أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - معضلة المشروع الثوري: -أيديولوجية الرقيق-!















المزيد.....

معضلة المشروع الثوري: -أيديولوجية الرقيق-!


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 10 - 10:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كما نعلم من التحليل النفسي اللاكاني (نسبة الى المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان),ان الطلبات لا يمكن اشباعها بتاتا. فالطفل عندما يطلب شربة ماء من امه (او من يقوم بدور الام), فانها عندما تقوم بتوفير شربة الماء له, فانه سرعان ما يؤاتيها بطلب آخر في سلسلة لا تنتهي من الطلبات. فعندما توفرها امه له احدها, فسرعان ما يلحقها بطلب آخر. فهو لا يطلب كل هذه الاشياء لاشباع ظمأه او اشباع حاجاته البيولوجية. انه يبغي فقط الحصول على الحب. لكن الحصول على الحب امر لا يمكن استنفاده لأن موضوع الحب لا يمكن القبض عليه, فهو يهرب من ايادينا حال امساكنا به, مما يدفعنا الى البحث عنه من جديد وعندها سيتسرب من جديد كالماء مهما احكمنا قبضة ايادينا, عند اعتقادنا بالحصول عليه. والأم, بعد جهد جهيد, لا تستطيع تحمل اعباء طلبات طفلها فتضطر الى احباط طلباته. وباحباطها اياها لطلباته, يتعرف الطفل على رغبته الحقيقية ويكوّن بذلك شخصيته الاصيلة. لذلك ان الرغبة هي دوما الرغبة في الاختلاف لان الابوين يحبطان بعض طلبات طفلهما, مما يجعل رغبة الطفل بالضرورة مختلفة عن رغبة الابوين.

وما يميز الطلب عن الحاجة ان الطلب لا يهدف الى اشباع حاجات بيولوجية. فهو يهدف الى اقتناص المستحيل, الحب, الذي يتعذرعلى اللغة التعبير عن موضوعه, وما لا تستطيع اللغة التعبير عنه يتعذر اشباعه. اما الحاجة فهدفها اشباع الحاجات البيولوجية كالحصول على الغذاء أو الدفء.

الرغبة هي موضوع آخر مختلف تماما, ويمكن اشباعها في بعض الاحيان وليس دوما, مثل رغبة الشخص في اعتراف الآخر به, او بعبارة اخرى, فالرغبة هي ان يكون الشخص موضع رغبة الشخص الآخر, اي, مثلا, ان يعترف الآخر بمنجزات الاول. ولما كانت الرغبة تعبرعن نفسها بكلمات, وليس هنالك غير الكلمات, ولما كانت معاني الكلمات متفاوتة من شخص لآخر ومن مجتمع الى مجتمع او من وقت الى آخر, يستحيل التعبير عن الرغبة بمفردات ثابتة او بكلمات ذات معنى ازلي.

ان جدلية هيغل في السيد/ العبد تعني بالرغبة فقط. وهي جدلية لا يمكن للمجتمع الاستغناء عنها بسبب وجود التنافس والآباء والاطفال.

فحسب هيغل, يكتسب البشر وعيهم من خلال الرغبة. ولما كانت الرغبة تعبر عن نفسها فقط بالكلمات, كما ذكرت اعلاه, فالانسان هو الذي فقط يمتلك الرغبة, على عكس الحيوان الذي ليس له رغبة تتعدى اشباع حاجاته البيولوجية, لعدم امتلاكه اللغة وتواصله فقط بواسطة الرموز. والوعي الانساني يتضمن وعي الانسان بموته. والعبد في فلسفة هيغل يخاف الموت بسبب العوز والفاقة. والتخوف من "العدم" أو "الموت" هو شرط ضروري لوجود المرء أو أصالته. و إذا كنا نتفق مع الفيلسوف الوجودي هايدغر، فان تجربة الموت ليس حدثا عموميا، ويجب على الفرد أن يموت الميتة الخاصة به. وفي هذه الحالة، ان العبد وليس السيد هو الذي يقبض على معنى الأصالة ويصبح واعيا لفرديته الخاصة به والشروط الذي تحدد وجوده من قبل سيده. في هذه المرحلة، يعتقد هيغل ان العبد يصبح "المنفذ" التاريخي للثورة. لدى العبد مفهوم مختلف من التفرد والاصالة، ولكن لكون العبد ينتج لسيده فهو مغترب عن منتوج عمله.

والعبودية لم تختفي في عصرنا الحاضر او تتلاشى. انها موجودة, ولكن غيرمعترف بها, وهذا امر واضح لدى الفلاسفة و علماء الاجتماع, على حد تعبير لاكان. بل انها على العكس جرى اشاعتها. فعلاقة المستغِلين بالاقتصاد بشكل عام ليست علاقة اقل عبودية من تلك التي يتميز بها الناس الآخرون. ولذلك فان العلاقة الثنائية, السيد/ العبد, قد جرى تعميمها ضمن كل افراد المجتمع.

في فلسفة هيغل, ان الخوف من الموت أو "رهاب الخوف" قد يصبح مصدرا للظلم في التاريخ البشري. وقد أدى ذلك إلى ظهور مؤسسة الرق والتمييز الطبقي. العبد يخاف من الموت ولا يمكن أن تتعدى رغبته اشباع احتياجاته البيولوجية الحيوانية. ولكن عمله يؤدي الى خلق حالة وجودية لتحقيق الذات. وتحت تأثير هذه الحالة الجديدة، يصبح العبد على بينة من التناقضات بين سيده ونفسه، والتي يمكن تخطيها فقط في معركة حتى الموت. ولكن ماذا يحدث عندما يكون العبد هو على بينة من هذه التناقضات وليس مستعدا بعد للقتال, حيث يشكل ذلك مظهرا من مظاهر ازمة المشروع الثوري التي تتميز بوعيها الايديولوجي المتميز.

في هذه الحالة، ووفقا لهيغل، يبحث العبد عن ذريعة لتجنب القتال بواسطة الهروب في ايديولوجية ما يمكن فيها له تبرير عدم مبالاته تجاه المسؤولية الاجتماعية. هذه الأيديولوجية يسميها هيغل "ايديولوجية الرقيق" كما تتجسد في الرواقية، التشكيك, والوعي التعس.

في الرواقية يعتقد الشخص ان حرية الإنسان هي خاصية داخلية عقلية مجردة من أي محتوى خارجي. ففيها يرفض العبد ضرورة المحتوى الخارجي لحريته ويرفض "الاشتباك" معه. لهذا السبب، يصبح العبد عنصرا سلبيا ويعاني من الملل. ولتخليه عن العبودية يجب أن يعترف بضرورة المحتوى الخارجي كشرط للحرية. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق حل التناقض بينه وبين السيد في قتال حتى الموت, ولكن كما ذكرت من قبل, العبد ليس على استعداد للقتال.

هذه التناقضات تؤدي إلى مرحلة أخرى وشكل آخر من أشكال "ايديولوجية الرقيق" التي يسميها هيغل باسم التشكيك. بموجب التشكيك, يشككك العبد ان واقع المحتوى الخارجي شرط أساسي للحرية. يعاني مبدأ التشكيك أيضا من تناقضات. وذلك واضح من عدم اعتراف العبد بوجود المحتوى الخارجي للحرية وجعله يختفي من ثنايا وعيه. هذا النفي هو في الوقت نفسه قبول بالمحتوى الخارجي, وذلك لان النفي لا بد ان يتطلب الاعتراف بالواقع اولا لغرض نفيه لاحقا.

لذلك ان التشكيك يعزل الوعي عن الواقع وهو اغتراب, حسب هيغل, وهو ايضا شكل جديد من ايديولوجية الرقيق المسمى "الوعي التعس"، أو الدين. العبد الديني ليس مكترثا بحل التناقضات الاجتماعية. انه يعتقد ان مكان المساواة والعدالة والحرية هو في عالم آخر, في الآخرة, حيث يصبح كل البشر متساوين في نظر السيد الاعلى, الرب. التناقضات في الوعي التعس تنشأ بين الخلود والوقتية، الفردية والشمولية، التي هي في نظر هيغل، حُلت في شخصية (السيد) المسيح. سؤال يطرح نفسه هنا هو: كيف يحل العبد الديني التناقضات بين سيده ونفسه؟ وجواب هيغل هو ان السيد المسيحي والعبد المسيحي كلاهما مزيفان, وذلك لقبول السيد بايديوجية العبد واكتسابه بذلك مسيحيته.

والسيد دون عبد أو السيد المزيف هو ما يسميه هيغل "الرجل البرجوازي". والبرجوازي هو سيد لأنه يتملك العقارات ومعترف به كسيد من قبل العامل. وفي الوقت نفسه، لأن البرجوازي لا يمتلك العبيد وليس في قتال حتى الموت من أجل الاعتراف به, لذلك فهو ليس سيدا حقيقيا. من ناحية أخرى ان حال البرجوازي هو حاله حال العبد وتحدده الرغبة الحيوانية ويعمل من اجل رأس المال ويصبح ايضا عبدا لرأس المال.

حسب هيغل, ان قبول واقع الموت والمخاطرة بالحياة هما السبيل الوحيد لتحقيق التحرر الذاتي من العبودية. في النهاية وصل هيغل في خاتمة بحثه الى الاعتقاد باستحالة تاريخية الوجود البشري من دون عنف. فعالم سلمي يتناقض تماما وطبيعة تاريخيته. لذا يمكن بشكل افضل فهم وجود الانسان بكونه قتال حتى الموت للاعتراف به. ولكون الاعتراف هو فقط من جانب واحد, لذا يتعذر الاعتراف المتبادل.



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية, نقادها, التحليل النفسي, وامثلة من العراق
- الامبريالية الجديدة وخصائصها
- حزب نيوليبرالي يتَجَلبَبَ بجِلْبَابَ الشيوعية!
- باراك اوباما الوجه -الاسود- للامبراطورية!
- غزو العراق ومنطق ديكارت السقيم
- تقرير تشيلكوت يُثبِت صحة ما قلناه مرارا وتكرارا
- هجمات إرهابية تهز نظام بغداد العميل
- النقد الذاتي/الجلد الذاتي في الحزب الشيوعي العراقي
- فلسفة الطب ومجزرة اورلاندو
- العداء للمثلية الجنسية لا يقتصر على الاسلام
- جريمة بشعة لها جذورها في مجتمع مشبع بالعنف والكراهية!
- تسبيب النيوليبرالية للعنف واستفحاله مستقبلا
- النيوليبرالية نفسها تعترف بمثالبها وخطاياها
- -الفاشية الإسلامية-: -شاورما بدون بهارات!-
- رسالة عاملة منزل فلبينية الى ملك السعودية
- شاعرية الثورة في العراق من 1932 لغاية 1960
- اليسار الاوربي والاسلام: تجربة شخصية
- نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية
- الحزب لم يتخلى عن اللينينية لكونه لم يعتنقها اصلا!
- استخدام علوم الدماغ في مكافحة الماركسية المبتذلة


المزيد.....




- الدبلوماسية الأمريكية هالة هاريت توضح لـCNN دوافعها للاستقال ...
- الصحة السعودية تصدر بيانا بشأن آخر مستجدات واقعة التسمم في ا ...
- وثائقي مرتقب يدفع كيفين سبيسي للظهور ونفي -اعتداءات جنسية مز ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيا وتهدم منزلا في بلدة دير الغ ...
- الاتحاد الأوربي يدين -بشدة- اعتداء مستوطنين على قافلة أردنية ...
- -كلما طال الانتظار كبرت وصمة العار-.. الملكة رانيا تستذكر نص ...
- فوتشيتش يصف شي جين بينغ بالشريك الأفضل لصربيا
- لماذا تستعجل قيادة الجيش السوداني تحديد مرحلة ما بعد الحرب؟ ...
- شهيد في عملية مستمرة للاحتلال ضد مقاومين بطولكرم
- سحبت الميكروفون من يدها.. جامعة أميركية تفتح تحقيقا بعد مواج ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - معضلة المشروع الثوري: -أيديولوجية الرقيق-!