أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - سعيد ابوطالب - شركة النصر للكيماويات الدوائية فى مصر















المزيد.....


شركة النصر للكيماويات الدوائية فى مصر


سعيد ابوطالب

الحوار المتمدن-العدد: 5413 - 2017 / 1 / 26 - 22:12
المحور: الصناعة والزراعة
    


شركة النصر للكيماويات الدوائية
دراسة حالة لتدمير قطاع الصناعات الدوائية فى مصر
محمد شيرين الهوارى-مكتب دراسات حزب العيش والحرية

مقدمة:
يختلف قطاع صناعة وتجارة الأدوية عن كافة القطاعات الأخرى فى أنه يتعلق بمنتج لا يمكن للإنسان الاستغناء عنه .
فبينما يستطيع المرء أن يقتصد كماً أو نوعاً حتى فى حاجاته الغذائية بدرجة ما – وتفعل الغالبية العظمى من الشعب المصرى ذلك منذ سنوات وعقود عدة – ليس بمقدوره فعل الشئ نفسه عندما يتعلق الأمر بالعلاج والدواء، أى العناصر التى تحافظ عليه سليماً معافياً حتى يظل فردا فعالا فى مجتمعه وعنصرا مُنتجا فى اقتصاد دولته.
وعليه يخضع هذا القطاع تحديداً إلى اعتبارات أخرى غير الاعتبارات التجارية لحسابات الربح والخسارة ودائماً ما ارتبطت أى تحولات أو نقلات جذرية به بمجموعة إجراءات شديدة التحوط وضوابط صارمة أو نظم متطورة من الحماية الاجتماعية تمنع إلحاق الضرر بالمواطنين البسطاء ويضمن أن يظل الدواء فى متناول أيديهم وتعزز من قدرتهم على شرائه بما يحتاجون إليه من كميات وفى الأوقات المناسبة.
و حتى لو افترضنا جدلاً أننا سنتفق مع مبدأ الخصخصة من أساسه ، أو دخول الإنتاج الحربى الى سوق الاقتصاد بشكل غير مسبوق ، إلا أن ما يحدث فى مصر منذ عامين تقريباً أصبح يفوق خيال حتى أشد المتحمسين لفكرة التحول إلى القطاع الخاص، بل بعضهم صار يُدرك اليوم أن ما يحدث لا يصب فى الحقيقة فى مصلحة أحد ولا حتى فى مصلحة كبار الشركات العاملة بهذا المجال حيث يؤدى إلى تقلص القدرة الشرائية بنسب غير مسبوقة قد تحول الدواء إلى مُنتج يرغب فيه الجميع ولا يستطيع شراؤه سوى ما بين 5 إلى 10% من جموع الشعب.
فقد توغلت الشركات الخاصة – وعلى رأسها الشركات العالمية – فى السوق بما يعطيها مستويات من التحكم والسيطرة لم ترى لها البلاد مثيلاً من قبل مثل شركة "فايزر" (Pfizer) التى وصلت استثماراتها فى مصر عام 2011 إلى حوالى 105 مليون دولار وبلغت مبيعاتها السنوية فى العام نفسه ما يقرب من 120 مليون دولار أو شركة "ميرك" (Merck) بحجم مبيعات وصل فى عام 2013 إلى 428 مليون جنيه مصرى (حوالى 57 مليون دولار وقتها ) .
ويُضاف إلى ذلك ظهور أباطرة مصريين فى صناعة وتجارة الأدوية تمكنوا من تكوين مراكز قوية لهم بالسوق المصرى وإن كانوا لا يسهمون فى توفير الدواء بأسعار مناسبة، بل يسعون إلى خلق مواضع احتكارية لتعظيم أرباحهم على حساب المرضى من خلال الدخول فى مجالى الصناعة والتجارة فى وقت واحد. وربما يكون أشهر هؤلاء هو أحمد العزبى، رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية ومؤسس سلسلة صيدليات العزبى ورئيس مجلس إدارة شركة "مالتى فارما للأدوية" والمساهم الرئيسى فيها والتى تمتلك مصنع من ضمن 154 مصنعاً للأدوية الموجودة فى مصر .
ولكن المشكلة الأكبر من كل ما سبق هو أن حوالى 90% من مستلزمات إنتاج الأدوية يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة وبما يصل سنوياً إلى حوالى مليار جنيه ويضع المُنتج بذلك تحت رحمة تقلبات سوق الصرف من جانب السعر ورهن القدرة على الاستيراد من جانب توافر الدواء أصلاً.

نبذة عن شركة "النصر للكيماويات الدوائية":
ومن منطلق كل ما سبق تجئ الأهمية القصوى لشركة "النصر للكيماويات الدوائية" التى تأسست عام 1960 بغرض أن تكون صرحا متكاملا لصناعة خامات الأدوية بما يضمن استقلال هذا القطاع برمته وقدرته على الاكتفاء ذاتياً.
وأنشطةالشركة متعددة ومتنوعة من خامات ومحاليل ومستحضرات ومستلزمات :
الخامات الدوائية:
1- الأمبيسلين – الأموكسيلين-الريفامبيسين-كلورامفينيكول-تتراسيكلين
وكلها متوقفة عن العمل منذ تحولت تبعية الشركة من وزارة الصحة الى وزارة قطاع الأعمال .
2- مصنع المسكنات كالباراسيتامول ويعمل بالكامل.
3- مصنع الأسبرين ويعمل بالكامل.
4- أدوية السكر " خامة الميتوفرمين" ويعمل بالكامل.
5- مصنع السلفا متوقف.
6- مصنع الأملاح المعدنية يعمل بالكامل.
7- مصنع خلات الصوديوم وينتج طاقته القصوى 250 طن سنويا.
8- كما تنتج خاملت الميبندازول وكبريتيد الحديدوز وعديد من البودرات والسوائل.
الأنشطة الأخرى:
1- مصنع المحاليل ينتج شهريا 2.5 مليون امبولة ومخطط زيادتها الى 3 مليون بخط انتاج جديد للمحاليل الخاصة مثل الجيليسين والبروتونى وماء الغسيل الجراحى وملح الغسيل الجراحى.
2- المشروع القومى لمرشحات الغسيل الكلوى ، متوقف لحين تسجيله بوزارة الصحة بعد حصوله على كافة الشهادات بعد تحديثه بتوكنولوجيا المانية ، وهناك تباطؤ من وزارة الصحة في إجراء التسجيل يصل الى التعمد.
3- محاليل الكلى الصناعى تنتج الشركة 60000 جركن سعة 20 لتر شهريا قابلة للزيادة.
4- مصنع مستحضرات صيدلية مطور ليطابق معايير الجودة.
5- مصنع مستلزمات طبية لأجهزة نقل الدم و الأجهزة الوريدية.
6- مصنع كيماويات المعامل والتجزئة الصيدلية " البودرات والسوائل".
7- المنطقة المعقمة البنسلية والغير بنسلية متوقف منذ 10 سنوات لعدم وجود سيولة للتطوير.
8- مصنع انتاج الأدوية البيطرية.
مركز البحوث والرقابة:
وهو مركز على أعلى مستوى من الخيرة والمعدات.


ووصل إجمالى الأصول طويلة الآجل والمتداولة للشركة مع نهاية العام المالى 2014/2015 إلى مبلغ 000 597 538 جنيه مصرى ، مع العلم بأن الرقم الفعلى أعلى من ذلك بكثير حيث أن بعض الأصول لا تزال مُقومة بقيمتها الدفترية فى الستينيات مثل الأرض البالغ مساحتها حوالى 120 فدان بمنطقة أبو زعبل / محافظة القليوبية وهى وحدها قيمتها السوقية اليوم لن تقل عن نصف هذا الرقم.
وتصل حقوق الملكية فى الشركة إلى حوالى 000 074 276 جنيه مصرى مع نهاية العام المالى 2014/2015 الذى حققت فيه الشركة خسائر نشاط بلغت 000 057 87 جنيه مصرى وخسائر مبيعات بلغت حوالى 240 مليون جنيه مع نهاية العام المالى 2015/2016 وتدين للشركة "القابضة للأدوية" وشركة "الجمهورية للأدوية" بحوالى 200 مليون جنيه .
كما يعمل بالشركة اليوم ما بين 784 2 عامل تم تعيين حوالى 800 منهم فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 مباشرة ويعانون معظمهم من أمراض خطيرة مثل التهاب الكبد الوبائى وسرطان الكبد وسرطان الرئة والفشل الكلوى بسبب تعرضهم للكيماويات فى ظل سوء حال نظام الأمن الصناعى .

قصة الانهيار:
1.) الخلفية:
وبعد أن كانت "شركة النصر للكيماويات الدوائية" يوماً ما هى المصدر الأساسى لخامات الأدوية والمستلزمات الطبية فى السوق المصرى وكانت بالفعل تقوم بواجبها هذا على أكمل وجه، بدأت فى أخذ منحدر الهبوط عام 1994 مع ضمها لوزارة قطاع الأعمال فى عهد د/عاطف عبيد وقت أن كان وزيرها.
وبالرغم من أنها لم تلقى مصير العديد من شركات القطاع العام التى تم وضعها تحت تصرف هذه الوزارة، حيث بيع عدد كبير منها بأبخس الأثمان إلا أن الدولة قررت بين عشية وضحاها أن ترفع يدها تماماً عن "النصر للكيماويات الدوائية" لتواجه وحدها مُناخ اقتصادى متغير دون أن تلقى أى شكل من أشكال الدعم أو الحماية من الدولة، سواء مادى مباشر أو من خلال معاملات مُفضلة كانت موجودة فى الماضى.
كما بدأت بعض مصانع الأدوية إما فى استيراد الخامات أو اللجوء إلى التصنيع لدى الغير وإن لم يؤثر العنصر الثانى كثيراً على "النصر" لأنه كان يتعلق بالأدوية تامة الصنع وليس الخامات. هذا مع التنويه إلى أن الشركة نفسها تستورد الكثير من مُدخلاتها (حوالى 70%) حيث لا يختلف حالها كثيراً عن مصانع أخرى فى مجالات أخرى ويقتصر جزء كبير من إنتاجها على الخامات الوسيطة وليس الخامات الأولية، إما لعدم وجودها فى مصر كجزء من الثروات الطبيعية أو لضعف جودتها أو لصعوبة استخراجها أو تكلفة ذلك المرتفعة.
من تقرير قدم لوزير قطاع الأعمال تقدمت بها اللجنة النقابية للعاملين بالشركة لوزير قطاع الأعمال بتاريخ 13-11-2016.
" تحول نصيب شركات الأدوية الحكومية في السوق من 85% عام 69 الى 6.3% الآن ، واصبح 77% من حجم السوق يسيطر عليه 3 شركات توزيع فقط.
الشركة تواجه صعوبات قد تؤدى الى إغلاقها أهمها:
1- عدم توافر الخامات والرصيد لا يتعدى 3 شهور نتيجة لعدم توافر سيولة وارتفاع أسعار الخامات نتيجة لتحرير سعر الصرف دون تحريك سعر البيع.
2- مصانع الإنتاج الكيماوى تحتاج تطوير.
3- المنطقتان المعقمتان مغلقتان لعدم وجود سيولة لازمة للتطوير,
4- مصنع مرشحات الكلى تم تطويره لملاءمة الشعيرات الجديدة وتم تشغيله في يوليو 2015 والحصول على علامة الجودة من الشركة الألمانية في 25-8 -2016 وتم التقدم للحصول على موافقة وزارة الصحة المصرية في 6-9-2016،وحتى الآن لم نحصل على الموافقة."


2.) عناصر الخسارة:
لا تختلف عناصر الخسارة لدى شركة "النصر للكيماويات الدوائية" كثيراً عن مثيلتها فى شركات كثيرة أخرى تتبع القطاع العام أو قطاع الأعمال العام ويمكن تلخيصها فى كل من الآتى:
 زيادة سعر التكلفة مع ثبات سعر البيع نظراً لتسعير الدواء النهائى جبراً وبالتالى عدم قدرة الشركات المُصنعة على رفع أسعار شراء الخامات.
 منافسة الخامات المستوردة ردئية النوعية وغير المطابقة للمواصفات " طبقا لرؤية عمال شركة النصر" فى أحيان كثيرة ولكنها رخيصة الثمن وبالتالى يقبل المصنعون عليها بدرجة ما طيلة ما لا يهدد ذلك اعتماد الدواء من وزارة الصحة .
 ارتفاع بند الأجور (000 703 152 جنيه مصرى) إلى إجمالى إيرادات النشاط التجارى (000 002 239 جنيه مصرى) بما يقلص بشدة من الإنفاق على مصاريف التشغيل وتكوين الاحتياطيات.
 كثرة خطوط الإنتاج المتوقفة .
 تحميل تكاليف خطوط الإنتاج والمصانع المُتوقِفة على الميزانية العامة بما يزيد من الخسائر فى الحساب الختامى .
 إجبار الشركة على عمل تخفيضات غير منطقية فى أسعار التوريد لصالح مجموعات محددة من شركات القطاع الخاص.
 المديونيات المُستحقة لكل من "الشركة القابضة للأدوية" و"شركة الجمهورية للأدوية" القائمتين بعمليات تمويل الاستثمار والتوزيع واستيراد المُدخلات الأساسية سابقة الذكر.
 عمولات التوزيع المرتفعة التى تتقاضاها "الشركة المصرية للأدوية" .
 ضعف كفاءة إدارة الشركة إنتاجاً وتسويقاً وما يترتب على ذلك من خسائر.
وليس للشركة نفسها تعاملات مباشرة مع البنوك وبالتالى ليست عليها أقساط أو فوائد مديونيات للجهاز المصرفى .

3.) الفساد:
ولا تخلو قصة إنهيار الشركة من وقائع فساد مالى وإدارى، بل وانعدام الكفاءة لدى الكثيرين من القائمين على شئونها ومعظمها غير معروف بالطبع للعامة ولكن وقائع أخرى كانت محل اهتمام الجميع حتى وصلت لوسائل الإعلام ولم يعد بالتالى ممكناً التغطية عليها.
 استيراد خط كامل جديد مطلوب لتصنيع أحد أنواع فلاتر الدم التى تنتجها شركة ألمانية تتعامل معها "النصر" من سنوات طويلة إلا أن هذا الخط لم يتم تشغيله على مدار العامين الماضيين. هناك تباطؤ في التغلب على متطلبات الحصول على كود الجودة من الشركة الموردة .وما أرتبط بذلك من تؤخر الإستفادة من معدات حديثة تكلفت أموالا طائلة وصل إجماليها إلى حوالى 40 مليون جنيه مصرى . وبعد التشغيل هناك تباطؤ آخر من وزارة الصحة للتفتيش والمعاينة وإعطاء تصريح الإنتاج. كان الخط القديم بنافس عانى سرور ويدخل بأسعار أقل منه ، شب حريق في المصنع والفاعل مجهول .

 كما توجد مخالفات جسيمة تتعلق بالتعاقد مع بعض الموزعين وما تحتوى عليه تلك التعاقدات من مجاملات تتعدى مرحلة الاشتباه وتضيع بسببها على الشركة مبالغ تقدر بملايين الجنيهات وانكشف بعضها لدرجة أنه صدرت فى شأنها تقارير عن "الجهاز المركزى للمحسابات" تدين إدارة الشركة وأغلب الظن أن هذا هو قمة جبل الجليد فقط وما خُفى كان أعظم بكل تأكيد.

الحلول المقترحة لإعادة النهوض بالشركة وصناعة خامات الأدوية المصرية:
أ‌.) يرى البعض أنه لا أمل من إصلاح أحوال الشركة بشكل مستدام سوى فصلها عن "الشركة القابضة للأدوية" وبالتبعية عن قطاع الأعمال العام وعودتها إلى وزارة الصحة وهو قد يكون بالفعل الحل الأمثل فى ظل ظروف معين ولكنه أيضاً يبدو حلا بعيد المنال – إن لم يكن مستحيلا تماماً فى ضوء التوجهات الحالية للنظام الحاكم الذى ينتهج سياسية نيو ليبرالية عنيفة تستهدف بالتأكيد ما تبقى من القطاع العام سابقاً على المدى الطويل ، او حل الإنتاج الحربى للمشكلة مثلما حل مشكلة الألبان !!!!!
ب‌.) تحويل الشركة إلى ما يسمى وحدة ذات طابع خاص تُشرف عليها الدولة ولكن لا تتحمل أية أعباء مالية خاصة بها بحيث تصرف الشركة على نفسها ولكن لا تستهدف تحقيق أرباح رأسمالية تزيد عن احتياجاتها لتغطية الرواتب ومصاريف التشغيل وتكوين الاحتياطيات وربما أيضاً تمويل التوسعات المستقبلية دون أن يمس ذلك العمالة الحالية بالشركة أو دخولهم أو أن يؤدى إلى تخفيضها الآن أو مستقبلاً بما قد يضر بقدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها والحفاظ على جودة وكمية إنتاجها.
ت‌.) إعادة هيكلة وتقسيم الكيان إلى عدة شركات حسب التخصصات الإنتاجية حتى يمكن القضاء على جزء كبير من الخسائر التى تتسبب فيها ضخامة أى كيان بما يزيد عن المطلوب وتفرعه ويأتى فى مقدمتها ما ينتج عن عدم إمكانية تطبيق الأسس المحاسبية الحديثة وترحيل خسائر جزء من الشركة على جزء آخر وهلم جرا. وتكون الشركات فى هذه الحالة هى أيضا وحدات ذات طابع خاص. وأبلغ دليل على وجود إمكانية لذلك دون أن تفقد الشركة حجمها الإجمالى ووضعها فى السوق وقدراتها فى النهاية هى شركة "مصر للطيران" التى خضعت لعملية التقسيم هذه ولم تتأثر سلباً باعتبارها الناقل الوطنى ذو الوضع المميز.
ث‌.) ضخ حوالى 500 مليون جنيه مصرى لتحديث الشركة من حيث المعدات وماكينات خطوط الإنتاج وإجراء عملية إحلال وتجديد شاملة. والمبلغ المطلوب هنا بالطبع مبلغ صغير للغاية إذا ما نظرنا إلى حجم الشركة التى يمكن أن تعود إلى الحياة من خلاله ومدى الاستفادة للدولة والشعب من خلال ذلك.
ج‌.) وإذا ما تعذر تدبير هذا التمويل من موارد الدولة يُمكن كحل أخير اللجوء إلى زيادة رأسمالها عبر تحويلها إلى شركة مساهمة وطرح ما لا يزيد عن 10% من أسهمها للإكتتاب العام أو الخاص لمستثمر رئيسى ثم استكمال المبلغ المطلوب من خلال الحصول على تسهيلات مصرفية.
ح‌.) إعادة جدولة كافة مديونيات المستحقة على الشركة ووضع خطة سداد منطقية وقابلة للتطبيق عملياً.
خ‌.) إجراء تغييرات هيكلية فى إدارة الشركة / إدارات الشركات بما يؤدى إلى تخلصها من التراث العقيم لإدارة القطاع العام والذى هو فى الواقع سبب فشله وليس خطأ النظام فى حد ذاته كما يحلو لأنصار الخصخصة أن يدعوا فى كافة المناسبات وهو إدعاء أبعد ما يكون عن حقيقة الأمر.

د‌.) إعطاء الشركة / الشركات أفضليات ومعاملة خاصة فى الجمارك والضرائب وكافة أنواع الرسوم والحق فى استخدام مكونات كافة مكونات شبكة التوريد والتوزيع الحكومية حتى تتمكن من منافسة القطاع الخاص الذى يتميز أساساً بانخفاض تكاليفه بالمقارنة مع أى كيان حكومى, سواء تحدثنا هنا عن "شركة النصر للكيماويات الدوائية" أو غيرها.

التقييم العام والتوصيات:
نرى فى حالة "شركة النصر للكيماويات الدوائية" مثالاً صارخاً يعبر بوضوح عن الواقع الأليم لوضع الصناعة المصرية والاقتصاد المصرى بشكل عام حيث تدأب الدولة منذ أوائل التسعينيات – بعد أن كان حسنى مبارك قد استقر به الحال فى سدة الحكم وإطمأن إلى سيطرته شبه الكاملة على زمام الأمور كافة – على التدمير الممنهج لكافة الصناعات الوطنية المملوكة للشعب بهدف إظهار أنها منشأت فاشلة وخاسرة بسبب تبعيتها للدولة حتى يمكن بيعها بأبخس الأثمان إلى نخب الأعمال التى كانت قريبة من السلطة الحاكمة فى ذلك الوقت وهو الأمر الذى أزدادت شدته وأصبح لا ضابط ولا رابط له مع بزوغ نجم جمال مبارك فى أول الألفية وما صاحب ذلك من سيطرة سياسات نيوليبرالية متوحشة ومُشوهة فى ذات الوقت لما كانت مُحملة بأعباء ثقيلة للغاية من الفساد والسرقة العلنية تم من خلالها الاستيلاء على ملايين الجنيهات من قوت الشعب وعشرات الشركات والمصانع المملوكة له. وليس أدل على صحة ما أقول من الأحكام القضائية التى صدرت بشأن عودة بعض هذا الشركات إلى ملكية الدولة حيث كان بيعها مشوباً بالعديد من العيوب القانونية والمخالفات المالية.
وتتبع الحكومة فى تعاملها مع "شركة النصر للكيماويات الدوائية" نفس النموذج حيث ترفض عمليات إحلال وتجديد وتحديث وصيانة خطوط الإنتاج وتفرض شروطاً غير منطقية إلى أن تتعثر الشركة تماماً وتتحول إلى عبء كما أسلفت ثم يستغرق الجميع فى سرد الرواية الكاذبة للعامل المصرى الكسول الذى يريد فقط قبض راتبه فى مقابل لاشئ ولا ينفع معه سوى الجلد بكرباج صاحب العمل الخاص حتى يكون منتجاً بحق.
ولكن وكما قلت فى بداية هذه الورقة المختصرة تتسم كافة الصناعات المرتبطة بالأدوية بخصوصية شديدة وما قد يمكن قبوله على مضض فى مجال آخر، لا يمكن تقبله على الإطلاق هنا نظراً لحساسية المُنتج. فلو فقدت الدولة قدرتها على ضبط إيقاع صناعة وتجارة الأدوية، تكون قد فقدت أيضاً السيطرة على البلاد ومصير شعبها، بل ومصيرها هى نفسها كنظام سياسى.
وحتى لو افترضنا أن هناك ما يستوجب التحويل الجزئى إلى القطاع الخاص لا يمكن أن يتم ذلك بحال من الأحوال إلا فى إطار تحقيق مجموعة من الشروط والمقدمات المنطقية أولاً وهى يمكن تلخيصها فى كل من الآتى:
1.) إقامة نظام تأمين صحى شامل يضمن لجميع المواطنين الوصول إلى كافة أنواع الأدوية محلية الصنع والمستوردة التى ليس لها مثيل محلى بالمجان ما لم يكن المواطن من المقتدرين وبما يحتاج إليه من كميات وفقاً لتشخيص وتوصية أحد الأطباء المتخصصين أو المستشفيات.
2.) إقامة نظام يضمن توافر جميع أنواع الأدوية بالكميات المطلوبة فى كافة الأوقات وتلتزم فيه الدولة بتقديم كافة التسهيلات لاستيراد المواد الخام المطلوبة لعملية التصنيع المحلية بما فى ذلك تدبير العملة الصعبة المطلوبة لفتح الاعتمادات المستندية لدى البنوك.
3.) أن تتخذ الدولة كافة التدابير اللازمة لتعزيز الإنتاج المحلى للدواء، سواء خاماته أو الأدوية تامة الصنع وتقليص حجم الواردات منها إلى أقصى درجة ممكنة فى خلال فترة زمنية معينة تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام كحد أقصى وتتضمن كافة ما يصبو نحو هذا الهدف طيلة ما لا يخل بحقوق الدولة تجاه شركات القطاع الخاص.
4.) أن يتم حظر استيراد أى خامات سوى الخامات الأولية أو تلك التى لا تُنتجها "شركة النصر للكيماويات الدوائية" على الإطلاق أو أن قدرتها على الإنتاج تقل عن الطلب المحلى عليها وهذا إلى أن تتمكن من تصنيعها بالكميات التى تفى بكامل طلب الشركات العامة والخاصة وأى كانت جنسيتها.
5.) أن يكون تأسيس مصانع خاصة لإنتاج الخامات بما لا يوقع الضرر على "شركة النصر للكيماويات الدوائية" بأى شكل من الأشكال.
6.) أن تحتفظ الدولة بحق التدخل فى تسعير خامات الأدوية والأدوية تامة الصنع دون أن يكون ذلك بالضرورة على شكل التسعير الجبرى المباشر، بل يمكن الاكتفاء بتحديد هوامش ربح محددة بعد الاتفاق مع غرفة صناعة الدواء وبما يحقق صالح جميع الأطراف.
7.) أن تضع الدولة نصب أعينها تطوير الشركة وزيادة قدرتها الإنتاجية ورفع عدد المُشتغلين بها وتوسيعها قدر المستطاع بحيث يستفيد منها الإقتصاد القومى ككل بما يزيد عن قطاع الدواء تحديداً.

خاتمة:
أعلم تماماً أن هذه الورقة تحمل فى طياتها الكثير من الأحلام والأمانى غالباً ما سيكون تحقيقها ضرباً من ضروب المستحيل فى ظل المناخ الاقتصادى والسياسى المتردى الذى نعيشه منذ بداية عام 2014 تقريباً. فهناك دولة ترفض من حيث المبدأ على ما يبدو الإنصات إلى صوت العقل وفقدت أدنى مقومات الحكم الرشيد ولا تسمع سوى ما تريد سماعه وتتلاعب بمصائر مواطنيها كالجالس على طاولة القمار وترى فى وضع صحة وحيا’ هذا المواطن على المحك أمر هين يمكن المجازفة به فى أى وقت ودون تأنيب ضمير حتى.
دولة لا تعطى الأولوية لصناعاتها الإستراتيجية بشكل عام وتقبل أن تتحكم فى صناعة مصيرية مثل صناعة خامات الدواء مجموعة من رجال الأعمال والشركات المتعددة الجنسيات التى لا هم لها سوى تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح بصرف النظر عن صالح جموع الشعب الذين يجدون قوت يومهم بالكاد – إن وجدوه أصلاً – فما بالنا بالدواء.
الموضوع إذن لا تكمن إشكالياته الأساسية فى الجانب الاقتصادى أو التقنى ولكن فى وجود الإرادة السياسية من عدمها وإصرار النظام على انتهاك أبسط مبادئ الحق فى الصحة.

المرفقات:
1.) المؤشرات المالية للشركة للسنوات المالية من 2012/2013 وحتى 2014/2015
http://www.holdipharma.com/ar/home/Pages/nasr.aspx

2.) قائمة المراكز المالية للشركة للسنوات المالية من 2010/2011 وحتى 2014/2015



#سعيد_ابوطالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنظيم الحركة الإجتماعية فى مصر : النقابات نموذجا
- التقرير السياسى الصادر من الجمعية العمومية لحزب العيش والحري ...
- الجزء الثانى من التقرير السياسى لحزب العيش والحرية المصرى
- التقرير السياسى الصادر عن الجمعية العمومية لحزب العيش والحري ...
- صناعة العبوات الزجاجية في مصر وهدر الإمكانية
- صباح
- 8 ساعات عمل -2
- 8 ساعات عمل -1
- بارودة تسللت دون صوت
- التقرير السياسى الصادر من الجمعية العمومية لحزب العيش والحري ...
- دفء مقعد المقهى
- اجنحة الفراشات
- الحزب والابنية الوسيطة
- أطباء بلا حقوق ومهندسون ضد الحراسة
- المهدى
- تقرير سياسى لحزب العيش والحرية تحت التاسيس المصرى
- قراءة جديدة : فى الحاجة الى استراتيجية اشتراكية جديدة
- تنظيم الحزب والعمل الجماهيرى
- اليسار والنقابات المهنية
- اليهود والمسلمون


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - سعيد ابوطالب - شركة النصر للكيماويات الدوائية فى مصر