمة المتفجرة. ذلك أن الدلالة الأهم للأزمة، في تقديرنا، هي عدم كفاية الأطر القومية والقيمية الراهنة لمناقشة صراعات "حضارية" تزداد حدة وانتشارا.
إن حدثا وقع في الدانمرك، وأثار أزمة في جاكرتا ودمشق وبيروت وإسلام آباد، إنما يعلن عالمية المشكلات السياسة والثقافية، ويبرز الحاجة إلى أطر عالمية لمقاربتها ومعالجتها واقتراح الحلول لها. لا يستطيع الدانمركي أن يكتفي بالقول إنه يمارس حرية التعبير التي لا تتناقض مع قوانين بلده، دون أن يبالي بالحصائل المحتملة لأعماله. من الحصائل أن تضررت مصالح بلده ذاته. ومن الحصائل التي قد لا تخطر بباله أنه أضعف قضية حرية التعبير في بلاد المسلمين، ووفر فرصة ممتازة لحكومات فاسدة وخبيثة كي تجيش رعاياها ضد من ينتهكون مقدساته، وتصرف نظرهم عن طغيانها وبؤسهم، بل وحتى كي تقول للغرب المسيطر إن هؤلاء الغوغاء لا يجوز أن ينالوا الحرية، وإلا أحرقوا سفارات ونشروا فوضى كاسحة.
لا يمكن للرسام الدانمركي أن يكون غير مبال بحصائل عمله هذه، أو أن يكتفي بوصم ردود الفعل الإسلامية بالرجعية، على نهج صحيفة "لوسوار" الفرنسية، أو اتخاذ موقف بطولي حيال "التهديد الإسلامي لحرية التعبير"، على ما تبرع بقوله رئيس تحرير صحيفة "مغازيت" السويدية في 10 كانون الثاني المنقضي، قبل أن يسند بطولته إلى مبدأ ينص على أن "الحرية مهددة من قبل دين معروف باستخدامه للعنف"، الإسلام.
إن الدانمركي الذي يعتصم بقوانين بلده، رافضا أخذ مواقف محتجين مسلمين باعتباره، يجازف بأن يجعل من قوانين بلده مقدسة لا تمس. وهذا موقف "رجعي" بالفعل لأنه يتمسك بأطر قومية ضيقة، لم تعد تناسب طرح أو فهم أو معالجة مشكلات تتعولم أكثر وأكثر كل يوم. بالمناسبة، تقول المادة 140 من الدستور الدانمركي: "الذي يقوم بالسخرية العلنية أو يدنس في هذه البلاد معتقدا لجماعة دينية شرعية أو معتقدا إلهيا, يعاقب بالغرامة أو بالحبس لمد أربعة أشهر"؛ (استفدت مادة معلوماتية مهمة لهذه المقالة من مقالة لسلام عبود بعنوان "الرابحون والخاسرون في معركة حرية التعبير - حول نشر صور الرسول محمد: الجذور، الأسباب، النتائج"، نشرت في موقع "الحوار المتمدن"، 8 شباط، 2006). ثم إن تمترس كل واحد منا وراء مقدساته لا يبشر بغير حرب أهلية عالمية، ستكون مزيجا من حرب أهلية داخل مجتمعات كثيرة، ومن حرب عالمية بين المجتمعات. وخلافا لما هو مضمر في نظرية "صراع الحضارات"، تجنح مجتمعات الغرب اليوم نحو مشابهة مجتمعاتنا الشرقية من حيث كونها متعددة الأديان والأعراق، ما سينعكس على نظمها السياسة والاجتماعية والقانونية، وما سيقتضي، وإن بعد حين، نماذج جديدة للديمقراطية والعلمانية. فكل مجتمعات الغرب متعددة الأديان والهويات اليوم، فيها مسلمون ومسيحيون، وفيها وطنيون ومهاجرون، وفيها "غرب" و"شرق" متلاقيان ومتشابكان تشابكا قدريا لا انفصام له. يدفع الغرب ثمن رخائه وهيمنته العالمية اختلاطا وتعددا وهجنة. ولا يستطيع أن ينسب لنفسه صفة عالمية دون أن يكون عالما كاملا، أي دون أن يكف عن كونه محض محلة ممتازة على هذا الكوكب. مسار الاختلاط والتعولم هذا غير قابل للعكس دون عنف لا ضفاف له، يمزج بين المحرقة وبين الحرب العالمية.
لا يستطيع الأوربي أيضا أن يرى السياق المؤسسي المؤاتي للاحتجاجات العنيفة في سوريا وإيران ولبنان، ويتجاهل السياق المؤسسي المؤاتي بدوره، في الدانمرك والغرب، للاستهانة بالمسلمين ودينهم ومقدساتهم. هذه نظرة حولاء لا يبدو أن حكومات الغرب قادرة على الشفاء منها.
بالمقابل لا يستطيع المسلم السوري أو اللبناني.. أن يكون غير معني بنتائج أفعاله، لا يمكنه أن يحتج على جهات في الدانمرك وأوربا بينما هو يرفض منطق العالمية، ويرفض تحمل مسؤولية معنوية عن أفعال من شاكلة 11 أيلول وتفجيرات مدريد ولندن الإرهابية. وليس في وسع المسلم أن يحتج على تحقير مقدساته على أرضية نظرة تعتبر الغرب كافرا، والنيل منه مباحا، بل مرغوبا. هذه الإيديولوجية "القاعدية"، والمبادرة إلى إحراق سفارات أو الاعتداء على كنيسة تمنح شرعية كاملة، بمفعول رجعي، لرسوم الصحيفة الدانمركية. فكي يكون الاحتجاج مؤثرا، يتعين ألا يمس مقدسات الآخرين الدينية أو رموزهم الوطنية أو مصالحهم الجوهرية.
لا يستطيع المسلم كذلك أن يوسع دائرة المقدس بصورة اعتباطية، وأن يعتبر كل نقد للشأن الإسلامي اعتداء على حرمة دينه. لم تكن رسوم "ويلاند بوستن" من هذا الطراز الأخير، أعني محض نقد لشأن إسلامي ما، لكن لا ريب أن الوجدان الإسلامي يزداد حساسية وسهولة تأذٍ حيال أفعال متنوعة، لا يمس كثير منها حرمة المقدس، ولا يصدر عن نية استهزاء به. فكأن المسلمين، بتوسيع دائرة المقدس، يحاولون حيازة حصانة وحرمة لم يمكنهم نيلهما، دولا ومجتمعات، بأدوات القوة والمعرفة والسياسة والثروة. ثم إن الحساسية الإسلامية تأخذ أشكالا لا تساعد على تفهمها والتعاطف معها، من الصنف الذي شهده العالم في دمشق وبيروت. والحساسية الإسلامية، فوق ذلك، تبدو لا مبالية بالحصائل المحتملة لأفعال مسلمين على المجتمعات الغربية ذاتها، أعني تغذية التيارات الأكثر يمينية وعنصرية، وإكسابها قطاعات أوسع من مجتمعاتها. لقد ارتفعت شعبية الحزب الدانمركي المعادي للمهاجرين والمسلمين، "حزب الشعب الدانمركي"، من 12,1% إلى 14,2% خلال شهر واحد، على إثر الاحتجاجات الإسلامية العنيفة. هنا أيضا لا يستطيع مسلمون أن يعتصموا وراء المقدس لتسويغ اللامبالاة بنتائج لا ريب في اتصالها بأفعالهم.
لكن ما هو سندنا في إنكار استطاعة مسلمين وأوربيين فعل ما فعلوا؟ نفترض أنه القيم الإنسانية العامة من مساواة واحترام متبادل وكرامة متساوية وحرية وإنصاف وسلام. وهي قيم باتت تحتاج إلى هياكل عالمية جديدة، بالنظر إلى أن الهياكل الحالية أضحت معدومة الشخصية وفاقدة لاستقلالها الذاتي، وآل أمرها أدواتٍ لسلطة الأقوياء وهيمنتهم. ثمة حاجة اليوم إلى إطلاق النقاش حول نظام العولمة و"الحرب العالمية الرابعة" (أي "الحرب ضد الإرهاب"، حسب جيمس وولسي) وغسق الدولة السيدة. فكما نشأت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، وأخفقت في مهمتها، لأنها اقتصرت عمليا على تشريع السيطرة الأوربية على العالم؛ وكما نشأت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وآلت إلى انعدام الشخصية وتشريع السلطة الامبراطورية الأميركية؛ فإن هياكل عالمية جديدة، تنهض على قيم المساواة والتعدد والاحترام المتبادل، أمر ملح لقطع الطريق على الحرب الأهلية العالمية والارتداد نحو الهمجية. ولعل الفعل التدشيني لهذه الهياكل الجديدة هو إعلان انتهاء "الحرب العالمية الرابعة"، أو منع دوامها أجيالا، على ما بشرنا به دونالد رمسفيلد قبل 4 أعوام.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضد التكريس
- فلسطين وإسرائيل: اختيار شراكة مفروضة!
- صورتان لمفهوم الأمن الوطني السوري: مقاربة نقدية
- سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟
- تخطيط لمراحل العلاقة العربية الغربية بعد الحرب العالمية الثا ...
- الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...
- في أزمة الدكتاتوريات ومستقبل العمل الديمقراطي
- مغزى سياسة -شارع ضد شارع-
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي