أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فالح الحمراني - رحلة تابينبة لجيكور السياب















المزيد.....

رحلة تابينبة لجيكور السياب


فالح الحمراني

الحوار المتمدن-العدد: 1420 - 2006 / 1 / 4 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


جيكور ياجيكور
شدت خيوط النور
ارجوحة الصبح
فاولمي للطيور والنمل من جرحي

وقع نبأ موت الشاعر الكبير بدر شاكر السياب في 24 كانون اول ( ديسمبر) 1964علينا موقع صدمة. وشعرت وزملاء جمعتنا محاولات كتابة الشعر والقصة وقراءة الاعمال الادبية مشحونين برغبة التغيير والانقلاب على الواقع المعاش حينذاك، شعرنا بالخسارة الفادحة، زادها ما نشرته الصحف العراقية عن ان ثمة عدة اشخاص فقط شاركوا في تشييع جنازة رائد الشعر الحر، وانه مات غريبا، في مستشفى في الكويت. وقال الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي في مقالة تابينية رقيقة في مجلة الهلال الصادرة حينذاك" لقد مات اعظم شاعر عربي معاصر" ومجد قصيدته الرائعة " انشودة المطر"، لقد الهبت كل تلك الاحداث، وربما عوامل اخرى زادتها، في ان موت الشاعر العظيم يجب ان لايمر دون ضجة، وعلى الناس وبعيدا عن الحكومة ومؤسسة الدولة تابين شاعرهم الكبير، وربما داخلتها شئ من مشاعر الطفولة الطازجة والرغبة لاجتراح فعل ما، وعدم تفويت حدث كبير الم بالامة وبالوطن ان يمر هكذا، كل ذلك الهمني وصديقي عبدالحسين المالكي الذي كان يكتب الشعر واصبح بعد ذلك مهندسا واحتفظ يشفافيته وروح غذاها الشعر، ان نزور جيكور راس مسقط الشاعر الكبير، التي رسمت قصائده عنها في اذهاننا صورة خيالية، قريبة من ان تكون منطقة الخلاص الابدي حيث السلام والامان والحب الابدي بعيدا عن اليومي الزائل والتصاقا بالمستديم.
لقد لاح لنا حينذاك اننا تقوم بمغامرة من اجل ذكرى شاعرنا، السفرنحن ابناء الرابعة عشر بمفردنا من مدينة العمارة الكسيحة الى البصرة الميناء الصاخب، ومن ثم ... الى جيكور التي لم نعرف اين تقع بالضبط، سوى انها في ضواحي ابي الخصيب.
وصلنا ابي الخصيب بعد منتصف النهار، وبدت لنا المدينة بائسة مثل كل المدن العراقية القاحلة، شارع رئيسي مترب وبيوت من الطين ذات طابق واحد ووجوه متعبة، واقترنت ابو الخصيب في مخيلتنا بثورة الزنج في البصرة حيث انطلقت من هناك شرارتها او كانت احد بؤرها الرئيسية كما قراءنا في دراسة فيصل السامر الرائعة والوحيدة حينذاك عن ثورة الزنج، ورحنا نسأل عن جيكور موطن بدر شاكر السياب. ولم يعر لنا احد الاهتمام فابناء البلدة نسوا او لم يسمعوا بواحد من افضل مواطنيهم، الذي جلب اسمه، الشهرة والمجد لبلدتهم، لايقل شانا عن شهرة ثورة الزنج. انه الشاعر السياب. لقد نسوا ان القبائل العرببة في غابر الازمنة كانت تقيم الاحتفالات بمولد الشاعر بينها وتروح تفتخر به بين القبائل الاخرى فكيف بك بالسياب الذي كان واحد من اؤلئك الذين احدثوا طفرة ونقلة في مسيرة الشعر العربي برمته.
واخيرا تطوع معلم بمرافقتنا الى جيكور. لاح طيبا وكان مخمورا بعض الشئ، قال انه يمت بصله بعائلة السياب، واشترط ان ندفع عنه اجرة الحافلة التي تقلنا الى جيكور القرية النائية ذهابا وايابا، ولم يكن امامنا سوى خيار الموافقة مع الامتنان له. ولاحت جوانب الطرقات من وراء زجاج نافذة السيارة التي اقلتنا ثرية باللون الاخضر والماء والسماء الزرقاء الصافية، بيد ان الطرقات كانت وعرة وكاننا نعبر طرق لم يمر بها الانسان، وامتدت قرى وبيوت تفوح من جوانبها رائحة الفقر والعوز وانها تأن من شظف العيش وغياب العدالة ومن الاهمال.
صدمتنا جيكور التي سيقول فيها السياب:

جيكورن جيكور: اين الخبز والماء؟
الليل وافى وقد نام الادلاء
والركب سهران من جوع ومن عطش
والريح صر وكل الافق اصداء
بيداء ما مداها ما يبين به
درب لنا وسماء الليل عمياء
جيكور مدي لنا باب فندخله
او سامرينا بنجم فيه اضواء

غابة غير متناهبة من النخيل. ورحنا نسير في دروب ضيقة بينها حتى بلغنا بيوت عائلة السياب. " خرائب فانزع الابواب عنها تغدو اطلالا" كما سيقول عنها السياب بعد ان يصبح شاعر كبير. وشاهدنا البيت حيث ولد السياب. قلعة كبيرة، لايمكن الافتخار بمزاباها المعماربة. انه باحة كبيرة تحتوي على غرف، مما يوحي ان عائلة السياب كانت كبيرة ومعروفة في المنطقة.
واشار لنا المعلم الى شباك في بيت مقابل وقال انه " شباك وفيقة":

شباك وفيقة في القرية
نشوان يطل على الساحة
كجليل تنتظر المشيه
وينشر الواحه
ابكار يسمح بالشمس
ريشات النسر وينطلق

وذهب بنا الى نهر بويب، الذي ارتسم في اذهاننا من خلال قصائد السياب عنه بانه يعبر عن الخلود ومصدر الديمومة ونضارة الحياة. وكما كانت خيبة الامل انه جغرافيا بعيد عن الصورة الشعرية التي اضفاها السياب عليه. فبدا لنا ساقية طويلة تخترق غابات النخيل ولكن ماءها جارى وحيوي، اذن فهو ماء الحياة. ولماذا سمي بويب. ومن اين ياتي بماءه. لم تبدوا تلك الاسئلة لنا بانها اسئلة حيوية، لاننا نتعامل مع نص شعري لاجغرافي:

اليك بابويب
يانهري الحزين كالمطر
اود لو عدوت في الظلام
اشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل اصبع كاني احمل النذور
اليك من قمح ومن زهور

وتجولنا في غابة النخيل اللامتناهية، كانت " الريح تسف" كما يقول السياب. وتميل كل نخله بهدوء كانها تلامس جارتها فينشأ حفيف رقيق وشفاف ليخلق همس متواصل، ولغة لايمكن ادراكها الا بالحس والشعور الداخلي. انها لغة الروح. وحينها خطر لي، من اجل ان تفهم السياب عليك زيارة هذه الانحاء. وان شخصا كالسياب لابد ان يخلق شاعرا بفضلها. وهناك في تلك الاصقاع النائية والبدائية تعثر على قاموس السياب الشعري، ومنها مصدر قصيدته.

ولم يجب المعلم الكريم على اسئلة كثيرة كانت تلح علينا عن شخصية السياب،كانسان وكشاعر. ولذلك اكتفى بان اعطانا عنوان ابن عمه وصديق طفولته وشبابه ( مع شديد الاسف نسيت الان اسمه) الذي دعانا بكرم لزيارته في منطقة الونبي الصغيرفي البصرة.
وقبل ام نتوجه الى زيارته، قررنا ان نضع اكليل من الزهور على قبر الشاعر الكبير في على قبره الكائن في مقبرة الزبير. ومع شديد الاسف، لم نشهد حينها ان قبر السياب الكبير كان يتميز عن القبور الاخرى بلوحة او رقيم، لتضبف على القبر ما يليق بمكانة نزيله في الثقافة العربية والعراقية.ووضعنا الاكليل المتواضع ونحن نشعر بالغصة.
وراح يحدثنا ابن عمه الرجل الوقور بود وحب واسى عميق عن السياب، قريبا له ومحبا له كشاعرا كبيرا. فالسياب كاي شخصية مبدعة عبقرية كان موهوبا في العديد من المجالات، وخاصة برقة احساسة. واتذكر انه خص منها ان بدرا كان عازفا ماهرا على الناي، وانه كان يرسم وله ذوق لغوي رفيع ومتوفقا في الدراسة وامتاز دائما عن اقرانه. وضمن ردود على اسئلتنا قال ان السياب لم يترك مذكرات او يوميات تثرية خاصة، وبقناعته فان مذكرات السياب او سيرته الذاتية الحقة، هي قصائده. وصدق فيما قال. وعن التقلبات السياسية التي اشتهر السياب يها وبرايه فان السياب كان حساسا ورقيقا كتن من السهولة التاثير عليه لذلك نراه والحديث لابن عمه، انتقل من انتماءه الشيوعي الى قومي ومن ثم تعاون مع مؤسسة الثقافة الحرة الاميركية مما اثار اللغط غير العادل حوله، وتحدث باسف بالغ عن ظروف دفن وتشييع السياب. ناهيك عن العدد القليل الذي رافق جنازة. وحدثنا عن ان مدير عام الموانئ العراقية الذي كان مقره في البصرة مزهر الشاوي، قد امر حال نبا موت السياب عائلته المكونة من زوجته اقبال ونجله ابن الست اعوام حينذاك غيلان، اخلاء البيت الذي كان بسكنوه العائد لادارة الموانئ. فالسياب كان محسوبا موظفا في مديرية الموانئ. وافاد بان الشرطة حضرت مساء يوم التشييع واخلت البيت بالقوة، ورمت باثاث عائلة الشاعر بلا رحمة على قارعة الطريق فاضطرت عقيلته وطفلها الانتقال الى بيت اخيها. واعطانا عنوان اخ عقيلة السياب اقبال التي كانت تسكن عند اخيها، لزيارتهم.
ورغم ان اخ اقبال، استقبلنا بترحاب، الا انه ابلغنا باستحالة الالتقاء باقبال، لعدم مرور 40 بوما على موت " بعلها" السياب وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية. واعتذر ايضا في ان ينظم لقاء مع نجل السياب "غيلان" الذي ذهب توا الى المدرسة الابتدائية، وفسر ذلك بان العائلة لم تبلغ الطفل عن موت ابيه وقالت له ان ابيه في سفر، وان التقاءه بغرباء سوف يثير شكوكه.
استقبلنا كل ذلك بتفهم. واكتفينا بالحديث عن السياب وعلاقاته العائلية وعلاقته بزوجته "اقبال" التي صدر ديوانه الاخير باسمها وكتب اخوها هذا مقدمته.
بعد فترة من عودتنا الى العمارة وصلتنا رسالة رقيقة بخط تلميذ الصف الاول ابتدائي غيلان، يعرب فيها عن امتنانه لزيارتنا له ورغبتنا في التقاءه واسفه انه كان حينها قد اوى الى فراشه.
هكذا يعيش الشعراء بيننا، وهكذا تتعاطي مجتمعاتنا مع شعراءها، وليس معهم وحسب، ناسية ان الشاعر الكبير ظاهرة سحرية لاتتكرر وكنز لايمكن التفريط به هكذا، فهل يمكن القول انها مجتمعات حية، طامحة لمستقبل افضل، وقابلة للصعود على سلم التطور والارتقاء. التعامل مع السياب حينا كان على قيد الحياة وميتا كان اشارة خطر. فها نستفيق.


اين ابي وامي ... اين جدي واين ابائي
لقد كتبوا اساميهم على الماء
ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
وداعا ياصحابي يا احبائي.
اذا ما ما شئتموا ان تذكروني فاذكروني ذات قمراء
والا فهو محض اسم تبدد بين اسماء
وداعا با احبائي



#فالح_الحمراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب ومجابهة التحدي النووي
- ليلة انهيار الاتحاد السوفياتي
- التمرين الكبير نحو الديمقراطية في العراق
- نجاد وابعاد تصريحاته في القمة الاسلامية
- تناقضات محاكمة صدام
- في مفهوم العراق الجديد
- في مفهوم -العراق الجديد-
- قراءة في موقف روسيا من سوريا وايران
- مَن المستهدف بعد الاردن؟
- الخوف من الماضي او روسيا والتخلي عن ثورة اكتوبر
- القوائم الانتخابية واصطفاف القوى السياسية في العراق
- صدام و بينوشية ونهاية الدكتاتورية
- -روسيا وعقدة - الشقيق الاصغر
- السياحة في عصر العولمة
- في ايديولوجية العنف والاغتيال السياسي
- الوضع العراقي. قراءة في احتمالات تطوره
- العراقي وخياراته المتاحة
- ايران في استرانيجية الكرملين الجديدة
- الشيوعييون الروس والقضية العراقية
- في ضوء التجربة العراقية الهروب العربي من الديمقراطية


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فالح الحمراني - رحلة تابينبة لجيكور السياب