أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)















المزيد.....

تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5031 - 2016 / 1 / 1 - 21:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)
طلعت رضوان
لم تتوقف محاولات نبى الإسلام لتثبيت دعائم (دولته) ولكى يُـحقــّـق هدفه كان عليه (أولا) السيطرة على (كل) القبائل العربية. من بين ذلك أنّ النبى خرج بنفسه على رأس سرية إلى (بنى سليم) بعد عودته من غزوة بدر بأسبوع (سيرة ابن كثير- ج2- ص519) وكان تعليق د. عبد الهادى عبد الرحمن فى كتابه (جذور القوة الإسلامية) ((لقد أعلن محمد حالة الحرب على كل الطرق والقبائل ، وأجبر قريشـًـا أنْ تــُـغيـّـر طريق تجارتها إلى الشام ، فتسلك طريق العراق ، ورغم ذلك لم تسلم منه ، فقد أرسل سرية بقيادة زيد بن حارثة ، فهاجم إحدى القوافل ، فأصاب العير بما فيها ، وعندما خمّـسها النبى بلغ نصيبه الخاص عشرين ألفــًـا ، كما ذكر ابن كثير))
لم تكن تلك الغزوات من أجل الحصول على الغنائم فقط ، وإنما كان لها هدف أبعد من ذلك ((وهو إعلان أنّ القوة المحمدية ستكون هى القوة الأولى فى جزيرة العرب ، وهى تلك الدعاية المسلحة التى أكتسبتْ اكتسابـًـا وهى تحمل شعار الإله الواحد)) (د. عبد الهادى – ص118)
وأضاف ((ونستطيع القول أيضـًـا بأنه قبل أنْ تبدأ معركة (أحد) كان محمد قد حسم الموقف فأجلى كثيرًا من اليهود عنها ، مما جعل يثرب شبه أرض مُـحرّرة ، أو قاعدة آمنة بالنسبة لقواته.. والآية التى تحـدّثت عن (المنافقين) وتعذيبهم مرتيْن (التوبة/101) ردّد محمد مثلها حيث وقف فى المسجد وقال ((أيها الناس.. إنّ منكم منافقين ، فمن سميته فليقم.. قم يا فلان)) فقام 36 رجلا أحدهم كان أخـًـا لعمربن الخطاب طبقــًـا لنظام المؤاخاة)) (السيوطى فى تفسيره للآية 101 من سورة التوبة)
وبينما الملائكة نزلتْ (من السماء) لتقف مع جيش محمد فى غزوة بدر، كان الموقف مُـختلفــًـا فى (غزوة أحد) فانهزم جيش محمد ، فبعد غزوة بدر استعـدّتْ قريش للإنتقام ، فذهب عبد الله بن ربيعة وعكرمة بن أبى جهل وصفوان بن أبى أمية ، إلى أبى سفيان وإلى كل من كانت له تجارة فى القافلة التى استولى عليها محمد وأتباعه. وقالوا : يا معشر قريش إنّ محمدًا قد قتل خياركم ، فأعينونا لعلــّــنا نــُـدرك منه ثأرًا ففعلوا ، وتوقف النواح على القتلى حتى تحين ساعة الثأر. وقد عبـّـر القرآن عن ذلك فقال ((إنّ الذين كفروا يُـنفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُـغلبون. والذين كفروا إلى جهنم يُـحشرون)) (الأنفال/36) وما حدث أنّ جيش قريش (لم تــُـصبه حسرة) بل إنّ جيش محمد هو الذى انهزم ، كما أنّ القرشيين استأجروا ((مُـرتزقة من الأحباش)) وتبعتها قبائل (كنانة) وأهل تــُـهامة ، فخرجتْ بحدها وحديدها ورجالها ومن تبعتها.. وخرجتْ معهم نساؤهم.. وكان على رأس تلك الحملة أبوسفيان الذى اصطحب معه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة (ابن كثير- ج3- ص 18)
عندما عرف محمد بهذا الاستعداد تحيـّـر: هل يخرج لقتالهم أم لا؟ وهل يظل فى المدينة (يثرب) ومواجهتم فيها ؟ لكن الذين لم يشهدوا غزوة بدر، قالوا له : نخرج فنــُـقاتلهم (بأحد) طمعًـا فى الغنيمة السهلة ، فأثاروا حمية محمد ، فلبس لباس الحرب ليخرج ، فتدخل عبد الله بن أبى وقال ((لا تخرج إليهم.. فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلاّ أصاب منــّـا ولا دخلها علينا إلاّ أصبنا منه)) حيث أنّ حروب المدن غير حروب الصحراء.. وأهل يثرب يحتمون بمعرفة مدينتهم وحصونها.. وفى حروب المدن لا يكون الصراع فردًا لفرد ولا سيفــًـا لسيف ، وإنما تشترك فى ذلك البيوت والمداخل والمخارج.. والرجال والنساء والأطفال ، وفوق ذلك فإنّ حربـًـا كهذه تعنى حربـًـا لكل قبائل يثرب ، فمدينتهم يـُـعتدى عليها من قوة خارجية ، وربما يُـثير ذلك لدى البعض حمية وطنية. وربما لم يكن محمد نفسه يُـدرك هذه الميزة كما أدركها ابن أبى ، وربما لم يحسب إلاّ أنّ المدينة لم تكن فى يديه بشكل كامل ، ولذلك لم يأمن القتال فيها ، وربما لأنّ غزوة بدر وما سبقها وما تلاها من سرايا تمّـتْ كلها فى الصحراء.. وكانت غالبها فى إطار الهجوم لا الدفاع.. ذلك الهجوم والانقضاض اللذيْن تدرّب عليهما أصحاب محمد تدريبـًـا جيدًا.. أما الدفاع فلم يكونوا قد مارسوه بشكل عملى من قبل.. وربما لكل هذه العوامل قرّر محمد الخروج وملاقاة قريش.
كانت تعبئة قريش مقارنة ببدر أكثر عددًا وعدة وأفضل تنظيمـًـا وإعدادًا ، فوصلتْ قواتها إلى ثلاثة آلاف رجل مُـجهزين جيدًا على مدى أكثر من ستة شهور، عكس تجمع بدر المُـترهل الذى جـُـمع فى يوم أو يوميْن وعلى عجل.. جاء جيش قريش.. لم يأتِ القرشيون لقافلة ويودون قطع الطريق عليها كما فعل جيش محمد .. كانت خيالة قريش على مائة فرس.. وعبـّـأ محمد ألف رجل لمواجهة قريش.. وخرج البعض بحثــًـا وطمعـًـا فى غنيمة سهلة (مثل أى مُـرتزقة) واضعين فى اعتبارهم غزوة بدر.. وانطلق جيش محمد حتى وصل منطقة (الشوط) وهى ما بين (أحد) والمدينة... ثمّ قرّر محمد التوقف والعودة إلى المدينة.. وكانت هذه أول ضربة قاسية لنظام (التعبئة الإسلامى) وبقى من جيش محمد حوالىْ سبعمائة وقيل أربعمائة رجل.. وهزيمة جيش محمد فى (أحد) تلتها هزيمة أخرى فى (بنى سلمة) و(بنى حارثة) وهمّ أتباع محمد بالعودة إلى المدينة بعد الفشل فى المعركتيْن وهو ما عبـّـر القرآن عنه قائلا ((إذْ همّـتْ طائفتان منكم أنْ تفشلا والله وليهما)) (آل عمران/ 122) ويحلو لأصحاب العاطفة الدينية ترديد أنّ أسباب الهزيمة فى (أحد) أنّ ((رماة السهام تركوا أماكنهم)) ولكنهم لم يذكروا لماذا تخلــّـفتْ (الملائكة) عن النزول (من السماء) لانقاذ جيش نبى الإسلام ، وبالتالى فإنّ أصحاب العاطفة الدينية تعمّـدوا تجاهل الأسباب الواقيعة ، خاصة الاستعداد والتنظيم.
فرّ أتباع محمد وهربوا إلى المدينة وهم فى حالة فزع ورعب.. وفيهم بعض كبار صحابة محمد ، مثل عثمان بن عفان ، وجاء فى صحيح البخارى أنّ ابن عمر بن الخطاب سأله البعض : هل تعلم أنّ عثمان فرّ يوم أحد ؟ قال نعم.. فسأله : وهل تعلم أنه تغيـّـب يوم بدر؟ قال نعم.. فسأله : وهل تعلم أنه تخلــّـف عن بيعة الرضوان ؟ قال نعم (سيرة ابن كثير- ج3 عن واقعة أحد وكذلك صحيح البخارى) ولأنّ القرآن كان يؤرخ لمعارك محمد وحياته لذلك عندما انتشرتْ شائعة أنّ محمدًا قد مات ، أرّخ القرآن لتلك الواقعة فقال ((وما محمد إلاّ رسول قد خلتْ من قبله الرسل أفأين مات أو قــُـتل انقلبتم على أعقابكم)) (آل عمران/144) ، كذلك أرّخ القرآن لما حدث من أتباع محمد وهروبهم وفشلهم وعصيانهم ورغم ذلك عفا (الله) عنهم (أنظر آل عمران/ 152، 153)
وهذا (العفوالإلهى) عن أتباع محمد الذين تسبّـبوا فى الهزيمة ، يجب ربطه بما قاله ابن عباس ((انكفأتْ الرماة جميعـًـا فدخلوا فى المعسكر ينهبون والتقتْ صفوف المسلمين والتبسوا ، فلمــّـا أخلّ الرماة تلك الخلة التى كانوا فيها ، دخل الخيل من ذلك الموضع على الصحابة ، فضرب بعضهم بعضـًـا والتبسوا ، وقــُـتل من المسلمين ناس كثير (قيل سبعين رجلا) وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا (الغاب) إنما كانوا تحت المهراس (ماء بأعلى جبل أحد) وصاح أحدهم أنّ محمدًا قــُـتل ، فما زلنا كذلك ما نشك أنه قــُـتل حتى طلع بين السعديْن نعرفه إذا مشى)) (تفسير بن جرير- مجلد 3، 4) وبعد أنْ قال محمد ((إنه غضب الله.. إنه غضب الله)) وقف أبوسفيان أسفل الجبل وقال ((أعل هبل.. أعل هبل.. أين ابن أبى كبشة ؟ (يقصد محمدًا وهو كنية لأبيه عبد الله الذى كان أبوه سيذبحه) أين ابن أبى قحافة ؟ أين ابن الخطاب؟ ثم قال لأصحابه : إنّ هؤلاء قد قــُـتلوا.. فردّ عمربن الخطاب : كذبتَ يا عدو الله.. إنّ الذين عددتَ أحياء..كلهم.. وقد بقى لك ما يسوؤك)) فقال أبوسفيان: يوم بيوم بدر. وحنظلة بحنظلة. والحرب سجال وأنتم واجدون فى القوم مثلا لم يكن عن رأى سراتنا وخيارنا ولم نــُـكرهه)) (السيوطى – الدر المنثور- ج2- ص84- وقوله حنظلة بحنظلة يقصد به : حنظلة بن الراهب المسلم الذى قــُـتل فى أحد ، وحنظلة بن أبى سفيان الذى قــُـتل فى غزوة بدر)
توقــّـع القرشيون أنه بعد هزيمة محمد وجيشه فى أحد ، سيجعل قوافلهم تمر بسلام ، ، ولكن تبـدّد حلمهم وخاب ظنهم ، بعد تكرار قطع الطريق على قوافلهم ، حيث أنّ جيش محمد استعاد عافيته وتعلــّـم من درس الهزيمة ، واستمرّ- كما فى البداية – الاعتداء على القبائل العربية التى رفضتْ الانصياع لأوامر محمد ، ولذلك تجمّـعتْ القبائل فكانت (وقعة الأحزاب)
تجـدّد الصراع بين الأوس والخزرج ، وبين الأوس والأوس وبين الخزرج والخزرج ، وبعد أنْ قال النبى ((من لى بمن يؤذينى ويجمع فى بيته من يؤذينى؟)) قال ابن معاذ ((إنْ كان من الأوس قتلناه)) ولما اشتدّ الجدل بين رجال من الأوس ورجال من الخزرج ، اتهم أسيد بن حضير، سعد بن عبادة (زعيم الخزرج) بالنفاق وأنه (يحب المنافقين) فأرّخ القرآن لذلك الجدال وقال ((فما لكم فى المنافقين فئتيْن والله أركسهم (= نكسهم وردّهم إلى الكفر).. إلى ((فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتنموهم)) و((فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم)) (النساء/من 88- 91)
وبلغة العلم كتب د. عبد الهادى عبد الرحمن ((كانت نكسة (أحد) دافعـًـا مُــثيرًا لأنْ يتقوى الطابع الهجومى للجيش المُـحمدى والذى يمكن تعبئته فى وقت قصير نسبيًـا ، ذلك الطابع الذى اتضح فى كل السرايا التى أغارتْ على القبائل العربية فى مواقعها ، فإنْ كانت قريش قد ظنــّـتْ أنها ستأمن غاراته ، فها هو يُـغير على الطرق التجارية ، وعلى أمن القبائل فيُـزعزعه. وكانت (الدعوة الدينية) فى هذه الغارات لا تــُـطرح إلاّ كأمر ثانوى ، فمن وافق وقــَــبــِــل بأمر محمد عليه أنْ يتبعه ، فيلبس لباس الحرب ، هذا هو الإسلام ، وغدا من الصعب الفصل بينهما كأمريْن مُـختلفيْن ، فقد تحوّل الإسلام إلى الجهاد وشمل (الجهاد الإسلامى) فغطى التفاصيل الأخرى ، وجعلها تبدو أقل أهمية ، فما أنْ ترفع القبائل رأسها حتى تجد سيوف محمد مُـحيطة بها وبأرضها ، فتولى الهرب تاركة أموالها وأنعامها.. وكانت المــُـفاجأة (أى المُـباغتة) غالبـًـا هى أهم عنصر فى تلك الغارات.. فهذه – مثلا – سرية (أبى سلمة بن عبد الأسد إلى طليحة الأسدى فى قطن) وهو ماء لبنى أسد ، فأمره النبى قائلا ((سر حتى تأتى أرض بنى أسد فأغر عليهم)) فسار بمائة وخمسين رجلا يقودهم دليل من بنى أسد ، وكانت النتيجة أنْ فرّ بنو أسد وتركوا كثيرًا من الإبل والغنم.. وأسر جيش محمد ثلاثة.. وأخذ الدليل نصيبـًـا من المغنم.. ثم خمّـس محمد الغنيمة)) (جذور القوة الإسلامية- ص133- وقد ذكر د. عبد الهادى أنّ مصدره السيرة النبوية لابن كثير- غزوات ما بعد أحد – ج 3- ص 121 وما بعدها )
وأضاف د. عبد الهادى ((بجانب تلك السرايا والغزوات ، لم ينس محمد عدوه الرئيسى فى مكة ، فبقدرته على إرهاب القبائل ، وهو ينتزع السيادة من قريش على تلك القبائل ، ويضرب القوافل التجارية ، ويهز اقتصاد مكة وأمنها ، لأنه يعرف أنّ الصراع بدأ هناك وسينتهى هناك أيضـًا بحكم مكانة مكة فى جزيرة العرب ، فإنّ من يُـسيطر عليها فقد سيطر على كل بلاد العرب ، ولذلك ظلــّـتْ مكة حلمه الدائم وخطوته الكبرى لتحقيق (استراتيجيته) أو بداية نصره النهائى.. (ولذلك) أرسل محمد عيونه لاستكشاف الطرق إلى مكة وتحركات سراياها وقوافلها التجارية. ولعلّ سرية (الرجيع) كانت واحدة من سرايا الاستكشاف تلك رغم مصيرها المأساوى بقتل سبعة من أعضائها وأسر ثلاثة آخرين وتسليمهم إلى مكة لتشنقهم عند الكعبة.. فلم يعد منهم رجل واحد إلى المدينة)) (ص 134)
أما غزوة بدر الآخرة ، أو بدر الصغرى (التى أعقبتْ أحد) فقد تراجع أبوسفيان فى منتصف الطريق بقاقلته ومن معه من حراسها ، وقد أتاح ذلك لمحمد الانتصار الكبير على قريش.. حيث أنّ محمدًا كان يُـهاجم دائمًـا ، وقريش كانت مُـتردّدة فى صراعها.. ومحمد كان يبحث عن انتصار شامل ، وقريش لم تــُـفكــّـر فى ذلك ، لأنّ سادتها مشغولون بمصالحهم وتجارتهم.. ملهيون فى أموالهم وحياتهم.. بينما محمد كان يُـحارب هو وأتباعه فى سبيل قضيتهم بأنفسهم.. مُــتفرغين لها ولا شىء سواها.. وهكذا فــُـرضتْ الحرب فرضـًـا على ملأ مكة.. والذين ظلوا مُـحافظين على أمنها ولم يخوضوا الحروب إلاّ نادرًا بحثــًـا عن إرجاع حالة الإستقرار، وهى أهم شرط ليُـتاجر الناس وليتعبّـد العرب حول الكعبة. وكان هذا الملأ فى وضع الدفاع وإنْ بدا مُـهاجمًـا أحيانـًـا.
وما حدث ينسف القول (الشائع فى كتب التراث العربى/ الإسلامى) بأنّ محمدًا شرع سلاحه دفاعـًا عن نفسه وبشكل مطلق ، ربما يكون هذا صحيحـًـا فى الأيام الأولى من دعوته.. لكن ذلك الدفاع انتقل إلى مرحلة الهجوم بسرعة غير مُـتوقعة ، أفرزتها الهجرة إلى يثرب كقاعدة شبه آمنة للانطلاق والانقضاض.. بل والتيقن من أنّ (العدو) لن يجرؤ على مهاجمته فى يثرب.. أو على الأقل لن ينجح فى احتلالها وتصفيته ، مما أعطى لجيش محمد الاستمرارية.
لقد أثار محمد حالة من الفزع وسط القبائل العربية بجيشه المُـحارب دائمًـا ، المُـنقض دائمًـا وفى كل مكان ، ولم يعد (الإسلام) مجرد دعوة جدل أو أخذ ورد عقلى ، بقدر ما فوجئتْ القبائل بسرايا تــُـهاجمها فى الليل والنهار، فتقتل وتغنم وتأسر. ولم تكن – لتلك القبائل – حاجة فى قتاله إلاّ دفاعـًـا عن نفسها أو عن أرضها وسوائمها وأنعامها ، أو عندما يأكلها الجدب فتــُـهاجم بعضها البعض فى حروب تهدأ حينــًـا وتشتعل حينــًـا آخر. بينما حروب محمد لم تهدأ أبدًا منذ اشتعلتْ نيرانها ، وهذا هو الفرق الأكبر بين حروب ما قبل الهجرة وحروب النبى مع القبائل العربية... حقــًـا لم يفعل محمد شيئــًـا غريبـًـا عن طبيعة الصحراء وتشكيلاتها الاجتماعية ، فالحرب كانت صفة لازمة والصراع كان دائرًا على موارد الرزق المحدودة ، لكنها كانت تنتهى بصلح أو معاهدة أو بثأر أو دية أو فداء ، لكن (حروب محمد الإسلامية) كان هدفها غرض أكبر، كان فى هدفها السيادة السياسية قبل السيطرة على الطرق وموارد الرزق ، والأسواق والبلدان التى كان لا يمكن حدوثها إلاّ بالتجهيز لصراع طويل عبر تمرين مُـستمر ودائم من السرايا والغزوات وقطع طرق القوافل ، ثم الانقضاض النهائى بفتح مكة ثم السيطرة الكاملة على شبه جزيرة العرب.. وكان لذلك الفزع الذى أثاره محمد شمالا وجنوبـًـا ، شرقــًـا وغربـًـا ، دور كبير فى شحن همة القبائل ، وقبلها مكة للتخلص منه نهائيـًـا ، فلم يكن هناك أمامها سوى بديل واحد هو التصفية ، والتى لابد أنْ تكون تصفية حقيقية لأحد الطرفيْن ، حتى قبل أنْ يفتح مكة ( ص 141، 142) فمن الذى سينجح فى تصفية الآخر؟ محمد أم قريش ؟ ظلّ الخصمان (محمد وقريش) فى حالة تربص دائم ، بهدف أنْ ينتصر أحدهما على الآخر، ولأنّ مكة قد ترهـلــّـتْ وتضعضعتْ بسبب تكرار الاعتداء على قوافلها التجارية ، من ناحية ، ولأنّ جيش محمد كان فى حالة استعداد وتدريب مُـستمريْن ، فكانت النتيجة إخضاع قريش لجيش محمد ، وهو الجيش الذى سيكون (النواة) للغزوات التى قام بها خلفاء محمد خارج جزيرة العرب ، لنهب موارد الشعوب ، التى تعتمد فى حياتها على (العمل الإنسانى المُـنتج مثل الزراعة) وليس على القتل والقتال.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف انتصرت الدعوة المحمدية ؟ (2)
- كيف انتشر الإسلام ؟
- الآخرة فى أساطير الشعوب والديانة العبرية
- جذور الصراع بين الرعاة والزراع
- الولع بالدمار فى الأساطير وفى الديانة العبرية
- جذور أسطورة الطوفان
- التكوين الكنعانى والتكوين التوراتى
- الأساطير بين الأديان وانتاج الشعوب
- الديانة العبرية والموقف من مصر
- المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
- زهران وخميس والبقرى
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى
- أسباب النزول فى صحيح البخارى (7)
- البداوة فى صحيح البخارى (6)
- الميتافيزيقا فى صحيح البخارى (5)
- العبودية فى صحيح البخارى (4)


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)