أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - سكسون















المزيد.....

سكسون


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5155 - 2016 / 5 / 7 - 11:58
المحور: الادب والفن
    



لا يختلف عراقيان بأن من أصعب وأدق الأيام التي تجابهنا بأولى مشاوير الحياة هو يوم أستلامنا نتائج أمتحان البكلوريا للسادس إعدادي. فممكن لدرجة واحدة فقط من مجموع ستمائة تنقلك من البصرة للموصل، وزيادة عدّة درجات يحولك من المجموعة الهندسية للطبية ومن الادارة والأقتصاد للزراعة للعلوم، من معهد لكلية ومن أفق مستقبل لآخر بشخوصه وأحلامه وأفراحه وآلامه.
أكيد فينا من لم يعينه هذا المعدل في الحصول على الإختصاص الذي يُنشده أو بالعكس فقد يكون قد دفعه أغراء عدة درجات أضافية لم تكن بالحسبان بالتخلي عما كان يخطط له فقدم لكلية أعلى ليكون في مصاف (الشطار). ويتذكر أغلبنا كيف أن فرع من سؤال بالمادة كذا أو أجابة (نعم) بدل (لا) في فقرةٍ ما أو خطأ بتعريف ونقص بتعليل قد غيّر مسيرة حياته، ونبقى لا ننسى خطأنا هذا لِما فيه من تغيير لمستقبلنا.
× × ×
كانت شعبتي الذي درستُ بها السادس علمي بأعدادية المأمون للبنين باليرموك هو (هـ) أي في ذيل كافة الصفوف حيث المعيدين والكسالى والمتسيبين من صفوف بإعدادية تجمع أصلاً الطلبة الذين لم يستطِعوا مجاراة زملائهم بأعدادية المنصور والكندي، لذا فمستواها العام تحت المتوسط. أما تواجدي بينهم، فذلك لاني جئت من أعدادية بعقوبة ولم تقبلني إعدادية سواها رغم مستوايَ الجيد بسبب تدريس بقية الإعداديات (الرياضيات المعاصرة) بينما كانت رياضياتي... (عتيقة)!
في أول يوم لي بالدوام، وأنا الغريب لا صاحب لي ولا صديق، أنتظرتُ مديري داخل غرفته التي كان لي فيها حضورين، فقط أول يوم لي بالمدرسة وآخر يوم، ألتقاني وقبل أن يوجهني لشعبتي أسدى لي نصيحة ودرس أعتاد تقديمها لطلبته الجُدد... (لاتمشي بابا ويّة هذولة السرسرية!)، لم يكل الرجل يلهث خلف طلاب شعبتي المتسيبين ولا يمل في سبيل شد أزرهم لأمتحانات البكلوريا. كانت بناية الإعدادية لاتزال بدون سياج خارجي، وتنتشر بساحة المدرسة المباحة للكل، بضع قرويات يقمن بجمع (العاقول)، حينها لاتجد من 40 طالب بشعبتي إلا نصفهم بالدرس، أما النصف الثاني ورغم أهمية محاضرات السادس العلمي تجدهم (يعاونون) القرويات وكأن المدرسة في عمل شعبي! حتى النصف (العاقل) الحاضر الدرس، كان يحسد الآخرين ويتمنى أن يكون ضمن (متطوعو العمل الشعبي)! وطول فترة الدرس وعيننا عليهن وعلى المدير ومعاونيه الذين يلاحقونهن بين الممرات و(يكشونهن) كالذباب الذي ما يلبث أن يعود بعد كل... كشّة!
ليس هذا فقط ما كان يشغل مديرنا وإنما ولوقوع هذه الإعدادية بين إعدادية البنات... النضال بساحة النسور والمعالي باليرموك وثانوية بغداد في شارع الأميرات، واحدة من تلك المدارس كانت سبباً كافياً لقلقه! بيوم عيد الطالب، خطب الرجل بنا خطبة لم نفهم منها شيء، ليس لأنه لا يجيد فن الخطابة، لكن لأن تلاميذه لا يمتلكون (أذناً) يستمعون بها وإنما فقط (أفواهاً) تتكلم وتتجاسر على بعضهم البعض. نبه الرجل إلى أن أدارات مدارس البنات قد شكين طلبته لشرطة الآداب وأن القادم ينذر بالخطر ما لم يكفون عن ملاحقة الطالبات. لم يسمعه سوى عدد قليل، وحتى هؤلاء لم يصدقوه، حتى جاء يوماً لنجد عشرات الطلبة وقد لفّوا الكوفية على رؤوسهم بعد عقوبة الأنذار التي طبقتها الشرطة قائلة بأن القادم أشد!
× × ×
في الواقع لم يكن أحداً بإعدادية المأمون يطلق على مديرنا تسمية (أستاذ سكسون) غيري أنا، وقد أسميته (سكسوناً) تيمناً بحامل اللقب الأصلي، مدير متوسطتي ببعقوبة، حيث كان التلاميذ يلقبون مديرهم لأنه (خابصهم) بمقاطعة سكسونيا بشرق ألمانيا. وسكسونيا يقول مديرنا كلما ألتقانا، تعتبر من أغنى مقاطعات (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) وفيها مدينة (لايبزج) التي زار معرضها وتأثر في كل شيء بها، فأحب شوارعها وأبنيتها وثقافتها... ويأخذه الخيال ليصف لنا جمال فتياتها ووسامة فتيانها!
أستاذ (سكسون) مدير عصبي على الطلبة وعلى المدرسين، وصادف أن أوقف فترة وأختفى لتنتشر شائعات بأنه ربما تحت التحقيق بشكوك أنتماءه لحزب معارض كان قد (سمم) أفكاره وغدا هائم بنظام بلد أشتراكي دون دراية منه، لكن تبين أنه قد رفع (رجله) على خلفية أحد الطلبة وأسدى ضرية دفعت الطالب مباشرةً يشكيه لأبيه الذي شكاه لمدير عام التربية.
× × ×
أنتهت دراسة السادس العلمي كما بدأت مع فارق في أكداس من الكشاكيل والدفاتر والمَلازم والكتب والملحقات... شهر واحد علينا أن نلتهم ما فيها ونهضمه لنجتره بساعات الإمتحان الثلاث جملاً مرتبة مختصرة فيها من المعلومات ما قلّ ودل. كانت فترة دراستي في الشهر قبل البكلوريا ممتعة رغم صعوبة أيامها، كنت أستيقظ في الرابعة صباحآ وأتمتع بدوش بالحديقة كي (أصحصح) ثم أفطر وأشرب الشاي وأبدء دراستي بهدوء بظل أشجار الكرم حيث تتدلى عناقيدها وهي لاتزل (حصرم)، ولما تشتد الشمس أقوم برش الزرع. كان أشد ما يبهجني أن أرى شعاع الشمس يتراقص على شكل دوائر أمامي على صفحات الكتب، ولم أبحث عن هواء المبردة إلا بعد الظهر، وحين تغرب الشمس أتوقف وأتفرّج قليلاً على برامج تلفزيون بغداد ثم أنام مبكراً جداً، فلا تحلُ لي الدراسة تحت مصباح ولم أعوّد نفسي على السهر إلا ما ندر.
كانت أختي تدرس السادس الأدبي، فأستهواني أن أتابع معها دروس اللغة العربية للأدبي، وهي نفس دروس العلمي لكنها مفصلة أكثر وأوسع، وكنت أحب الأستماع لها وهي تشرح لي عَروض الشعر وأوزانه ومعانيه وتاريخ الأدب وقواعد اللغة بالتفصيل، حتى أضحى منهج دراستي للعربي سلس للغاية وأنشائي قوي مترابط.
× × ×
وبينما الجميع مشدود بأنتظار النتائج، سمعنا بأعلانها وتسابق الأصدقاء، فيهم ما يدفعه القلق أو الخوف وحتى الرهان والتحدي، قسماً يملأه الشعور بالفخر وآخر بالخجل، كل وحسب توقعاته بما ستجني يداه.
على وقع لحن وغناء (رسالة من تحت الماء) لعبد الحليم التي يطلقها كشك شاي يقع قرب الإعدادية ـ هذه الأغنية كان قد ذاع صيتها بتلك الأيام وباتت على كل لسان ـ كنت مع باقي المتجمهرين أمام الإدارة نرددها بأنتظار ورود النتائج، فقد كان بعض الطلبة قد علم بذلك باكراً ووقف بالطابور ينتظر وصول أستاذ (سكسون) ومعاونيه من المديرية العامة، وصلوا ثم صمموا على أنتظار حضور بقية المدرسين والنتائج بمعيتهم فـ (حركوا) أعصابنا. بدأ الطلاب بهدوء يستلمون نتائجهم، وغيـّمت وجوه وأمطرت عيون وأبتسمت شفاه وأنفرجت أسارير، جنى الكل بهذه اللحظات ما زرع. كان على كل طالب ناجح دفع (دينار) قبل أستلام نتيجته، لم أفهم حينها لماذا كان حالي في تلك اللحظات مختلف كحال غالبية طلبة شعبتي المكملين الذين لم يستلموا منهم الدينار، مع أني متأكد بأنني ناجح وبتفوق ولست قلقاً سوى على مجموع درجاتي، قال المعاون عليك مراجعة السيد المدير بغرفته، صدمتُ وحار زملائي وكنتُ أستمع لجملة تفسيرات بين متشوق ومتطفل ومحب وعذول...
ـ لعلك مشخبط وكاتب شيء ممنوع بالإنشاء؟ سأل أحدهم.
ـ يمكن نتيجتك ما واصلة؟ توقع آخر.
ـ لَ تكون الأول عالعراق؟ سخر ثالث...
لمّا وصلتُ غرفة (سكسون) كان ذلك دخولي الثاني لها، وقد لفني خوف وحذر، فسألتُ دون أستأذان...
ـ نعم أستاذ أنت طلبتني؟
المدير: منو أنت بابا، ومنو طلبك؟
قلت: أسمي عماد حياوي، يقول المعاون أنك تريدني بغرفتك.
ـ لا بابا ما طلبتك...
قلت: لكنه يرفض أعطائي النتيجة!
وهنا صاح أمامه مدرس العربي: أنت عماد حياوي ...؟
ثم عقّب: ما أتذكر أني لاحظتُ وجودك بالصف يوم!
وألتفت للمدير بسعادة وبصوتٍ عالٍ أسمعَ بقية المدرسين...
ـ أنا طلبته حتى نتعرف على طالب شعبة هـ اللي طلـّع عندي ثنين وتسعين.
وبينما أخبرتُ (ربعي) المفاجأة وبأني حصّلت (عفية) من (سكسون) ومن مدرسي، تحسّر مدرس آخر كان قد أستمع لمدرس العربي ولم يستطع كتم غيظه...
ـ شكو عليه... هسة يحَصـّل كتاب شُكر!
أعدادية المأمون للبنين ـ 1976
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
× درجة العربي هذه رفعت معدلي وأعطتني مرونةً بأختيار دراستي الجامعية، وحباً أكبر للغتي العربية.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثلاثة... سعدي
- فاز باللذات...
- ماذا لو تشرق الشمس من الغرب؟
- حواسم أيام زمان
- على مودك
- أبو عبد الله
- خطة لا يعلم بها أحد
- ليلة من ليالي رأس السنة
- كرسمس
- للأذكياء فقط... أيضاً
- للأذكياء فقط... رجاءاً
- من هم الأذكياء؟
- حدث بشارع حيفا
- كونتاكت
- أبو ناجي
- لاند خود
- ((زوغق))
- ((ديوان بالديوانية))
- (أوتو ستوب)
- ((خوردل روز))


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - سكسون