|
سقراط: رجل اختار أن يكون إنسانا
داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 5490 - 2017 / 4 / 13 - 15:04
المحور:
الادب والفن
سقراط: رجل اختار أن يكون إنسانا داود روفائيل خشبة
فى مقال سابق، "ما جدوى الفلسفة؟"، وعدت القارئ بمقالين تاليين عن سقراط وأفلاطون اللذين أرى فيهما جماع الفلسفة، وها أنا أشرع فى الوفاء بالشق الأول من ذلك الوعد. من بين قدماء الفلاسقة يكاد سقراط أن يكون الوحيد الذى نستطيع التحقق من تاريخ مولده وتاريخ موته، فهو قد أُعْدِم عام 399 ق.م. وأثناء محاكمته ذكر أنه بلغ السبعين قيكون قد ولد نحو عام 470-469 ق.م. فهو إذن ولد وانتصارات اليونانيين المجيدة على جحافل الفرس ما زالت حيّة فى الأذهان، وأمضى شبابه فى أزهى عهود أثينا، لكن الحروب المدمرة بين أثينا وحلفائها من جانب واسپرطة وحلفائها من جانب آخر بدأت وهو فى نحو الأربعين فعاصر فى العقود الثلاثة الأخيرة من حيانه سلسلة الهزائم والنكبات التى أدت إلى الهزيمة الماحقة لأثينا عام 404 ق.م. وكان لهذا شأن فى الظروف التى أدّت إلى تقديم سقراط للمحاكمة والحكم بإعدامه، لكن المجال هنا لا يتسع للتطرق لتفصيل ذلك. فى أثناء محاكمته يقول سقراط إنه أمضى حياته يدعو الناس إلى الفلسفة زالفضيلة. فى هذه العبارة الموجزة، إن تعمّقناها، نجد خلاصة فكر سقراط: نجد ذلك تحديدا فى ربط طلب الفضيلة بالفلسفة. قلننظر كيف كان سقراط يدعو الناس إلى الفضيلة؟ لم يكن يَعِظ، بل كان يناقش الناس فى مفاهيمهم ومعتفداتهم والقِيَم التى يتخذونها نبراسا لحيانهم. رأى سقراط أن ما يميّز الكائن الإنسانى عن غيره من الكائنات الحية هو أن الإنسان فى حياته وسلوكه وكل ما يقوم به عن وعى وقصد تحكمه مفاهيم وقِيَم وأغراض تنشأ فى العقل الإنسانى ولا وجود لها فى غير العفل الإنسانى. الإنسان وحده تتحكم فى سلوكه مفاهيم العدل والوفاء والشرف كما تتحكم فيه أوهام السطوة والمجد والبذخ، وهذه المفاهيم والقيم والأغراض قد تتداخل وتتشابك وتختلط بها قِيَم ومعتقدات موروثة نعتنقها دون تدبّر ودون تمحيص. حينئذ تكون تصرّفاتنا وأفعالنا مضطربة متضاربة، ولا يعفينا من هذا الاضطراب والتضارب إلا أن نداوم فحص مفاهيمنا وقيَمنا وأهدافنا ومعتقداتنا وإخضاعها للبحث والامتحان والمساءلة. لذا يقرر سقراط أن الحياة غير الممحّصة ليست حياة لإنسان. إذا كان ما يُضفى على الإنسان طبيعته المميّزة كإنسان هو أن حياتنا تحكمها مفاهيم ومُثل وقيَم تنشأ فى العقل فإن هذا العقل يكون هو فضيلتنا المميّزة وكمالنا الخاص، وليس من خير للإنسان إلا صحّة وسلامة هذا العقل، ولا شرّ يعترى الإنسان إلا ما قد يلحق الضرر بعقله. لذا يشير سقراط للعقل أو الروح (فهذان عند سقراط شىء واحد) بـ "ذلك الشىء فينا الذى ينفعه فعل ما هو سحيح ويضرّه فعل ما هو غير صحيح". اقتنع سقراط بأن كل خير الإنسان ينحصر فى أن يكون له عقل سوىّ سليم، وأن كل ما نعدّه خيرا عدا ذلك، حتى العلم وحتى الصحّة، هو فى حدّ ذاته ليس خيرا ولا شرّا، إنما باقترانه لحكمة العقل يكون خيرا وفى غيبة العقل ينقلب شرّا، واتساقا مع قناعته هذه فهو يقرر فى وصوح ويقين أنه لا يصح أبدا إلجاق الضرر بأى إنسان ولا يجوز أبدا ردّ الشر بالشر والأذى بالأذى، ويؤكد أنه خير لٌلإنسان أن يعانى الأذى من أن يوقع الأذى بالغير. هكذا كانت فلسفة سقراط فلسفة حياة وفلسفة للحياة: هو فلسف حيلنه وعاش قلسفته كما ينبغى للفيلسوف الحق، واختار أن يحقق فى ذاته الكمال الوحيد الممكن للإنسان: أن يكون إنسانا حقا. لا يتسع هذا المقال لتناول جوانب أخرى من فكر سقراط إلا أنى أدعو من يطلب المزيد للآطلاع على "يوميات سقراط فى السجن" (فى الترجمة العربية التى نشرها المركز القومى للترجمة) حيث عرضت فكر سقراط فى إطار تخيّلى. ويمكن للقارئ تنزيل الأصل الإنجليزى Socrates’ Prison Journal من موقعى المبيّن أدناه. داود روفائيل خشبة 13 أبريل 2017 https://philosophia937.wordpress.com للاطلاع على مدوّنتى وتنزيل كل كتبى بالإنجليزية.
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يعاني أبناؤنا فى تعلّم العربية؟
-
ما جدوى الفلسقة؟
-
الدين والتطرف
-
من يخلف السيسى؟
-
مصائب قوم
-
المخرج من التخلف
-
أحدثكم عن أحدث كتبى
-
خواطر حول الدين
-
القضية القبطية
-
السيسى ومفهومه الثيوقراطى للدولة
-
-الأمن الفكرى-
-
عن التعليم والعلم والإرهاب
-
هذا كلام خظير يا ريس
-
لا بدّ لليل أن ينجلى
-
صرخة رضوى
-
أبشروا بنهاية قريبة يا أيها البشر
-
الدين هو المشكلة
-
جمهورية العبث ل بلال فضل
-
25 يناير: تساؤلات
-
الخطاب الدينى
المزيد.....
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|