أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 4















المزيد.....

خاتمة بقلم المحقق: 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5299 - 2016 / 9 / 29 - 03:34
المحور: الادب والفن
    


مخطوطة هذه السيرة الروائية، مثلما سيقَ وعرفتم، كنتُ قد استلمتها من يَد محامي مؤلفتها. إذاك كنتُ على عجلة من أمري، كوني سأعود من مراكش إلى السويد في اليوم التالي مباشرةً. ولأن الطائرة كانت ستقلع فجراً، فإنني قضيتُ ليلة الإستعداد للسفر يقظاً والمخطوطة بين يديّ. خلال خمس ساعات تقريباً، قرأتُ الكثير من صفحات ذلك الكتاب، المنضوي ضمن دفتيّ مصنّفٍ جلديّ ينبعث منه عبقٌ مُعتّق، شبيهٌ بما يلتقطه الأنفُ في مكاتب المحامين. وأتذكّر، كيفَ أنّ النعاسَ كاد أن يدهمني فيما كنتُ ما أفتأ أقلّب صفحات المخطوط. الفضول، من جانبه، جعلني عندئذٍ أمضي إلى آخر ورقة بغيَة العثور على الكلمة الموحية بختام العمل. ولكن كم كانت خيبتي كبيرة، إذ لم يكن ثمة ما يوحي بأنّ هذا العمل قد أنجز. عند ذلك حَسْب، أنتبهتُ إلى أنّ الكتابَ بدون ترقيم وعلى الرغم من كونه مبوّباً بفصول ستة: المؤلّفة " شيرين "، التي كانت موجودة في حجرة السجن آن تسجيلها سيرتها الروائية، بدت كأنها عاشقة مولّهة تكتب لحبيبها الرسالة تلوَ الأخرى وهيَ متيقّنة بأنّ أياً منها لن تصله.
لم أعُد لأتمكّن من لقاء المحامي مرة أخرى، وذلك لأسباب عرضتها في مقدمة هذه السيرة الروائية. مع أنه فيما بعد بدا أمرُ اللقاء ضرورياً، لما رأيتني بحاجة إلى معونة أرشيف المحكمة لتبيان تفاصيل جريمة قتل " غوستاف ". على أنّ حدثاً سعيداً، غيرَ ذي بال بالمرة، جنّبني عناءَ الخوض في كواليس المحكمة للتنقيب عن قضية قديمة تعود إلى بداية تسعينات القرن المنصرم. ذلك الحدث، كان على خلفيّة لقاءٍ أيضاً: هأنذا أرجعُ بذاكرة القاريء إلى مبتدأ القول، حينَ أسهبتُ بالحديث عن فتاة سويدية أرتبطت بعلاقة عاطفية مع " فرهاد " وكانت آخر من عرفهن من نساء. لئن توقفتُ عند حدّ معيّن في حديثي ذاك، فلأنني أشفقتُ على شعور القاريء من الملالة والضجر. فلم يكن لي عذرٌ بإشغال القاريء في سياقٍ بعيدٍ عن السرد، حتى وإن كان متماهٍ معه. كذلك يُمكنني التصريح دونَ مواربة، بكون الأمر يتوافق مع خطّة تحقيقي لمخطوطة كانت بنيتها تحتاج إلى الترميم ـ كما لحظتم في موضوع خاتمتها، شبه المفقودة.

***
كأنما كانت " شيرين " تتنبأ ( وهيَ كثيراً ما فعلت ذلك لدرجة أنّ بعضهم عَرَفها بصفة عرّافة! )، بأنها لن تكون الشخص الوحيد الذي سيلجأ إلى القلم لكتابة سيرته في هذه المدينة، المحكومة بالتناقضات والمفارقات. فلدينا أكثر من إشارة من مخطوطتها، تذهبُ فيها ذلك المذهب. ها هيَ تقول، بمناسبة حظوتها بتنقيح مذكرات من أضحت لاحقاً قرينته: " في واقع الحال، إنّ هذا الضرب من الأدب حظيَ بالشعبية مرة أخرى في الغرب إنطلاقاً من تربته المغربية الأكثر جدّة ". في المقابل، لم نهتدِ إلى إشارة واحدة في مخطوطتها عن إنهماك شقيقها بالكتابة خارج باب الشعر. وإذاً، ليست شقيقة " فرهاد " بل صديقته تلك، السويدية، مَن تعيّن عليها أن تكشف لنا أمرَ اهتمامه بتسجيل مذكرات. من ناحيتي، كنتُ قد ألمحتُ للأمر في ختام مقدمتي لهذه السيرة الروائية: " بيْدَ أنه الحظ، في آخر المطاف، من جعل يد فرهاد تستقرّ على كتف تينا كي يقودهما كلاهما إلى عالمٍ غير واقعيّ. إلا أنّ هذا، حديثٌ آخر! ".
سأستعين مجدداً بذاكرتكم، للعودة إلى ظروف لقائي " تينا " في صيف العام 2012. ذلك، جرى أثناء سعيي لجمع معلومات تخصّ من كنتُ أعتبره الشخصَ الأحق مني بامتلاك مخطوطة السيرة الذاتية. كان قد مضى حوالي شهر على اللقاء، وكنتُ قد أهملتُ الإتصال مع " تينا " لسبب أو آخر. حتى كان أحد الأيام الصيفية تلك، التي تُزاحم فيها الشمسُ جارَها القمر على التربّع على عرش المساء. صدرَ عن موبايلي رنينه المألوف أكثر من مرة، وكان عليّ كالعادة أن أبحث عنه هنا وهناك. قرينتي، هيَ من جاءني به وكان على شفتيها سؤالٌ باسم: " رقم غريب..؟ ". فلما قالت ذلك، فإنّ صورة " تينا " أرتسمت في مخيلتي على الفور. وللحال أيضاً، رأيتني مُحرجاً فيما كنتُ أهمّ بتدوير الرقم نفسه في موبايلي. كان ذلك فعلاً رقم " تينا ". وفيما كانت هيَ على الخط تتساءل عن إمكانية لقائنا لأمر ضروريّ، فإن صورة امرأتي هيمنت هذه المرة على المشهد. عندئذٍ، تمنيتُ لو أنّ الأخرى لم تتصل.
" إنها أرملة صديق قديم. وكنتُ قد ألتقيتها مؤخراً في أوبسالا، بغية الحصول على أوراق تخصّه. أنا بحاجة إلى الأوراق، لكي أكتب مقالاً عن صديقي الراحل! "، قدمتُ لقرينتي تقريراً مع رشة خفيفة من ملح الرجال. ولكن ما تخيلته كذباً، تبيّن لي لاحقاً أنه لم يكن كذلك؛ فيما يتعلق بالأوراق، على الأقل. المهم أنّ طريقتي المتأدبة في الكلام، ربما كانت قد ضافرت في مخاوف امرأتي. عند ذلك، خطرَ لي على غرّة فكرة خرقاء. فلم ألبث أن أتجهتُ إلى المرأة الجالسة على طرف الأريكة، مُقترحاً أن ندعو " تينا " إلى غداءٍ مغربيّ. الفضول، حلّ على الأثر بمحل الغيرة. أضحتْ مهتمة على ما يبدو برؤية هذه " الأرملة "، بما أنني كنتُ قد أظهرت أرتباكاً واضحاً سواء خلال المكالمة الهاتفية أو عقبها. بعد يومين أو ثلاثة، في عطلة نهاية الأسبوع، حضرت " تينا " إلى مدينتنا وهيَ تقودُ سيارة صغيرة. ولأنها أخطأت أكثر من مرة وجهةَ الطريق الصحيح، فإنني لاقيتها على مدخل مركز التسوّق بالحيّ. كانت متألقة بفستان بسيط، ذي نقوش صيفية زاهية. فيما شعرها العسليّ مغطى بقبعة صفراء، مائلة الحواف. تبدّت لي يومئذٍ شبيهة لزهرة النرجس. عند مدخل الشقة، مدّت " تينا " يدَها لإمرأتي بكيس ورقي فيه أصيص بغونيا. أما الكيس الآخر، الميكا، فإنني حزرتُ بأنه يحتوي أوراقَ صديقها الراحل.

***
الحال أننا كنا نتناول العشاء، بالنظر إلى أنّ ضيفتنا وصلت متأخرة عدة ساعات. ولكن كون النهار طويلاً في هذا الوقت من الصيف، فإنّ الكلام عن الغداء والعشاء لم يكن له معنى. ما أن أستهلت " تينا " خطوها على أرضية المدخل الطويل، المفروش بسجادة تركية ضيّقة العرض، إلا وراحت تنقل بصرها بتؤدة بين لوحاتي المائية الفظيعة، المثبتة على الجدار يفصل بين كلّ منها أسلحة وصحون خزفية ونحاسية، أنتيكية المظهر. حجرة السفرة، المُقتطعة ركناً كبيراً من الصالون، كانت أيضاً لا تقلّ بهرجة. إذ أحتلت المائدة جلّ مساحتها، وكانت ذات سطحٍ من الفورميكا الرمادية وقوائم حديدية نحيلة. كذلك كانت قوائم كراسي المائدة الستة، بينما مجلس كلّ منها ومسنده كان من الجلد الأسود. مفرش جميل، ما يفتأ محملاً بعبق أسواق مراكش، كان يغطي المائدة وقد رُصفت فوقه آنية الطعام وأقداح الشراب. لإضفاء المزيد من الحميمية، فإنّ قرينتي وضعت في جهاز الستيريو أسطوانة لمطرب شعبي أمازيغي.
مثلما سلفَ القول، شئنا دعوة ضيفتنا السويدية على غداء مغربي. الأصناف كانت عديدة، سبقها تقديم حساء الحريرة. الضيفة، عمّقت الأخاديدَ الخفيفة في وجهها الناصع، مع تبسّمها لكل صنف تُدعى إلى تناوله. وقد عبّرت عدة مرات عن إعجابها بالطعام، وكانت في الأثناء تسألنا عن المكونات وطريقة الطهي. وضعتُ يدي على كتف قرينتي، محتضناً إياها لثوان، حينَ أثنت " تينا " على مهارتها في الطبخ. وإذا بالضيفة تتشاغل بتأمل ابننا الوحيد، المتجاوز عامين من عمره، وقد بدا عليها الشرود. ثم عبَرَت عيناها العميقتا الإخضرار إلى الجانب الآخر من الصالة، لتحطّ على الطاولة الواطئة. ثمة، كانت أوراق المذكرات راقدة وهيَ في مكمنها البلاستيكيّ. لحظتُ إذاك ما يُشبه رجفة في ابتسامة " تينا "، عندما عادت نظرتها نحوي. أيضاً لحظتُ ما يُنبي بإفاقتها من رحلة خاطفة خِلَل الزمن الغابر؛ زمن الحبّ المهجور ـ كما أوراق حبيبها تلك.
" هذه الجلسة الجميلة، جعلتني أستعيدُ مثيلة لها ثمة في مدينة أغادير "، قالتها ضيفتنا بلهجة مُجاملة. إلا أنها كانت صادقة أحاسيسُها، حدّ أنني توهمتُ رؤية ما يشبه دمعة في عينها. كانت تجلسُ بقربي، مضغوطة نوعاً بين المائدة والجدار. فيما قرينتي وابني إلتزما الجانب الآخر، المقابل. على حين فجأة، وثبتُ بذهني إلى ذكرى متواشجة مع ذكر ضيفتنا لإسم تلك المدينة المغربية. فسألتها باهتمام، ما إذا كانت تتكلم عن رحلة قامت بها مؤخراً. فاتسعت ابتسامتها، وهيَ تجيب بشيءٍ من الحَرَج: " بل من أكثر من عشرين عاماً..! ". هنا، عادت تلك السلسلة من المصادفات المستحيلة لتطلّ برأسها، تماماً مثل هذا الليل السويديّ الصيفيّ، المحروم من العتمة. فصديقها الأول، الكرديّ التركيّ الذي عرفناه بنعت " الكذّاب "، كان آنذاك قد أرسل إليّ بطاقة بريدية من مدينة أغادير حين كان برفقتها في الرحلة. ما زلتُ محتفظاً بالبطاقة كما وبكلماتها على السواء. كان كعادته في استعمال الكلمات الطنانة والجوفاء، يتكلم عن استغلال السيّاح الأوربيين جنسياً للفتيات المغربيات البائسات. وهيَ ذي " تينا " تفاقمُ من شعوري بالعجب، لما أردفت بالقول: " كنا نسهر ذات ليلة في مقهى على الكورنيش، وكان هناك فرق موسيقية تؤدي أغانٍ محلية وغربية. ما أثارَ دهشتي، كان وجود عدة بنات قاصرات كنّ يُشَجَعن على رقصٍ مبتذل وهن بملابس لا تتلائم وسنّهن، وكذا الأمر بشأن زينتهن ". داعي عجبي، كان عندئذٍ له علاقة بمخطوطة السيرة الروائية. إذ بدا لي كأنما " شيرين " كانت حاضرة في السهرة نفسها؛ هيَ من كتبت في سيرتها شيئاً مُشابهاً لانطباع " تينا " بخصوص الفتيات القاصرات.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 4