أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مولاي عبد الحكيم الزاوي - الشباب والاندماج الاجتماعي: نحو حفر مغاير















المزيد.....

الشباب والاندماج الاجتماعي: نحو حفر مغاير


مولاي عبد الحكيم الزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5346 - 2016 / 11 / 17 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" الشباب والاندماج الاجتماعي: نحو حفر مغاير"
مولاي عبد الحكيم الزاوي
أستاذ باحث/ مراكش
زمن جديد، ومرجعيات جديدة، تقتحم الحديقة السرية لقلعة الشباب، وتعيد رسكلة الخطاب والممارسة، بتصور مانوي، يقيم شرخا بين دولة تتمخزن، وفرد يتنطع.
ثمة "أزمة عسر الهضم" حسب "يان بورما" و"أفيشاي ماركليت"، تجعل الشباب المغربي يفقد رومانسيته تجاه الدولة، تجاه السياسة بمفهومها التقليدي، ليخرج من وراء شبكات الميديا الجديدة منصبا نفسه سادنا للوضع الجديد، وصانعا لقرارات الرأي العام.
تتبدى الدولة بالنسبة لي كهاجس، فهي تختفي تماما كدولة عقد اجتماعي، وتظهر كمجرد مؤسسات إدارية، ليقع خلط بينها وبين النظام. لا بد إذن، من إعادة تأسيس الدولة في كل أرجاء العالم العربي، كدولة عقد إجتماعي، وليس كبنية سلطوية، تتحكم في الرقاب والعباد.
أرقام جديدة، تُحتجب عن مُدبري الشأن العام، تكشف عن بؤس بنيوي، يعتور وضعا على وشك الانفجار، وضع يسير بنا نحو الهاوية، يجعلنا نَسكن مغربا يُحضر نفسه عن سبق اصرار وترصد للهاوية، مغرب يتقاسم " طاجين المخزن" بتوصيف الاقتصادي الراحل إدريس بن علي، دون مراعاة لبعد المواطنة وسياسة الاندماج الاجتماعي، دولة تعيد إلى الصورة، سؤالا حارقا، سبق وأن طرحه الفيلسوف ادغار موران إلى أين نمضي بهذا العبث؟
داء العطب قديم كما صدح بذلك السلطان مولاي عبد الحفيظ، وهو يواجه نفسانية مغربية متواكلة، تستنجد بالأجنبي في لحظة تيه وجودي، وتُحضر مغربا لحماية أجنبية، ستدفع بهندسة سياسية واجتماعية جديدة، ثلاثة أرباع يتقاسمون بؤسا اقتصاديا، وأقلية ترفل نعيما، وتتقلب ثراءا.
ينطرح الحاضر بنار أسئلته الصاخبة، وتبرز "الوعكات السياسية" و"العياء الأيديولوجي" و"الكاريزمية الجوفاء" المتطاحنة في زمن الهويات السياسية والعقدية، والاستبلاد المنمط بأقنعة صناديق الاقتراع، دافعة بروني كاليسو، واحد من مشرحي منجزنا السياسي يصيغ مقولة "التكرار" كبراديغم محايث لتاريخانية فعلنا السياسي.
فداخل الدولة الصارمة، التي قضت بدولنة المجتمع، وبجعل السلطة تنغرس بشكل مثير في فضائنا اليومي، وقامت باستبعاد الإنسان من دائرة الضوء نحو أقبية النسيان، تعليما وتثقيفا، تربية وتنشئة، وعبر مقولة "الدولة المسرح" لرائد أنتربولوجيا الأديان المقارنة كليفورد كيرتز، تكونت هذه النفسانية المغربية، العصية على الادراك والاستيعاب، المتمردة على كل مقاسات التحليل النفسي المعتادة، المنحلة من كل التوصيفات السوسيولوجية، التي تربت على الانهزامية والتواكل، على الخنوع والانبطاح، على الاستنجاد بالأجنبي في لحظات التيه والضياع، على الانشداد الوجداني للميثولوجيا، كلما عجز مُدركها العقلي عن تفكيك الأشياء، على التماهي مع الاستبداد السياسي، الماتح من تجربة المخزن التاريخية، على الاستسلام الوجودي من الآخر المتفوق في لحظة عدم. تكلس واحتباس سياسي، يصنع مغربا بلا معنى، بمثابة قطعة بيتزا بلا حدود لعرَّابي الرأسمال الأجنبي.
نفسانية تاريخانية استدمجت القابلية للأشياء، وقضت بأن تكون على هامش الوقائع، كما ارتضت القابلية للاستعمار، كما تفصح عن ذلك "استبانة" العروي الأخيرة، ورضت أن تعيش خارج "مداراته الحزينة"، بل وتقاذفت طاجين لحظة الإستقلال بعبارة رجل الاقتصاد الراحل ادريس بن علي، دونما إحساس بعمق اللحظة السياسية، وبمسؤولية الزمن التاريخي، وما تقتضيه من حس وطني مرهف، ومسؤولية أخلاقية في تدبير أشد اللحظات عتمة في استوغرافيتنا التاريخية، فهل تلخص مأساتنا حاضرا في تواكل نخبنا مع الفساد، في تماهي الحماية الأجنبية مع تقاليد مغربية منغرسة في وجدان المغاربة، ورعايتها لمغرب الاستقلال ؟
موضوعة الشباب وعلاقتها بسياسة الاندماج الاجتماعي أضحت انهجاسا مركزيا، يدخل ضمن خارطة اهتمامات باحثي العلوم الاجتماعية، والواقع، يتغدى هذا الاهتمام من كونه أضحى يثير نقاشا صاخبا من طرف كل مكونات المجتمع حول نجاعة الدولة في ردم الهوة.
ما أعرضه على القارئ في هذه الورقة، انجاز خطاطة نظرية، تشكل مداخل تبسيطية، تروم بناء أرضية أولية تتفاعل مع قضايا الشباب ورهاناته الكبرى في واقع متحول، متنطع من كل المقاسات والبراديغمات السوسيولوجية، في وضع موسوم بالمخاض. محاولة بسيطة تكشف عن ومضات معتمة حول واقع الشباب بالمغرب، أرقام ومؤشرات تسكن أقبية المنسي:
المدرسة العمومية تُلقن الجهل بالمجان، والمدرسة الخصوصية تلقنه بمقابل، مدرسونا يلقنون الجهل ويقتلون الحياة، أطباؤنا لا يتعجلون في المستعجلات، قضاتنا يكيفون الحق وفق التسعيرات، مهندسونا يغشون في البناء والدعامات، فقهاؤنا أعلنوا الدين جلابيب وعباءات، طلابنا يغشون في الاختبارات ويعتبرون ذلك حق، ولائحة العبث طويلة، تذكروا أيها السادة الكرام:
تذكروا أن 80 بالمئة من المغاربة بلا تغطية صحية، طبيب واحد لكل 15 ألف شخص نسمة، سرير واحد لكل 80 ألف مريض " الطوغو وأفغانستان"، ألف طفل يغادرون المدرسة كل سنة في واحدة من أعلى معدلات الهدر المدرسي بالعالم، 70 من العائلات عاجزة عن إكمال الشهر بلا اقتراض، 95 بالمئة يجهلون سمك الكروفيت، 90 بالمئة يصرحون بعدم القدرة على القيام بسفر كل سنة إلى منطقة ما رفقة العائلة،4 بالمئة من الأجراء يلتهمون 60 في المائة من الكتلة الأجرية، مغربي من أصل 100 يشتري كتابا كل 3 سنوات في واحدة من كون كره الكتاب يشكل خيارا استراتيجيا لدى المغاربة، 99 بالمائة من الأساتذة لا يقرأون إذا قرأوا فمن أجل دراهم الترقي المهني، رجال الدين جَرُّوا إلى خدمة الأمير، إلى تكنيس وتبيض أوساخ النظام، تلفزاتنا قنوات واد حار حقيقي، برامجنا الثقافية تشكل أقل من واحد بالمئة مما يتم بثه، مدارسنا تلقن الجهل، مستشفياتنا تخربيقات سوريالية، أطفالنا لا يجدون أمامهم ولو متر واحد لممارسة طفولتهم بسبب تكالب مافيات العقار،80 بالمئة من أحيائنا غير صالحة جزئيا أو كليا للعيش، مغرب يضيع كل يوم 10 مليار سنتيم فقط في التهرب الضريبي، أقل من 10 من الشركات تصرح بأرباحها الحقيقي، رجال أعمال كبار مشغولون بالخروج إلى الأسواق الافريقية بعد بدء الشعور بنفاد إمكانيات النهب الداخلي" بقرة جف حليبها"،99 بالمئة من نخبنا الفائقة تضع أطفالها في مدارس البعثة الفرنسية، ولا صانع قرار واحد بالمغرب يعالج نفسه بالمغرب، أغلبية مثقفونا مشغولون بالحداثة " الكتابة" "الشعر" "الذات" "الهوية" "الثرات" "صناعة النجاح": علم النفس المخزني،99 من نخبنا النسائية منشغلات بالشوبينغ والحب والسعادة، الأغلبية الساحقة لنسائنا منشغلات يوميا بالأيام العالمية "ديال التخمال والتسياق أو تبدال التلامط"، أغلبية الرجال يلهثون وراء الحساب البنكي المريح، معظم أساتذتنا أصبحوا سماسرة نقط، نتائج، صفقات بيداغوجية. معظم أطبائنا جزَّارة، معظم محامينا قضاتنا نصَّابة. الديون المغربية الداخلية والخارجية تقارب 600 مليار درهم أي تقريبا 70 من الناتج الداخلي،100 في 100 من القرارات التي تحسم حيواتنا لا يتخذها البرلمان ولا الحكومة ولا أي مؤسسة منتخبة.
تحول عميق يعتور مسارات الشباب، في حاجة إلى ماهدين، لا يكتفون بشرح العالم بل بتغييره، جرأة مضاعفة، لمراجعات عميقة، تنأى بنفسها عن استعداء الغرب، ونظرية مؤامرته التي عمرت ردحا في الأقانيم المقدسة للتفكير. حداثة لم نصغها، دعت البعض منا إلى الاستنجاد بالأصوليات، لتحصين ذات منجرحة.
الديموقراطية لا يمكن أن تقوم في مجتمعات تنعدم فيها شروط المواطنة، وقيم العدالة الاجتماعية، ويتم فيها الخلط بين الدولة والنظام.
الاضطرابات التي نعيشها أعراض لتداخل لتضارب مشاريع مجتمعية، لم تصل بعد إلى مرحلة النضج، جعلت الأكاديمي الأردني مروان معشر، يقول" اليقظة العربية الأولى كانت يقظة نخب من دون جماهير، والربيع العربي ثورة جماهير من دون نخب. وهو يميط لثاما، عَمَّر لسنوات داخل أروقة الفكر، عن علاقة ملتبسة، بين سياسي مرتبك ومثقف حصيف.
رجل السياسة ينطلق من الممكن، ويتحرك وفق مساحة محدودة، المثقف يرنو الى المأمول، لا تحده موانع، ولا يخضع لتوافقات، ولا يرضخ لتسويات.
هل يستقيم إذن أن نتحدث عن تحديث للدولة والمجتمع من دون زعزعة التقاليد، من دون اثارة المياه الآسنة لغفير الناس، في وضع يتأرجح بين فسطاطين: بنية تقليدية تخضع لإيقاع التقاليد" القَاعدة" بتوصيف دار المخزن، وبنية عصرية " المخزن الشريف العصري"، ألا يمكنان نقول مع المؤرخ إريك هوبزباوم أننا نسير في سياق عملية "استحداث التقاليد".
نريد حداثة من دون نسغها الفكري، نريد طرقا وسكك حديدية وموانئ ومطارات، من دون جامعات، وبما يمكن أن تولد من مطارحات وفكر نقدي، في وضع يشكل فيه الحنق على أسئلة العلوم الانسانية خيارا استراتيجيا للدولة، أو لم يقل صاحب "استبانة" المؤرخ عبد الله العروي في هكذا سياق " يتم توظيف التقاليد أكثر من الايمان بها".
هذه السكيزوفرينية، الآنفة من الحداثة الفكرية، ستجعل الدولة تنتقل من لحظة "استحداث التقاليد" إلى "عملية الضبط"، ومن "الضبط نحو "المراقبة"، وهو ما تشهد عليه محطات مفصلية من تاريخ المغرب الراهن، من ثورة الشباب سنة 1965 التي أعقبت قرار طرد التلاميذ من المدارس، وانتفاضة 1984 التي أسهب في تحليلها الباحث محمد الطوزي.
الشباب المغربي يعيش "تغريبا لا شعوريا"، بتقمص من الفيلسوف الايراني دريوش شيغان، جرح، يمتح وجودي، يمتح من ممارسات الغاب الاجتماعي، وتكالب همجي تشيعه العولمة، بما يقوم عليه من تفكيك لمحيط الحياة، ألقت بالشباب كما يقول المثل الفرنسي في ماء الحمام.



#مولاي_عبد_الحكيم_الزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الرحمان اليوسفي: من عدو للنظام إلى صديق للملك
- -قلق البارادايم- مصطفى غلمان.
- سوسيولوجيا الحُگرة.
- رواية سنترا
- -ظل الأفعى- يوسف زيدان.
- حينما يحاكم القضاة الأدب عوض النقاد
- استبانة العروي
- جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية ( 3)
- جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية ( 4)
- جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية ( الجزء الثاني ...
- البيئيون الجدد
- جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية
- في ماهية النقد التاريخي (الجزء الأول)
- صرخة ضمير
- سدنة الميكيافيلية الجديدة
- قراءة في كتاب -المخزن في الثقافة السياسية المغربية-
- تدريس التاريخ بالمدرسة المغربية.
- قصيدة: -رحيل في درى الذلقراطية-
- التفكير التاريخي وتعلم التاريخ La pensée historienne et l’ap ...
- جاك بيرك والحلم المغاربي المجهض


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مولاي عبد الحكيم الزاوي - الشباب والاندماج الاجتماعي: نحو حفر مغاير