أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - كوابح التغيير في العراق















المزيد.....

كوابح التغيير في العراق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5173 - 2016 / 5 / 25 - 19:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



هل ما حصل من حراك شعبي طيلة الفترة الممتدة من العام 2011، وخصوصاً منذ يوليو (تموز) العام 2015، واستمراراً من نزول حشود شعبية إلى الشوارع والساحات العامة، وصولاً إلى اقتحام البرلمان العراقي، هو بداية صحوة ومراجعة ونقد، أم مجرد فورة ومداورة واحتجاج؟ قد يرقى وقد لا يرقى إلى التغيير، فلا زالت هناك كوابح كثيرة تحول دونه.
أولها عدم توفّر إرادة سياسية موحّدة ونظرة شاملة للتغيير، وليس المهم الحديث عن التغيير، بقدر التقدّم نحوه بخطوات عملية والشروع به بتدرّج وفي إطار مشروع واضح وبرنامج محدّد، ومن مظاهر غياب الرؤية المشتركة للتغيير انقسام البرلمان ما بين موالاة ومعارضة، وطعون واتهامات، فضلاً عن انتقالات سريعة وحادة بين الفريقين.
وثانيها ضعف النخب الفكرية والثقافية، وهي التي دائماً يعوّل عليها في أي عملية تغيير أو تحوّل، فإذا كانت النخب هي ذاتها تعاني من الهشاشة والخواء والتبعية للسياسي والديني، فمن سيعلّق الجرس كما يُقال؟ ومن سيقود الجموع المحتجّة، التي تبقى عرضة لتأثير الأهواء التي يمكن أن تتقاذفها ذات اليمين وذات الشمال، وليس بالضرورة في الاتجاه الصحيح، وقد أصيبت الجماهير بخيبات أمل كثيرة نتيجة مساومات ومداورات ومناورات، وهو ما تكشف عنه التجربة التاريخية.
وثالثها انسياق الجمهور وراء شعارات عامة، تتحكّم فيها قوى دينية في الغالب، وهي التي تمسك اليوم بالقدح المعلاّ كما يُقال، في ظلّ توازن القوى الراهن، والجمهور لا يشبه إلاّ نفسه، ويبقى هو ذاته ويكرّر اندفاعاته، امتداداً لعقلية سائدة وثقافة متحكّمة.
الجمهور هو الذي هتف للحزب الشيوعي في العام 1959، وهو نفسه الذي حمل سيارة صدام حسين على الرؤوس في أواسط السبعينات وما بعدها، هو ذاته الذي يقبّل الأرض التي يقف عليها السيد مقتدى الصدر، تبرّكاً به وطلباً للشفاعة في اليوم الآخر، ومع أن سيكولوجيّة الجمهور متغيّرة، متحوّلة، ومتقلّبة في الكثير من الأحيان، لكن من بيده السلطة أو قريباً منها، هو الذي يؤثر فيه ويتلاعب بمشاعره، فيندفع أحياناً بشكل أعمى.
ورابعها أن القوى التي لديها القدرة على التحشيد تذكّر بعصر المداخن إبان الثورة الصناعية، فبدلاً من النضال من أجل وضع حدّ للاستغلال وقيام نظام جديد يوفّر العدالة الاجتماعية، كان التوجّه لتحطيم الآلات وتدمير المكائن الجديدة التي استعاضت عن العمال واستغنت عنهم بالتحوّل التكنولوجي.
وأصحاب الحشود البشرية اليوم والتظاهرات المليونية ليس لديهم برنامج بناء دولة، وهم بعيدون كل البعد عن مفهوم الدولة، طالما يمتثلون لمرجعيات فوق الدولة، بتراتبية وقدسية لا حدود لها، خصوصاً حين تضيق الأمور وتتزاحم الأسئلة.
وخامسها أن الطائفية لا تزال تضرب أطنابها في طول البلاد وعرضها، وإنْ اتخذ الصراع أحياناً بُعداً قومياً: كردٌ وتركمان، كردٌ وعرب (مثال تلـعفر وكركوك وأخيراً طوزخورماتو، إضافة إلى بعض مناطق ديالى، خانقين ومندلي وغيرها)، ممّا تُسمى بالمناطق المتنازع عليها، وفقاً للمادة 140 من الدستور، إلاّ أنه يتداخل مع الصراع الطائفي، وهذان العاملان كانا الأساس الذي تم زرعه في الدستور الدائم لعام 2005، استناداً لنظام المحاصصة الطائفية ـ الإثنية والتقاسم الوظيفي الذي عرفته الخريطة السياسية بعد احتلال العراق العام 2003، في مجلس الحكم الانتقالي والحكومات التي أعقبته.
وسادسها أن الفساد الذي ينخر الدولة ابتلت به جميع الكتل، وعليها أولاً وقبل كل شيء تقديم كشف حساب عن أعضائها، فالفساد هو الفساد، سواء جاء من رجل الدين أو من العلماني، ومن اليمين مثلما هو من اليسار، ولا يغرنّك إذْ يرتفع اليوم صخب البعض عن الفساد، ولكن موقعه قد يكون قريباً من منبعه، وهل يكفي قراءة القرآن حين تكون في مبغى، لتدلّل على طهرانيتك وإيمانك وتعفّفك؟
وسابعها أن إرادة النواب بشكل عام مُستلبه لصالح رؤوساء الكتل، وبعضهم لصالح القادة الدينيين، الذين لا يعلو على قرارهم شيء، ولهم سلطة مطلقة، أبوية وبعضها وراثي، وسيصبح الحديث عن العقلانية والمدنية والحداثة والديمقراطية، مجرد ضرب من الخداع والدجل واللعب على الذقون.
وثامنها أن الإرهاب تهمة لا يسلم منها الجميع، ولنلاحظ ما جرى في ديالى، من قتل وخطف وتفجير متبادل، وكذلك ما حصل في طوزخورماتو مؤخراً، إضافة إلى انفجرات بغداد الدامية، وهكذا، فإن داء الإرهاب ابتلى به الجميع، وإن بدرجات متفاوتة، لكن مسؤولية القوى النافذة هي الأساس.
والإرهاب هو الوجه الآخر للفساد، وأي إصلاح أو تغيير لا يستقيم مع وجود ميليشيات وحمل واستخدام السلاح خارج نطاق الدولة، التي لها الحق وحدها في استخدامه وفقاً للقانون، وسواء كان الأمر بزعم مكافحة داعش أو مواجهة الإرهاب أو الفيدراليات واختصاصاتها، لكن الدولة وحدها ينبغي أن تكون مسؤولة عن السلاح واستخدامه، وينبغي أن تخضع إليها جميع المرجعيات دينية أو طائفية أو إثنية أو عشائرية أو إدارية أو مناطقية أو غير ذلك.
وتاسعها أن الأحزاب ترفض أية رقابة من الدولة، وأعمالها لا تزال سرّية، وهي غير قانونية ولا يوجد قانون للأحزاب على الرغم من عرضه على البرلمان ومناقشته، لكنه لم يتم إقراره، وتمانع الأحزاب والجماعات السياسية الكشف عن عدد أعضائها وبدلات اشتراكاتهم وموارد تمويلها وسجلاّت الصرف ومصادر التمويل والمساعدات والهبات، وغير ذلك، وبالطبع كان هذا الباب تدخل من خلاله الأذرع الأجنبية، الإقليمية والدولية، بأجنداتها المعروفة، وهو باب آخر للفساد المالي والإداري، بما يشمل أحياناً بعض الواجهات الإعلامية والمدنية، وكان بول بريمر قد كشف في كتابه "عالم قضيته في العراق"، أنه وزّع 780 مليون دولار على منظمات تجمع مدني وجهات إعلامية.
وعاشرها هو اندغام الديني بالسياسي والإداري، وضياع البوصلة والحدود أحياناً ما بينها، فالجماعات الدينية وتحت عناوين شيعية أو سنية، باسم الوقف الشيعي أو السني تتلقى بعض الهبات والتبرعات والمساعدات المادية والعينية، ولديها أموال منقولة وغير منقولة، تحت عناوين "الحقوق الشرعية" وما سواها، ولكنها لا تعلن عنها ولا تكشف عن مصادرها، بما فيها بعض الأموال التي تأتي من خارج العراق بصورة مشروعة أو غير مشروعة، فضلاً عن أن لا أحد يعرف كيفية التصرّف بها، الأمر الذي يقتضي إخضاع أنظمتها لقوانين الدولة وآليات عملها ورقابتها ونظامها المحاسبي والضريبي.
وبالطبع فإن الحديث عن مثل هذه الأمور يكاد يكون محظوراً أو مسكوت عنه، إذْ غالباً ما يحيط بعض رجال الدّين أنفسهم بهالة وقدسية عبر أتباع من جيش المؤمنين أو المريدين الذين يتم توجيههم أحياناً بدوافع سياسية مباشرة أو غير مباشرة، وذلك للحفاظ على المصالح والامتيازات.
وإذا كان من حق رجل الدين الانخراط في السياسة أو في إدارة الدولة باعتباره مواطناً له حقوق وواجبات، فإنه ينبغي في الوقت نفسه مساءلته ونزع القدسية عنه، لأنه مثل كل سياسي يمكن أن يصيب، كما يمكن أن يخطىء وقد يرتكب أو يتلاعب بالمال العام أو يهدره دون شعور بالمسؤولية.
حين نفذ صبر المحتشدين اقتحموا المنطقة الخضراء، لكنهم ظلّوا في واقع الأمر بلا قيادة، هتفوا وعبّروا عن مشاعرهم الحقيقية وعبثوا ببعض ممتلكات مجلس النواب، وانتقموا ممن صادفوهم وهشموا بعض سياراتهم، لكن المسألة عادت إلى المربع الأول أو نقطة الصفر، لأن "قائدهم" الفعلي أعلن اعتكافه لمدة شهرين، بل سمعوا عنه أنه غادر إلى طهران، وظل الجمهور حائراً مثلما يغيب مايسترو فرقة موسيقية، فيأخذ كل يعزف بمفرده وعلى هواه، وتلك واحدة من مفارقات السياسة العراقية. ولا يقع اللوم والنقد على "الزعامات" و"النخب" السياسية والدينية وحدها، وإن كانت هي المسؤولة الأساسية في كل هذا الخراب الذي حلَّ بالعراق، ولكن الجمهور يتحمل بعضاً منه بسبب تأييده الأعمى واختياره نخباً طائفية وفاسدة وغير مؤهلة.
وحسبما يقول الجواهري الكبير:

أفأمة هذي التي هَزُلَت / وتناثرت فكأنها أممُ
يسطو على صنم بها صنمٌ / ويغار من علم بها علمُ
ويساومون على شعوبهمُ / أعدى الخصومُ كأنّهم حكمّوا
أأبا مهنّد شرُّ من حكموا / ما كان لولا ذلُّ من حُكِموا
ماذا على الراعي إذا اغتصبت/ عنزٌ ولم تتمرّد الغنمُ



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدوى التعصب الديني
- اتفاقية سايكس بيكو: الاتفاقية الحرام
- أسئلة ودلالات لحكايات النزوح العراقي
- عن فكرة الانتماء والهوية العراقية
- استراتيجية واشنطن وأولويات بغداد
- متى يعاد الاعتبار للسياسة عراقياً؟
- العراق.. تدوير الزوايا ومعادلات القوة
- الزبائنية وما في حكمها!!
- العربي أبو سلطان -محمد الهباهبه-: حالم لم يفارقه حلمه
- الماراثون العراقي والعودة إلى المربع الأول
- اللحظة اليابانية.. ال«هُنا» و«الآن»
- الفلوجة وسريالية السياسة العراقية
- محمد السمّاك :الشاب الثمانيني الذي يسيل من يراعه عطر الفلسفة
- «غوانتانامو» وتسييس العدالة
- وليد جمعة : كان يشرب من دمه كأنه النبيذ!
- «وثائق بنما» وتبييض الأموال
- ثلاثة سيناريوهات محتملة في العراق - حوار مع جريدة الزوراء
- اللاجئون السوريون وهواجس التوطين
- الدولة العراقية معطّلة ومشلولة بسبب الطائفية السياسية وألغام ...
- تمنيت على الحزب الشيوعي إدانة المحتل أو مقاومته أو الدعوة لس ...


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - كوابح التغيير في العراق