لماذا نتدين ؟ . ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 13 - 08:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

لماذا نتدين ؟ . ح2


فكرة الظاهرة الدينية وليدة واقع متحرك غير مكتمل الصورة الذهنية خاصة مع حقيقة ان العلم والمعرفة لا تتوارث خلقيا مع جينات الإنسان , وهنا عليه أن يبدأ الإنسان في كل مرة من جديد وفي كل مرة يكون فيها معرضا لذات العوامل التي أنشأت وخلقت الظاهرة من قبله ومن أول التكوين , وهذا يعني أننا كلما أوغلنا في الزمن تتجدد حاجتنا للتمسك بالظاهرة مع تجدد الأحاسيس والانفعالات الحسية التي ترافق وجودنا للوقت الذي يكون في العلم قد بسط صورته الكاملة مع سهولة تحصيل هذه الصورة بدون أن نحتاج فيها إلى مفسر ومعلم , وهذه اللحظة الطوباوية وإن كانت من حيث الأفتراض لا مانع من حصولها نظريا , ولكن الواقع ينبئ بمدى بعيد لها ولربما لن تحصل في لحظة تأريخية يمكن التنبؤ بها أو قياسها .
الواقع عندما يكون هو الخالق للحاجة للتدين المنطق العقلي يقول لا بد منا حين نحاول أن نجتاز الحاجة لممارسة الظاهرة أن نعند إلى ضبط الواقع على بوصلة أخرى , هذه البوصلة يستلزم لها أن تبنى على فكرة أخرى , فلا يكفي أن ترفض فكرة لتكون ناجحا بدون أن تجد بديلا لها لا سيما وإن كانت الفكرة ضرورية لفهم المجمل الوجودي لقضية أكبر ,لا أظن أن أحدا سيختار فكرة منافسة أو بديلة غير فكرة العلم , الأخلاق كقيم لا تعوض عن ظاهرة التدين وإن كان هناك تداخل بينهما ولكنها لا تستطيع أن تجرنا خارج الظاهرة بأعتبار أن الكل مجمع علة رأيين الأول أن التدين من نتاج منظومة الأخلاق والرأي الأخر يذهب بالضد تماما , لكن الشيء الأكيد هو التداخل بالمؤديات والنتائج وبالتالي دخول أي منهم في حيز الواقع يقودنا للأخر .
يبقى العلم هي الفكرة البديلة والجاهزة والتي نركز عليها لأنها في أحيان كثيرة تفسر للتدين بعض مبتنياته سواء أكانت سلوكية أو معرفية خالصة ,وأحيانا تقف منه موقف الرافض لخيالات وتوهماته حين يكون لا عقلانيا مفرطا بحسيته البشرية ,وأحيانا موقف النقيض الرافض لتغييب العقل والعلم لمصلحة الغيب اللا منطقي دون أن ينسحب موقف العلم على تجيير الظاهرة للجهل أو الجنون بأعتبار أن التخلي عن العلم أوله جهل وأخره الجنون بمعنى تخلي الفرد عن العقل ليكون خاليا من السؤال والجواب , وبذلك لا يحتاج لا الدين ليمارس تدينه ولا العلم ليفهم ماذا يدور .
ولكن هل يمكن أن يكون العلم كفكرة بديلة متاح للجميع كما التدين دون أن يلزمنا ذلك مثلا المرور من بوابة الزمن , أي أن التدين بكل أشكاله وتدرجاته في المضمون والشكل متاح للجميع بأعتبار أنه ظاهرة حسية متاحة وملزمة للكثير ويمكن أن تمارس بكل بساطة وحتى دون وعي , لكن العلم بأشتراطاته وطرق تحصيله يختلف من حيث القابلية في التلقي والقابلية في البسط الأولى ذاتية التموضع والأخرى موضوعية تتعلق بالشروط المادية ومقدار ما يمكن أن يقدم إنسانيا وطبيعيا , فلا يمكننا مثلا أن نجبر أحد على التعلم , كما لا يمكننا أن نفترض أن الجميع قادر على التعلم واستيعابه بدرجة واحدة , هنا لا يمكننا التسليم بتماثل شروط الظاهرة المتعلقة بالتدين لأنها حسية ذاتية طبيعية وبين العلم كفكرة تحتاج لنظام ومتعلقة بالملكات والقدرات التي يستلزمها العقل المتفاوت في تقديراته وطرائقه عكس الحس النفسي المتماثل تقريبا بشريا وطبيعيا .

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات