أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسقيل قوجمان - حقوق الانسان وقوانينها















المزيد.....


حقوق الانسان وقوانينها


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1413 - 2005 / 12 / 28 - 10:52
المحور: حقوق الانسان
    


العاشر من كانون الاول (ديسمبر) من كل عام هو يوم حقوق الانسان، تجري فيه المظاهرات والاجتماعات وتكتب فيه المقالات والبحوث مطالبة بتحقيق حقوق الانسان والالتزام بقوانين حقوق الانسان وفضح خروقات حقوق الانسان الى اخر ذلك من النشاطات التي تجري في هذا اليوم بصورة خاصة وفي كل ايام السنة بصورة عامة.
ولكن ما هي حقوق الانسان؟ كما هو الحال في دراسة كل ظاهرة دراسة علمية يجب أن نبدأ بتعريف الظاهرة التي نريد بحثها، ينبغي علينا من اجل بحث هذه الظاهرة ايضا، ظاهرة حقوق الانسان، ان نضع تعريفا قبل كل شيء لكلمة الانسان. علينا ان نجيب على السؤال من هو الانسان؟
ان تعريف الانسان بصفته جزء من الطبيعة سهل وواضح. هو كل جسم حي منتصب القامة له يدان صالحتان للعمل وله دماغ قادر على التفكير والاستنباط والتعبير عن افكاره بالكلام او الكتابة، هو كل ما يسمى كائنا بشريا.
ولكن تعريف الانسان كجزء من المجتمع ليس بهذه السهولة والوضوح. ان تعريف الانسان كجزء من المجتمع يختلف باختلاف المجتمع ذاته. فتعريف الانسان في المجتمعات الطبقية من العبودية الى الراسمالية هو احد افراد الطبقة الحاكمة. فالانسان في مجتمع العبيد هم اسياد العبيد. اما العبد فلم يكن يعتبر انسانا او ينظر اليه كانسان. كان العبد حيوانا ناطقا يمتلكه سيد العبيد امتلاكا تاما. واذا اردنا ان نعرف حقوق الانسان في المجتمع العبودي فهي بالدرجة الاولى حقوق اسياد العبيد في امتلاك العبيد واستعبادهم وقتلهم وبيعهم وشرائهم وارسالهم للحرب تحقيقا لمصالحهم وكل حقوق العبيد تتلخص بما يتفضل عليهم اسياد العبيد من غذاء وكساء والسماح لهم بالتزوج لانتاج المزيد من العبيد. وحتى الغذاء والكساء لم يكن حقا من حقوق العبيد وانما كان وسيلة يضطر سيد العبيد ان يقدمها الى العبد من اجل مواصلة استغلاله والحصول على خدماته ومن اجل زيادة ثرواته. ولم تكن تشريعات مجتمعات العبيد تأخذ العبيد بالحسبان باعتبارهم بشرا مثل اسياد العبيد.
ولكن العبيد لم يرضخوا رضوخا تاما لهذا الوضع وعملوا على تحقيق بعض الحقوق لهم لم يستطيعوا نيلها الا بالثورة على اسيادهم. فكانت ثورات العبيد وتحول المجتمع الى المجتمع الاقطاعي. فما هو تعريف الانسان في المجتمع الاقطاعي؟
هنا ايضا كان الانسان يشمل افراد الطبقة الحاكمة. اما القن مصدر ثروات الاقطاعيين فليس انسانا وانما اداة انتاجية شأنها شأن الدواب يستطيع الاقطاعي ان يبيعه او يشتريه ويستخدمه كما يشاء، وحقوق الانسان في المجتمع الاقطاعي هي الاخرى حقوق الاقطاعيين في استغلال الفلاحين وبيعهم وشرائهم وتسخيرهم واستخدامهم في حروبهم وكل ما حققه الاقنان في العهد الاقطاعي هو حقهم في الحياة اي لا يجوز للاقطاعي قانونا ان يقتل القن وهذا حق اكتسبه الاقنان رغم ان الاقطاعيين كانوا يغمطون هذا الحق فيقتلون الاقنان وينتهكون اعراضهم بدون ان ينالوا عقابهم. نشأت البرجوازية في احضان المجتمع الاقطاعي وهي التي قادت الثورات البرجوازية الاولى ضد الاقطاع بحجة تحرير الانسان من قيود الاقطاع ولكن ما حققوه كان سيطرة البرجوازية على السلطة بدلا من الاقطاعيين.
من هو الانسان في المجتمعات الراسمالية؟ اذا تتبعنا تاريخ نشوء المجتمعات الراسمالية نجد ان الوضع لم يختلف عن المجتمعات السابقة، اي ان الانسان فيها هو الراسمالي وحقوق الانسان مقتصرة على حقوق الراسماليين. فالراسمالي له الحق في امتلاك ادوات الانتاج والارض والثروات الطبيعية وله الحق في استغلال العامل لقاء الاجور التي يدفعها له. ولا نجد في المجتمعات الراسمالية الاولى اية حقوق للعمال. فالبرجوازي الذي يشتري قوة عمل العامل ليوم يرى من حقه ان يستخدم السلعة التي اشتراها يوما كاملا. ولم يتنازل الراسماليون عن بعض ساعات اليوم الا لغرض استمرار وجود العمال وبقائهم على قيد الحياة وانجاب عمال اخرين يحلون محلهم لدى وفاتهم. كان يوم العمل انذاك في انجلترا مثلا ۱٦ ساعة او اكثر ولم يكن العامل يستطيع الوصول الى مسكنه في فترة راحته وانما كان ينام على سطح المعمل الذي يعمل فيه. وكانت قوانين حقوق الانسان الراسمالي تشمل حق استعادة العامل الذي يهرب من ارهاق يوم العمل بحيث ان القانون كان يجبر العامل على العودة الى معمله مع وسمه بوضع حلقة حديدية حول عنقه او بقطع احدى اذنيه للدلالة على انه هرب للمرة الاولى اذ ان قانون حقوق الراسمالي كان يتطلب اعدام العامل اذا هرب من المعمل مرة ثانية. ليس هنا موضوع بحث الظروف التي كان يعاني منها العمال في الفترة الاولى من نشوء المجتمعات الراسمالية ولا وصف قوانين العبودية التي نشأت في المجتمع الراسمالي الاميركي بخصوص العبيد المستوردين من افريقيا. فكل ما اريد الاشارة اليه هو ان حقوق الانسان في تلك المجتمعات كانت تعني حقوق الطبقة الراسمالية وحدها ولا توجد اية حقوق للانسان غير الراسمالي.
ولكن المجتمع الراسمالي اختلف اختلافا جوهريا عن المجتمعات السابقة. ما يهمني في هذا المقال اختلاف السلعة التي تشكل مصدر ارباح الطبقة الراسمالية الحاكمة. ففي المجتمع العبودي كانت السلعة الاساسية هي العبد. فالعبد سلعة يمتلكها سيد العبيد كما يمتلك الحصان والحمار. ويقوم سيد العبيد باستغلال هذه السلعة كما يشاء الى درجة قتلها والتخلص منها اذا لم تعد صالحة للاستغلال. وكانت السلعة في المجتمع الاقطاعي هي القن. ولكن صورة استغلال هذه السلعة اختلف عن صورة استغلال العبيد. كان من حق الاقطاعي ان يستغل القن في خدمة مزارعه مدة معينة ولنقل ثلاثة ايام في الاسبوع وان يسخره في الخدمات التي يجدها ضرورية لتحقيق اغراضه. ولكن القن حصل على بعض الحقوق اذ كان يحصل على قطعة ارض يزرعها ويعيش من انتاجها رغم ما يعتور ذلك من استغلال اضافي يحرم القن من امكانية العيش بدون الاقتراض من الاقطاعي.
اما السلعة في المجتمع الراسمالي فاصبحت قوة عمل العامل. فالراسمالي يشتري قوة عمل العامل لمدة يوم كامل. تختلف سلعة قوة العمل عن جميع سائر السلع بصفة تتعلق مباشرة ببحثنا حول حقوق الانسان. فكل السلع التي يشتريها الانسان تنفصل عن بائعها عند الشراء. فبائع السلعة يسلمها للمشتري ويقبض ثمنها بحيث ان المشتري يصبح حرا في كيفية استعمال السلعة بدون ان تكون للبائع اية سلطة عليها. ولكن سلعة قوة العمل تختلف تماما عن جميع السلع الاخرى بكون السلعة مرتبطة ببائعها. فلا يستطيع الراسمالي استغلال السلعة التي اشتراها، سلعة قوة العمل، بالانفصال عن بائعها العامل. لكي يستغل الراسمالي سلعة قوة العمل التي اشتراها يجب ان يكون بائعها معها اي العامل نفسه. ولكن قدرة العامل على تقديم العمل الى الراسمالي محدودة بالطاقة البشرية. ومنذ نشوء شكل الاستغلال الراسمالي ظهر معه الصراع بين مشتري سلعة قوة العمل وبائعها. فمن حق الراسمالي الذي اشترى سلعة قوة العمل ودفع ثمنها ان يستغلها مدة اليوم الذي دفع ثمنه. ولكن قدرة العامل على تلبية حق الراسمالي في استغلال قوة عمله ليوم كامل محدودة بضرورة راحة العامل وتغذيته وحياته العائلية. ومنذ البداية نشأ الصراع بين بائع سلعة قوة العمل، العامل، وبين مشتري سلعة قوة العمل، الراسمالي. نشأ صراع طبقي حتمي بين العامل والراسمالي.
في هذا الصراع كان العامل يعمل على اغتصاب بعض الحقوق من الطبقة الراسمالية. وقد اتخذ هذا الصراع اشكالا كانت دامية احيانا. ونظرا الى ان عمل العمال في المصانع والمعامل اصبح اجتماعيا فقد اتخذ الصراع نفسه شكلا اجتماعيا، كالاضرابات والتنظيمات العمالية التي تعمل على الحصول على بعض الحقوق بطريقة المفاوضة الاجتماعية وغيرها. وقد نجحت الطبقة العاملة في الحصول على بعض الحقوق التي اصبح حتى الراسماليون يعتبرونها جزءا من حقوق الانسان. فتحديد يوم العمل بثمان ساعات مثلا وصيانة سلامة العمال واغتصاب حق التنظيم النقابي والسياسي وحرية التعبير عن الراي والصحافة وغير ذلك من الحقوق اصبحت حقوقا نعتبرها اليوم حقوقا طبيعية.
هنا نأتي الى صلب موضوعنا وهو قوانين حقوق الانسان. فقانون حقوق الانسان الذي وضعته الامم المتحدة والقوانين الاخرى السائدة في بعض الدول الراسمالية تتضمن بعض الحقوق غير الحقوق المعترف بها للطبقة الراسمالية. ولكن طبيعة هذه القوانين تبقى في الاساس قوانين تضمن حقوق الطبقات الراسمالية ولا تكون الحقوق التي حصل عليها العمال عن طريق النضال الدائم المتواصل سوى قوانين فرعية.
ان ما نسميه اليوم قانون حقوق الانسان على هذا الاساس يتضمن نوعين من الحقوق. الحقوق الثابتة التي لا يمكن المس بها، حقوق الراسماليين، والحقوق المتغيرة غير الثابتة، حقوق غير الراسماليين. الحقوق الثابتة هي حق الراسمالي بتملك ادوات الانتاج والثروات الاجتماعية. حق شراء قوة عمل العمال واستغلالها. حق الاستيلاء على ثروات الشعوب الاخرى واستعمارها بقوة السلاح. هذه الحقوق الراسمالية حقوق ثابتة لا يمكن المساس بها واذا تجرأ احد على المساس بها فمن حق الراسمالي ان يستخدم افظع الاساليب الدكتاتورية لحمايتها ومصير من يمس بها السجن والقتل والتعذيب. اما الحقوق الاخرى فهي حقوق تتحقق بالصراع الدائم بين الراسماليين والدولة التي تمثلهم وبين غير الراسماليين من عمال وفلاحين وكادحين وما بينهم من مراتب متوسطة. وهذه الحقوق حقوق متغيرة نظرا الى ان الطرف الراسمالي فيها يحاول تقليصها والغاءها بينما يحاول الطرف الثاني صيانتها وتوسيعها. وهذا صراع دائم نشاهده يوميا في حياتنا اينما كنا. صراع يدور في ارجاء العالم امام اعيننا كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة.
قد يكون من المفيد ذكر امثلة من مثل هذا الصراع في الدول التي تسمي نفسها دولا ديمقراطية. فقد حصل العمال بعد نضال طويل على حق الاضراب. والعمال يمارسون هذا الحق في البلدان المسماة بالبلدان الديمقراطية لاجبار الراسماليين على تلتبية بعض مطالبهم كزيادة اجورهم او تقليص يوم عملهم وغير ذلك. ولكن حين يشكل الاضراب ازعاجا للراسماليين او مسا بحقوقهم او لدولتهم فان هذه الدولة الديمقراطية حالما تتحول الى دولة بوليسية تستخدم قوات الشرطة والعملاء لتحطيم الاضراب واذا عجزت عن ذلك فلا تتورع عن استخدام الجيش لهذا الغرض. اذكر مثالا على ذلك اضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا قبل سنوات واضراب عمال المطافئ في انجلترا.
حصلت الجماهير العمالية وغير العمالية على حق التظاهر بعد نضال طويل. ولكن جميع الدول المسماة ديمقراطية تشترط اجازة التظاهر. فعلى المتظاهرين ان يعلنوا عن نيتهم التظاهر والحصول على اجازة التظاهر من الدولة لكي تقوم الدولة بتوفير حراستها بعدد من الشرطة قد يزيد احيانا عن عدد المتظاهرين. فاذا حدثت المظاهرة بدون موافقة الحكومة اعتبرت مظاهرة غير شرعية يتعرض المتظاهرون فيها لاقسى انواع القمع كخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والاعتقالات وحتى اطلاق النار والقتل في الكثير من الحالات.
حصلت الجماهير على حق تأليف الاحزاب والمنظمات المهنية والاجتماعية مثل النقابات ونقابات المحامين والمهندسين والمنظمات الاجتماعية كمنظمات الشبيبة والنساء وغير ذلك. ولكننا نعلم ان احزاب الطبقة العاملة تضطر الى العمل السري نظرا لان الحكومات ترفض اجازتها ثم تعتبرها احزابا ممنوعة غير شرعية. وتاريخنا العراقي شاهد كبير على ذلك قدم الحزب الشيوعي العراقي قادته الذين اعدموا لسبب واحد هو كونهم شيوعيين.
وما نراه اليوم من غمط حقوق شعوب الولايات المتحدة وتضييق الخناق على الجماهير بحجة مكافحة الارهاب وما نسمعه عن نضال الاتحادات العمالية في سبيل استرجاع حق المفاوضة الجماعية الذي الغته ادارة بوش مثال رائع على ذلك.
واذا اشتدت حركة شعبية للنضال من اجل حقوق انسانية كالمساواة امام القانون كان لدى الدولة سلاح بتار هو حالة الطوارئ او الاحكام العرفية التي تلغي الدستور وكافة القوانين. وعالمنا العربي زاخر باحوال قانون الطوارئ التي تدوم عشرات السنين بدون انقطاع.
يصدق هذا الامر على جميع الحقوق التي اغتصبتها الجماهير العاملة من الراسمالية نتيجة النضال المتواصل. ولكن هذه الحقوق لا يمكن صيانتها وتحقيقها تحقيقا حقيقيا الا بمواصلة النضال الدائم في سبيل ذلك.
ان ما يسمى اليوم قانون حقوق الانسان وما يناضل الكادحون في سبيل تحقيقه لا يعدو حقوق الراسماليين الثابتة وحقوق الكادحين غير الثابتة. ونضال الجماهير الكادحة من اجل حقوق الانسان وصيانتها والنضال ضد خروقها لا يتعدى هذه الحقوق الطفيفة التي لا تحمي الانسان الكادح من الاستغلال والظلم ودكتاتورية الدول الديمقراطية.
اضطرت الدول الراسمالية نتيجة لنضالات الكادحين المتواصلة ان تعترف على الورق بان حقوق الانسان تشمل جميع افراد المجتمع وليس الراسماليين فقط. ولكن هذا الاعتراف يبقى حبرا على ورق. ففي التطبيق العملي لا يعترف الراسماليون بان الانسان يشمل سائر افراد المجتمع عدا الراسماليين وان حقوق الانسان تشمل فعلا حقوق الكادحين.
فلنأخذ مثلا المساواة امام القانون. تنص قوانين حقوق الانسان وكذلك دساتير وقوانين اغلب الدول على المساواة امام القانون. ولكن هل هناك في الحياة العملية فعلا مساواة امام القانون؟ لا شك انه لا توجد مثل هذه المساواة بصورة عملية في المجتمع الراسمالي. واكبر برهان على ذلك وجود جمعيات المحامين بلا حدود. فما هي مهمة المحامين بلا حدود؟ هل هي الدفاع عن حق الراسماليين بالمساواة امام القانون؟ بالطبع لا. فالراسماليون لا يعترفون اصلا بمساواة الكادحين والراسماليين امام القانون ويغمطون هذا الحق كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة. ومهمة المحامين بلا حدود ما هي الا محاولة الدفاع عن حق الكادحين تجاه الظلم الذي يتعرضون له امام القانون الذي يحمي الراسماليين.
وحين تتحدث البشرية كلها عن حقوق الانسان لا تقصد ضمان حقوق الراسمالي المضمونة بالقانون وبالسلطة الراسمالية وانما تتحدث عن تحقيق حقوق الانسان التي تتضمن حقوق الكادحين. ولهذا يوجد يوم حقوق الانسان وجمعيات الدفاع عن حقوق الانسان والنضال من اجل تحقيق حقوق الانسان. ان المقصود من حقوق الانسان في هذا المجال حقوق الانسان غير الراسمالي. فهل سمعنا عن جمعية حقوق الانسان الراسمالي. ان حقوق الانسان الراسمالي مصانة بدكتاتورية النظام الراسمالي ولا يستطيع احد المساس بها. ولكن النضال في سبيل حقوق الانسان في النظام الراسمالي مقتصر على المحافظة على الحقوق الجزئية التي اغتصبها الكادحون من الراسماليين عن طريق النضال المتواصل. ونظرا الى ان الراسماليين وحكوماتهم يحاولون ان يسترجعوا هذه الحقوق وان يلغوها دعت الحاجة الى وجود جمعيات ومنظمات حقوق الانسان. اخر مثل على ذلك كان اعلان الرئيس بوش عن عملية التصنت على المكالمات التلفونية وتبعه قانون مراقبة المكالمات التلفونية والمراسلات الالكترونية الذي اتخذته الحكومة الفرنسية. فلا يحتاج بوش الى جمعية للدفاع عن حقوق الراسماليين لكي يعلن عن قانون التصنت. ويبقى على جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان ان تناضل في سبيل استعادة حق الانسان في سرية مكالماته التلفونية ومراسلاته الالكترونية.
ان حقوق الانسان الكادح في النظام الراسمالي مهما تطورت تبقى حقوقا جزئية وتبقى موضع صراع بين الكادحين والراسماليين وحكوماتهم للمحافظة عليها وتوسيعها ومقاومة الغائها. وعليه يبقى الانسان الكادح نصف انسان لن يراه الراسمالي الا وسيلة لتحقيق ارباحه سواء عن طريق الاستغلال المباشر او عن طريق ارساله للحروب واستعمار الشعوب الفقيرة.
القاعدة العامة في ممارسة حقوق الانسان في عصرنا هي ان يقوم الانسان، الراسماليون وحكوماتهم، بممارسة حقوقهم ضد اشباه الانسان، الشعوب، ويقتصر دور اشباه الانسان على مقاومة ممارساتهم. اورد على ذلك مثلا حيا يعيشه العالم اليوم هو الحرب العراقية. ان خارطة طريق الولايات المتحدة مقررة وواضحة منذ ما قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، منذ القاء القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي. انها خارطة الاستيلاء على العالم كله عسكريا واقتصاديا وسياسيا. ومن وسائل تحقيق خارطة الطريق هذه الاستيلاء على العراق. كان واضحا للعالم كله ان الولايات المتحدة تستعد للاستيلاء على العراق بعد حرب الخليج الثانية وبعد الحصار الاقتصادي الطويل الامد الذي كانت تتخلله هجمات جوية يومية متواصلة. كانت تدرب العملاء الذين سيقومون بخدمتها لدى تنفيذ مخططها وتدرب المرتزقة العراقيين في هنغاريا وغيرها ليحلوا محل الجيش العراقي المقرر حله. فكان دور اشباه الانسان، الشعوب، النضال والتظاهر ضد الحرب حيث قامت الملايين من الجماهير في شتى بلدان العالم بما في ذلك اشباه الانسان الاميركيين بكل ما استطاعت من النشاطات لفضح نية احتلال العراق وضد الحرب. وحين اكتملت الاستعدادات الضرورية لشن الحرب قامت الولايات المتحدة بالتحالف مع بريطانيا بشن الحرب حتى بدون موافقة مجلس الامن. وشنت حربها الشعواء مستخدمة افظع انواع اسلحة الدمار الشامل والابادة الجماعية لتحقيق هدفها في الاستيلاء على العراق ثم اعلن عملاؤها يوم الاستيلاء على بغداد عيدا وطنيا. واصبح على اشباه الانسان، الشعوب، ان تقاوم الاحتلال وتفضح عملاءه. وتقوم الولايات المتحدة بممارسة حقوق الانسان الراسمالي بحل الجيش العراقي والشرطة العراقية والمؤسسات العراقية عدا وزارة النفط. واصبح على اشباه الانسان، الشعوب، ان يناضلوا ضد ذلك بحيث ان بريمر نفسه اعترف "بخطأ" حل الجيش. والاعتراف بالخطأ فضيلة كما يقول المثل. ولكن الاعتراف بالخطأ لا قيمة له اذا لم يجر تصحيح الخطأ. كذلك اعلن انان ان الحرب على العراق غير شرعية وحتى بوش اعترف بان الحرب قامت على اساس معلومات استخبارية كاذبة. ولكن تصحيح الخطأ جاء وفقا لحقوق الانسان الراسمالي، تشكيل جيش اميركي بملابس عراقية تكون مهمته كما نراها واضحة للعيان القيام بمهمة جيوش الاحتلال وتشكيل درع يقي هذه الجيوش من المتمردين عليها. فلم نسمع عن الجيش العراقي والشرطة العراقية والحرس الوطني انهم قاموا بحماية انصاف الانسان، الشعب، من حملات الابادة الجماعية التي تمارسها جيوش الاحتلال بالاشتراك مع الجيوش المرتزقة العراقية كل يوم. وكان على اشباه الانسان، الشعوب، الشعب العراقي وشعوب العالم كله مقاومة هذه المجازر البشرية. وتقوم الولايات المتحدة بممارسة حقوق الانسان الراسمالي بانشاء السجون داخل العراق والسجون السرية في ارجاء العالم لتعذيب الاسرى المعتقلين ويصبح على اشباه الانسان، الشعوب، ان يكتشفوا التعذيب في سجن ابو غريب والسجون الاخرى الى درجة ان الحكومة الاميركية تجد كبش فداء من جنودها لتلقي عليه اللوم وحتى محاكمته حينما تواصل التعذيب والاعتقالات العشوائية لسنوات طويلة يجري بعدها اطلاق سراح البعض منهم لعدم وجود ما يتهمونهم به. والتفاصيل كثيرة لا يمكن تعدادها في مقال كهذا ولكنها كلها تدل على ان الانسان، الراسماليين وحكوماتهم، يمارسون حقوق الانسان حسب مشيئتهم وان جل ما يستطيعه اشباه الانسان، الشعوب، هو ان يمارسوا حقهم المقيد في مقاومة هذه الحقوق الثابتة للانسان الراسمالي وليس القضاء عليها.
ولكن من حق الانسان الكادح ان يكون انسانا بمعنى الكلمة وان تكون له حقوق ثابتة واسعة وغير مقيدة. من حق الانسان الكادح ان يتمتع بكامل الحقوق المتوفرة في المجتمع الانساني. ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا بتحول المجتمع البشري غير الانساني الى مجتمع انساني حقيقي. والمجتمع الانساني الحقيقي هو مجتمع لا وجود فيه لاستغلال انسان لانسان اخر. مجتع يكون جميع اعضاء المجتمع فيه متساوين في الحقوق ليس على الورق بل في الواقع الاجتماعي. ولا يتحقق ذلك الا عندما يتغير تعريف الانسان بحيث ان الانسان يعني كل فرد من افراد المجتمع. ان تعريف الانسان في مثل هذا المجتمع لا يشمل الراسماليين اذ يجب عدم شمول الراسمالي بحقوق الانسان. ولكي يتحقق هذا المجتمع يجب ان نبني مجتمعا خال من الانسان الراسمالي، خال من الاستغلال، مجتمعا اشتراكيا اولا ثم مجتمعا شيوعيا. اذ ذاك فقط لا تبقى حاجة لوجود يوم حقوق الانسان ولا جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان ولا المساواة امام القانون ولا منظمات المحامين بلا حدود.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 4 واخيرة
- صدفة جميلة
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 3
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 2
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 1
- من وحي كتاب سفر ومحطات - البعية للسوفييت ودور اليهود 2
- ماركسية ام ماركسية لينينية؟
- دور اليهود العراقيين في الحركات السياسية السرية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - التبعية للسوفييت ودور اليهود 1
- التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكي ...
- من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي
- لا ديمقراطية بدون دكتاتورية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم
- الثورة البرجوازية وضرورتها
- نظام الاجور في الدولة الاشتراكية
- باسل ديوب-كلمة شكر
- من وحي كتاب سفر ومحطات. عبادة الحزب
- جعفر ابو العيس
- خواطر يهودي عراقي سابق
- من مرحلة اعداد مسودة الدستور الى مرحلة الاستفتاء عليها


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسقيل قوجمان - حقوق الانسان وقوانينها