أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (8)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (8)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4935 - 2015 / 9 / 24 - 23:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الاستناد إلى العقل يختلف عن الاستناد إلى العاطفة الدينية أو الانحياز المذهبى أو الميول السياسية. ولكن هل العقل (واحد) ؟ بالطبع (لا) حيث يوجد العقل (الناقد / الحر) ويوجد العقل المُـرتخى المُـستسلم للثوابت التى توارثها ، ولم يُـفكــّـر فى مدى (معقوليتها) كما أنّ الإنسان قارىء التاريخ ، غير الإنسان الذى لم يهتم بقراءة التاريخ ، ولكن هل قارىء التاريخ (واحد) ؟ بالطبع (لا) حيث يوجد قارىء للتاريخ ، ومع ذلك يتغاضى عن (كل) الوقائع التى تتعارض مع عواطفه الدينية ، ويوجد قارىء للتاريخ يُـنحى عواطفه الدينية ليستخلص عبرة التاريخ.
وعلى سبيل المثال : لماذا تجاوز أصحاب العاطفة الدينية عن كلام محمد بن أبى بكر الذى قال إنّ الخليفة عثمان ((عمل بالجور ونبذ حكم القرآن)) ؟ (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للمطبوعات - - بيروت – لبنان – ج 4 – ص 79) ولماذا لم يتوقف ويُـحلــّـل مغزى تلك الجملة من حيث 1- أنّ خليفة المسلمين (الثالث) كان يعمل بالجور، أى الانحياز للظلم ؟ 2- مغزى أنه ((نبذ حكم القرآن)) فهل هناك معنى آخر غير أنّ تصرفه خضع لأحد الاحتماليْن التالييْن أ – عدم الاعتراف بالقرآن ب – الاعتراف بالقرآن مع عدم العمل به لتطبيق (سياسته) الخاصة كأى حاكم مُـستبد ، ومن هنا كانت الثورة ضده والتى شارك فيها ابن أبى بكر. وفى كل الأحوال فإنّ ما ذكره ابن أبى بكر فيه (الخلاصة) التى يرفض أصحاب العاطفة الدينية الاعتراف بها وهى : أنّ الإسلام لم يُـغيّر من طبيعة عثمان البدوية/ العربية التى كانت سائدة قبل الإسلام . وما مغزى الرسالة التى أرسلها عمرو بن العاص إلى معاويه بن أبى سفيان وقال فيها أنه دعا محمد بن أبى بكر ومن معه ((إلى الهدى والسنة وحكم الكتاب فرفضوا الحق وتمادوا فى الضلال فاستنصرنا الله عليهم فضرب الله وجوههم وأدبارهم ومنحونا أكتافهم فقتل الله محمد بن أبى بكر)) (الطبرى المصدر السابق – ص 80) فهل ما حدث يختلف عما كان فى الفترة السابقة على الإسلام وأطلق محمد عليها (جاهلية) ؟ ولماذا لم يتعلــّـم أصحاب العاطفة الدينية (خاصة الذين قرأوا كتب التاريخ العربى/ الإسلامى) أنّ عربـًا مسلمين قتلوا عربـًا مسلمين موحدين مثلهم ؟ وإذن ما الفرق بين معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص ومحمد بن أبى بكر؟ أليسوا كلهم (قتلة) ؟ وأليسوا (كلهم) غزاة تركوا أراضيهم الصحراء الجرداء لينهبوا خيرات العراق والشام والمغرب ومصر؟ وكيف للعقل الإنسانى الحر يتصوّر أنّ (الله) يحترف مهنة القتل كما جاء فى رسالة عمرو بن العاص ؟ أوليست تلك عقلية العرب السابقين على الإسلام الذين كانوا يعتقدون أنّ (هبل) قادر على كل شىء ، وقبله كان (ياهو) فى التوراة ؟
وكتب الطبرى : حدثنى الحارث بن كعب بن فقيم عن فلان عن فلان أنّ الحارث بن كعب كان يستصرخ من قِـبل محمد بن أبى بكر إلى على بن أبى طالب ومحمد بن أبى بكر يومئذ أميرهم فقام على الناس وأمر فنودى إلى الصلاة الجامعة فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد ثم قال : أما بعد فإنّ هذا صريخ محمد بن أبى بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة (أى عمرو بن العاص) عدو الله وولى من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعـًا منكم على حقكم هذا فإنهم قد بدأوكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر عباد الله. إنّ مصر أعظم من الشام وأكثر خيرًا)) (الطبرى- المصدر السابق – ص81) من هذا النص يستنتج العقل الحر: 1- محمد بن أبى بكر يعتبر عمرو بن العاص (عدو الله) 2- محمد بن أبى بكر يسخر من عمرو بن العاص ويُـعيّره ويُـذكره بأمه (النابغة) أشهر داعرات مكة 3- محمد بن أبى بكر استخدم تعبير (غزو) وهو التعبير الأدق بدلا من تعبير (الفتح) الذى يُـجمّـل الاحتلال ونهب موارد الشعوب 4- محمد بن أبى بكر يعترف بأنّ مصر ((أعظم من الشام)) والسبب – من وجهة نظره لأنّ مصر ((أكثر خيرًا)) فهل هؤلاء العرب الذين جاء بهم الإسلام يختلفون عن العرب السابقين عليهم ؟ من حيث 1- حروبهم ضد بعضهم البعض كما كان يحدث بين القبائل العربية قبل الإسلام 2- غزواتهم ضد الشعوب المتحضرة (الشام والعراق والمغرب ومصر) لنهب خيراتها ، أى أنه بدل الاعتداء على القبائل العربية ، صار الغزو والاعتداء على غيرهم من الشعوب .
كان أحد (فرسان الغزو العربى/ الإسلامى) عمرو بن العاص الذى غزا مصر فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، فمن هو عمرو هذا الذى حكم مصر ونهب خيراتها لصالح العرب فى مكة والمدينة وجلسوا ينتظرون (عوائد الغزو) ذكر مؤرخو التاريخ العربى/ الإسلامى ، ومن بينهم الزمخشرى : أنّ أم عمرو بن العاص هى النابغة. وكانت من أشهر البغايا والعاهرات وأرخصهنّ أجرة.. ووقع عليها (= ضاجعها) كل من أبو لهب وأمية بن خلف الجمحى وهشام بن المغيرة وأبو سفيان والعاص بن وائل السهمى ، فولدتْ عمرًا ، فادعاه كل منهم (لنفسه) ولكن أمه قالت هو من العاص . وقال أبو سفيان إنى لا أشك أننى وضعته فى رحم أمه (شرح البلاغة- ج2- ص 100، 101) والمسعودى فى مروج الذهب والسيرة الحلبية. ونظرًا لسيرة أمه السيئة فإنّ العرب ((كانوا يحتقرون عمرو بن العاص)) وذكرتْ أروى بنت الحارث بن عبد المطلب أنها عندما قابلت معاوية بن أبى سفيان قال لها : مرحبًا يا عمة. قالت : يا ابن أخى.. لقد كفرتَ بالنعمة. وأسأتَ لابن عمك الصحبة وتسميتَ بغير اسمك وأخذت غير حقك.. لقد كفرتم بما جاء به محمد ، فأتعس الله منكم الجدود وأصفر منكم الخدود.. إنّ القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى.. وغايتنا الجنة وغايتكم النار (الأدق أسلوبيًا مصيركم وليس غايتكم.. ولكننى التزمتُ بالنص) فقال لها عمرو بن العاص : أيها ( الأدق أيتها) العجوز الضالة.. اقصرى من قولك.. فقالت : من أنتَ ؟ قال : عمرو بن العاص . قالت : يا ابن اللخناء والنابغة (ألك عين) لتتكلم ؟ وأمك كانت أشهر امرأة داعرة عاهرة بمكة.. اعتن بشأن نفسك.. ما أنت من قريش فى اللباب من حسبها ولا كريم منصبها.. وقد ادعاك (لنفسه) ستة ( فى العقد الفريد وروض المناظر خمسة) من رجال قريش.. كله يزعم أنه أبوك.. فسألتُ أمك عليهم فقالت : كلهم أتانى.. فانظروا أشبههم به فالحقوه به فألحقوه بالعاص.. وقالوا غلب عليه شبه العاص بن وائل.. وقالت أروى لأم عمرو: وقد رأيتُ أنكِ أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر فأتم بهم فإنك بهم أشبه (بلاغات النساء / 27 و(العقد الفريد 1/ 215) و(روض المناظر 8/ 4) و(ثمرات الأوراق 1 / 132) و(دائرة المعارف لفريد وجدى 1/ 512) و(جمهرة الخطب 2 / 363)
عمرو بن العاص هو واحد من أشهر الغزاة فى التاريخ العربى/ الإسلامى ، وفى نفس الوقت كانت أمه واحدة من أشهر الداعرات العاهرات فى مكة ، واختلط (مَـنى) خمسة رجال (وفى رواية أخرى ستة) فى رحم أمه ، وبالطبع فلم تكن هناك تحاليل طبية ولا (سونار) ولا DNA لمعرفة من هو الأب الحقيقى ، ورغم ذلك كله فإنّ عمر بن الخطاب يحتضنه ويخصه بغزو مصر، لنهب خيراتها وإرسالها إلى سكان الجزيرة العربية كما جاء فى رسالة عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص (وأتذكــّـر أنّ مدرس اللغة العربية وأنا فى مرحلة الإعدادية كان يشرح لنا تلك الرسالة وهو فى غاية السرور والبهجة) وكان ابن عبد الحكم القرشى أمينـًا عندما نقل نص الرسالة التى جاء فيها ((من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص . سلام . أما بعد : فلعمرى يا عمرو ما تبالى إذا شبعتَ أنت ومن معك.. وأنْ أهلك أنا ومن معى (وفى رسالة أخرى قال : تسمن أنتَ ومن معك وأعجف أنا ومن معى) فيا غوثاه ثم يا غوثاه)) فكتب إليه عمرو بن العاص : لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص أما بعد : فيا لبيك ثم يا لبيك .. قد بعثتُ إليكَ بعير أولها عندك وآخرها عندى . ثم إنى أرجو السبيل إلى أنْ أحمل إليك فى البحر والسلام)) وكان يقصد بذلك أنه سوف يرسل له ما تبقى من خيرات مصر عن طريق البحر، ولكنه شعر بالندم لأنه (تهوّر) عندما وعد عمر بن الخطاب بهذا الوعد فقال : إنْ مكنتُ عمر من هذا خرب مصر ونقلها إلى المدينة.. فاضطر أنْ يكتب رسالة جديدة إلى عمر بن الخطاب يعتذر فيها عن وعده قال ((إنى نظرتُ فى أمر البحر فإذا هو عُـسر لا يلتئم ولا يُـستطاع)) فردّ عليه عمر بن الخطاب برسالة شديدة اللهجة حيث قال فيها ((إلى العاص ابن العاص فقد بلغنى كتابك تعتـل في الذى كنتَ كتبتَ إلىّ به من أمر البحر. وأيم الله لتفعلنّ أو لأقلعنك بإذنك أو لأبعثنّ من يفعل ذلك)) فعرف عمرو بن العاص أنه الجد من عمر بن الخطاب ، ففعل ((وأرسل إليه عمر بن الخطاب أنْ لا يدع بمصر شيئـًا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلها إلاّ بعثتَ إلينا منه)) (فتوح مصر وأخبارها – ابن عبد الحكم القرشى – مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر- عام 1974- ص112، 113)
والدرس الذى يتوقف أمامه العقل الحر (المُــتجرّد من العاطفة الدينية) أنّ خليفة المسلمين الثانى (عمر بن الخطاب) الذى كتب عنه الإسلاميون أنه ((حكم فعدل)) بينما أفعاله ليس فيها أى (عدل) وأنه كان مؤمنـًا بتراث جدوده (عرب الجاهلية) أى الغزو والنهب ، حيث أنّ مضمون رسائله إلى عمرو بن العاص ، فيها درجة ملحوظة من القسوة و(الظلم) لأنه لم يهتم بمصير الشعب الذى زرع وأجهد نفسه فى إخصاب الأرض لتجود بخيراتها ، واهتم (فقط) بأتباعه من العرب الذين رفضوا العمل بالزراعة ليأكلوا ، واعتمدوا على قوة (السيف) وآلية (الغزو) وتبيّن ذلك من نص رسالته إلى عمرو بن العاص ((لا تدع بمصر شيئـًا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلها إلاّ بعثتَ إلينا منه)) ليس ذلك فقط وإنما هـدّد عمرو بن العاص إنْ لم يـُـنفــّـذ أمره فسوف يخلعه من منصبه ويُـرسل (واليًا) آخر يُـنفـّـذ ما طلبه. وفى نهاية هذا المشهد المأساوى فإنّ عمرو بن العاص أدرك ((أنه الجد من عمر بن الخطاب)) فنقل إليه ما تبقى من مزروعات مصر. ولم يسأل الخليفة (العادل) نفسه : ماذا يأكل أهل مصر بعد نهب كل المحصول الزراعى ؟ أما عمرو بن العاص الغازى (المُـنفــّـذ) فلم يهتم إلاّ بمصلحته الشخصية وخاف على ضياع (منصبه) النهبوى فجرّد أرض شعبنا (المصرى) من محصولات زراعية وأرسلها لعمر بن الخطاب حتى يتقى (شر) تهديده .
وبعد عمر بن الخطاب جاء الدور على الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) الذى عزل عمرو بن العاص وعيّن شخصـًا آخر بدلا منه.. وفرح عثمان لأنّ مقدار الجزية والخراج أكثر من المقدار الذى كان عمرو بن العاص يُرسله إليه. وجاء فى الخبر ((وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عثمان أربعة عشر ألف ألف (14 مليون) وقال عثمان لعمرو : يا أبا عبد الله درتْ اللقحة بأكثر من درها الأول . قال عمرو: أضررتم بولدها)) (ابن عبد الحكم – ص111) وموقف عمرو هنا ليس له إلاّ تفسير واحد : إنه أدرك طبيعة المجتمع الزراعى ومعنى وجود (دورة زراعية) وأنّ الجباية (الخراج + الجزية) التى جمعها عبد الله ابن سعد ، سوف تضر (الفلاحين) وقد يمتنعون عن العمل أو قد لا يستطيعون مواصلة العمل ، وهم لايجدون ما يأكلونه ، بل إنّ الأرض الزراعية ستموت ، وهذا معنى قوله ((أضررتم بولدها)) ولكن هل معنى ذلك أنّ الغازى عمرو بن العاص كان مُــتعاطفــًا مع شعبنا المصرى ؟ الإجابة قـدّمها ابن عبد الحكم القرشى الذى كتب إنّ ((عمرو بن العاص لما (فتح) مصر قال لقبط مصر: إنّ من كتمنى كنزًا عنده فقدرتُ عليه قتلته)) وأكثر من ذلك أنّ ((قبطيًا من أهل الصعيد يُـقال له بطرس ذكر لعمرو أنّ عنده كنزًا ، فأرسل إليه وسأله فأنكر وجحد فحبسه فى السجن . وعمرو يسأل عنه.. فجاءه رسوله بقلة مختومة بالرصاص ففتحها عمرو، فوجد صحيفة مكتوب فيها : ما لكم تحت السقيفة الكبيرة . فأرسل عمرو إلى السقيفة فحبس عنها الماء ثم قلع البلاط الذى تحتها فوجد فيها إثنين وخمسين أردبًا ذهبًا مضروبة. فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد)) وعن فلان عن فلان أنّ قسيسًا مصريًا من (إخنا) قال لعمرو بن العاص : أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصير لها . فقال عمرو وهو يُـشير إلى ركن كنيسة : لو أعطيتنى من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك.. إنما أنتم خزانة لنا.. إنْ كثر علينا كثرنا عليكم وإنْ خفّ عنا خففنا عنكم.. وهذا يدل على أنّ مصر (فــُـتحتْ) عنوة)) (ابن عبد الحكم القرشى – ص 65، 106) وما ذكره ابن عبد الحكم (فى وقائع أخرى كثيرة) يدل على 1- أنّ العرب المسلمين الغزاة لم يلتزموا بمقدار ثابت ل (الجزية) كما فعل الغزاة السابقون وكان آخرهم الرومان 2- أنْ غزو مصر كان بالعنف والحرب والتهديد بالقتل حيث القاعدة العربية / الإسلامية أنّ على الشعب الذى احتلّ العرب أراضيه الاختيار بين : الإسلام أو الجزية أو القتال (ابن عبد الحكم – ص 53) وللدخول إلى عقلية (الغازى) العربى وأنّ العرب لم يكن هدفهم نشر الإسلام كما يرى أصحاب العاطفة الدينية ، فإنّ عمرو بن العاص فى لحظة مكاشفة مع النفس (عندما عزله عثمان عن جباية الأموال) وأوكل إليه شئون الحرب قال له ((إذن أنا كماسك البقرة من قرنيها وغيرى يحلبها)) (ابن عبد الحكم القرشى – ص 121)
ولأنّ عرب (الجاهلية) كانوا يحتقرون (الزراعة) كذلك كانت تعليمات عمر بن الخطاب ، حيث أمر ((مُـناديه أنْ يخرج إلى أمراء الأجناد يتقدمون إلى (الرعية) أنّ عطاهم قائم وأنّ رزق عيالهم سائل فلا يزرعون ولا يُـزارعون)) وقال ابن وهب : أخبرنى شريك بن عبد الرحمن المرادى قال : بلغنا أنّ شريك بن سمى الغطيفى أتى إلى عمرو بن العاص وقال : إنكم لا تــُـعطوننا ما يحسبنا.. أفتأذن لى بالزرع ؟ فقال له عمرو: ما أقدر على ذلك . فزرع شريك من غير إذن عمرو. فلما بلغ ذلك عمرًا كتب إلى عمر بن الخطاب يُـخبره أنّ شريك بن سمى الغطيفى حرث بأرض مصر. فكتب إليه عمر بن الخطاب أنْ ابعث إلىّ به . فلما انتهى كتب عمر إلى عمرو، ولما قرأ شريك كتاب عمر قال لعمرو : قتلتنى يا عمرو. فقال عمرو: ما أنا قتلتك.. أنتَ صنعتَ هذا بنفسك.. ولما وصل شريك وقابل عمر بن الخطاب . سأله : من أى الأجناد أنتَ ؟ قال : من جند مصر. قال عمر بن الخطاب : فلعلكَ شريك بن سمى الغطيفى ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين . قال عمر: لأجعلنك نكالا لمن خلفك (أى لمن يأتى بعده) (ابن عبد الحكم – ص111) والدرس المُـستفاد أنّ مجرد العمل بالزراعة (مع ملاحظة أنّ ( الشخص العربى المُسمى شريك) لن يعمل بيده وأنه سيستخدم (فلاحين مصريين) لزراعة الأرض التى استولى عليها لأنه يفتقد الخبرة بالزراعة) ورغم ذلك فإنّ عمر بن الخطاب لم يغفر له مجرد التفكير فى الزراعة. فما مصدر تلك الكراهية ل (الزراعة) ؟ والإجابة بسؤال : هل كان (عرب الجاهلية) يزرعون ؟ والإجابة الثانية أنّ أبناء قريش (الذين خرج منهم محمد وأبو بكر وعمر وعثمان إلخ) لم يعرفوا الزراعة ، التى عرفها (فقط) أبناء يثرب أى سكان المدينة والطائف ، ولأنّ النبى محمد من قريش التى تحتقر الزراعة لذلك نبّـه على أتباعه (المسلمين) يُـذكرهم بما ورثه عن جدوده (الجاهليين) فقال ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلــّـط الله عليكم ذلا، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (فيض القدير فى شرح الجامع الصغير- دار النهضة الحديثة - عام 1971- وهذا الحديث رواه أحمد وصححه الحاكم) وقال أيضًا ((اتخذوا الغنم فإنها بركة)) وجاء فى التراث العبرى / العربى أنه ((ما من نبى إلاّ ورعى الغنم)) وكان أبو حنيفة – على سيبيل المثال – من القبائل النادرة (قبل الإسلام) التى عملتْ بالزراعة لأنّ مواطنهم كانت خصبة وأراضيهم صالحة للزراعة ، فكانت القبائل الأخرى تنظر إلى بنى حنيفة نظرة فيها احتقار مشوب بقدر من الحسد ليُسر حالهم ورخاء عيشتهم فقال جرير الخطفى يهجوهم ((رأتْ حنيفة إذْ عدت مساعيها / أنْ بئسما كان يينى المجد بانيها / أبناء نخل وحيطان ومزرعة / سيوفهم خشب فيها مساحيها / قطع الدبار وأبر النخل عادتهم / قدمًا فما جاوزت هذا مساعيها)) أى أنّ (الشاعر) يُـعيّر بنى حنيفة بحرفة الزراعة ، بدلا من تشجيعهم لأنهم يعتمدون على أنفسهم لسد حاجتهم من الغذاء ، ولذلك كانت سيوفهم فى رأى (الشاعر) من خشب . وكان زياد بن أبى سفيان واليًا على العراق فعزل أنس بن أبى أناس عن خراسان وولى بدلا منه خليد بن عبد الله. وكان هذا الأخير من بنى حنيفة الذين لا يصلحون للولاية أو الإدارة (وفق النظرة العربية/ البدوية/ الجاهلية) وإنما يصلحون للحرث والزرع ، فأنشد أنس قصيدة هجا فيها زيادًا وخليدًا معًا فقال ((ألا من مُبلغ عنى زيادًا / مغلغلة يخب بها البريد / أتعزلنى وتــُـطعمها خليدًا / لقد لاقتْ حنيفة ما تريد/ عليكم باليمامة فاحرثوها / فأولكم وآخركم عبيد)) وكان تعليق المُـفكر الكبير خليل عبد الكريم الذى نقل هذا (الشعر) أنه كتب أنّ من ادعى (الشعر) كان ((يُـعبّر بهذه الأبيات عن النظرة العربية القديمة وهى أنّ من يحترفون (ربط الجحاش) و(الأخذ بأذناب البقر) و(قطع الدبار) و(أبر النخل) والإقامة فى (الحيطان والمزارع) لا خير فيهم وسوف يركبهم الذل لأنّ ((أولهم وآخرهم عبيد)) وهى النظرة التى انتقلتْ إلى الإسلام أو وافق الإسلام فيها عرب ما قبله وما أكثر ما وافقهم عليه)) (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية- سينا للنشر- عام 1990- من ص 59- 61)
وأعتقد أنّ أصحاب العاطفة الدينية الذين قرأوا حديث محمد ((إذا تبايعتم بالنسيئة.. ورضيتم بالزرع وتركتم (الجهاد) سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (المذكور بعاليه) لم يتوقفوا أمامه ليسألوا أنفسهم : ما علاقة كراهية (الزراعة) ب (الجهاد) ؟ وهل (الجهاد) له معنى آخر غير (الغزو) وهل (الغزو) له معنى آخر غير استخدام السيف والقتل ؟ بدلا من استخدام المحراث والفأس وكل أدوات الزراعة ؟ ثم ما علاقة ذلك كله بقوله (سلــّـط الله عليكم ذلا، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) ؟ فهل هذا الكلام له مغزى آخر غير أنّ الرجوع إلى (الدين) معناه الغزو والقتل ؟ أعتقد أنّ كل تلك الأسئلة لا يمكن أنْ تخطر على ذهن أى إنسان يعتمد على العاطفة الدينية ، التى يرى (من خلالها) أنّ التاريخ العربى/ الإسلامى لا يمكن أنْ يأتيه الباطل ، وأنه (الصواب المُـطلق) ويجب على (المسلمين) اتباعه ، ومن هنا يمكن فهم دور أعضاء الجماعات الإسلامية (فى العصر الحديث) والكارهين للشعوب المُـتحضرة ، الشعوب التى اعتمدتْ على نفسها لتلبية احتياجات الإنسان للطعام والكساء إلخ ، ولم يكتفوا (أعضاء الجماعات الإسلامية) بالكراهية ، وإنما طبّـقوا ما كان يفعله العرب / المسلمون الأوائل من قتل وتخريب ، بالضبط كما كان يفعل (عرب ما قبل الإسلام) الذين أطلق محمد عليهم أنهم أهل (جاهلية) وهكذا تعيش شعوب المنطقة تحت سياط نوعية من البشر لا يزالون يرون أنّ الخير فى السيف (الذى أصبح رشاشات وقنابل وكل أدوات القتل الحديثة) بدلا من العمل بالزراعة وبالتالى يرون أنّ (عرب ما قبل الإسلام) و(عرب ما بعد الإسلام) أفضل من كل الشعوب المعاصرة فى القرن الحادى والعشرين.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية
- المرأة رمز الحية ورمز الحياة


المزيد.....




- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (8)