أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية: الفصل الأول















المزيد.....

الرواية: الفصل الأول


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5204 - 2016 / 6 / 25 - 20:56
المحور: الادب والفن
    


من مكانٍ ناءٍ، أبعد ربما من العالم الآخر، تصلكم كلمات هذه الأوراق المكتوبة والمجموعة على عجل؛ كلماتي، البذيئة والملعونة والمُجدِّفة ـ كحياتي الأولى سواءً بسواء. وهيَ ذي حياتي الأخرى، السابحة في العماء، لن يطالها أيّ إله. كم كنتُ في طفولتي أخشى هذا المخلوق، المتواري في العماء.. كم كنتُ أتخيّله شبيهاً بزوج والدتي؛ بخيلاً ولئيماً وخسيساً وقاسياً ـ كأيّ مخلوقٍ مزيّف ولا انسانيّ.. ماذا جنيتُ آناءَ ذلك العُمر، كي يدّعي " هوَ " بحقّه في العقاب والثواب.. ألم يكتفي بقذفي وحيدة، عزلاء، في عالمٍ عاهرٍ بلا نبيّ يكبحُ جماحَ سفاحيه وطغاته ومهرجيه؛ في عالمٍ كريهٍ ـ كرائحة أفواهكم في نهارات الصيام؟
هأنذا أبحث عنك، يا آغا ( كنتَ تؤثر هذا اللقب! )، يا من دمّرتَ حياتي بأنانيتك وأثرتك، وبغطرستك المضحكة.. أبحثُ عنك في هذا العماء، مع علمي بأنّ ذلك عبثاً.. أبحث عنك؛ أنا من كانت في تلك الطفولة، البائسة، تختبئ في أيّ مكان لدى سماع صوتك الأجش؛ أنا من عليها كان، مع ذكائها وأجتهادها، أن تتحمّل إهانات زميلات المدرسة، ومدرّساتها، بسبب رثاثة مظهرها؛ أنا، مَن مُنِعَتْ مِن صُحبة لدّات الزقاق، وأقارب العائلة بما فيهم أبناء العمومة.. أنا من حُجِبَتْ عن حبيبها، حتى أصيبَ بلوثة في عقله وحُجزَ في مشفى المجانين.. أنا من حُرِمَت حتى من بطاقة نفوس ـ كأقلّ من لقيطة ـ لكي لا ترث حصّتها من أموالك وعقاراتك وأراضيك.. أنا من أعتنى بك خلال مرضك الأخير، في وقتٍ كان وريثك الوحيد مشغولاً بجرد أملاكك بمساعدة خرائط وبيانات قدمها له موظفو مبنى محافظة دمشق.. هـأنذا أبحث عنك كي أبصق في سحنتك الكامدة، أيها المهرّج!
هذه الأوراق إذن، هيَ شهادتي على الحياة الأولى.. حياتي في مراكش، بشكل خاص. وأشدد على الملاحظة الأخيرة، كوني لم أشعر بحياة حقة قبل معرفتي لمراكش. كأنما كانت هيَ تربة مناسبة لزهرة حياتي، المُنصاحة في أوان ربيع العُمر. هذا وبغض الطرف عن حقيقة، أنني وجدتني في هذه المدينة في بداية فصل الخريف.. هذا وعلى الرغم أيضاً من حقيقة، أنّ خريف حياتي قد جدَّ مذ وطئت أقدامي شوارعَ المدينة، المزروعة بالليمون والبغايا. على أنني، في حقيقة الأمر، لم أكن بطلة هذه القصة قط: " فرهاد "، شقيقي الأبهى من تمثال إلهٍ إغريقيّ، هوَ من تحتّمَ عليه أن يكون بطلها. أما أنا، كاتبة هذه التذكرة اللعينة، فلم أكن أكثر من ظلٍّ لتمثال. ولكن شجرة مراكش الجميلة، الكريمة، كانت وارفة الأفياء بحيث استظلّ في كنفها كلانا مع حيوات أخرى: " خَدّوج "، " سَوْسن "، " غُزْلان "، الشريفة "، " الأميرة ".. وغيرهن من أسماء سترد في تذكرتي؛ أسماء لنساء، ما زالَ الحنينُ لقضيب التمثال يَضربُ أجسادهن بسياط الشبق والشهوة والغُلمة!
هذه الأوراق، كم تشبه مصيرَ صاحبتها، المحكوم عليها بالموت: الصفحاتُ البيضُ، كفنٌ.. والمِدادُ الأسوَد، حِدادٌ. كان ينقصُ الأحمر؛ لون دم صاحبة الأوراق، المسفوح على أرضية الباحة الداخلية لمبنى الحجز الإحتياطيّ، أين استقرّ الجسدُ مهشماً على أثر طيرانه من نافذة حجرة التحقيق في الطابق الخامس. ولكنها قبل ذلك، كانت قد ماتت حقاً بفعل خيانة من ظنّتْ أنه حبيبها.. ولكنّ الأحمرَ، على أيّ حال، ربما هوَ لونُ ذلك المانشيت الدقيق الحجم، الذي سيظهر في اليوم التالي على الصفحة الأولى لجريدة محلية عنواناً لخبرٍ عن انتحار فتاة من أصلٍ سوريّ مُتهمة بقتل مقيمٍ فرنسيّ. وإنه لخبر مثير، من المأمول أن يَجلب اهتمامَ المارة عند الأكشاك المُحْدَثة، المنتشرة خصوصاً في حي غيليز الراقي، والممتهنة بيعَ الصحف والمجلات لأفراد الطبقة المتوسطة. أو عند بسطات الأرصفة، على أطراف منارة الكتبية ( أخذت اسمها من سوق الكتبيين القديم )، التي تبيع الصحف والمجلات مع مجلدات دينية تتعلق بالمكروه والمحظور والمحرّم.. كتب الجيب للعرسان، المتضمنة ارشادات جنسية مكشوفة عن ليلة الدخلة.. كتيبات الطبخ للمتزوجين، وخصوصاً المستخدمين منهم، الذين لا يجدون وقتاً إلا للنوم بعد خدمة خمسة عشر ساعة متواصلة.. كراريس فكّ السحر وتجنّب الجنّ لكل أولئك البائسين، المَوْسومين، غير المنتحرين بعدُ.
مراكش، مدينةُ النخيل والبهجة. مدينةٌ، ينتشر في شوارعها عبقُ زهر الليمون والبرتقال والكريفون جنباً لجنب مع رائحة غبار الدروب والأزقة والأسواق بعيدَ رشها بالماء. مراكش، مدينة المغنين والمتسولين والمحتالين، مدينة الكراكي والعقارب والذباب. مراكش، مكانٌ منحطّ ـ كأيّ بيت بغاء؛ وبالتالي، مكانٌ مناسبٌ لمشاهير العالم من كتّاب وفنانين تشكيليين وسينمائيين وموسيقيين ومغنين ومصممين موضة ومبدعين عطور ونجوم كرة. مكان مناسب، لمن يجد في منعة أسوارها أماناً لودائعه، المنهوبة من مكان آخر؛ لمن تاهَ في مجاهل الحضارة المتوحشة وآبَ إلى نمط حياة أسلافه، البدائيين؛ لمن رفضتْ خرائطُ العالم جغرافيةَ روحه، المقيمة على برّ البراكين؛ لمن تاقَ إلى حرية الجسد، ولو كانت مدفوعة الثمن. مراكش، بنتٌ حسناء تمّ فضّ بكارتها من قبل أشقائها قبل أن يعرضوها في السوق كسبيّةٍ ـ مومس.
مراكش، المدينة الحمراء. الأحمر، علامة وحيدة، أصيلة، لمدينة حديثة، مزيفة. لونٌ، جُلِبَ مع تربة الجبال من نواحي أوكايمدن وأوريكا؛ جلب على مرّ الأحقاب، على أكتاف أهل السخرة من عبيد أفارقة ورقيق أوروبيين وقرويين محليين وسجناء جنائيين. الأحمر، يهمي على عمارة المدينة برمتها؛ على كل شيء، أكان أثراً أو معاصراً؛ على الأسوار والأسواق والأبنية، يستوي في ذلك جدران البيوت المتداعية أو القصور الملكية الأنيقة. إلا الأثر الأهم في مراكش: منارة جامع الكتبية، الأكثر سموقاً ومهابة، المُحتفظة على مرّ القرون بلون حجارتها الأشهب، علاوة على افريزيها العلويين، المكتسيين بالزليج ذي اللون الفيروزيّ.
الأحمر، مِدادُ الشهوة أيضاً؛ قلمُ شفاه المومسات، اللواتي يستعملنه حتى في صبغ أشفار فروجهن القاتمة.. مومسات، كنّ سببَ شهرة مراكش ـ كأسوارها التاريخية سواءً بسواء.. أسوار، منذورة لردّ القبليين النهّابين، لا الغزاة الفرنجة حال أخواتها من الحواضر الأُخُر، المقيمات على بَرَيّ البحر المتوسط والمحيط الأطلسي: هأنذا مع شقيقي نحاول نسيانَ الجوع والمجهول، بتأمّلِ جانباً من تلك الأسوار وأبراجها. " فرهاد "، قدّرَ لكلّ من برجيّ المدخل، العظيمي الجرم، طولاً يُناهز العشرين متراً. الأبراج الأخرى، كانت أوطأ وبالكاد ترتفع عن السور بمترين. أبراجٌ، بلا جَمال مثيلاتها الدمشقيةـ أكَّد هوَ بيقين ذاكرته ـ أستعاضت عن الشرّاقات الأنيقة بفتحات مثلثة الشكل غير منتظمة السياق؛ أبراجٌ بلا أحجار مقدودة من الصخر النحّيت، حال مثيلاتها تلك، بل خلطة من الكِسَر والبحص والرمل، مُظهَّرة بطينة حمراء مثل بقية عمائر هذه المدينة.. مراكش، المحمرّة السّحنة ـ كمومسٍ ثملة بخمر التعاسة.

* مستهل الفصل الأول من رواية " تخلَّ عن الأمل "..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 35
- تخلَّ عن الأمل: 7
- تخلَّ عن الأمل: 6
- تخلَّ عن الأمل: 5
- تخلَّ عن الأمل: 4
- تخلَّ عن الأمل: 3
- تخلَّ عن الأمل: 2
- تخلَّ عن الأمل: 1
- الرواية: استهلال
- سيرَة أُخرى 34
- احتضار الرواية
- فاتن حمامة والزمن الجميل
- أقوال غير مأثورة 6
- سيرَة أُخرى 33
- الهلفوت والأهبل
- سيرَة أُخرى 32
- بسمة مسمومة
- الغموض والوضوح
- عَرَبة العُمْر
- اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق


المزيد.....




- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية: الفصل الأول