أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - بعد الآن هل لا يزال من يشكك في المغربية الصحراء















المزيد.....



بعد الآن هل لا يزال من يشكك في المغربية الصحراء


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5519 - 2017 / 5 / 13 - 20:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن 2351 ، كان صدمة لجبهة البوليساريو ، لأنها ومن خلال البروباغاندا التي واكبت التصريحات قبل الانسحاب من الكركارات ، بربط الانسحاب بتحديد وقت زمني محدد لتنظيم الاستفتاء ، فان العديد من الملاحظين اعتقدوا أن تطور الأوضاع سيتخذ منحى أكثر خطورة ، وربما أن في عدم الانسحاب ، قد تندلع مواجهة عسكرية بين طرفي النزاع . لكن المتتبعين لمختلف التطورات ، والعارفين بحقيقة التهديدات ، وبحقيقة جبهة البوليساريو ، كانوا يدركون أن موقف الجبهة ، لا يعدو آن يكون عبارة عن نفافيخ وبالونات هوائية ، للضغط على ان يكون قرار مجلس الأمن متجاوبا مع حجم التهديدات .
لقد اتضحت الصدمة ، في البيان الذي نشرته قيادة الجبهة مباشرة بعد صدور القرار ، وفي مختلف التبريرات والحجج الواهية التي وظفتها القيادة للتغطية على هول الصدمة ، ولبعث الروح المفقودة في نفوس المحتجزين ، الذين أمطرتهم بوابل من الكذب ، قبل ان تنسحب بشكل مهين ساعة قبل صدور قرار مجلس الأمن . وهنا لن نعود للتذكير بمكامن خيبة الأمل التي عكسها بيان الجبهة ومرتجئتها ، وتبريريتها ، ونحن لم نكن نعلم ان الجبهة لم تعد ثورية ، وانه أصبح لها جماعة من المرجئة والتبريرية التي ترجئ عمل اليوم الى الغد ، وتبرر الفشل والهزيمة بتحويلهما الى نصر ، لا يوجد إلاّ في مخيلة القيادة المفصولة عن القواعد الصحراوية المحتجزة بمخيمات تندوف . ان الرجوع الى هذه المسائل من قبيل عدم توسيع صلاحيات المينورسو ، وعدم تحديد مفهوم دقيق لمصطلح الاستفتاء ... الخ ، تمت معالجته سابقا ، كما تناولته العديد من المواقع التي تعاملت مع القرار باحترافية ومهنية عالية ، لذا فإننا لن نعود إليها .
وبالرجوع الى مختلف المواقف المعبر عنها منذ أن طرح النزاع على الهيئات الدولية ، وبالضبط أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وأمام مجلس الأمن ، تخندق العديد من المتتبعين لأصل وتطور الصراع ، إلى جانب أطروحة الانفصال ، ومنهم من حاول تبرير إنكارهم لمغربي الصحراء ، بدوافع إيديولوجية ( موقف لينين من تقرير المصير ) ، ومنهم من أنكر مغربية الصحراء ، ليس لاقتناعهم بعدم مغربيتها ، بل لأن النظام نجح بسبب كرههم له ، بسبب تعرضهم لظلم من قبله ، في تكريههم في مغربية الصحراء ، معتقدين عن خطأ ، ان الإضرار بمغربية الصحراء هو إضرار بالنظام ، ومن ثم فإنهم اختزلوا الصحراء في النظام والعكس ، في حين ان قضية الصحراء المغربية ، هي قضية الشعب المغربي ، الذي عبر ما من مرة ومناسبة عن التمسك بها ، والدفاع عنها من خلال مواقف عملية ، رغم ان النظام الذي همشه في هذه القضية ، لا يلجئ أليه إلاّ عندما يحتاجه من اجل التضحية في سبيل الصحراء ، مثل الدعوة الى المسيرة ، او عدد الشهداء ، ويعدون بالآلاف استشهدوا من اجل الصحراء ، وتركوا عائلاتهم تتضور الجوع والفقر . كما لا ننسى التهييج ضد بانكيمون ، الذي أساء الى القضية الوطنية ، قبل ان يسيء الى النظام نفسه .
إذن لنطرح السؤال ، وهو موجه بالأساس لمن ينكر مغربية الصحراء من اللينينيين ، ومن يشكك فيها من المعارضين غير الماركسيين اللينينيين ، ونطرح نفس السؤال على الهيئة القيادية لجبهة البوليساريو ، التي تعتبر المغرب محتلا لأراضي الصحراء الغربية المغربية ، وأملنا ان تنير الإجابة عن السؤال ، الشباب الصحراوي الذي عايش فقط أطروحة الجبهة الانفصالية ، ولم يتسنى له الاضطلاع بحقيقة نزاع الصحراء ، وبأصل المشكل المفتعل من قبل القوى المعادية ، وبما فيها كيفية تفسير القرارات الأممية ، بما يزكي الفكر الانفصالي ، وتفنيد حجج الفكر الوحدوي ، الذي يرتبط بالصحراء ، كتاريخ ، وحجج ، وجغرافية ، وبشر ، كما يرتبط بها ، من خلال مختلف القرارات الأممية الداعمة لمغربية الصحراء .
وقبل الاسترسال في التحليل ، أؤكد هنا على أني لن أناقش أطروحة ( اللينينيين ) التي يمكن مناقشها في دراسة قادمة مستعملا اللينينية والماركسية التي بها يتحججون ، لكن سأناقش الغير اللينينيين الذين يشككون في مغربية الصحراء ، بسبب كرههم للنظام الذي نجح في تكريههم لمغربية الصحراء ، إضافة الى قيادة الجبهة ، والشباب الصحراوي الذي يجهل اي خطاب عن الصحراء ، غير الخطاب الانفصالي .
سأقسم دراستي إلى المحاور التالية :
1 ) محور القرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة .
2 ) محور جبهة البوليساريو .
3 ) محور الشعب الصحراوي .
4 ) محور الاستفتاء وتقرير المصير .
أولا محور القرار 1514 : يركز الشباب الصحراوي المغرر به ، وتبرر قيادة الجبهة مواقفها الانفصالية ، بالتركيز على القرار 1514 الصادر في سنة 1960 / 1961 ، الذي يعتبر الصحراء مناطق مشمولة بتصفية الاستعمار . أي أن حلها ، لن يخرج عن الاستفتاء ، كحل ديمقراطي لإنهاء الاحتلال .
سنتساءل هنا : من هي الدولة ، او الجهة التي كانت وراء إصدار القرار 1514 ، من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟ هل الجزائر ؟ هل جبهة البوليساريو ؟ هل الجمهورية الصحراوية ؟ هل الشعب الصحراوي المزعوم ؟ هل جنوب إفريقيا ؟ هل كوبا ؟ ... الخ .
اعتقد أن الجواب لا يحتاج إلى عناء تفكير. ان المغرب ومن خلال دعواته بالأمم المتحدة منذ 1960 ، بحل قضية الصحراء بالاستفتاء وتقرير المصير ، وهي الدعوة التي تم رفعها ومن أعلى منبر للأمم المتحدة ، في سنة 1960 ، و 1961 ، و ،1963 ، و 1966 ، و ،1967 ، و 1968 ، و 1969 ، كان هو من يقف وراء صدور القرار المذكور . والمغرب حين كان يطالب بالاستفتاء ، فلان الصحراء كانت تحتلها اسبانيا . لذا فالسؤال الذي كان سيطرح على الصحراويين يتحدد بين ، إمّا البقاء تحت الاستعمار الاسباني ، وإمّا العودة الى المغرب ، ولم يكن هناك في السؤال ، ما ينصص او يشير ، الى حل الانفصال وتأسيس دويلة بالجنوب المغربي .
إذن ، ان الاستفتاء كحق معترف به للشعوب ، من قبل الأمم المتحدة ، الغاية منه التحرير والتحرر من الاستعمار ، وهو حق كان مشروعا ، لمّا كانت اسبانيا تحتل الصحراء . لكن عندما تم استرجاع الصحراء الى المغرب ، اصحب حق الاستفتاء ، حق غير مشروع ، لأنه فقد وظيفته القانونية ، وأصبح كل من يتمسك به بعد استرجاع الصحراء الى المغرب ، يستعمله كحق يراد به باطل . وهنا فحتى لينين عندما اعترف بحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها ، فذلك لتخلصها من الاستعمار الأجنبي الذي يحتلها ، ولم يعترف لينين لهذه الشعوب بحق تقرير المصير ، للانفصال عن بلادها وشعوبها ( انظر كراس لينين " حق الأمم في تقرير مصيرها " وهو كراس كتب في مرحلة ما بين 1913 – 1916 ، لمواجهة أطروحات الطفولة اليسارية التي انزلق لها قسم من الماركسيين أمثال روزا ليكسنبورگ ، راديك ، بوخارين ، بياناكوف .. الخ ) ، ففرق كبير بين حق تقرير مصير القُرى ، والمد اشر ، والقبائل ، وبين حق تقرير مصير الأمم والشعوب . ان الخلط في فهم الماركسية واللينينية ، هو ما جعل اللينينيين يُسقطون نظريات على واقع ووضع ، لا علاقة له البتة بمضمون تحليل النظرية الماركسية ، ولا باللينينية وموقفها من تقرير المصير . ان الماركسية علم وطريقة علمية في التحليل ، وليست نصوص جامدة مثل التوراة ، او الإنجيل او القرآن ، وعليه فالماركسي الذي يتعامل مع الماركسية كنصوص لا كعلم ، لا يختلف عن الداعيشي الذي يوظف القرآن والتّيْمِيّة كنص لا كمعنى .
هكذا ومع تطور الأحداث وتسارعها ، أصبح كل شيء ممكن ومباح ، طالما انه يزعج ما يعتبرونه الخصم العدو ، من اجل إرهاقه والقضاء عليه . فهل معارضة النظام ، وأي نظام ، تستدعي التنكر للتراب ، وللوطن ، بدعوى خلق القلاقل للنظام ؟ وهل التضحية بمغربية الصحراء من اجل البؤرة الثورية ، لا يخدم في شيء الامبريالية والصهيونية التي تدمر اليوم بالشرق الأوسط دولا مثل سورية والعرق وليبيا والعراق والسودان واليمين ... الخ
وحتى نكون واضحين مع قيادة الجبهة ، ومع الشباب الصحراوي المشحون فقط بأطروحة الانفصال ، والجاهل لأصل الصراع ، ولمختلف تطوراته التاريخية ، سأطرح عليهم ، وعلى من يكره الصحراء بسبب كرهه للنظام ، السؤال التالي ، وأملنا ان يجيبوا عليه ، بتجرد ، وبدون انفعالية ، وبطريقة ديمقراطية .
السؤال هو : إذا كانت الجزائر تعارض المغرب مغربية الصحراء ، باستنادها على القرار ألأممي ، 1514 الذي صدر 1960 / 1961 ، اين كانت الجزائر في هذا التاريخ ؟ وأين كانت جبهة البوليساريو ؟ وأين كانت الجمهورية الصحراوية ؟ وأين كان الشعب الصحراوي المزعوم ؟ وأين كانت جنوب إفريقيا وكوبا ... ؟
الجزائر ، كانت لا تزال خاضعة للاستعمار الذي استعمرها لما يفوق مائة وأربعين سنة ، ولم تكن بعد دولة .
قيادة جبهة البوليساريو التي تأسست في 1973 ، كانوا لا يزالون تلاميذ بالمدارس الثانوية المغربية ، بالرباط ، والدرالبيضاء ، ومراكش ، وتزنيت ، وترودانت ، ومنهم من كان قد ولج كلية الحقوق والآداب بالربط ، وكانوا مناضلين في صفوف المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وفي صفوف الأحزاب المغربية ، من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، الى حزب التحرر والاشتراكية ، الى جماعات الحركة الماركسية ، الى حزب الاستقلال ، ولم تكن فكرة الانفصال ، تعشش في مخيلتهم وذاكرتهم المرتبطة بمغربية بالصحراء ، وهنا يمكن الرجوع الى تصريح البرزاني ، الذي التقى بالوالي بموريتانيا قبل بدأ العمل العسكري ضد الأسبان في سنة 1973 .
الجمهورية الصحراوية التي أنشأها الهواري بومدين ، ومعمر القدافي في سنة 1976 ، لم تكن موجودة ، و لا معروفة أصلا ، ولا احد كان يفكر فيها ، او في غيرها من الجمهوريات الانفصالية .
الشعب الصحراوي الذي اكتشفوه بغثة في سنة 1977 ، كانت قرارات الأمم المتحدة حتى 1974 ، تعتبره مجرد سكان ، وليسوا بشعب .
جنوب إفريقيا كانت تعيش نظام الأبارتيد ، وكوبا كانت تعيش ظروف ثورتها ، ولم يكن لها اي دخل في قضية الصحراء المغربية ، بل إنهم كانوا يساندون طلب المغرب بالأمم المتحدة ، من اجل تنظيم استفتاء يعيد الصحراء إلى بلدها الأصلي المغرب .
فعن أي جمهورية ، وأي شعب ، وأي جبهة صحراوية يتحدثون اليوم ؟ ، اللهم تزوير التاريخ بما يكرس للتجزئة وللانفصال ، خاصة وان التبريرات والحجج المقدمة من قبل المشككين ، او الرافضين لمغربية الصحراء ، باطلة ، لأنها حجج انتقامية من النظام الذي نجح في تكريههم لمغربية الصحراء ، بسبب كرههم له ، بسبب الاعتداء عليهم ظلما .
ان اسبانيا التي احتلت الصحراء ، وهي العارفة بتاريخ المنطقة ، اقترحت على الحسن الثاني في سنة 1960 ، ان تعيد للمغرب الصحراء ، مقابل ان يتنازل لها المغرب نهائيا ، عن سبتة ومليلية ، والجزر الجعفرية . لكن الحسن الثاني رفض العرض ، حتى لا يسجل كانجاز تاريخي للحكومة التي ترأسها الأستاذ عبدالله ابراهيم . لكن سنجد اسبانيا الاستعمارية تغير موقفها كليا ، وتتشبث بالصحراء ، عندما ظهر الفوسفات كثروة بالمنطقة ، ومن ثم بدأ ت تحيك ، وتدبر المؤامرات التي بلغت حدها ، عندما أرادت تنظيم استفتاء مصطنع ، لخلق دويلة من المرتزقة تكون تابعة لها .
ان تركيز قيادة الجبهة البرجوازية ، والعسكرتارية ، والمخابرات الجزائرية على القرار 1514 ، هو مجانب للصواب وللحق . ان القرار كان مشروعا طيلة الستينات ، وحتى سنة 1974 ، لأنه كان يخدم الحقوق المغربية التاريخية ، والجغرافية ، والقانونية ، والبشرية . لكن الغير المفهوم ، والذي أضحى يشكل خطرا على الحقوق المغربية ، هو استعمال هذا القرار استعمالا يناقض هدفه الأساسي ، الذي صدر من اجله ، والذي هو عودة الصحراء الى المغرب . هكذا وبعد تدخل الجزائر كطرف رئيسي في الصراع ، أصبحت تستند على هذا القرار 1514 ، في إذكاء روح الانفصال ، ومع العلم ان هذا القرار فقد بريقه وحجيته بالنسبة لمغربية الصحراء ، منذ استردادها من طرف المغرب . فاستعمال الأمم المتحدة للقرار بشكل مغلوط ، لبتر جزء من أراضي الدولة ، هو من جهة اعتداء سافر على حق شعب الدولة ، ومن جهة يبين و بالواضح ، ان الصراع هو بين الجزائر وبين المغرب ، وهو صراع هيمنة ونفوذ بالمنطقة ، ومن جهة هو تسفيه لحق الاستفتاء وتقرير المصير . لكن الذي يغذيه ، هو النفخ فيه من قبل الدول العظمى ، التي تكابد بخلق شمال إفريقيا جديد ، على غرار ، وكتكملة لمشروع الشرق الأوسط ، الذي يشطب اليوم دولا في أفق خلق كانتونات ودويلات مارقة ، ستكون طيعة في يد الامبريالية والصهيونية ، لفرملة اي عجلة للتقدم والتطور ، وتقود الى الاستقلال الحقيقي عن كل مراكز الهيمنة الدولية . ان التمسك بالقرار 1514 لتبرير انفصال إقليم عن المغرب ، هو تمسك بحق أضحى باطلا بعد استرداد المغرب لصحرائه ، ومن ثم فان الاستمرار في التشبث بهذا القرار ، هو معاكسة للوضع القانوني السليم ، الذي أصبحت عليه الصحراء منذ استرجاعها من قبل الشعب المغربي . ويكون اي موقف غير هذا الموقف السليم ، هو اعتداء سافر على الشعب المغربي المتمسك ، والمرتبط بالصحراء .
ثانيا محور جبهة البوليساريو : هنا سنناقش ظروف تأسيس الجبهة ، ومن هي الأشخاص التي وقفت وراء هذا التأسيس ؟
كل متتبع للشأن العام الوطني ، وبالأخص المتتبع لقضية الصحراء المغربية ، سيكتشف ان المغاربة الذين انشئوا الجبهة ، كانوا طلابا بالجامعات المغربية ، وكانوا مناضلين بالأحزاب الوطنية و اليسارية .
ان غيرة هؤلاء على مغربية الصحراء ، وكمثقفين يساريين وثوريين ، دفعت بهم إلى الاتصال مع (قادة وزعماء ) الأحزاب السياسية ، من عبدالله ابراهيم ، الى عبدالرحيم بوعبيد ، الى علال الفاسي ، الى ابراهام السرفاتي ، عارضين عليهم فكرة التحرك لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني ، وعودتها الى المغرب . وكطلبة يساريين وثوريين ، وكشباب ارتوى بالأفكار الثورية التحررية التي كانت سائدة آنذاك ، خاصة استلهامهم التجارب التحررية للعديد من الحركات السياسية التي كانت تحارب الاستعمار في عقر داره ، صدمتهم موافق تلك القيادات الرجعية ، حين رفضت فكرتهم التحريرية ، بدعوى ان قضية استعادت الصحراء هي من اختصاص القصر .
لكن الذي تجهله أكثرية المتتبعين للشأن العام الوطني ، ان الموقف السياسي لهؤلاء ( القادة ) ، لم يكن هو الموقف الوحيد في الساحة السياسية . إذ كان الى جانب هذا الموقف السلبي ، موقف آخر ايجابي جسدته الأطر المناضلة التي كانت تتمركز بالجزائر ، وبفرنسا ، وببلجيكا كلاجئين سياسيين . واخص بالذكر منهم الأطر التي غادرت المغرب على اثر أحداث 16 يوليو 1963 . ان أغلبية هذه الأطر ، تنتسب الى جناح المقاومة وجيش التحرير ، وينتسبون الى التجربة الراديكالية للاتحاد الوطني لقوات الشعبية .
لقد لعب هؤلاء ، دورا أساسيا في دفع المغاربة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية للمغرب ، الى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، كما هم من لعب دورا أساسيا في إقناع الهواري بومدين ، ومعمر القدافي ، بضرورة اعتماد الجبهة الثورية ، من جهة لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني ، ومن جهة لتوظيف الجبهة التي دخلت النضال المسلح ، ضد النظام الملكي لتدميره ، وتقويض أركانه لصالح النظام الجمهوري الذي كان من أولويات الأساسية عند الحركة الاتحادية الأصيلة ، اي استعمال الصحراء وتوظيفها لتحرير المغرب من النظام .
لقد لعب الفقيه محمد البصري ، ومومن الديوري ، وآيت قدور ، وبوزاليم وعبدالفتاح سباطة و آخرون ، دورا في هذا الإقناع الذي أعطى ثمرته بربط النضال من اجل التحرير الوطني ، بالنضال من اجل التحرر الديمقراطي . ففي الوقت الذي تم فيه تأسيس الجبهة في سنة 1973 ، تم فيه كذلك دخول الكوماندو المسلح في 3 مارس 1973 الى المغرب لإشعال حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد .
وللتذكير ، فانه ما ان تم انطلاق العمل المسلح ضد الأسبان في سنة 1973 ، حتى بادرت القيادة التاريخية لمنظمة 23 مارس الماركسية اللينينية ، إلى تأييد النضال التحريري بالتوازي مع النضال للتحرر السياسي ، لكن في إطار وضمن المغرب ، لا خارجه .
أدى فشل حركة 3 مارس في سنة 1973 ، المعروفة باخنيفرة مولاي بوعزة ، الى نكوص في العمل السياسي التحريري الوطني ، كما أدى الى ارتدادات خطيرة على مستوى القضية الوطنية .
وبالرجوع الى الرعيل الأول الذي انشأ جبهة البوليساريو، وبدعم وتشجيع من جناح المقاومة وجيش التحرير ، لم يكن يخطر ببال احد منهم ، فكرة الانفصال ، او تأسيس جمهورية ، او المطالبة بحق تقرير المصير عبر الأمم المتحدة غير تقرير المصير عبر حرب الشعب الطويلة الأمد . فكان الفكر الوحدوي تيمُّنا بالأفكار التي سطرتها الحركة القومية العربية ، هو المهيمن والسائد ، ولم يكن احد يناضل خارج الربط ، بين النضال التحريري للصحراء ، وبين شروط بناء الدولة العصرية ، وتقويض النظام الملكي المتعارض مع أفكار وبرنامج المشروع الإيديولوجي للبرجوازية الصغيرة .
لكن ما ان حلت سنة 1976 التي أصبحت فيها الجزائر طرفا رئيسيا في الصراع ، بفضل تحريض الصهيوني هنري كيسنجر للهوار بومدين ليكون له منفذ على المحيط الأطلسي ، حتى تغير كل شيء ، فانقلبت الجبهة من منظمة وحدوية ، الى منظمة انفصالية تخدم مخططات النظامين الليبي والجزائري ، ضمن الحرب الباردة التي كانت تحسم في الكثير من الأطراف ، بطرق تخدم احد المعسكرين المتقابلين الرأسمالي ، او الاشتراكي المنحل .
لقد خاضت الجبهة حربا بالوكالة عن الجزائر وليبيا دامت ستة عشر سنة ، ولم يوضع لها حد ، إلاّ باتفاق وقف إطلاق النار ، الموقع بين الجبهة وبين المغرب في سنة 1991 ، وهو الاتفاق الذي نشأت عنه هيئة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية " المينورسو " ، ورغم مرور أكثر من ستة وعشرين سنة خلت من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ، لم تنجح المينورسو في مهمتها السياسية بتنظيم الاستفتاء ، الذي تترك كل قرارات مجلس الأمن ، وبخاصة القرار الأخير 2351 كل الحرية في فهمه وتفسيره لأطراف النزاع . أي ان القرار لم يفرض إلزامية التقيد بشكل معين في الاستفتاء ، الذي يبقى بالنسبة للمغرب ، هو الحكم الذاتي ، ويبقى بالنسبة للجبهة والجزائر ، هو الانفصال .
فهل أخطئت جماعة البوليساريو موعدها مع التاريخ ، حين انقلبت من منظمة وحدوية اشرف على إنشاءها مغاربة ، وتوسطوا لها لتحض بالدعم من لدن الهواري بومدين ، ومعمر القدافي ، بغرض استغلال استعمالها لتقوض دعائم النظام الملكي في المغرب ، وهي نفس الخطة تبناها جيش التحرير قبل القضاء عليه في سنة 1960 بتحالف النظام الملكي ، والنظام الاسباني ، والفرنسي ، الى منظمة انفصالية ، تخدم أجندات العسكرتارية والمخابرات الجزائرية ، المعادية للوحدة الترابية للمغرب ؟ .
وهل نجحت الجبهة في تحقيق شعاراتها الانفصالية ، منذ انقلابها عن المشروع الوحدوي في سنة 1976 ، تاريخ تدخل الجزائر كطرف رئيسي في الصراع ؟
ان الجواب يعبر عنه بشكل جلي الوضع المتهرئ ، والمتفكك الذي تعيشه الجبهة منذ 1991 والى اليوم . ان القرار الأخير لمجلس الأمن 2351 ، كان تعبيرا عن الفشل ، وتعبيرا عن هول الصدمة التي أصابت القيادة البرجوازية للجبهة ، من خلال اللجوء الى التبرير ، والخلط ، وفي الأخير الاستسلام .
ان جبهة البوليساريو ، هي الابن اللاّشرعي لخيانات الطبقة السياسية المغربية المتحالفة مع الكمبرادور ، كما انه الابن اللاّشرعي لخيانات النظام ، سواء بالتآمر مع الفاشية الاسبانية ، والامبريالية الفرنسية لضرب جيش التحرير المغربي ، الذي أكمل المسير لتحرير الصحراء في مؤامرة " المكنسة " او " ايكوفيون " سنة 1960 ، او عند إبرام اتفاقية مدريد الثلاثية ، بين النظام المغربي ، والنظام الموريتاني ، والدولة الاستعمارية الاسبانية ، حيث تم تقسيم الصحراء كغنيمة احتفظ فيها النظام بالساقية الحمراء ، واحتفظت موريتانيا بوادي الذهب . اما اسبانيا التي أعطتها الاتفاقية حصتها من الفوسفات والسمك ، فرغم انها من الموقعين الأساسيين عليها ، فهي لا تعترف بها ، لأنها غير منشورة بجريدتها الرسمية ، كما أنها لا تعترف للمغرب بالسيادة وتعترف له فقط بالإدارة ، الى حين تنظيم استفتاء لتحديد السيادة وجنسية الإقليم ، هذا دون ان ننسى مؤتمر نواديبو الذي كان يخطط لتقسيم الصحراء ، بين موريتانيا ، والمغرب والجزائر التي كانت ستظفر بممرّ نحو المحيط الأطلسي .
ان القول بثورية جبهة البوليساريو ضد النظام الدكتاتوري ، وان القول بأنها منظمة اشتراكية تعادي النظام الرأسمالي والإقطاعي المغربي ، هو ادعاء مغلوط ، ولا يعكس حقيقة الجبهة كمنظمة ، بعد ان كانت مغربية قبل 1973 ، تحولت بعد 1976 ، الى منظمة انفصالية تخدم أجندات جزائرية وامبريالية ، لا علاقة لها بما تدعيه من شعارات ، فقدت بريقها بأفول الحرب الباردة ، من قبيل تقرير المصير ، الجمهورية الاشتراكية ، الشعب العربي الصحراوي .
ان التحليل العلمي ، وكل تجارب حركات التحرر الوطني ، علمتنا ألاّ ننخدع بالشعارات الكاذبة ، لمجرد أنها ترفع السلاح ضد العدو الطبقي ، او أنها تدعي الفكر الاشتراكي التحرري . ان التحليل العلمي يعلمنا ، ان الحكم على الأفراد والمنظمات ، لا ينبغي ان يكون بالأفكار التي يُروجون لها ، بل أن نحكم عليهم ، بالشروط المادية لوجودهم . فكثير من الأمثلة التاريخية لمنظمات عديدة ، أبانت لنا ، أنها كانت في صلبها ، ردة فعل رجعية ، او يمينية ، رغم مظهرها التقدمي ، سواء على الصعيد الطبقي او الوطني .
ولنا في تجربة الصراع الطبقي بحزب البوند الروسي ، أوضح مثال عن هذه الحقيقة. لقد اعتمد هذا الحزب الماركسية منهجا له ، وكان من روافد الحركة الاشتراكية الديمقراطية المعادية للقيصرية ، والمناضلة من اجل الاشتراكية ، وسيادة الطبقة العاملة .
لكن حزب البوند ، اعتمد أساسا ، اضطهاد الطبقة العاملة اليهودية ، ليجعل منه منطلقا ، في ان يكون حزبا خاصا بالعمال اليهود ، فكان بالتالي حزبا رجعيا ، لأنه يقسم وحدة الطبقة العاملة ، ويريد ان يرجع بها إلى الوراء ، ولأنه عزل بعض الأوضاع التاريخية لفئة العمال اليهود ، عن مجموع الأوضاع التاريخية لاضطهاد الطبقة العاملة الروسية ، رغم ما يميز فئة العمال اليهود من اضطهاد مزدوج كعمال أولا ، وكيهود ثانيا .
وفي التاريخ المعاصر كذلك ، قد لا نبتعد كثيرا في عمق التاريخ ، لان قضية كابيندا ، هذا الجزء من الوطن الأنغولي الذي أرادت له الامبريالية الانفصال باسم جبهة تحرير كابيندا ، وحق الشعب الكابيندي في تقرير المصير ، مثالا ساطعا عن المؤامرات الامبريالية لتقسيم الدول والشعوب . ورغم ان المثال الكابيندي يختلف عن قضية الصحراء المغربية ، لان كابيندا على الأقل تحتوي على سمات قومية خاصة ، وأنها منفصلة جغرافيا عن أنغولا . كما لنا مثالا ساطعا عن الجبهة الشعبية لتحرير السودان الجنوبي ، في حين ان السبب ، هو إسلامية الشمال ، مقابل مسيحية الجنوب ، فكان لزاما على القوى الامبريالية من تدعيم فصل الشطر الجنوبي عن الشمالي ، باسم الشعب ، وباسم حق تقرير المصير . فهل كلما رغبت القوى الامبريالية باسم الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ، بتقسيم المقسم ، وبفصل الدول عن بعضها وشعوبها ، إلاّ ويجب الخضوع لقراراتها العدوانية ؟ شيء مستحيل قبوله او تقبله ، لان قضية الوحدة الترابية للمغرب ، هي قضية شعب ، وليست قضية نظام ، او مجتمع دولي ، او قضية جيران ، أصابهم الله بمرض الطاعون الملعون ، الذي شفاءه من عدمه ، لا يكون إلاّ وقد انفصلت الصحراء عن المغرب .
وخلاصة القول ، ان حكمنا على اية حركة ، يجب ان ينطلق من الشروط المادية لوجودها ، لا من أفكارها عن نفسها ، وان معارضتها لعدو طبقي مشترك في مرحلة تاريخية معينة ، لا يعني بالضرورة أنها قوة تقدمية ، و ثورية ، و ديمقراطية ، وان فعلها وممارستها يستحقان المساعدة والدعم .
ان شعارات جبهة البوليساريو من تقرير المصير ، حرب الشعب ، الشعب الصحراوي ، الجمهورية الصحراوية ، الديمقراطية الاشتراكية ، ،هي أكاذيب تغلف حقيقتها الحقيقية كمنظمة خارجة عن القانون ، أنها الوليد اللاّشرعي لتطور التناقض الوطني والطبقي .
اليوم 10 مايو 2017 ، تكون قد مرت على تأسيس جبهة البوليساريو ، أربعة وأربعين سنة خلت . وخلال هذه الفترة أنتقلب الجبهة من منظمة مغربية ، أسسها مناضلون مغاربة ينتمون الى المقاومة وجيش التحرير في 10 مايو 1973 ، الى منظمة انفصالية ، بعد ان دخلت الجزائر كطرف رئيسي في الصراع ، في أواخر سنة 1976 . وطيلة هذه المرحلة انتقلت الجبهة من انفصاليين يخوضون حرب انفصال عن المغرب ، ودامت الحرب ستة عشر سنة ، الى جبهة أسست لمليشيات ، سمتها جيشا منذ التوقيع على وقف إطلاق النار ، بينهم وبين المغرب وتحت إشراف الأمم المتحدة . ومنذ ذاك التاريخ ، تاريخ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ، تكون قد مرت ستة وعشرين سنة ، والجبهة وجيشها يعيشون حالة لا حرب ولا سلام ، والسبب تكبيلهم باتفاق وقف إطلاق النار الملزم للطرفين المتصارعين . ومن خلال تحليل كل المعطيات السياسية المتجمعة منذ 1991 ، نستطيع الحكم ، ان جبهة البوليساريو الانفصالية ، قد تم تجريدها من شعاراتها ( الثورية ) الداعية الى الحرب ، لصالح شعارات تركز على النضال الدبلوماسي ، وعلى ميدان حقوق الإنسان ، وهو ما يعني ان الجبهة تحولت الى منظمة سياسية تمارس الثرثرة من اجل الثرثرة ، لخط الأوراق المكشوفة ، وللنفخ في بالونات هوائية كلما كان مجلس الأمن بصدد بحث نزاع الصحراء منذ 1975 ، حتى تأتي قرارات المجلس مستجيبة للشعارات البالونات الهوائية للجبهة . لكن لنا ان نتساءل لماذا لا تزال العديد من المنظمات السياسية اليسارية والشبه اليسارية في أوربة ، والعالم تؤيد الجبهة في كل تصوراتها الانفصالية ؟
ان الشروط التي أدت إلى انقلاب الجبهة ، من منظمة مغربية تحارب لإرجاع الصحراء الى المغرب ، الى منظمة انفصالية تسعى لتأسيس دويلة قزمية بالجنوب المغربي ، ومساندة كل أحزاب قوى اليسار لها ، بعد ان أسبغت كل مواقفها الحر بائية بالبريق التقدمي ، وأعطتها شهرة رخيصة وسريعة ، نجملها كالآتي :
1 ) طبيعة النظام الرجعي ، وخاصة خيانته السابقة لمهمة استكمال وحدة الوطن وتحرير الصحراء المغربية . لقد وقف الحكم الرجعي وبتحالف مباشر مع الفاشية الاسبانية والامبريالية الفرنسية ضد جيش التحرير وضد تحرير الصحراء في خيانة ( المكنسة ) المسماة ( ايكوفيون ) . ولم يحرك ساكنا إلاّ بعد ان ظهرت له مصالح مباشرة في المنطقة مرتبطة بالحفاظ على عرشه من جهة ، ومن جهة بعد ان أدرك انه لا يستطيع أمام مبادرات الامبريالية ، والفاشية الفرنسية الاسبانية في فرض دويلة في المنطقة ان يتمادى في صمته ، وهو الذي يعيش مرحلة التأزم المطلق اقتصاديا وسياسيا ، ويعجز راهنا ، رغم كل الشروط الايجابية ، عن استكمال وحدة الوطن بسبة ومليلية ، لخوفه من الجماهير ، ومن الجيش اللذين لا بد ان تؤدي هذه المعركة ، الى تحريكهما بشكل من الأشكال .
2 ) عجز القوى الوطنية ، والتقدمية ، والديمقراطية ، والثورية عن استدراك الوضع ، وتحمل مسؤولياتها المباشرة في تعبئة الجماهير المغربية في الصحراء ، رغم انها لم تتخل يوما ما ،عن الدعوة والمطالبة بتحرير الصحراء ، وسبتة ومليلية ، والجزر الجعفرية .
ان هذا العجز ، يرجع الى أسباب موضوعية وذاتية ، منها العمل في إطار إمكانيات النظام ومحدوديته ، ومنها تراجع القوى الذاتية الجماهيرية لهذه القوى منذ العشرية الأولى من الألفية الثالثة .
3 ) تناقضات المصالح الدولية في المنطقة ، وتناقضات دول المنطقة فيما بينها ، وضعف الحكم وعزلته الدولية أمام هذه التناقضات .
4 ) انعزال نضال الجماهير الصحراوية المغربية لمدة ليست بالقصيرة في مواجهة استغلال واضطهاد الفاشية الاسبانية ، إلاّ بعد تأسيس الجبهة الشعبية في 10 مايو 1973 كمنظمة مغربية ، وانقلابها من منظمة وحدوية ، الى منظمة انفصالية في أواخر سنة 1976 ، بعد تدخل الجزائر الرئيسي في النزاع المفتعل بالمنطقة .
ان هذه العوامل بمجموعها ، حيث ان طبيعة الحكم وخياناته ( ضرب جيش التحرير في سنة 1960 ، بالتحالف مع الفاشية الاسبانية ،والامبريالية الفرنسية ، وتوقيع اتفاقية مدريد التي قسمت الصحراء بين المغرب وموريتانيا ) ، والمواقف المتناقضة عند معالجته القضية الوطنية منذ 1975 ، هي التي أفسحت المجال واسعا لبروز هذه الردة الانفصالية ، وهي التي سمحت للأقلية الصحراوية المثقفة ، ان تستغل الظرف التاريخي ، لتركب طموحات الجماهير الصحراوية في التحرر ، ولتحقق هي طموحاتها الطبقية ، من وراء جمهورية تندوف التي أسسها الهواري بومدين ، ومعمر القدافي .
ثالثا محور الشعب الصحراوي : اكتشاف آخر ساعة : هنا اطرح السؤال على القيادة البرجوازية لجبهة البوليساريو ، ومنه إن استطاعت ، وملكت الجرأة على الإجابة ، ستكون الإجابة تنويرا للأجيال التي نشأت على سماع بوق واحد ، هو بوق الانفصال . كما نوجه السؤال للمغاربة الذين ينكرون مغربية الصحراء ، ليس بسبب اقتناعهم بعدم مغربيتها ، بل إنهم ينكرون مغربية الصحراء نكاية في النظام ، معتقدين ان في موقف كهذا ، يوجهون ضربتهم للنظام ، كنظام طبقي ، وعدواني ، وقمعي . وهو نفس التحجج لقيادة الجبهة التي بررت مواقف الانفصال ، برفض العيش ، والخضوع للدكتاتورية ، والعبودية ، والتعلق بالحرية ، والاشتراكية .
ولنا ان نسأل هؤلاء : منذ متى ظهر ما يسمى بالشعب الصحراوي ؟ هل ظهر خلال الستينات وكل قرارات الجمعية العامة تعتبرهم مجرد سكان ؟ هل ظهر في سنة 1975 تاريخ بدأ الصراع مع الجزائر ؟ هل ظهر بشكل متوازن مع تأسيس جبهة البوليساريو في سنة 1973 ؟
ثم كيف نفهم ان الجبهة أسسها مغاربة في 10 مايو 1973 ، ورغم تأسيس الهواري بومدين ، ومعمر القدافي لجمهورية تندوف في أواخر سنة 1976 ، لم يكن هناك شيء يسمى الشعب الصحراوي ، ولماذا انتظار حتى نهاية سنة 1977 لتعلن الجبهة بعد ان أصبحت أداة طيعة في يد الجزائر ، عن وجود شيء سموه بالشعب الصحراوي ؟
إذا كانت البوليسايو كمنظمة انفصالية منطقية مع نفسها ، لأنها تعرف وتدرك قيمة التاريخ في تكوين الشعوب ، بسبب معرفتها ان التاريخ وان كان مزورا ، هو الذي يجسد طموحات شعب ، ويميز شخصيته الخاصة به ، وان الشعب المغربي لا تاريخ له ، ولا وجود له ، لأنه ليس علامة منفصلة إضافية لشعب ما ، بل هو الشعب عينه ، فأنها ، اي البوليساريو ، لم تتردد ان تفبرك لنفسها تاريخا خاصا بها ، يلهم ضمير هذا الشعب المصنوع ، وتتكلف أجهزة الإعلام الثورية ، بتقنينه ، وترسيخه في ذاكرة الجماهير الصحراوية ، والجماهير العربية والإفريقية ، والعالمية .
إذن في أي كتاب مدرسي قبل 1976 وبعدها ، قرأتم ،او سمعتم ، ان بجنوب المغرب ، هناك شعب آخر اسمه الشعب الصحراوي ؟ وهل لمواجهة النظام وقلبه ، يقتضي الأمر تزوير التاريخ ،على يد ثوريين حديثي العهد بالثورية ، وصنع شيء من عدم ، اسمه الشعب الصحراوي ؟
اعتقد ان اية معالجة علمية وسديدة للمسألة ، تقتضي طرح السؤال عن كيفية تشكل الشعب المغربي عبر التاريخ . فبدون الرجوع الى هذا التشكل الذي سيجيب عن سؤال وجود او عدم وجود شعب يسمى بالشعب الصحراوي ، سيكون موقفا غريبا وشادا ، وسيكون عدوانا على التاريخ الذي يشهد على المقاومة المدينية والجبلية التي قادها جيش التحرير المغربي ، كما سيكون تبخيسا للمجاهد عبدالكريم الخطابي ، وللثائر الهيبة ، ولابنه احمد الذي دخل مراكش ونصب نفسه ملكا عليها .
ان الدراسة التاريخية لصيرورة تشكيل كيان الشعب المغربي ، تثبت لنا أنها كانت مرادفة لعملية تعريب المغرب ، والتي تمت بصورة عفوية تلقائية ، وبعيدة عن اي شكل من القسر او العنف .
لقد شكل الفتح العربي الإسلامي للمغرب ، عملية نهوض متقدمة في التاريخ المغربي ، وساهمت الديانة والحضارة الإسلامية ، في رسم صورة المجتمع والشعب الجديد . ، ان إشعاع الدين الإسلامي ، والحضارة العربية ، قد وجدا في المغرب قبولا تلقائيا ، وباعتباره كان يشكل النموذج الذي يحتدا به ، اثر بذلك تأثيرا واسعا ، سواء في تغيير التقاليد الاجتماعية والثقافية ، او في مجرى الحياة السياسية المغربية .
ان الديناميكية الجديدة التي أحدثها هذا التطور في المغرب ، وتوافد ثلاث هجرات أساسية من الشرق العربي ، والأندلس ، للاستقرار والعيش في المغرب ، والتي بلغت أزيد من ثلاثمائة ألف عربي ، والتي استقرت دفعاتها الأولى في المدن ، ثم استقرت الدفعات الأخرى في السهول والواحات الصحراوية ، قد خلقت سبكا جديدا متقدما في بلورة كيان الشعب المغربي ، والذي لبعت فيه الحضارة العربية واللغة العربية ، والدين الإسلامي ، الدور القيادي في كل المجالات السياسية في البلاد : السياسية ، والعسكرية ، والتجارية ، والإدارية ، والمدنية ، والثقافية .
ان هذا التطور الذي شاهده المغرب اثر الفتح العربي الإسلامي ، حيث أصبح مندرجا ضمن إطار اعم ، هو العالم العربي ، ويلعب دورا هاما على صعيد المنطقة ، من جهة كقاعدة انطلاق لفتح اسبانيا وأوربة ، ومن جهة أخرى كقاعدة أساسية في المغرب العربي الامازيغي تطل على جزء هام من إفريقيا ،،، قلنا ان هذا التطور عمق عملية انصهار ووحدة العنصر البربري الامازيغي والعربي داخل الشعب الواحد ، ويتجلى ذلك في المكانة التي احتلها الدين الإسلامي في الحياة السياسية والاجتماعية ، والمكانة التي احتلتها اللغة العربية في الحياة العسكرية ، والإدارية ، والدينية ، واختلاط ، بل واندماج العنصرين البربري الامازيغي والعربي في علاقات اقتصادية واسعة ، باعتبار ان المدن والسهول التي تم تعريبها ، كانت تلعب دورا اقتصاديا مستمرا ولا غنى عنه ، مع سكان الجبال الامازيغ ، حيث شكل هذا العامل احتكاكا مستمرا ، عزز عملية التعريب والانصهار في إطار الشعب المغربي .
وعلى عكس ما يذهب إليه المنظرون الاستعماريون ، فان تتبع كل العصور التاريخية ، تشهد ان العرب والامازيغ ، قد عملوا معا على نشر الإسلام داخل المغرب وخارجه ، في الأندلس ، وفي أوساط إفريقيا ، كما شاركوا بكيفية موحدة ، في إقامة حكومات مغربية على رأسها اسر عربية الأصل ( الأدارسة ، السعديون ، العلويون ) ، وبربرية امازيغية الأصل ( كالمرابطين ، الموحدين ، والمرينيين ) ، و لم يكن الصراع الداخلي وسط الشعب المغربي ، يتمثل في صراع عنصري بين البربر الامازيغ والعرب ، بقدر ما كان صراع الجماهير المغربية كلها ضد اي نظام ملكي ظالم وعدواني ومفترس ، او ضد اي عدوان أجنبي معتد .
ان اخطر شيء بالنسبة لمعارضي مغربية الصحراء ، واخص بالذكر منهم البوليساريو واللينينيين الماركسيين ، هو محاولتهم تفسير التاريخ المغربي اعتمادا على النموذج الأوربي الرأسمالي المتطور ، واعتمادا على خيط ، او اتجاه التطور كما جرى في الغرب ، وفي البلدان الرأسمالية المتقدمة ، والتي تمت فيها عملية التوحيد السياسي ، وإقامة الدولة القومية الوطنية ، كحصيلة وكنتيجة لنمو وتطور الطبقة البرجوازية ، وفي أثناء ثورتها ضد طبقة الإقطاع ، وبتحالف واسع مع الجماهير الشعبية : الفلاحون والعمال .
إن تاريخ الدولة في هذا الواقع ، قد شهد خطا واحدا متصاعدا في التطور . فبدل تجزيء الوطن إلى إمارات ، ودويلات ، وكانتونات صغير ، يصبح التقسيم الى جهات ، وولايات ، وعمالات ، تقسيما إداريا محضا ، في إطار الدولة القومية الواحدية والواحدة . انه يلخص بكلمة واحدة على الشكل التالي : نمو الواحدية القوية ، على سحاب التعددية الضعيفة .
ان مجرى التطور عندنا في المغرب ، يختلف ، لان الدولة الواحدة في عموم الوطن المغربي ، تقام في فترات تاريخية متعددة ، دون ان يكون ذلك مرافقا لوجود طبقة برجوازية سائدة في الإنتاج والدولة .
وبالمقابل نجد تعددية الدولة ، تقلص نفوذ الدولة ، ظهور مناطق السيبة الثائرة ، احتفاظ مناطق واسعة باستقلالية اكبر عن الحكم المركزي المخزني . ان تعاقب هذين الشكلين ، الصراع بين هذه الواحدية – سيادة الدولة الكاملة – التي لا تدوم ، وبين تقلص الدولة وظهور مناطق السيبة ، هو ما يطبع كسمة خاصة التاريخ المغربي .
ان الحضارة المغربية كانت حضارة مدنية ، أساسها التجارة الصحراوية ، وليس غريبا إذا رأينا المرابطين ، والموحدين ، والمرينيين ، لا يعرفون التوسع والازدهار إلا بعد استيلائهم على مدينة سجلماسة باب الصحراء ، وملتقى الطرق التجارية بين شمال وجنوب المغرب .
فخلال القرن الحادي عشر الميلادي ، ظهرت قوة الدولة المرابطية ، بسيطرتها على طرق القوافل التجارية . فبعد استيلاء المرابطين على سجلماسة – 1056 – ومراكش ، نراهم ينطلقون لإخضاع كافة أجزاء المغرب الأقصى ، وجزء من المغرب الأوسط ، قبل ان ينتقلوا الى الأندلس .
وخلال القرن الثاني عشر ، صمدت الدولة المرابطية في وجه أعداءها الموحدين مدة ثلاثين سنة ، دون ان تسقط ، الى ان تمكن الموحدون من السيطرة على سجلماسة سنة 1145 ، وبعد ذلك مباشرة تمكنوا من إخضاع كافة أجزاء المغرب لسلطتهم ، من مراكش الى القيروان ، وذلك في سنة 1152 ، وعلى نفس المنوال ، فلم تسقط الدولة الموحدية ، إلاّ بعد استيلاء المرينيين على باب الصحراء سجلماسة سنة 1255 .
ان تعاقب هذه الدول على الحكم في المغرب ، في القرون الوسطى ، كان نتيجة لتمكن إحدى الجماعات السياسية المتصارعة ، ان تجمع في نفس الوقت ، بين القوة السياسية العسكرية ، وبين السيطرة على خطوط التجارة الصحراوية . ان جزءا هاما من مدخول الطبقة الحاكمة – الارستقراطية القبلية والتجارية – ، مصدره الأساسي ، السيطرة على خطوط التجارة ، حيث يتم جباية هذا المدخول ، إمّا عبر الضرائب والرسوم التي يفرضها النظام المركزي المخزني على مختلف العمليات التجارية ، وإمّا عبر إشراك عدد من التجار في العمليات التجارية الخاصة بالنظام المخزني ، او بواسطة عملاء تجاريين يثق فيهم ، ويعهد إليهم بجزء من تجارته .
ان الدولة في وضعها هذا ، بحاجة ماسة من اجل تطورها واستمرارها ، الى تنشيط التجارة ، والى دعم فئة التجار . وفي المقابل فان هؤلاء بحاجة اكبر للدولة ، من اجل توفير شروط الأمن في تنقلاتهم ، ومن اجل حماية عملياتهم التجارية في مختلف مراحلها ، محتاجون لدولة تبسط نفوذ سلطتها على مجموع البلاد ، وبالخصوص في جميع خطوط مرور التجارة ، ومواقع تمركزها في الحركة الدائمة للتصدير والاستيراد .
ان قيام وانتصار دولة مركزية ، وسيطرتها على خطوط التجارة ، كان يؤدي الى تفاحش غنى وترف الطبقة الحاكمة بشكل لا يطاق ، وفي نفس الوقت يفرض قيام هذه بوظيفتها في حماية امن الخطوط التجارية ، ضرورة تكوينها وتجهيزها لجيش قوي بالغ التكاليف ، تجنى أمواله من عرق جبين الجماهير الكادحة ، وبالخصوص من الفلاحين ، الذين لم يكونوا يزرعون إلاّ ما يسد رمقهم ، خصوصا وأنهم يعرفون ، أن كدهم ، وعملهم لتوسيع الإنتاج ، سوف يقطفها الحكم المركزي عبر الحگرة او عبر السُّخرة التي يفرضها قايْدْ المنطقة . ففي عهد الملك اسماعيل ، فإن جباة مملكته ، قد جرّوا ذيول الظلم على الرعية ، فأكلوا اللحم ، وشربوا الدم ، وامتصوا العظم ، وابتلعوا المخ ، ولم يتركوا للناس دنيا ولا دينا ( انظر كتاب الاستقصاء ج 7 ص 81 رسالة احد العلماء الى السلطان إسماعيل ) .
ان الجماهير الكادحة لم تكن تنظر في قيام الدولة المركزية ، وازدياد قوتها ، وبسط نفوذها ، سوى وجه مضاعفة استغلالها المدمر ، لدرجة المجاعة كما هو الحال اليوم . ولهذا بالضبط ، كلما أصاب الضعف الدولة المركزية ، او حرمت من إحدى إمكانياتها في التطور ، او تفاقمت تناقضاتها الداخلية ، والمتمثلة خصوصا في الصراع على الحكم وولاية العهد بعد موت الملك ، كلما سارعت الجماهير الى حماية نفسها من اضطهاد الحكم المركزي ، وفرض استقلالية نسبية في حكم نفسها بنفسها عبر مجلس الجماعة ، ورفض دفع الضرائب ، وتشكيل جبهة مع بعضها ، لمنع وصول جيش النظام المخزني لإخضاعها بل وتنتقل هذه القبائل في سنوات الجفاف الى غزو المناطق السهلية الخاضعة لسيطرة وحكم النظام المخزني ، باحثة عن اي مصدر لسد حاجيات عيشها ، ولو بالنهب ، والسرقة ، وقطع الطرق ، مُشّكلة بذلك تهديدا قويا لأمن بلاد المخزن نفسها ، والتي تضيق رقعتها أحيانا ، لتنحصر في المدن والمناطق السهلية .
وهنا أتوجه بالسؤال الى القيادة البرجوازية لجبهة البوليساريو ، المفروض فيها أنها تملك من الرصيد الثقافي التاريخي ما يمكنها من فهم أصل الصراع ، والى الشباب الصحراوي الذي قرأ نزاع الصحراء المغربية من بوثقة واحدة ، وهو نفس السؤال أوجهه حتى للماركسيين اللينينيين ، وللمغاربة الذين ينفون عن الصحراء مغربيتها نكاية في النظام ، معتقدين عن خطأ ان في إضرارهم بمغربية الصحراء ، فهم يضرون بالأساس النظام :
هل وضع الصحراء الغربية المغربية التي حافظت على استقلال عن المناطق المغربية الأخرى ، منذ بداية القرن الرابع عشر ، الذي شهد تحويل الطرق التجارية باتجاه مصر ، كان وضعا خاصا فريدا بالصحراء الغربية المغربية فقط دون غيرها من الأجزاء الأخرى من المغرب ، والتي شهدت نفس هذه الوضعية المتسمة بشبة استقلال نسبي ، وأيضا نمو مناطق السيبة الخارجة عن نفوذ وسلطة الحكم المركزي المخزني ؟
فمنذ عهد المرينيين وفي عهد بني وطاس ، كان قسم هام من البلاد قد رفض عادة دفع الضرائب ، وأصبح يمارس استقلالا فعليا عن الحكم المركزي المخزني ، وبذلك توسعت مناطق السيبة ، حيث شملت حتى الصحراء الغربية المغربية ، وموريتانيا ، ومناطق جبال الأطلس المتوسط ، وجبال بني يزناسن ، وبني وراين ، ومناطق ملوية ، ومناطق الريف وغيرها . لذلك فان الاعتماد على تفسير مناطق السيبة لإلغاء مغربية الصحراء لما أصبح هناك شيء اسمه الشعب المغربي ، اللهم إلاّ في المدن والسهول حيث نظام الحكم المخزني السلطاني .
منذ القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر ، والمغرب يتطور كشعب مستقل ، ويحافظ لحقبة طويلة على هذا الاستقلال . فالدولة – المخزن تنشأ وتتطور ، وتبسط نفوذها بناء على سيطرتها على طرق التبادل التجاري ، في اتجاه البحر الأبيض المتوسط ، وبلدان المغرب العربي الامازيغي ، ومع السودان عبر الصحراء الغربية المغربية وموريتانيا . وخلال هذه الحقبة ، يشهد المغرب أرقى مراحل تطوره ، المبنية على هذا الدور الخاص ، الذي يلعبه على الساحة الدولية ، ويستطيع ان يلم كل أجزاء الوطن المغربي في وحدة متماسكة . لكن مصدر هذه القوة يرتبط بالسيطرة على مراكز التجارة ، الموانئ ومراكز القوافل التجارية في الصحراء المغربية . لكن هذا التطور سيتوقف ، لتحل محل مرحلة القوة ، الضعف والانتكاسة . فمنذ القرن الرابع عشر ، وبداية القرن الخامس عشر ، يحتل البرتغال واسبانيا المدن الساحلية : سبتة ( 1415 ) ، أصيلا وطنجة ( 1481 ) ، أسفي ( 1508 ) ، ازمور ( 1513 ) . ان ضعف السلطة المركزية ، وانعدام قوة فئة التجار ، وتدهور قوى الإنتاج ، واشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ، واستفحال مناطق السيبة ، يرتبط الى حد كبير ، بهذا التطور المفروض من الاستعمار .
ان احتلال اسبانيا والبرتغال لكل الموانئ المغربية تقريبا ، باستثناء مينائي سلا والرباط ، قد أدى الى انقطاع تيار المبادلات التجارية التي كانت تنشط بين المغرب وبلدان البحر الأبيض المنوط ، كما ان العلاقة العدائية مع الأتراك كانت تضعف المبادلات مع بلدان المنطقة وبالأخص منها الجزائر هذا بالإضافة الى تدهور التجارة عبر الصحراء المغربية مع السودان ، والتي أصبح البرتغال واسبانيا يسيطران على قسم واسع منها .
انه رغم هذه الفترة الاستثنائية ، التي كانت تعرف المد والجزر بين الحكم المركزي وبين مناطق السيبة الثائرة ، فان ذلك لم يمنع ، وخلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، اقتصاد المغرب ان يدخل تدريجيا في إطار السوق الامبريالية العالمية ، كاقتصاد كولونيالي ومجزأ ، وواقع وجود مناطق شبه مستقلة ، يتعمق بشكل آخر وأكثر شمولية ، واقع التجزئة يترسخ في شكل أعلى . وبسيطرة التجارة الأوربية على أهم الموانئ والمراكز التجارية ، تغلغلت الشركات الرأسمالية الغربية في قلب البلاد ، عبر شبكة السماسرة المغاربة الذين منحوا ما يسمى بحق الحماية . وعبر هذا التطور يتم احتلال المغرب ابتداءً من سنة 1912 . ومع دخول الاستعمار واستقراره ، استطاع ان يوحد البلاد لضرورات الاستغلال الرأسمالي ، فيقضي بذلك على مناطق السيبة الثائرة بمباركة فصيل مما يسمى بالحركة الوطنية ( علال الفاسي ) . لكنه في هذا التوحيد من اجل تسهيل الاستغلال ، يقسم المغرب الى أجزاء متناثرة ، منطقة موريتانيا وتحتلها فرنسا ، مناطق الصحراء الغربية المغربية وتحتلها اسبانيا ، منطقة الداخل وتحتلها فرنسا ، المنطقة الشمالية بإضافة الى سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ، وتحتلها اسبانيا ، وتدويل مدينة طنجة .
إذن بعد ان استعرضنا ، وبالتحليل المادي والتاريخي الملموس ، كيفية تشكّل الشعب المغربي ، وبعد ان استعرضنا كل مراحل التآمر الاستعماري الفرنسي الاسباني في تفتيت المغرب وتقسيمه ، شمالا وجنوبا ، يجدر بنا طرح السؤال الحرج : هل طرح مغربية الصحراء هو طرح مغلوط ؟ وهل سكان الصحراء شعب ، ام جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي ؟
هنا سوف لن نطرح السؤال عن تاريخ ظهور " الشعب الصحراوي " ، هل ظهر المصطلح في الخمسينات او الستينات او حتى 1976 السنة التي أسست فيها الجزائر جمهورية تندوف . لكننا سنعود الى وثيقة مكتوبة بخط يد الوالي مصطفى السيد ، يؤكد فيها على مغربية الصحراء ، وانتماء سكان الصحراء الى الشعب المغربي ، والوثيقة هذه حررها حتى قبل ان تلتحق مجموعة الرباط المثقفة بمجموعة الزويرات بموريتانيا .
بالرجوع الى المذكرة التي حررها في عام 1973 ، سنجد الوالي مصطفى السيد مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، يؤكد الهوية الوطنية للصحراء الغربية المغربية ، وبنيتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والبشرية والصحية ... الخ ، كما يستعرض تجربة الحزب المسلم ، ومواقف أنظمة المغرب العربي ، ومخاطر السياسة الاسبانية ، مقدما بذلك أهم وثيقة صحراوية عن الصحراء ، شكلت المصدر الرئيسي لكافة المنشورات والمطبوعات التي أصدرتها المنظمات الوطنية بالمغرب منذ مطلع سنة 1975 ، وذلك لاحتوائها على اكبر قدر من المعلومات حول المنطقة .
بطبيعة الحال القيادة البرجوازية للجبهة ، رفضت هذه المذكرة ، بعد ان دخلت الجزائر وليبيا كأطراف رئيسية في الصراع ، ولو لا ان الوثيقة مكتوبة بخط يد الوالي شخصيا ، لأنكرتها القيادة جملة وتفصيلا .
بالرجوع الى المذكرة سنجد :
أولا : ان السيد مصطفى الوالي ، يعتبر الصحراء الغربية ، كانت تاريخا مرتبطة بالمغرب ، وأنها تشكل عمليا جزءا منه . وفي هذا يقول : " ان تعاقب الدول ، والتنازع على السلطات ، وتناحر القبائل ، أدت الى زيادة الهجرة لهذه المنطقة المحايدة الآمنة ، واللجوء أليها من كل مغلوب . بل وفي كثير من الأحيان ، الاعتصام بها من طرف الثائرين ، الذين يُحضّرون للانقضاض على أعدائهم ، ونتيجة لهذه الهجرة المتعاقبة صوب الصحراء ، والمعاكسة أحيانا منها الى المغرب ، فقد كانت المنطقة مرتبطة ارتباطا وثيقا في غالب الأحيان بالسلطة القائمة في المغرب . وكثيرا ما كانت تمارس سلطات مركزية من قبل الحكومات على سكان المنطقة ، وخصوصا في حالات الحروب ، فكانت كثير منها ، تجند سكان المنطقة ، لنصرتها ، ويمكن القول ان المنطقة كانت إقليما كسائر الأقاليم المغربية الأخرى " .
ثانيا : يربط الوالي بين الهجرات المتبادلة ، فيتحدث عن بنية اجتماعية واحدة ، خاضعة لنظام قبلي مشترك ، تطل منه الصحراء بوصفها جزءا من بينة مغربية هاجرت الى الصحراء بشريا .
ثالثا : اثبت الوالي في مذكرته ، الترابط التاريخي المصيري ، بين الصحراء الغربية المغربية ، وبين المغرب ، من خلال اعتباره ، ان الصحراء كانت نقطة إستراتيجية في صراع القوى الاستعمارية المتنافسة على المغرب . لذلك يؤكد الوالي " ان جماهيرنا الصحراوية ، ساهمت بصورة فعالة في جيش التحرير المغربي ، وحتى استقل المغرب ، وحل جيش التحرير وادمج في الجيش النظامي " .
رابعا : يتناقض موقف الوالي مع تاريخ احمد بابامسكي لسياسة الحزب المسلم . فبينما يرى بابامسكي البصيري مناضلا صحراويا استقلاليا ، يراه الوالي مغربيا دفعته الظروف الى خوض نضال صحراوي وحدوي رغم عفوية الحركة . وبهذا يعرض الوالي تاريخ الحزب المسلم ، وكيفية نشأته ، وعملية تمويله الذاتي ، وبنيته القاعدية مقيما تجربته قائلا " وبقي الحزب يكتسح الساحة الوطنية على جميع المستويات ، وداخل سائر الفئات الاجتماعية الصحراوية من جنود وعمال وعاطلين وبدو ... " وكانت مبادئ الحزب : " التحرير بالسلاح ، والارتباط مع المغرب .. "
خامسا : من خلال مراجعة المذكرة ، لا يوجد فيها أية إشارة إلى شيء يسمى الشعب الصحراوي ، الذي اعتبرهم الوالي سكانا صحراويين مرتبطين بالشعب المغربي ، كما لا توجد هناك ولا إشارة تدل على الانفصال وتأسيس دويلة بالجنوب المغربي . كما ان مصطفى بوهْ احد قادة البوليساريو الملقب بالبرزاني ، ذكر انه حين التقى مصطفى الوالي السيد عام 1973 في موريتانيا ، لم تكن فكرة الاستقلال عن المغرب في رؤية الوالي ، كما ان كل أدبيات البوليساريو وحتى سنة 1976 ، اي قبيل تأسيس جمهورية تندوف تخلو من أية إشارة الى كلمة استقلال او انفصال . وان النزعة الانفصالية لم تظهر ، إلاّ بعد سنة 1976 حين أصبحت الجزائر طرفا رئيسيا في الصراع .
إذن السؤال الذي نوجهه الى القيادة البرجوازية المسيطرة في الجبهة ، والى الشباب المحتجز في المخيمات ، والذي لم تتح له الفرصة لاضطلاع على حقيقة الصراع وأسبابه ، والى المغاربة الذين يشككون في مغربية الصحراء بسبب كرههم للنظام . متى ظهر الشعب الصحراوي ؟ هل في الستينات ، ام في السبعينات ، وبالضبط سنة 1977 ؟
بالرجوع الى ستينات القرن الماضي ، حيث الجمعية العامة للأمم المتحدة ، هي التي كانت تتولى بحث النزاع المغربي الاسباني ، فإنها كانت تعتبر الصحراويين مجرد سكان وليسوا بشعب . والمغرب الذي كان وراء إصدار القرار 1514 ، هو من كان يطالب بالاستفتاء لتقرير مصير الصحراويين . ان السؤال الذي كان سيطرح على الاستفتاء هو ، إمّا البقاء تحت السيطرة الاسبانية ، ام العودة الى المغرب . واسبانيا التي كانت تطالب بالاستفتاء ، تراجعت عنه عندما اكتشفت الفوسفاط ، لكن بازدياد الضغط عليها ، نجدها تتقن سياسة الهروب الى الإمام ، وذلك حين وطدت العزم على تنظيم استفتاء مشبوه ، يؤدي الى كيان دويلة قزمية ، تكون أداة طيعة في يدها .
عندما أسس طلاب صحراويون ، وبدعم مباشر من قبل مقاومين مغاربة ينتمون الى تيار المقاومة وجيش التحرير ، وكانوا متمركزين بالجزائر وبفرنسا ، في 10 مايو 1973 جبهة البوليساريو ، فذلك للدفع بعملية التحرير الوطني ، وفي نفس الوقت استخدام الجبهة التي ستباشر النضال المسلح ، كاداه لتقويض النظام الملكي . لكن وبعد ان أصبحت الجزائر طرفا رئيسيا في الصراع ، وأسست جمهورية تندوف في 27 / 02 / 1976 ، حتى انقلبت الجبهة من منظمة مغربية ثورية ووحدوية ، الى منظمة انفصالية تخدم أجندة الجزائر وليبيا بالمنطقة . لكن كيف سيتم تأسيس الجبهة في 10 مايو 1973 ، وانتظار ثلاث سنوات حين ستؤسس جمهورية تندوف في 27 / 02 / 1976 ، وانتظار نهاية سنة 1977 للإعلان عن كشف الشعب الصحراوي المزعوم ؟
فكما ان ( منيرفا ) خرجت من رأس ( جوبيتير ) ، فان الشعب الصحراوي خرج من رأس الجزائر والبوليساريو بعد ان اعتنق فكرة الانفصال .
ان انتفاضة احمد الهيبة ماء العينين بعد دخوله مراكش كان ضد الغزو الاستعماري الاسباني والفرنسي ، ولم يكن من اجل الانفصال وتقزيم المغرب . وان مواصلة الكفاح المسلح للصحراويين المغاربة منذ 1956 ، كان يتم ضمن جيش التحرير المغربي ، بل كانوا عماد هذا الجيش الذي قاتل الاستعمارين الاسباني والفرنسي .
فحتى سنة 1956 لم يكن الصحراويون شعبا مستقلا عن الشعب المغربي ، بل كانوا هم عماد جيش التحرير المغربي الذي انتقل الى الجنوب من اجل متابعة الكفاح الوطني التحرري المسلح ضد الاستعمار الفرنسي في موريتانيا ، والمناطق الأخرى ، والاستعمار الاسباني في طرفاية ، وسيدي افني ، والساقية الحمراء ووادي الذهب ، وذلك بعد ان قرر القصر حل جيش التحرير في الشمال ، ودمجه في الجيش الملكي الذي تم تأسيسه في نفس السنة .
لقد كان انتقال جيش التحرير الى الجنوب بقرار من قيادة المقاومة وجيش التحرير ، يدخل ضمن خطة شاملة للتحرير ، تبدأ بطرد الاستعمار من المنطقة ، وتنتهي بتقويض دعائم النظام الملكي ، وإقامة نظام وطني ديمقراطي ، وانه نفس المخطط هدف إليه قادة المقاومة وجيش التحرير ، حين دفعوا بشباب الى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10 مايو 1973 ، قبل ان تسيطر عليها الجزائر وتحولها الى منظمة انفصالية .
فعن اي شعب ، وعن اية جبهة ، وعن اية جمهورية يتحدثون ؟ انه تزوير التاريخ الذي سيرمي بهم الى مزبلته .
رابعا محور الاستفتاء وتقرير المصير : قلنا سابقا ان القرار 1514 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1960 / 1961 كان المغرب وراءه ، لان النزاع كان بين طرفين هما المغرب واسبانيا ، والسؤال الذي كان متوقعا عرضه على الاستفتاء لا يخرج عن حلين : إمّا البقاء تحت السيطرة الاسبانية ، وإمّا العودة الى المغرب ، ولم يكن السؤال يتضمن حلا ثالثا يؤدي الى الانفصال وتكوين دويلة . وباسترجاع المغرب لصحرائه ، يكون القرار 1514 قد فقد بريقه القانوني الذي صدر من اجله ، ويكون التمسك بهذا القرار لفض نزاع الصحراء ، تمسكا غير مشروع وغير قانوني ، وانه أضحى حقا يراد به باطل .
لكن سنجد انه منذ دخول الجزائر طرفا رئيسيا في النزاع ، وبالضبط منذ 1975 ، حتى كثر التمسك بهذا القرار الذي أضحى في تعارض مع الطبيعة القانونية لقضية الصحراء .
ولنا ان نتساءل . هل تتعامل الجزائر مع مطلب تقرير المصير . من منطلق تكتيكي ام استراتيجي ، اي يتجاوز الشعب الصحراوي الى مصالح الجزائر التي تلحقها في أمنها وفي ( ثورتها ) ، وكونها أصبحت مطوقة من المغرب مؤسس الإمبراطوريات ؟
لماذا تقرير مصير الشعب الصحراوي في الصحراء الغربية المغربية ، وليس تقرير مصير الشعب الصحراوي في الصحراء الشرقية التي تحتلها الجزائر بعد ان فوتتها لها فرنسا الاستعمارية ؟
كيف يكون تقرير المصير حلالا في المغرب ، ويكون حراما في الجزائر ؟
لماذا لم تحترم الطغمة الفرنسية الحاكمة في الجزائر إرادة الشعب الجزائري في تقرير مصيره حين صوت في انتخابات 1991 لصالح جبهة الإنقاذ الجزائرية ؟
ألا يؤدي إنشاء دويلة قزمية في الصحراء ، الى تعطيل وتأخير وحدة شعوب شمال إفريقيا ؟
ألا يؤدي أنشاء دويلة صغيرة عشائرية في الصحراء ، الى ان تصبح اتوماتيكيا قاعدة حديثة للاستعمال الامبريالي ، مثل إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط ؟
أليس سكان الصحراء مغاربة ، ام انهم ليسوا كذلك ؟
تنطلق الجزائر والبوليساريو في دعوتهما لتقرير المصير بالصحراء من مبدأ المحافظة على الحدود الاستعمارية ، وهو نفسه المبدأ التي تبرر به الجزائر احتلالها لتندوف . لأننا وكما يقولون ، إذا أردنا ان نتجاوز هذه الحدود بالرجوع الى الوحدة الأصلية للشعوب ، سنفتح بابا لا يغلق من صراعات الحدود بالمنطقة ، والغريب ان النظام حين التحق بالاتحاد الإفريقي ، يكون من جانبه قد اقر بهذا المبدأ الذي اقره الاتحاد في قانونه الأساسي ، رغم ان الاستعمار هو من عبث بوحدة راضيها ، وشعوبها ، وخلق دويلات كأمر واقع . ان المحافظة على الحدود الاستعمارية كما هي ، هو إذن أساس وجود ما يسمى بالشعب الصحراوي .
لا شك ان الدعوة للمحافظة على الحدود الاستعمارية قد خدمت في بعض الحالات ، وبصفة مؤقتة بعض الدول الإفريقية ، لأنها وجهت طاقاتها للنضال ضد الاستعمار ، بدل إهدارها في الصراعات المسلحة على الحدود . لكن هذا لا يحجب انها دعوة محافظة ورجعية ، بل خيانية تعمل في نطاق تركة الاستعمار والامبريالية .
ان الاستعمار لم يخلق شعوبا ، بل دولا قسم شعوبها الموحدة الى دويلات لخدمة مصالحه الاقتصادية والعسكرية ، وإبقائها في نطاق التخلف والتبعية .
ان القبول بتقسيم المغرب وفرضه كأمر واقع ، هو امتداد تاريخي لتقسيمات الاستعماريين المحتلين منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء ، وهو بالتالي تزكية لمخطط استعماري لم يستطع الاستعمار نفسه ان يحلم به رغم قرن من الاحتلال ، والقهر العسكري والسياسي . لقد أدى تاريخ نضال الشعب المغربي وبشروط ذاتية وموضوعية ، الى الحصول على استقلال سياسي شكلي ، والقبول به كمساومة مؤقتة مع الاستعمار حدد إطارها آنذاك اتفاقية ايكس ليبان . وكان من جملة نتائج هذه المساومة ، ان بقيت أجزاء من الوطن المغربي بيد اسبانيا . واليوم بعد القبول بتقسيم المغرب وفرضه كأمر واقع تحويلا لهذه المساومة الى هزيمة كاملة ونهائية ، وتفريطا بمكاسب ونضال أزيد من نصف قرن ، ضد الاستعمار ، والاستعمار الجديد ، قدم فيها الشعب الكثير من التضحيات .
ان تاريخ المنطقة الصحراوية هو جزء لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للوطن وللشعب المغربي :
أولا كنظام قبلي جماعي يحكمه النظام المخزني ، والذي لعبت فيه التجارة الدور المركزي .
وثانيا كنظام خضع بمجموعه لحركة الاستغلال الاستعماري وتقسيماته المختلفة .
وعلى هذا الأساس ، فان علاقة السلطة المركزية في ترابطها ، او انحلالها مع المناطق ، او القبائل التي كان سائدا فيها ، إمّا النظام الزراعي ، او النظام الرعوي ، هي علاقة تُشكل جزءا لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للمغرب ، وهو تاريخ تكون وتبلور الشعب المغربي .
ان حجتنا الأساسية في ذلك نستقيها من التاريخ نفسه ، من تصرف الجماهير الشعبية ذاتها . ان المقاومة العفوية للملايين من سكان المغرب ، ورد الفعل الغريزي لطرد اي عدوان أجنبي ، قد تجلى في تاريخنا منذ القرن السادس عشر ، والسابع عشر ، وفي مطلع القرن العشرين ، ضد التدخل الاسباني والبرتغالي ، وضد التدخل الفرنسي .
ان الجماهير الشعبية المغربية ، من طنجة الى تخوم الصحراء ، كانت تتصدى بحمية وطنية عالية لصد العدوان الأجنبي ، وتقف مناطق وقبائل السيبة الثائرة بالذات ، المناطق التي تمثل السكان الأكثر اضطهادا والأكثر كفاحية ، اعتبارا لتقاليدها العريقة ، في مقدمة الانتفاضات المسلحة العروبية والامازيغية للدفاع عن حرية ووحدة التراب المغربي .
ان سكان الصحراء المغربية هم سكان إقليم فحسب ، له خصائص ومميزات مثل أقاليم كل المغرب ، وعلما ان سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب ، يُكوّنون فقط جزءا من الأقاليم الصحراوية الكاملة المكونة ، من طرفاية ، وسيدي افني ، تتداخل قبائله ، ولهجاته ، وعاداته ، الأمر الذي ينفي بالمطلق وجود مقومات الشعب او القومية . فعن اي استفتاء وتقرير المصير يتحدثون ؟
ان الاستفتاء وحق تقرير المصير هو سلاح بيد الشعوب والقوميات والأمم المضطهدة ، والمجزأة في مواجهة العدو الوطني والقومي ، وليس هو أبدا حق الأقاليم ، والمناطق ، والقبائل ، والعشائر ، والأديان ، والطوائف ، في التجزئة والانفصال عن الوطن ، وتقسيم وحدة الشعب .
ان حق تقرير المصير الذي ينُصّ عليه القرار ألأممي 1514 ، لم يعد متطابقا مع الحالة المغربية . ان هذا القرار يعني الأراضي التي تحتلها دول أجنبية . لذا فالقرار الذي وقف وراء إصداره المغرب ، كان مشروعا حين كانت اسبانيا تحتل الصحراء . لكن عندما استعاد المغرب أرضه ، أضحى تطبيق القرار في الحالة المغربية خارجا عن المقتضيات القانونية التي يعنيها القرار ، ومن ثم أصبح الاستفتاء متعارضا في حالة الصحراء المغربية . انه استعماله في هذه الحالة هو حق يراد به باطل .
ومرة أخرى نوجه السؤال : اين كانت الجزائر ، وجبهة البوليساريو ، وجمهورية تندوف ، ومقولة الشعب الصحراوي ، عندما صدر القرار 1514 في 1960 / 1961 ، وأين كانوا طيلة الستينات ، وحتى سنة 1977 تاريخ اكتشاف مقولة الشعب الصحراوي ؟
فرجاء لا تخلطوا بين معارضة النظام التي تبقى حقا مشروعا ، وبين معارضة مغربية الصحراء نكاية في كرهكم للنظام . ان قضية الصحراء المغربية هي قضية شعب ، قبل ان تكون قضية نظام .





#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يتم تحويل الهزيمة الى نصر . قرار مجلس الامن 2351 حول مغر ...
- بيان مناضلين بجيش التحرير والمقاومة المغربية حول مغربية الصح ...
- الصراع المغربي الجزائري ، صراع حضارة وهوية وتاريخ
- الصحراء المغربية . حين تكالب على قسعتها الضباع
- ويسألونك عن مناضلي الصف الوطني التقدمي الحر .. قل .. هؤلاء
- شعوب الشرق مثل الشعوب العربية تعشق الدكتاتورية وتتغزل بدكتات ...
- ملاحظات وتعقيب عن تقرير الامين العام للامم المتحدة السيد انط ...
- مغادرة المغرب
- رمي المناضلين في السجون بملفات مطبوخة
- الإنفتاح المشبوه والاجماع المخدوم . انفتاح على الصدفيات واجم ...
- التخلص من شخص عبدالاله بنكيران المزعج ، وتعويضه بشخص سعد الد ...
- الديمقراطية ليست لعبة انتخابوية ، ولا مراجعة دستورية لدساتير ...
- أما حان الوقت لحكومة الملك ان تظهر .
- الثورة المهدورة والمجهضة
- النظام الملكي اعترف بالجمهورية الصحراوية
- تقرير لرصد ما جرى -- حين يطبخ النظام المحاضر البوليسية لتجفي ...
- مؤسسة الحسن الثاني للشؤون الاجتماعية لرجال السلطة
- ملاحظات سريعة عن خطاب الملك امام البرلمان
- خلفيات تعيين البرتغالي انطونيو غويتريس امينا عاما للامم المت ...
- من الفائز بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات .


المزيد.....




- أضرار البنية التحتية وأزمة الغذاء.. أرقام صادمة من غزة
- بلينكن يكشف نسبة صادمة حول معاناة سكان غزة من انعدام الأمن ا ...
- الخارجية الفلسطينية: إسرائيل بدأت تدمير رفح ولم تنتظر إذنا م ...
- تقرير: الجيش الإسرائيلي يشكل فريقا خاصا لتحديد مواقع الأنفاق ...
- باشينيان يحذر من حرب قد تبدأ في غضون أسبوع
- ماسك يسخر من بوينغ!
- تعليقات من مصر على فوز بوتين
- 5 أشخاص و5 مفاتيح .. أين اختفى كنز أفغانستان الأسطوري؟
- أمام حشد في أوروبا.. سيدة أوكرانية تفسر لماذا كان بوتين على ...
- صناع مسلسل مصري يعتذرون بعد اتهامهم بالسخرية من آلام الفلسطي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - بعد الآن هل لا يزال من يشكك في المغربية الصحراء