أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أحلامُ الجنديِّ القتيل














المزيد.....

أحلامُ الجنديِّ القتيل


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 21:34
المحور: الادب والفن
    


أحلامُ الجنديِّ القتيل

حيدر الكعبي


مات الجندي
ماتت عيناه وتخَثَّرَ فيهما الضوء
وماتت شفتاه وتوقفتا عن الدعاء
وماتت يداه وتخلتا عن صور أطفاله
وامتدتْ قنطرة جسدِه
بين خوذتِهِ وجزمتيه
وشَرَعَ الدودُ يتسلقه
والغبارُ يلوّن أهدابه
وكفَّ حَسَكُ لحيتِهِ عن النمو
لكنَّ مرآة حلاقته
مازالت تلتقط الشعاع
كبحيرةٍ بحَجْمِ الدِّرهم
وَسَطَ أَبَدٍ من اللامبالاة
وحملت الريح عطر دمه
فجاء الليل ووخزه بعصاه المدبَّبة
ففتح الجنديُّ القتيل عينيه
ورأى معسكر السماء يتهيَّأ للمعركة
والنجوم فوهات بنادق ساخنة
والظلامَ يتكوَّر في أحشاء خوذته
ثم سمع الرعود تتشاجر
ورأى الأمطار تهطل مثل إنزالٍ مظلي
فنطَّ قلبُه إلى الماء كضفدعة مرعوبة.

وأخيراً أقبل الصباح بجناحيه الأبيضين
فهزه من كتفيه
وأخذت الشمس تزرِّر أكمامَه
وطيورُ الطيطوى تنقر الصلواتِ التي تَخْرُج من فمه
وأصابعُه تبحث عن القرص المعدني الذي يحمل اسمه
وخَطَفَتْ ظلالُ جنودٍ مسرعين
فلَمَسَتْ حواشيَ جسدِه
مثل أرديةٍ كهنوتية
سمع نكاتِهم تَتساقط كالتمر اليابس
وحدَّقت عيناه في أصابعه الشبيهة بالأشواك
وهي تحاول أن تستوقفَهُم.

وحين انحدرتْ عربةُ الظهيرة بأجراسها الصفراء
رَشَقَتْهُ آلافُ الدبابيس
فشَعَرَ بثِقَلٍ في أجفانه
ورأى في المنام سُلَّماً من أشعة الشمس
يخترق السماء كنصلٍ فضِّيّ
ورتلاً طويلاً من الجنود
يرتقون درجاته
برؤوس مثقوبة وخطواتٍ مُوَقَّعة
محفوفين بطيور الطيطوى
فقال الجندي القتيل لنفسه
ما أطولَ الطريقَ إلى البيت!
وليس ثمة من شاحنة
أو سيارة إسعاف
ومازالت الحرب ممتدة
بين مسقط الخرطوشة ومسقط الرصاصة
ومازالت القذائف تحفر أنفاقاً
بين نقطة انطلاقها ومحطتها النهائية
حاملة هداياها المشؤومة إلى الأعداء
رغم غيوم البعوض
ومداد المطر
ووحل الظنون.

وهكذا واصَلَ الموت
فرأى ناراً تضيء الأعداء
وهم يأكلون مع الأصدقاء
فقال الجندي القتيل لنفسه
ما لهم يغادرون الخنادق مثل قيامةٍ مفاجئة؟
وبدلَ الشتائم يتبادلون الضباب؟
ما لعيونِهم تشبه حراشفَ السمك؟
ما للنار مستيقظة تحت بيرية الليل؟
وما الذي حوَّل النخيل إلى مداخن؟
ما للشاحنات تطلق الزفرات وهي ترتقي السفوح الزلقة؟
وأين ذَهَبَ الهواء الموبوء بالإشاعات والهوام؟
أين ذهبت الطوابير ذات الخطى المدويّة السائرة فوق مسطرة الفجر؟
أين جحافل البيانات؟ أين أنهار الصهيل؟
أين أفواج القوافي المطهَّمة التي اكتسحت الأعداء وهزَمَتْهم؟
وماذا حلَّ بالأدعية المرفرفة في سماء الخوف؟
أين الدمامل المتبخترة ذات النياشين والأشرطة والشوارب المُمْتَشَقة من أغمادها؟
أين العربات المدلَّاة من رقبة الجبل؟
أين الزمزميات-المباول؟ أين العلب-القَصَعات؟ أين الوسائد-الخوذات؟
أين الدبابات المُسَمَّنة في حظيرة المجد؟

لكنه فوجىء بفصيلِ إعدام يضرم النار في أهرام من الملابس العسكرية
ثم يَنْخسها بالحديد فتتقافز حِمْلانٌ مشوية
كشظايا من ثغاءٍ ودخان.

ومازال القتلى في انتظار الرب
كي يشق بصولجانه
نفقاً من الضياء
ليمر موكبهم المُجَلْجِل
بقرقعة تجهيزاتهم، وبساطيلهم المطيَّنة
إلى حدائق السماء
جيشاً عرمرماً من الجثث المترنحة
فقال الجندي القتيل لنفسه
إذنْ لأنتظرْ قطعةَ اللُبَان الهائلة
التي سينفخها الله في الفضاء
ويضيؤها بألوان الطيف
وهي تحمل رقمي العسكري
وكنيتي وإضبارة ميتاتي القديمة
ولأواصلِ الموت وفياً لشرف الجندية
كالماء المراق في الزمزميات المثقَّبة.

مات الجندي
ماتت عيناه، وماتت شفتاه، وماتت يداه
ولكن أمازالَ الزلزال الذي تحته مؤجلاً؟
وهل سيدوم موته طويلاً؟
هل سيتبخر الماء من الدمع
مخلفاً الملح وحده؟
هل سيتدفأ المقرورون بلهاثهم قرب جثته
فيما تحلق عيناه في حوصلة الطير
وتتأملان الشمس وهي تتدحرج
ككرة الثلج على بساط الرمل؟
أم تراه سيموت ميتاتٍ عديدةً أخرى
قبل أن يستيقظ في النهاية
على بوق التعداد الصباحي؟


1995 سياتل/ 2016 ممفيس



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشُّهداء
- أم غاوية 12
- أم غاوية 10
- أم غاوية 11
- أم غاوية 9 (خاتمة)
- أم غاوية 8
- جدي الذي قتل الأسد
- عن قصيدة -نهير الليل- لعلي أبي عراق
- الكابوس
- الإستجواب
- دعوة الى جمع شعر الشعراء المعدومين
- وداعاً منقذ الشريدة
- أم غاوية 7
- أم غاوية 6
- أم غاوية 5
- أم غاوية 4
- أم غاوية 3
- أم غاوية 2
- أم غاوية 1
- توطِئة - أوكتافيو باث


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أحلامُ الجنديِّ القتيل