أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - طلال الربيعي - نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية















المزيد.....

نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 03:26
المحور: الصناعة والزراعة
    


عندما غادر الرئيس السابق لسلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) بول بريمر بغداد بعد ما يسمى ب "نقل السيادة" في يونيو 2004، قال انه ترك وراءه 100 أمرا صادق عليها بصفته رئيس سلطة الاحتلال في العراق. ومن بين هذه القرارات هو القرار 81 بشأن "براءات الاختراع، التصميم الصناعي، المعلومات غير المفصح عنها والدوائر المتكاملة والأصناف النباتية" [1]. يعدل هذا الأمر قانون براءات الاختراع الأصلي في العراق لعام 1970, ولما لم يتم تعديله أو إلغاؤه من قبل الحكومة العراقية، أصبح لديه الآن قوة القانون الملزم, مع آثار هامة مترتبة عليه بالنسبة للمزارعين ومستقبل الزراعة في العراق، وهذا القانون يشكل الآن عنصرا هاما آخرا في محاولات الولايات المتحدة لتدمير الاقتصاد العراقي.

لأجيال عدة، يعمل صغار المزارعين في العراق في نمط غير منظم في الأساس: نظام التزود بالبذور غير الرسمي. لقد كان الاسلوب الشائع هو حفظ البذور والابتكار الحر وتبادل المواد الزراعية بين الفلاحين واصحاب الحقول الزراعية. الا ان سلطة الائتلاف المؤقتة منعت إعادة استخدام البذور المخزنة من أصناف جديدة المسجلة وفقا للقرار81. قد يستمر المزارعون العراقيون في استخدام وحفظ مخزوناتهم من البذور التقليدية أو ما تبفى لهم منها بعد سنوات من الحروب والجفاف، ولكن الغرض من الامر او القانون الذي اصدره بريمرهو تسهيل إنشاء سوق بذور جديدة في العراق، حيث يمكن للشركات عبر الوطنية بيع بذورها ألمعدلة وراثيا أم لا، أي ان المزارعين سيضطرون لشراء البذور في كل موسم حصاد من جديد.

في حين يحظر تاريخيا الدستور العراقي الملكية الخاصة للموارد البيولوجية، فان قانون براءات الاختراع الجديد الذي فرضته الولايات المتحدة يدخل نظام حقوق احتكار البذور. وادرج بريمر في قانون براءات الاختراع العراقي القديم فصلا جديدا بشأن حماية الأصناف النباتية الذي يسمح ب"حماية الأصناف النباتية الجديدة" كحق من حقوق الملكية الفكرية أو نوع من براءة الاختراع للأصناف النباتية, والذي يعطي حق الاحتكار لزرع نباتات لمن يدعّي أنه اكتشف مجموعة متنوعة جديدة من النباتات. وبالتالي فإن "الحماية" في قانون بريمر لا تهدف الى حماية الأصناف النباتية قدر سعيها إلى حماية المصالح التجارية الخاصة للمزارعين, او بالاحرى مصالح الشركات الكبيرة التي تزعم عادة أنها أبتكرت نباتات جديدة.

القانون ينص على ان الأصناف النباتية يجب ان تتوافق مع معايير UPOV, الأمر الذي يتطلب من البذور أن تتمتع بمواصفات معينة,كان تكون تكون مبتكرة ومتميزة (2). ولكن المزارعين العراقيين لا يستطيعون ان يلبون هذه المعايير، مما يجعل البذور المحمية حسب قانون بريمر حصرا على الشركات. وتشمل الحقوق الممنوحة للمزراعنين حسب هذا المخطط الحق الحصري في إنتاج وإعادة وإنتاج وبيع وتصدير واستيراد وتخزين الأصناف المحمية. هذه الحقوق تمتد إلى المادة المحصودة، بما في ذلك النباتات وأجزاء النباتات التي يتم الحصول عليها من استخدام اصناف محمية.

اصدر بريمر قانونه بزعم الضمان اللازم لتوريد بذور ذات نوعية جيدة في العراق وتسهيل انضمام العراق الى WTO, منظمة التجارة العالمية [3]. ما يفعله القانون في الواقع هو تسهيل اختراق الزراعة العراقية بشركات من أمثال Monsanto, Syngenta, Bayer و Dow Chemical - وهي عمالقة الشركات التي تتحكم في تجارة البذور في جميع أنحاء العالم. القضاء على المنافسة من المزارعين كان شرطا أساسيا للشركات للشروع بعمليات في العراق، والتي حققها قانون بريمر.

قانون براءات الاختراع الجديد يعزز صراحة تسويق النباتات المعدلة وراثيا (GM) في العراق. وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من المزارعين والمستهلكين في جميع أنحاء العالم، تسعى الشركات نفسها لفرض المحاصيل المعدلة وراثيا على المزارعين في جميع أنحاء العالم من أجل تحقيق الارباح. وعلى عكس ما تزعمه هذه الشركات, فالبذور المعدلة وراثيا لا تقلل من استخدام المبيدات الحشرية، ولكنها تشكل خطرا على البيئة وعلى صحة الناس في حين أنها تزيد من اعتماد المزارعين على الشركات الزراعية الكبرى. عند ادخال النباتات المعدلة وراثيا في دورة الزراعية الإيكولوجية لن يكون ممكنا استرجاعها أو تنظيف البيئة من التلوث الجيني.

تزعم منظمة التجارة العالمية ان العراق يمتلك من الناحية القانونية عددا من الخيارات التي تتوافق مع قواعد المنظمة حول الملكية الفكرية ولكن الولايات المتحدة قررت ببساطة ان العراق لا يجب عليه ان يتمتع بها.

ان العراق هو دولة اخرى في ساحة الحملة العالمية لاعتماد قوانين براءات الاختراع للبذور وحماية حقوق احتكار الشركات المتعددة الجنسية على حساب المزارعين المحليين. ولكن العراق يشكل حالة خاصة باعتماده قانون براءات الاختراع التي هي ليست جزءا من المفاوضات بين الدول ذات السيادة. ولم تكن الجهة التي تسن القوانين السيادية تعكس إرادة الشعب العراقي. قانون براءات الاختراع في العراق هو مجرد عنصر واحد أكثر في التحول الشامل والجذري لاقتصاد بلد محتل على نمط السياسات النيوليبرالية من قبل سلطة الاحتلال. ان هذا التحول استلزم ليس فقط اعتماد القوانين المواتية, ولكن ايضا إنشاء المؤسسات الأكثر ملاءمة لنظام السوق الحر.

ان قرار 81 هو مجرد واحد من ال 100 قرارا التي خلفها بريمر وبين أكثرها لفتا للنظر والمثير للجدل هو القرار 39 الذي يشكل الإطار القانوني لاقتصاد العراق عن طريق إعطاء المستثمرين الأجانب حقوقا متساوية للعراقيين في استغلال سوق العراق المحلية. مجتمعة، جميع القوانين التي اصدرتها سلطة بريمر تغطي تقريبا جميع جوانب الاقتصاد - بما في ذلك نظام العراق التجاري، وظائف البنك المركزي, ولوائح الأنشطة النقابية، وما إلى ذلك - وكلها وضعت الأسس لهدف أكبر, يتلخص ببناء النظام النيوليبرالي في العراق.

ينص قرار 81 صراحة ان أحكامه متفقة مع "انتقال العراق من الاقتصاد المخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق الحر الذي يتسم بالنمو الاقتصادي المستدام من خلال إنشاء قطاع خاص ديناميكي، والحاجة إلى سن الإصلاحات المؤسسية والقانونية لتحقيق سلطة السوق الحر".

وقد دفع لاجراء "الإصلاحات" في العراق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية US Agency for International Development، لتنفيذ برنامج إعادة الإعمار والتنمية الزراعية للعراق Agricultural Reconstruction and Development Program for Iraq (ARDI) منذ تشرين الأول 2003. وللقيام بهذا المشروع، ضمن فترة سنة واحدة , تم اجراءعقد مع الشركة الأمريكية الاستشارية لبدائل التنمية (4)the US consulting firm Development Alternatives, Inc، وكذلك شركة Texas A&M University. وكان جزءا من المشروع يتضمن التعاقد من الباطن مع الشركة الاسترالية Sagric Sagric International. وكان الهدف هو إعادة بناء القطاع الزراعي من اجل توفير أسواق للمنتجات والخدمات الزراعية لشركات الخارج.

ان أعمال إعادة "إعمار العراق" من قبل سلطة بريمر كانت تهدف الى مساعدة الشركات المعتمدة من قبل قوات الاحتلال للاستفادة من الفرص المتاحة في السوق في العراق. والإطار القانوني المنصوص عليه من قبل سلطة بريمر يضمن انه, على الرغم من أن القوات الأمريكية قد تغادر العراق في المستقبل المنظور، فان هيمنة الولايات المتحدة على اقتصاد العراق ستبقى.

السيادة الغذائية هي حق الشعوب في تحديد السياسات الخاصة بها بخصوص الأغذية والزراعة، لحماية وتنظيم الإنتاج الزراعي المحلي والتجارة، وأن تقرر ما يجب أن يزرع محليا وما ينبغي استيراده. عن طريق التغيير في نظام حقوق الملكية الفكرية، ضمنت الولايات المتحدة ابقاء النظام الزراعي العراقي تحت "الاحتلال".

العراق لديه القدرة على إطعام نفسه. ولكن بدلا من تطوير هذه القدرات، شكلت الولايات المتحدة مستقبل الغذاء في العراق والزراعة لخدمة مصالح الشركات الأمريكية. ويبدي النظام الجديد الخاص بحقوق الملكية القليل من الاحترام لمساهمات المزارعين العراقيين في تطوير محاصيل مهمة مثل القمح والشعير والتمور والبقوليات. وان عينات من الأصناف الزارعية بدأ حفظها في 1970s في بنك الجينات القومي العراقي في أبو غريب خارج بغداد. ويخشى أن كل هذه العينات قد فقدت في سنوات طويلة من الحروب والصراعات. ومع ذلك، فان المجموعة الاستشارية Consultative Group on International Agricultural Research لا تزال تمتلك عدة عينات لاصناف النباتات العراقية. وهذه العينات, التي تشكل دليلا على خبرة المزارعين العراقيين, تخرق قانون الحماية الفكرية للمزارعين العراقيين ومن المفترض أن تعاد الى العراق, وذلك للحيلولة ايضا دون احتمال "قرصنتها" من قبل اطراف اخرى.

في حين أن السيادة السياسية في العراق لا تزال مجرد وهم، فقد تم بالفعل جعل السيادة الغذائية للشعب العراقي بشبه المستحيلة, وذلك من خلال لوائح سلطة بريمر. وحرية العراق وسيادته تبقى موضع شك طالما كان العراقيون ليس لديهم السيطرة على ما يزرعون ويجنون ويتناولون من طعام.
------------------
المراجع
(1) براءات الاختراع، التصميم الصناعي، المعلومات غير المفصح عنها والدوائر المتكاملة والأصناف النباتية قانون عام 2004، امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 81، 26 أبريل 2004
http://www.iraqcoalition.org/regulations/20040426_CPAORD_81_Patents_Law.pdf

(2) UPOV هنا تعني
International --union-- for the Protection of New Plant -Varieties الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة, مقره الرئيسي في جنيف، سويسرا, وهو هو منظمة حكومية دولية تتآلف من 53 عضو، معظمهم من الدول الصناعية. ميثاق الاتحاد الدولى هو مجموعة من المعايير لحماية الأصناف النباتية، موجهة أساسا لخدمة الزراعة الصناعية ومصالح الشركات. انظر http://www.upov.org.

(3) The World Trade Organisation, منظمة التجارة العالمية، حيث تتمتع الحكومة العراقية بصفة مراقب.

(4) http://dai.com/who-we-are/history



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب لم يتخلى عن اللينينية لكونه لم يعتنقها اصلا!
- استخدام علوم الدماغ في مكافحة الماركسية المبتذلة
- السلطة في العراق تلجأ خداعا حتى الى ملكة بريطانيا لانقاذها
- الولايات المتحدة وسجلها المروع في انتهاك حقوق الانسان
- هل يمكن اصلاح العملية السياسية في العراق بدون التخلص منها؟
- صعود اليمين المتطرف في أوروبا ومشكلة اللاجئين
- لم يفلحوا في اماتة لينين، أو حتى اماتته ثانية!
- النيوليبرالية, كتاريخ ومفهوم, ببضعة دقائق
- نطفئ شعلة الامل إذا كففنا عن المقاومة!
- -العدالة الاجتماعية- مفهوم مضَلِل لإدامة الرأسمالية
- كوبا هي التي تُعّلِم الولايات المتحدة حقوق الانسان وليس العك ...
- انهن يبتغين التماهي بالشيطان, وليس الاحتفاء بكونهن انسان!
- لينين بطل الديمقراطية
- الطب النفسي النيوليبرالي
- وجهة نظر التحليل النفسي في البروليتاريا والحلم الامريكي
- تضارب الآراء بخوص مستقبل اللاجئين
- تخبط الحركة الشيوعية العالمية والانتخابات البرلمانية
- نفاق الولايات المتحدة وتحُكم اللوبي السعودي فيها
- رسالة بروفسور .A.L.I المفتوحة الى السلطات السعودية
- وحشية لا تضاهى لمحتلي العراق


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - طلال الربيعي - نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية