أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية















المزيد.....


مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1291 - 2005 / 8 / 19 - 11:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ان مفهوم كلمة الربح شأنه شأن جميع المفاهيم الاقتصادية مفهوم يتغير وفقا لتغير النظام الاجتماعي والاقتصادي. في الحقيقة لم يكن لكلمة ربح وجود حقيقي في المجتمعات العبودية والاقطاعية لان ربح سيد العبيد كان جميع انتاج العبيد لانه شأن العبيد انفسهم كان ملكا للسيد. الا ان السيد كان مضطرا الى تقديم الحد الادنى من وسائل العيش ليضمن بقاء العبد على قيد الحياة وانتاج المزيد من العبيد للسيد. وكان شكل الربح في الانتاج الاقطاعي يتأتى بالدرجة الرئيسية عن طريق عمل القن عددا من الايام في ارض الاقطاعي بدون مقابل.
وبدأ مفهوم الربح بشكل واضح مع نشوء الشكل الراسمالي في الانتاج. فدورة الراسمال تختلف عن طرق التبادل السابقة حيث كان المنتج الحرفي مثلا يبيع سلعته لكي يحصل بقيمتها على السلع التي يحتاجها لمعيشته اي سلعة – نقود – سلعة حيث يعني تبادل قيمتين متساويتين فائدة البائع والمشتري على حد سواء. تتألف دورة الراسمال من نقود – سلعة – نقود. ولا يكون لهذه الدورة اي معنى اذا كانت كمية النقود المتأتية من الدورة متساوية مع كمية النقود المستخدمة في بدايتها. فما يجعل هذه الدورة ذات قيمة هو ان النقود المتأتية من نهاية الدورة تزيد على النقود المستخدمة في بدايتها. اي ان الدورة هي نقود – سلعة – نقود + ربح. هنا اصبح للربح معنى واضح هو الزيادة التي يحصل عليها الراسمالي من دورة راسماله. مع العلم ان دورة الراسمال تظهر احيانا بدون السلعة، اي بصورة نقود – نقود + ربح. وهذا الشكل يكون واضحا في الربا وفي القروض عموما. ولكن الربح يأتي من استخدام المقترض لهذه النقود في الانتاج.
ليس في نيتي في هذا المقال ان ابحث كيفية حدوث هذا الربح وهو من اهم اكتشافات كارل ماركس الذي اوضح للمرة الاولى وبشكل علمي مصدر الارباح فيما اطلق عليه فائض القيمة. فموضوع كيفية نشوء فائض القيمة موضوع اخر يختلف عن موضوع هذا المقال. ان ما اريد بحثه في هذا المقال هو طبيعة الربح في النظام الراسمالي.
ان طبيعة الربح في النظام الراسمالي هو انه ذو طابع فردي شخصي. فكل راسمالي يريد ان يحصل شخصيا على ربح راسماله. ولدى تقدم الراسمالية ونشوء الشركات والمؤسسات الراسمالية والمصرفية يبقى الطابع الشخصي هو الطابع المميز للربح. فنجاح الشركة يعتمد على ما تجنيه من ارباح في اعمالها مما يدفعها الى منافسة الشركات الاخرى على زيادة ارباحها. وضمن كيان الشركة يسعى كل راسمالي فيها الى زيادة ارباحه الشخصية على حساب شركائه. نرى ان الطابع الشخصي للربح يصدق على الشركة وعلى كل شريك فيها. وما تلاعبات الاسهم المعروفة الا تعبير عن هذه المنافسات الشخصية في زيادة الربح. وعلى هذا الاساس الشخصي للربح تنشأ جميع المؤسسات الراسمالية الصناعية والتجارية والمصرفية وفي مضاربات البورصة بشتى اشكالها. ان الصراع القائم بين الراسماليين ينجم عن افظع اشكال المؤامرات وابتلاع الشركات الكبرى للشركات الصغرى وتضاؤل عدد اصحاب المليارات وتضاعف ملياراتهم.
هذا التكالب على زيادة الارباح هو الاساس في استعمار الدول الراسمالية الكبرى للدول المتأخرة صناعيا اي المستعمرات ونهب ثرواتها الذي نراه سائدا اليوم في العالم حيث تسعى الدولة الكبرى الوحيدة، الولايات المتحدة الاميركية، وشركاتها الكبرى الى عولمة اقتصادها بالاستيلاء على اقتصاد العالم كله وجعل العالم مستعمرة اميركية كبرى.
فما هو طابع الربح في النظام الاشتراكي؟
ان اهم تغير في مفهوم الربح في النظام الاشتراكي هو زوال الطابع الشخصي الفردي للربح. ففي النظام الاشتراكي يصبح طابع الربح اجتماعيا. وهذا يعني ان الربح في النظام الاشتراكي يقاس بمقدار ما يربحه المجتمع وليس ما يربحه كل فرد فيه. ويتحدد ربح الفرد الشخصي في المجتمع الاشتراكي بزيادة رفاه المجتمع كله وليس بما يربحه كل فرد فيه شخصيا.
اعظم ربح للمجتمع الاشتراكي هو ان المجتمع يصبح فيه مالك جميع وسائل الانتاح وعليه فهو مالك لكامل الانتاج الاجتماعي. فبينما كان العمال والفلاحون يحصلون على جزء من انتاجهم على شكل الاجور ويحتفظ الراسماليون بالجزء الفائض نظرا لانهم يمتلكون وسائل الانتاج وكذلك الانتاج. اصبح المجتمع الاشتراكي يمتلك جميع انتاجه بدون ان يتخلى عن اي جزء منه الى اي انسان خارجه. اذا قرأنا شيئا عن الاقتصاد السياسي كما وضعه كارل ماركس بشكله العلمي نجد انه يقسم انتاج العامل اليومي او الاسبوعي او الشهري الى نوعين من الانتاج. العمل الذي يبذله العامل من اجل انتاج قيمة قوة عمله اي الاجور ويسميه ساعات العمل الضرورية والعمل الذي يبذله العامل لانتاج اضافي غير مدفوع الثمن الذي يشكل فائض القيمة. ففي الانتاج الاشتراكي لم يعد ثمة وجود لهذا التقسيم. فلم يعد ثمة ساعات العمل الضرورية وساعات العمل الاضافية. اصبح يوم العمل هو ساعات العمل التي يعمل فيها العامل والفلاح واصبح نتاج العمل هو نتاج المجتمع كله. فلا وجود لمفهوم فائض القيمة في الانتاج الاشتراكي.
ولكن انتاج الانسان اصبح بعد تطور علاقاته بالطبيعة اكثر من الحاجات الضرورية المباشرة لابقائه على قيد الحياة. كانت هذه الظاهرة هي الاساس في نشوء الطبقات والمجتمعات الطبقية. فحين انفصل الانسان عن المجتمع الحيواني وتميز عنه بالعمل لم يكن انتاجه يكفي لسد حاجاته اليومية من الطعام والملبس. لذلك لم تكن ثمة امكانية لوجود اناس يأكلون ولا يعملون. كان من الطبيعي انذاك قتل الاسرى وحتى اكلهم. ولم يكن اي شيء لا اخلاقي في هذه الظاهرة. ولكن تطور الانسان وبدء تسلطه على الطبيعة وتحويلها جعل بامكانه ان ينتج ما يزيد على حاجاته اليومية مما جعل بالامكان وجود اناس كالكهنة والزعماء يقودون المجتمع ويأكلون من انتاج العاملين فيه. هنا اصبح من المفضل ابقاء الاسير مثلا على قيد الحياة واجباره على العمل لمصلحة اسياده اي جعله عبدا. كان هذا اساس نشوء الطبقات في المجتمع وتحول المجتمع الى مجتمعات طبقية استمرت طيلة التاريخ البشري. وما زلنا نسمي تاريخ البشرية السابق لهذا التاريخ ما قبل التاريخ.
في المجتمع الاشتراكي اصبحت هذه الزيادة التي يحققها المجتمع في عمله ملكا للمجتمع كله. هذه الزيادة هي كانت الاساس الذي جعل بامكان الدولة الاشتراكية ان تتطور صناعيا وزراعيا بسرع لا يمكن ان تحلم بها اية دولة راسمالية. هذا هو الربح الاعظم للمجتمع الاشتراكي. وبينما كانت زيادة انتاج العامل في المجتمع الراسمالي سببا في زيادة فقره وفي نشوء ازمات فيض الانتاج الاقتصادية ونشوء البطالة، اصبحت زيادة الانتاج في المجتمع الاشتراكي سببا في زيادة رفاه المجتمع كله واختفاء ازمات فيض الانتاج والبطالة وغيرها مما تعاني منه الطبقات الكادحة في المجتمعات الراسمالية.
لكي نفهم توزيع الانتاج في المجتمع الاشتراكي نأخذ مثلا من مجتمعاتنا الحالية. لنأخذ على سبيل المثال عائلة تتألف من عدة افراد كما هو الحال في عوائلنا. فالعائلة تحصل على دخل معين عن طريق عمل البالغين العاملين فيها ولنقل ان الزوجين يعمل كلاهما وهو الوضع الطبيعي في عوائلنا. كيف يجري توزيع هذا الدخل على العائلة؟ قبل كل شيء يخصص الجزء المناسب من الدخل لتوفير الطعام والملبس لجميع افراد العائلة. ومن الضروري ان يخصص جزء اخر من الدخل لتوفير المسكن الملائم للعائلة. ونحن نعلم من تجربتنا الخاصة ان موضوع السكن يستهلك جزءا كبيرا من دخولنا. ويخصص جزء اخر لتوفير المدارس لاطفال العائلة وهذا يتطلب احيانا مبالغ كبيرة اذا لم يتوفر التعليم المجاني في المدارس حتى الجامعات. وتحتاج العائلة الى مبالغ اخرى لتوفير الحضانة للاطفال قبل بلوغهم سن المدرسة اذ لا يستطيع الزوجان ممارسة العمل وترك الطفل في البيت بدون حضانة. وهذه الحضانة تستهلك عادة مبالغ كبيرة. وقد يتوفر للعائلة المرفهة بعض الباقي لاغراض الترفيه عن العائلة وللتوفير للاغراض المستقبلية. وخلاصة القول ان العائلة الطبيعية توزع دخلها وفقا لحاجات افرادها ولمصالحهم المختلفة وليس وفقا لما يحصل عليه كل فرد من دخل العائلة.
في الحقيقة يشكل المجتمع الاشتراكي صورة مكبرة لمثل هذه العائلة. فالهيئات الادارية للاقتصاد الاشتراكي اي الدولة قبل اختفائها تقوم بتوزيع انتاج المجتمع كله وفقا لمصالح المجتمع المختلفة. وقد راينا ذلك واضحا في برامج المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي. فتوزع الانتاج الى الصناعة الثقيلة التي تشكل الاساس لتطور المجتمع المطرد. وتوزع جزءا اخر للصناعات الخفيفة وجزءا لصناعات الدفاع وجزءا لتطوير الزراعة واخر لتطوير المواصلات واخر لتوفير المواد الاستهلاكية. والصفة العامة لجميع هذه التوزيعات هي انها ليست سلعا تباع وتشترى وانما يوزع الانتاج الاجتماعي كله حسب الحاجة ويبقى ملكا للمجتمع.
تقوم الدولة بتوزيع جميع الانتاج الذي تستطيع توفيره للمجتمع كله بدون ان يكون هناك تبادل. فالحديد الموزع على المصانع على اختلاف اشكالها هو ملك المجتمع والمكائن الزراعية التي ينتجها المجتمع هي ملك المجتمع ووسائل النقل والمواصلات هي ملك المجتمع والجامعات والمدارس هي ملك المجتمع والمستشفيات والمؤسسات الصحية هي ملك المجتمع.
ومع ذلك يبقى جزء من الانتاج الاجتماعي ليس بامكان الدولة توفيره للمجتمع بصورة كاملة. هذا الجزء من الانتاج هو المواد الاستهلاكية المباشرة كالطعام واللباس. ولذلك تضطر الدولة الى توزيع هذه المواد بشكل سلع يشتريها الفرد عن طريق كمية من النقود يتقاضاها لقاء عمله. وقد اخذ هذا الجزء من الانتاج صورة السلع والنقود التي اقتبسها المجتمع الاشتراكي من المجتمع الراسمالي واستفاد منها في ادارة المجتمع الاشتراكي. ويكون جزء كبير من اقتصاد السلع هذا بضائع التبادل بين الريف والمدينة نظرا الى ان التبادل بين المزارع التعاونية والمنتجات الصناعية تجري على شكل سلع تباع وتشترى. ولا شك ان جزء السلع هذا من الانتاج لا يشكل الا جزءا طفيفا من مجموع الانتاج الاجتماعي. ولكن الدولة تزيل عن هذا النطاق كل جزء منه يصبح في مقدور الدولة ان توزعه بدون مقابل على المجتمع كله.
اتهم خروشوف والخروشوفيون ستالين بانه احتفظ بمشاريع كبيرة غير مربحة. حين يتحدث خروشوف بهذه الطريقة فانه يتحدث بعقلية راسمالية. حقيقة كانت في الاتحاد السوفييتي مشاريع كبيرة غير مربحة بالمفهوم الراسمالي. وهذا يعني ان هذه المشاريع لا تنتج ما يكفي لاستعادة المواد المستغلة فيها من المواد الاولية والمكائن ومن عمل العاملين فيها او لا تنتج اكثر منها. اي ان هذه المشاريع خاسرة في العرف الراسمالي للانتاج. ولكن هذه المشاريع كانت حيوية بالنسبة لمواصلة تطور الانتاج الاجتماعي الاشتراكي ولذلك فهي كانت مشاريع تساعد على زيادة الانتاج الاجتماعي وهي مربحة بالمفهوم الاشتراكي للربح. ومع ذلك كانت الادارة السوفييتية واعية لهذا الامر وكانت تعمل على تطوير انتاج هذه المشاريع لجعلها مربحة حتى بالمفهوم الراسمالي لها ولكن كونها مشاريع غير مربحة بهذا المفهوم لم يكن سببا كافيا لاغلاق هذه المشاريع لان اغلاقها كان يؤدي الى عرقلة تطور الانتاج الاجتماعي ككل. وسرعان ما ظهرت نتائج اغلاق مثل هذه المشاريع على الاقتصاد السوفييتي تحت حكم خروشوف والخروشوفيين واضطرار الاتحاد السوفييتي الى استجداء القروض والمشاريع الراسمالية لسد النقص الحاصل من ذلك.
ولكن هذه المشاريع الصناعية او غير الصناعية لم تكن المشاريع غير المربحة الوحيدة بالمفهوم الراسمالي في الاتحاد السوفييتي. كانت هناك مشاريع خاسرة كثيرة بهذا المفهوم. اشير الى البعض منها على سبيل المثال. قامت الدولة الاشتراكية بحل مشكلة حضانة الاطفال فكانت دور حضانة في كل مصنع وكل مؤسسة تستطيع المرأة المرضع بعد انتهاء عطلة الولادة المدفوعة الاجر ان تجلب طفلها معها لتضعه في دار الحضانة المرتبطة بمكان عملها وان تقوم بارضاع طفلها لدى حلول موعد ارضاعه. كانت الدولة تنفق الكثير من مواردها لدور الحضانة وهذا مشروع لم يكن يدر ارباحا بل كانت الدولة تنفقه بدون مقابل. ولكن هذا المشروع كان مربحا بالمفهوم الاشتراكي لانه كان يحل معضلة طالما عانت منها العوائل العاملة في النظام الراسمالي.
مثل اخر على هذه المشاريع غير المربحة كانت قصور الاطفال. جعلت الدولة من اغلب القصور الملكية والاقطاعية قصورا للاطفال. وقصور الاطفال كانت مفتوحة لجميع اطفال الاتحاد السوفييتي. كان الاطفال في هذه القصور ينالون ثقافات على ايدي خيرة فناني واساتذة الاتحاد السوفييتي. فيفسح للطفل في هذه القصور ان يتعلم الموسيقى والرقص والباليه ولعبة الشطرنج وسائر الفنون الرياضية. كتب الكثير من السواح الاوروبيين والاميركيين كتبا عن قصور الاطفال هذه وكانوا يقولون ان الاطفال هم ملوك الاتحاد السوفييتي. قرات مقالا مرة في سجن نقرة السلمان في مجلة نيوز ويك الاميركية كتبه احد اكبر علماء الذرة في الولايات المتحة قال فيه ان من الممكن ان يظهر اينشتاين في الولايات المتحدة ولكن الاتحاد السوفييتي فتح المجال امام كل طفل لكي يكون اينشتاين. لم تكن هذه القصور تقدم ربحا بالمفهوم الراسمالي للربح ولكن فوائدها للمجتمع الاشتراكي لم يكن لها مثيل. فقد وضعت امام الطفل السوفييتي ما لا يستطيع ان يضعه اكبر مليارديريي المجتمع الراسمالي لاطفالهم.
مشروع خاسر اخر كان حل مشكلة السكن. ففي البلدان الراسمالية تدفع العائلة جزءا كبيرا من مدخولها لغرض تأجير او شراء مسكن مناسب لها. ولكن الدولة الاشتراكية جعلت توفير السكن من واجبات الدولة ولا تدفع العائلة لقاء السكن والكهرباء والغاز سوى نسبة ضئيلة من دخلها. ولا شك ان الدولة تبذل نسبة كبيرة من الانتاج الاجتماعي لتوفير السكن لجميع العائلات وبدون ان تكون لهذا المشروع ارباح بالمفهوم الراسمالي للربح.
ومشروع خاسر اخر في الاتحاد السوفييتي هو تخصيص عطلة سنوية لكل عائلة تقضيها في مصايف ومنتجعات الاتحاد السوفييتي بدون مقابل وهذا ايضا كان يستهلك الكثير من انتاج الاتحاد السوفييتي بدون ان يقدم ارباحا بالمفهوم الراسمالي.
ومشروع خاسر اخر كان انشاء المطاعم الشعبية في مؤسسات العمل وفي المناطق السكنية لكي تحرر العوائل من مهمة الطبخ والانشغال في اعداد الطعام بعد ساعات العمل. كان من شأن هذه المطاعم توفير الوقت للعائلة لقضاء اوقات فراغها في مواصلة ثقافتها وقضاء بعض اوقات الفراغ في وسائل اللهو من مسارح الباليه والحفلات الموسيقية والحفلات الراقصة وغيرها من وسائل اللهو التي جعلتها الدولة الاشتراكية رخيصة بحيث تستطيع ريادتها كل عائلة عاملة.
وهل قدمت الدولة السوفييتية خدمة مباشرة شخصية الى العوائل العاملة؟ بالطبع لم تقصر الدولة السوفييتية في هذا المجال ايضا. كانت اجور العمال تزداد باطراد مع انخفاض اسعار المواد الاستهلاكية. وجعلت الدولة يوم العمل ست ساعات وخمس ساعات للاعمال المرهقة جسديا. واعتبرت الدولة مواصلة الثقافة خدمة للمجتمع بحيث ان الطالب المتفرغ كان يتقاضى اجورا لانه يخدم المجتمع بثقافته.
ولكن لماذا بقي نظام الاجور والنقود والسلع الاستهلاكية قائما في الدولة الاشتراكية؟ هناك سببان مهمان على الاقل لذلك. السبب الاول والاهم هو ان انتاج السلع الاستهلاكية لم يصل بعد الى درجة تكفي لتوزيع السلع مجانا وبحرية على جميع افراد المجتمع السوفييتي. ان بلوغ هذا المستوى من الانتاج هو من اهم الشروط الاقتصادية لتحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي توزع فيه المواد الاستهلاكية مجانا وبحرية "لكل حسب حاجته".
والسبب الثاني هو ان المزارع التعاونية لم ترتفع بعد الى مستوى التبادل العيني لمنتجاتها الزراعية والحيوانية لقاء المنتجات الصناعية في المدينة. كان التبادل عن طريق الشراء والبيع الوسيلة الوحيدة المقبولة لدى المزارع التعاونية لتبادل منتجاتها الزراعية بالمنتجات الصناعية. ولم يكن بمستطاع الدولة الاشتراكية ان ترفع مستوى المزارع التعاونية الى مستوى الملكية الاجتماعية مثل مزارع الدولة بالقوة وانما كانت تعد العدة لذلك عن طريق الاقناع وعن طريق زيادة المواد التي تتقبلها المزارع التعاونية من الدولة اذا قبلت بالتبادل العيني بدلا من البيع والشراء.
عند الكتابة عن الاشتراكية والمجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي في ايامنا يقوم الكثير من المنظرين والمحللين بتقدير انتاج المجتمع الاشتراكي بعقلية راسمالية. وعلى هذا الاساس يتوصل الكثير من الباحثين الى ان الاتحاد السوفييتي لم يحقق الاشتراكية نظرا الى انه ابقى نظام الاجور والنقود وواصل استعباد العامل السوفييتي. انهم لا يبحثون الفوائد التي احرزها المجتمع السوفييتي بالنسبة لكامل المجتمع والتي لا يمكن انجاز اي منها في المجتمع الراسمالي. لا يعتبرون اختفاء الازمات الاقتصادية مثلا ربحا للعامل السوفييتي ولا الفوائد الاخرى التي اوردت امثلةا منها اعلاه. ونظرا الى ان ستالين نال بجدارة لقب مهندس الاشتراكية يقع لوم هؤلاء المحللين والباحثين على ستالين وحده وليس على المجتمع ككل. ويزعمون ان ستالين تخلى عن سياسة لينين في بناء المجتمع الاشتراكي وحول الدولة السوفييتية الى دولة راسمالية.
زعم احد منظري وقادة الحزب الشيوعي العراقي في تحليله لاسباب انهيار الاتحاد السوفييتي ان العامل "يريد ان يشعر بربح معمله والشعور بان المعمل هو معمله، وان يشارك في ارباحه والعكس بالعكس." ان هذا المنظر بحث تحليله بعقلية راسمالية وبتفسير الربح بالربح الفردي المباشر فجعل العامل السوفييتي بذلك عاملا بليدا لا يستطيع ان يدرك ان تخفيض يوم العمل وزيادة الاجور وتخفيض اسعار المواد الاستهلاكية وحصوله على المسكن المجاني وتمتعه وعائلته بالعطل والمصائف السنوية وحصوله على المعالجة الصحية وتعلمه واطفاله مجانا في كل مراحل الثقافة وغير ذلك من الامتيازات التي حصل عليها الانسان في الاتحاد السوفييتي ربحا. جعل العامل السوفييتي مثله بليدا لا يفكر الا في الربح الفردي المباشر من معمله.
ويدعي اخرون ممن يسمون انفسهم شيوعيين بان الاتحاد السوفييتي اخطأ بالاحتفاظ ببعض المظاهر المقتبسة من الراسمالية كالدولة ونظام الاجول والتبادل السلعي والنقود الخ.. وعليه يزعمون انهم سيحققون الشيوعية مباشرة بعد الثورة او بعد حصولهم على السلطة بدون ثورة. يعتقدون ان بامكانهم ان يلغوا الدولة مباشرة وان يحققوا الشيوعية بتوزيع ثروات البلاد القائمة على افراد المجتمع بالتساوي. ان مثل هؤلاء المنظرين يعيشون في احلام بعيدة عن الواقع الاجتماعي الناشئ مباشرة بعد استلام السلطة ويتصورون ان الشيوعية هي مجرد توزيع الثروة على افراد المجتمع بالتساوي.
ان على من يريد حقا ان يحقق الاشتراكية والشيوعية ان يدرس تجربة بناء المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي دراسة موضوعية ليستفيد منها عند تحقق فرص بناء الاشتراكية في بلده. ومن يتجاهل دراسة تجربة بناء المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي لن يستطيع ان يتقدم خطوة واحدة في قيادة شعبه الى تحقيق الاشتراكية ولا الشيوعية.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهزلة الدستور
- جواب الى قارئ اخر
- جواب الى قارئ كويتي
- الصناعة الاشتراكية
- ذكرى ثورة 14 تموز
- رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي
- ظروف اليهود العراقيين في اسرائيل
- ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
- الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
- الماركسية نظرية للطبقة العاملة
- هل الماركسية تمر في ازمة ام المنظمات التي تبنتها
- الهجوم على ستالين هجوم على الماركسية
- البحث عن الطبقة الوسطى
- هل تستطيع الطبقة العاملة قيادة الحركات الثورية؟
- عيد العمال العالمي
- حول مقولة لينين -الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية-.
- أزمة اليسار- التكوين الطبقي لحزب الطبقة العاملة.
- أزمة اليسار (من هو الشعب؟) الجزء الثاني
- أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين
- الاخ العزيز سلامه كيله


المزيد.....




- حاكم تكساس يهدد المتظاهرين في جامعة الولاية بالاعتقال
- حزب النهج الديمقراطي العمالي: بيان فاتح ماي 2024
- تفريق متظاهرين في -السوربون- أرادوا نصب خيام احتجاجاً على حر ...
- بيان مشترك: الاحزاب والمنظمات تؤكد فخرها بنضالات الحركة الطل ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- الانتخابات الأوروبية: هل اليمين المتطرف على موعد مع اختراق ت ...
- صدور العدد 82 من جريدة المناضل-ة/الافتتاحية والمحتويات: لا غ ...
- طلاب وأطفال في غزة يوجهون رسائل شكر للمتظاهرين المؤيدين للفل ...
- إندبندنت: حزب العمال يعيد نائبة طردت لاتهامها إسرائيل بالإبا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية