أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي















المزيد.....



من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1353 - 2005 / 10 / 20 - 14:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


خصص الاخ ابو جلال عدة صفحات من كتابه عن موضوع الطريق اللاراسمالي. وموجزها هو ان قيادة عزيز محمد كانت مؤمنة بالطريق اللاراسمالي الى درجة انها كانت تقصي من يعارضها في ذلك حتى لو كان عضوا في المكتب السياسي للحزب. يورد ابو جلال حديثا دار بينه وبين عزيز محمد قبل انعقاد المؤتمر الثالث عام ۱٩٧٦ "سألني ماذا لديك (يقصد ما هو وارد من منظمات الحزب) أجبت:اضبارة دسمة كلها ضد التطور اللاراسمالي والجبهة! ثارت ثائرته وبعصبية قال: ((ثورتنا بخير، صدام بخير، جبهتنا بخير، التطور اللاراسماليبخير من لا يرضى بهذا فالباب يسع جمل))." (ص۲٦۲). واورد بعض الفقرات تفيد بان بانوماريوف عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوفييتي في الفترة الخروشوفية والمرجع النظري في الحزب كان يروج لهذه النظرية. فهل يوجد شيء يمكن تسميته الطريق اللاراسمالي ام لا؟ في هذا المقال ساحاول ان ادرس هذا الموضوع بشيء من التفصيل.
يعزو منظرو الطريق اللاراسمالي نظريتهم الى ماركس وانجلز ولينين. فهل كان في كتابات هؤلاء المعليمين شيء يمكن الاعتماد عليه فعلا في هذا المجال؟ اليكم بعض الفقرات التي يحلو لاصحاب الطريق اللاراسمالي اقتباسها:
في سنة ١٨٧٥ كتب انجلز مقالا بعنوان المسألة الاجتماعية في روسيا جاء فيه:
"من هذا يتضح ان الملكية المشاعية في روسيا قد تجاوزت من زمان بعيد عهد ازدهارها وانها تسير، حسب جميع الظواهر ، نحو انحلالها. ومع ذلك، تتوفر، بلا ريب، امكانية تحويل هذا الشكل الاجتماعي الى شكل اعلى، اذا ما بقي حتى تنضج الظروف لهذا الغرض، واذا تبين انه قادر على التطور، بمعنى ان يعمد الفلاحون الى حراثة الارض، لا كلا بمفرده ، بل معا، علما بانه يجب ان يتحقق هذا الانتقال الى شكل اعلى دون ان يمر الفلاحون الروس عبر الدرجة المتوسطة، درجة الملكية العقارية الصغيرة البرجوازية. ولكن هذا لا يمكن ان يحدث الا اذا قامت ثورة بروليتارية مظفرة في اوروبا الغربية، قبل انحلال هذه الملكية المشاعية نهائيا، ووفرت للفلاح الروسي الشروط الضرورية لاجل هذا الانتقال ..." (ماركس وانجلز، منتخبات، مجلد ٢ جزء ٢ ص ١٨٤، ١٨٥)
وفي مقدمة الطبعة الثانية للبيان الشيوعي التي كتبها ماركس وانجلز سنة ١٨٨٢ جاء ما يلي:
"ان الجواب الوحيد الذي يمكن اعطاؤه عن هذا السؤال في الوقت الحاضر هو التالي: اذا ادت الثورة الروسية الى نشوب ثورة بروليتارية في الغرب، وكانت الثورتان احداهما تتمم الاخرى، فان ملكية الارض المشاعية الحالية في روسيا يمكن ان تكون نقطة انطلاق لتطور شيوعي." (نفس المصدر، مجلد ١ جزء١ ص ١١٣)
وفي مقال كتبه انجلز سنة ١٨٩٤ بعنوان تذييل لمؤلف المسألة الاجتماعية في روسيا جاء فيه:
"ان انتصار البروليتاريا الاوروبية الغربية على البرجوازية والاستعاضة، المرتبطة بذلك، عن الانتاج الراسمالي بالانتاج المسير اجتماعيا – ذلك هو الشرط التمهيدي الضروري لاجل انهاض المشاعة الروسية الى مثل هذه الدرجة من التطور." (نفس المصدر، مجلد ٢ جزء٢ ص ١٩٢-١٩٣)
هذه ثلاثة نماذج يمكن الاستدلال منها على امكانية التطور اللاراسمالي للمشاعة الروسية. وعلى هذا الاساس يروج منظرو الاتحاد السوفييتي الخروشوفي واتباعهم في الاحزاب الشيوعية التحريفية بان ماركس وانجلز هما اللذان وضعا نظرية التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية. كذلك يشير منظرو نظرية التطور اللاراسمالي الى لينين باعتباره من واضعي نظرية التطور اللاراسمالي. يقتبس هؤلاء من كلمة لينين في المؤتمر الثاني للاممية الشيوعية سنة ١٩٢١ عبارة تتعلق بهذا الموضوع وهي كما يلي:
"لقد طرحت المسألة بالشكل التالي: هل يمكننا ان نعتبر ان التأكيد القائل بان المرحلة الراسمالية في تطور الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخرة التي تتحرر الان والتي تلاحظ في اوساطها بعد الحرب حركة في اتجاه التقدم، هو تأكيد صحيح؟ وقد كان جوابنا على هذا السؤال سلبيا. فاذا ما قامت البروليتاريا الثورية الظافرة بدعاية منتظمة بين هذه الشعوب، واذا ما ساعدتها الحكومات السوفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها، عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بان مرحلة التطور الراسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للاقوام المتأخرة. ان واجبنا في جميع المستعمرات والبلدان المتأخرة لا يقتصر على تكوين ملاكات مستقلة من المناضلين، لا يقتصر على تشكيل المنظمات الحزبية والقيام حالا بالدعاية من اجل تنظيم سوفييتات الفلاحين والسعي كي تصبح هذه السوفييتات ملائمة لظروف ما قبل الراسمالية، انما يتوجب كذلك على الاممية الشيوعية ان تقر وان تثبت نظريا انه بمساعدة البروليتاريا في البلدان المتقدمة يمكن للبلدان المتأخرة ان تنتقل الى النظام السوفييتي والى الشيوعية عبر درجات معينة من التطور متجنبة مرحلة التطور الراسمالي." (لينين، المختارات، مجلد ١٠ ص ٩٦)
لو سألنا صبيا في العاشرة من عمره ما معنى "لاراسمالية"؟ لا شك انه يجيب اذا كان عراقيا "ماكو راسمالية" واذا كان مصريا "مفيش راسمالية". ولكن يبدو ان منظري الفترة الخروشوفية ابتداءا من بانوماريوف وانحدارا الى عزيز محمد لم يبلغوا في فهمهم لعبارة "لا راسمالية" مستوى هذا الصبي.
اذا امعنا النظر في جميع العبارات المقتبسة اعلاه من ماركس وانجلز ولينين نجد ان هناك شرطين حتميين ضروريين للتحول من مراحل متأخرة سابقة للراسمالية الى الاشتراكية والشيوعية بدون المرور بمرحلة التطور الراسمالي. اول هذين الشرطين هو ان يكون المجتمع موضوع البحث يعيش مراحل سابقة للتطور الراسمالي. اي لا تكون الراسمالية قد تطورت في مثل هذا المجتمع. هل كان في الفترة التي تحدث عنها كارل ماركس وانجلز مثل هذا المجتمع. نعم كان. فقد تحدث كارل ماركس وانجلز عن المشاعة الزراعية في روسيا في ستينات القرن التاسع عشر. كان هذا الاقتصاد هو الاقتصاد السائد في المجتمع الروسي في تلك الفترة. وقد اشار انجلز الى ان هذا النظام الاقتصادي سائر في طريق الانحلال اي في طريق التحول الى نظام اقتصادي اعلى مستوى اي نظام راسمالي. ولكننا نعلم ان المجتمع الروسي سلك طريق التطور الراسمالي عن طريق المشاريع الراسمالية الاجنبية القادمة من بريطانيا وفرنسا وعن طريق المشاريع الراسمالية المحلية المرافقة والمتممة للمشاريع الاجنبية. وقد بلغ هذا التطور في السبعينات من القرن التاسع عشر درجة وجود طبقة عاملة روسية ودخول النظرية الماركسية وتأليف منظمات ماركسية خصوصا بقيادة بليخانوف ثم نشوء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي في اواخر القرن وبداية القرن العشرين. وبذلك انتفى الشرط الاول الذي اعتبره ماركس وانجلز ضروريا وحتميا من اجل تحقيق مثل هذا الانتقال الاجتماعي بدون المرور بالمرحلة الراسمالية.
ومع ذلك بقيت حركة سياسية تعتبر ان نشوء الراسمالية ووجود الطبقة العاملة في روسيا ظاهرة عرضية وان الفلاحين هم الطبقة التي عليها ان تحقق الانتقال الى الاشتراكية. كانت هذه الحركة تسمي نفسها النارودنيك (الشعبيين) وقد شن لينين نضالا شديدا ضد هذه الحركة بل وكتب كتابا ضخما عن تطور الراسمالية في روسيا. ففي روسيا لم يعد الشرط الاول، شرط وجود المجتمع في مرحلة سابقة للمرحلة الراسمالية، متوفرا، لذا لم يعد ثمة امكانية لمثل هذا التحول.
ولكننا نرى ان لينين في سنة ۱٩۲۱اعاد اثارة نفس المسألة في مؤتمر الاممية الثالثة. ما الذي دعا لينين الى اثارة هذه المسألة بعد انتفائها في روسيا؟ نرى ان لينين ايضا وضع نفس الشرط الاول الضروري والحتمي لمثل هذه الامكانية وهو ان يكون المجتمع المعين يعيش مرحلة سابقة للمرحلة الراسمالية. هل كانت في ۱٩۲۱ مجتمعات تمر في مرحلة سابقة للمرحلة الراسمالية؟ نعم كانت اسيا وافريقيا على الاقل تمران في مرحلة سابقة للمرحلة الراسمالية. ولكن بما ان العالم في هذه السنة كان منقسما الى قسمين، العالم الاشتراكي الذي كان في روسيا ما بعد ثورة اكتوبر والعالم الراسمالي في بقية بلدان اوروبا فعلينا ان نبحث هذه الامكانية في كل من العالمين على انفراد لان المسألة وحلها يختلفان في كل من هذين العالمين.
في العالم الاشتراكي، روسيا، كانت توجد مستعمرات روسيا القيصرية السابقة في اسيا وفي القطب الشمالي ما تزال في مراحل بعيدة كل البعد عن مرحلة التطور الراسمالي. كانت هناك مجتمعات تعيش مراحل بعيدة حتى عن مرحلة التطور الاقطاعي. بل كانت شعوب لم تكن لها حتى لغات مكتوبة. كان على البروليتاريا الظافرة في روسيا ان تساعد هذه الشعوب على الارتفاع من المراحل البدائية التي تعيشها الى مرحلة التطور الاشتراكي الذي كانت روسيا تعمل على بنائه. وما لم تقم روسيا الاشتراكية بذلك فانها لا يمكن ان تحلم ببناء مجتمع اشتراكي حتى في روسيا ذاتها. وهذا ما قامت به روسيا الاشتراكية اذ قامت بمساعدة هذه الشعوب في التقدم الى المرحلة الاشتراكية بدون ان تمر بمرحلة التطور الراسمالي.
في العالم الراسمالي كانت الظروف السياسية غير واضحة في سنة ۱٩۲۱. لم تكن الراسمالية قد ثبتت نفسها كليا في هذا العالم وكان لينين ما يزال يأمل في نشوب ثورات اشتراكية في بلدان اخرى من اوروبا. وفي حالة نشوب مثل هذه الثورات وبلوغ الطبقة العاملة للسلطة السياسية فحينئذ تستطيع هذه الدولة الاشتراكية الجديدة، هذه البروليتاريا الظافرة، ان تفعل في مستعمراتها ما فعلته روسيا في المستعمرات القيصرية السابقة. بامكانها ان تساعد المستعمرات التي تعيش مراحل تاريخية سابقة للمرحلة الراسمالية ان ترتفع الى المرحلة الاشتراكية بدون المرور في مرحلة التطور الراسمالي. فلو قامت الثورة في بريطانيا مثلا واصبحت بريطانيا دولة اشتراكية فانها تساعد العراق مثلا الذي لم يكن قد سلك طريق التطور الراسمالي ان يتقدم الى الاشتراكية بدون ان يمر بمرحلة التطور الراسمالي.
واذا امعنا النظر في كافة الاقتباسات السابقة من ماركس وانجلز ولينين نرى ان الشرط الثاني الحتمي والضروري هو ان تكون الطبقة العاملة الظافرة في الحكم. فبدون وجود الطبقة العاملة الظافرة في الحكم لا يمكن التفكير في رفع المجتمع الذي يعيش في مرحلة سابقة للمرحلة الراسمالية الى التطور الى المرحلة الاشتراكية بدون المرور في مرحلة التطور الراسمالي. اذ يجب ان تكون الدولة التي تبذل المساعدة لهذه الدول المتأخرة هي نفسها اشتراكية لكي تستطيع ان تساعد غيرها على التقدم الى المرحلة الاشتراكية. فليس في مقدور دولة ان تساعد مجتمعا للتقدم نحو الاشتراكية اذا لم تكن الدولة نفسها قد بلغت هذه المرحلة، مرحلة الاشتراكية. الدولة الاشتراكية وحدها هي التي تستطيع ان تساعد شعبا اخر على التقدم الى المرحلة الاشتراكية.
ولكن أمل لينين في تحقق ثورات اشتراكية ظافرة في اوروبا اضمحل بعد ان ثبتت الرامسالية الامبريالية مواقعها واحبطت الثورات التي نشبت في عدد من بلدان اوروبا. لذا لم يعد لمسألة مساعدة المستعمرات على التقدم الى المرحلة الاشتراكية بدون المرور في مرحلة التطور الراسمالي وجود خارج الاتحاد السوفييتي وبقيت المسألة محصورة في نطاق الاتحاد السوفييتي الذي حققها بامتياز.
ولكن الاوضاع في المستعمرات فيما بين الحربين العالميتين قد تطورت بحيث ان الاغلبية الساحقة من المستعمرات كانت قد تطورت تطورا راسماليا ملحوظا بفعل الدول الامبريالية. فان الامبريالية اخذت تنشئ المشاريع الراسمالية الضخمة في مستعمراتها طلبا لاقصى الارباح، اي تصدير الراسمال، فارتبطت هذه المستعمرات في السوق العالمية الراسمالية ونمت فيها طبقة بروليتارية في المشاريع الامبريالية وكذلك نشأت فيها برجوازية محلية ومشاريع راسمالية محلية بحيث ان هذه المستعمرات دخلت مرحلة التطور الراسمالي باوسع ابوابها ولم يعد موضوع التقدم نحو الاشتراكية بدون المرور بالمرحلة الراسمالية واردا.
نشأت في جميع المستعمرات حركات ثورية تهدف الى التحرر من الاستعمار والتخلص من الطبقات الاقطاعية التي استند اليها المستعمرون في حكمهم للمستعمرات. وكانت الطبقات النشيطة في هذا النضال الطبقات البرجوازية المحلية التي كان الاستعمار والاقطاع يحد من امكانيات تطورها الحر وكذلك الطبقة العمالية التي نشأت في المشاريع الامبريالية والمشاريع البرجوازية المحلية. نشأت حركات وطنية تهدف الى تحقيق الثورة البرجوازية للتخلص من الاستعمار والاقطاع. فاصبحت المسألة هي التنافس بين هاتين الطبقتين على تحقيق وقيادة هذه الثورات البرجوازية. فالبرجوازية تريد تحقيق الثورة والاستيلاء على السلطة لكي تصبح حرة في استغلال الطبقة العاملة والكادحين بدون مشاركة الدول الامبريالية بينما كانت الطبقة العاملة تريد تحقيق الثورة البرجوازية لكي تستطيع الانتقال الى المرحلة التالية مرحلة الثورة الاشتراكية التي بدونها لا يمكن للطبقة العاملة والكادحين ان يتحرروا من الاستغلال.
بعد الحرب العالمية الثانية وبتأثير الانتصارات التي حققها الاتحاد السوفييتي بالقضاء على النازية الهتلرية وتحقيق الثورة في بلدان اوروبا الشرقية وسيرها في طريق التطور الاشتراكي بمساعدة الاتحاد السوفييتي ونشوء المعسكر الاشتراكي نشأت ثورات برجوازية في البلدان المستعمرة بعضها بقيادة الطبقة العاملة واكبر مثال عليها الثورة الصينية والثورة الفيتنامية وبعضها بقيادة الطبقة البرجوازية مثل الهند وغيرها. وفي الشرق الاوسط القريب منا تحققت جميع الثورات الناجحة بقيادة البرجوازية وعلى شكل الانقلابات العسكرية، اي الشكل الذي تفضله البرجوازية لتحقيق الثورة بدون تسليح الجماهير الشعبية. واشهر هذه الثورات كانت الثورة المصرية وثورة ۱٤ تموز في العراق. ففي هذين البلدين اصبحت البرجوازية طبقة حاكمة حققت بعض التحرر من الاستعمار وابقت بعض المصالح الامبريالية والاقطاعية وفقا لما تتطلبه مصالحها.
في هذه الظروف، التي وقعت في فترة تحول الاتحاد السوفييتي من مرحلة بناء المجتمع الاشتراكي والتقدم نحو المجتمع الشيوعي الى مرحلة اعادة الراسمالية وتحطيم المجتمع الاشتراكي في العهد الخروشوفي، ظهرت مسألة طريق التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وفي هذه الظروف اخذ الاعلام السوفييتي يروج لهذه النظرية باعتبارها من وضع كارل ماركس وانجلز ولينين. فهل كان في هذه الظروف ما يشبه الظروف التي تحدث عنها ماركس وانجلز او تحدث عنها لينين؟
لنأخذ العراق مثلا للبلدان التي نشأت فيها نظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. متى نشأت هذه النظرية في العراق؟ نشأت في السبعينات من القرن الماضي اي بعد ان تحققت الثورة البرجوازية واصبح العراق بلدا برجوازية من الناحية الاجتماعية وتحكمة الطبقة البرجوازية. ان العراق كان قد اجتاز المرحلة الراسمالية باجلى صورها الى درجة استيلاء الراسمالية على الحكم. فهل يمكن اعتبار العراق بلدا يمكن ان يحقق الاشتراكية بدون المرور في المرحلة الراسمالية؟ لا يمكن ان يفكر بذلك سوى اشخاص من امثال عزيز محمد الذي لم يعرف حتى الفباء الماركسية. وهل تحقق الشرط الثاني الحتمي والضروري لمثل هذه الامكانية؟ كانت البرجوازية هي الطبقة الحاكمة في العراق بعد ثورة تموز وما زالت هي الحاكمة في فترة حكم البعث وفي فترة الاحتلال الاميركي البريطاني الحالية. فكيف يمكن لحكومة برجوازية ان ترفع المجتمع الى مرحلة اشتراكية اعلى من المرحلة التي تمر هي فيها؟ نرى من كل هذا ان الحديث عن الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية لا يتعدى الثرثرة التي لا اساس لها في المجتمع العراقي القائم. وهذا يصدق على جميع الحركات الوطنية في المستعمرات السابقة والمستعمرات الحالية اذ لم يعد في العالم كله مجتمع يمر في مراحل سابقة للتطور الراسمالي.
ترى هل كان المنظرون السوفييت والقادة الشيوعيون في هذه البلدان من البلادة بحيث انهم لم يدركوا الفرق بين ما جاء به كارل ماركس وانجلز ولينين والظروف التي تمر بها هذه البلدان فيما بعد الحرب العالمية الثانية؟ لا اعتقد ذلك. كان الاتحاد السوفييتي في فترة الحكم الخروشوفي يسير رجعيا نحو استعادة النظام الراسمالي وهذا ما تحقق خلال فترة الحكم الخروشوفي وبلغ اوجه سنة ۱٩٩۱ حين تمزق الاتحاد السوفييتي الى دول راسمالية عديدة. ولكي يحقق الاتحاد السوفييتي الخروشوفي هذا الهدف كان عليه ان يحارب كل حركة ثورية حقيقية وكل قيادة شيوعية صادقة في الاحزاب الشيوعية. كان عليه ان يمزق الحركة الشيوعية العالمية. ومن هذا نشأت النظريات الرجعية التي تهدف الى تحطيم الحركة الشيوعية العالمية. فنشأت نظرية الانتقال السلمي الى الاشتراكية والمنافسة بين النظامين والغاء دكتاتورية البروليتاريا واعادة تسمية حزب الطبقة العاملة بحزب الشعب كله وسائر النظريات التي رافقتها في اوروبا. وكان على السلطة الخروشوفية ان تجد شعارات ملائمة لتحطيم الحركة الشيوعية في المستعرات السابقة. وشعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية كان من اهم الشعارات الهادفة الى تحطيم كل حركة شيوعية حقيقية في هذه البلدان. لكي نفهم فائدة هذه النظرية في تحقيق تحطيم الحركة الشيوعية علينا اولا ان نتفهم شعارا اخر روجته الدعاية السوفييتية في هذا الخصوص.
في هذه الفترة، فترة الحكم الخروشوفي، جرى الترويج لنظرية اخرى بالغة الاهمية هي ان الطبقة العاملة ما زالت قليلة العدد وغير مؤهلة لقيادة الحركات الثورية في هذه البلدان. وعليه فان قيادة الحركات الثورية يجب ان تكون في ايدي البتي برجوازية او ما يسمونه البرجوازية الصغيرة. انتشرت هذه النظرية قبل ظهور شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. من المعروف ان النظرية الماركسية تنفي امكانية قيادة البتي برجوازية للحركات الثورية لانها هي نفسها ليست طبقة متبلورة بل تتألف من مراتب عديدة تختلف المصالح الاقتصادية والاجتماعية لكل مرتبة منها عن المرتبة الاخرى. واذا كان من غير الممكن قيادة الحركات الثورية من قبل البتي برجوازية فبالاحرى لا يمكن ان توجد حكومات البرجوازية الصغيرة او البتي برجوازية لادارة الدولة.
قرأت كراسا سوفييتيا قبل اكثر من ثلاثين عاما كتبه شخص سوفييتي اوفدته الحكومة الخروشوفية مستشارا في افريقيا الوسطى لمساعدة شعوب هذه البلدان على التطور. وبعد العيش في هذه البلدان عدة سنوات كتب هذا المستشار كراسا توصل فيه الى ان هذه البلدان ليس فيها "بروليتاريا وطنية" ولذلك فان قيادة الحركات الثورية لابد ان تكون في ايدي البتي برجوازية لعدة عقود الى حين نشوء بروليتاريا وطنية. ومفهوم البروليتاريا الوطنية مفهوم عجيب. فقد رأى هذا المستشار الكبير ان معظم البروليتاريا في هذه البلدان هم بروليتاريا في المشاريع الامبريالية وتوصل من ذلك ان هذه البروليتاريا ليست بروليتاريا وطنية. فالعامل في الكونغو مثلا ليس عاملا وطنيا اذا كان يعمل في منجم للذهب يملكه الامبرياليون. ولكي يكون العامل وطنيا يجب ان يعمل في مشروع للبرجوازية الوطنية. ومع ذلك لم يستطع هذا المستشار ان يرى البروليتاريا التي تعمل في المعامل والمصانع التي يملكها الراسماليون المحليون. كان هذا المستشار من الذكاء بحيث انه ميز بين العامل الكونغولي الذي يعمل في مشروع امبريالي على انه عامل امبريالي وليس عاملا كونغوليا. وعلى هذا الاساس لا يكون عمال السكك والميناء والنفط في العراق قبل ثورة تموز عمالا وطنيين.
هل كان الماركسي الكبير فهد يؤمن بمثل هذا الهراء؟ كتب فهد كثيرا عن تطور الطبقة العاملة العراقية وقدرتها على قيادة النضال ضد الامبريالية والاقطاعية حتى قبل الحرب العالمية الثانية. وتشير الحقائق التاريخية ليس الى نشوء طبقة بروليتارية متبلورة في العراق فقط بل نشوء حزب ثوري لهذه الطبقة. ولكني سمعت من المسؤؤل عن منظمة الحزب الشيوعي في بريطانيا ايام الجبهة مع صدام ما يشبه نظرية المستشار السوفييتي قال ان الطبقة العاملة العراقية لم تصبح بعد قادرة على قيادة النضال وان على البرجوازية الصغيرة قيادة النضال الثوري. ان نظرية قيادة البتي برجوازية للحركة الثورية وامكانية وجود حكومة بتي برجوازية ترتبط ارتباطا وثيقا مع شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. فقد كان الحزب الشيوعي العراقي يعتبر ان حكومة صدام حسين حكومة البرجوازية الصغيرة. وحكومة البرجوازية الصغيرة اسطورة غريبة بالنسبة للنظرية الماركسية.
نعلم ان المشاريع الامبريالية الكبرى لم تعد تدار من قبل الراسماليين بصورة مباشرة وانما اصبح الراسماليون الامبرياليون يوكلون ادارة مشاريعهم الى خبراء مختصين بحيث يبدو كان الراسماليين لم يعودوا هم الذين يسيطرون على مشاريعهم الراسمالية. وهكذا الامر في السلطة الراسمالية اذ يمكن تعيين حكومات تكنوقراطية تبدو كأنها حكومات البرجوازية الصغيرة اي البتي برجوازية ولكن الحقيقة هي ان هؤلاء ليسوا سوى موظفين يديرون الدولة لمصلحة الطبقة البرجوازية امبريالية كانت ام برجوازية محلية. فالحكومة البتي برجوازية لا وجود لها في العرف الماركسي.
فشعار الحكومة البتي برجوازية يهدف الى اخفاء حقيقة الدولة الراسمالية. ولكن اذا كانت ثمة دولة بتي برجوازية فمعنى ذلك ان هذه الدولة ليست دولة راسمالية وانها تستطيع السير بطريق غير راسمالي وبلوغ المرحلة الاشتراكية بدون التطور الراسمالي اي بدون وجود حكومة برجوازية راسمالية. هذه هي اللعبة السياسية التي لعبتها السلطات الخروشوفية. فمن ناحية توجد حكومة بتي برجوازية غير راسمالية ومن ناحية ثانية تستطيع هذه الحكومة السير نحو الاشتراكية بدون ان تتحول الى دولة راسمالية. فما هي الغاية التي يتوخاها الخروشوفيون من ترويج مثل هذه الشعارات؟
ان اهم النتائح التي تؤدي اليها هذه الشعارات هي امكان الشيوعيين ان يتعاونوا مع هذه الحكومات التي ليست حكومات برجوازية وانما هي حكومات بتي برجوازية تسير نحو الاشتراكية بدون سلوك الطريق الراسمالي. وهذا التعاون بين الطبقة العاملة المتمثلة بالاحزاب الشيوعية مع الحكومات البرجوازية التي تسمى حكومات بتي برجوازية هو الهدف من هذه الشعارات. فبدلا من نضال الطبقة العاملة والاحزاب الشيوعية ضد البرجوازية الحاكمة من اجل اسقاطها وتكوين حكومات عمالية تلجأ الى التحالف معها. وهذا ما حصل منذ ثورة تموز في العراق حين ساند الحزب الشيوعي حكومة قاسم بدون النضال ضدها ففقد الشعار الاستراتيجي للمرحلة وقرر الحزب الشيوعي حل الحزب والانضمام الى حزب عارف في خط اب واتحد مع حكومة صدام الفاشية في جبهة واتفق مع الطالباني في جبهة النضال ضد صدام واخيرا انضم الى قوات الاحتلال الاميركي البريطاني في ايامنا. وفي الايام الاخيرة أطلعنا الدكتور حميد موسى انه انضوى تحت قيادة الدكتور اياد علاوي عميل الاستخبارات المتعدد الجنسيات من اجل تحقيق شعر الحزب "وطن حر وشعب سعيد" بعد الانتخابات القادمة. الهدف الاساسي من شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية هو حرف الطبقة العاملة عن النضال ضد الحكم البرجوازي والعمل على تحقيق الثورة الاشتراكية بالاطاحة بالحكم البرجوازي. فبدلا من النضال الثوري ضد البرجوازية يؤدي شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية الى التحالف مع الحكومة البرجوازية ضد مصالح الطبقة العاملة.
الخلاصة: خلاصة اللعبة الخروشوفية - العزيزمحمدية في عراق السبعينات من القرن الماضي:
راينا ان ماركس وانجلز ولينين تحدثوا عن مجتمعات، عن شعوب، تمر في مرحلة سابقة للمرحلة الراسمالية. وبما ان حتى الحزب الشيوعي التحريفي يعترف بان المجتمع العراقي قد قطع اشواطا في طريق التطور الراسمالي كان عليه ان يترك الحديث عن المجتمع وان يحوله الى الحديث عن الحكومة. ثم كان على الحزب ان يقرر بان الطبقة العاملة العراقية ما زالت في اول تطورها وانها لم تصبح مؤهلة لقيادة الحركة الثورية لذا اصبح من واجب البتي برجوازية (البرجوازية الصغيرة) قيادة الحركة الثورية وعلى البروليتاريا ان تسير تحت قيادتها. كذلك رأينا ان الشرط الثاني الذي تحدث عنه معلمو البروليتاريا هو وجود طبقة عاملة ظافرة. ولكن عزيز محمد تخلى عن هذا الشرط واعتبر ان حكومة البعث الفاشية حكومة بتي برجوازية اي حكومة لاراسمالية وهي حكومة تبنت الاشتراكية العلمية وهي سائرة نحو الاشتراكية بدون ان تتحول الى حكومة راسمالية. كل هذا يحتم على الحزب الشيوعي والطبقة العاملة العراقية وجميع الكادحين ان يسيروا تحت قيادة حزب البعث البتي برجوازي في الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وهذا ما جعل بامكان عزيز محمد من على منبر المؤتمر او من كتبوا له خطابه الذي القاه في المؤتمر لانه في الواقع لم يكن قادرا على كتابة خطاباته بنفسه، بمواصلة الجبهة اللامرحلية وغير المؤقتة مع البعث حتى الاشتراكية. انها حقا لعبة محكمة الحلقات تؤدي بالضبط الى ما ال اليه مصير الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي العراقي الذي نراه اليوم يتحالف مع جيوش الاحتلال الاميركي البريطاني ضد الشعب العراقي.
حسقيل قوجمان
۱٩ تشرين الاول ۲۰۰٥





#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا ديمقراطية بدون دكتاتورية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم
- الثورة البرجوازية وضرورتها
- نظام الاجور في الدولة الاشتراكية
- باسل ديوب-كلمة شكر
- من وحي كتاب سفر ومحطات. عبادة الحزب
- جعفر ابو العيس
- خواطر يهودي عراقي سابق
- من مرحلة اعداد مسودة الدستور الى مرحلة الاستفتاء عليها
- مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية
- مهزلة الدستور
- جواب الى قارئ اخر
- جواب الى قارئ كويتي
- الصناعة الاشتراكية
- ذكرى ثورة 14 تموز
- رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي
- ظروف اليهود العراقيين في اسرائيل
- ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
- الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
- الماركسية نظرية للطبقة العاملة


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي