أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - الاحتجاجات المدنية والوظيفة العضوية للمثقفين















المزيد.....

الاحتجاجات المدنية والوظيفة العضوية للمثقفين


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4928 - 2015 / 9 / 17 - 11:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الوعود الكبيرة لما بعد انهيار حكم صدام لم تتحقق، وتبين أننا كنا نسير على أرض غير ممهدة، نحو أفق من سراب.. وُجد فضاء شبه ديمقراطي، ولم يتكرس نظام سياسي قائم على قواعد الديمقراطية الصحيحة، ولو بالحدود الدنيا. فمع أحزاب احتلت الواجهة السياسية، وجماعات قديمة وأخرى تشكّلت على وفق تقاطعات المصالح، غير الوطنية غالباً، هي غير ديمقراطية في اتجاهاتها وبناها الداخلية. ومع دستور مملوءٍ بالثغرات ولد بعجالة غريبة، وقوانين ضرورية تأخر تشريعها، وآليات انتخابية تطيح بمبدأي الدقّة والعدالة، فضلاً عن لعنة المحاصصة التي أوجدتها سلطة الاحتلال واستساغتها النخبة السياسية المتسلقة لسلالم السلطة والثروة، ومع الموجِّه الطائفي والعرقي والعشيري والمناطقي والفئوي المغذّي للقرار والإجراء السياسيين للأحزاب والتيارات والجماعات المتصارعة على تقاسم الكعكة العراقية الدسمة. ومع إخفاق مريع وكارثي في إدارة موارد المجتمع وإنجاز تنمية مركّبة ومستدامة. أقول مع هذا كله بتنا أمام جدران من أزمات وانسدادات في وضعنا العراقي لا نحسد عليها، وربما نستحق من جرائها الشفقة.
في واقع مثل هذا، ومع الاختلالات التي خلّفتها السياسات الفاشية والديكتاتورية في بنى المجتمع العراقي ومؤسساته وعقابيل الحروب الكارثية المتتالية، ومن ثم الحصار الدولي المنهك الذي أصاب الحياة المدنية العراقية في الصميم، صارت النخب الثقافية تخسر دورها وتأثيرها في تنمية المجتمع ووعيه. وحتى بعد نيسان 2003 حين تحسّن نسبياً المستوى المعاشي للطبقة الوسطى المدينية العراقية، لم تزدهر هذه الطبقة التي منها معظم أفراد النخب الثقافية بسبب غياب المشروع السياسي التنموي الشامل، وبسبب آفتي الإرهاب والفساد اللتين أعاقتا كل توجّه مخلص وجدّي للنهوض المجتمعي.
ومثلما قلنا فإن معظم أفراد النخب الثقافية يتحدرون من الطبقة الوسطى المدينية. وهي الطبقة التي تحمّلت، إلى حد بعيد، عبء بناء الدولة العراقية الحديثة وقيادة مؤسساتها، حتى ثمانينات القرن العشرين، إذ بدأ دورها منذ ذلك الوقت بالانحسار تدريجياً، بعدما راحت تفقد، بتأثير سياسات النظام الحاكم وحروبها، مرتكزات وجودها، الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية.
ينتعش دور النخب الثقافية بنمو الطبقة الوسطى المدينية ووجود المشروع الوطني السياسي التنموي الطموح والاستقرار السياسي ـ الاجتماعي والأمني، وتوافر مناخ سياسي يهيئ لتنمية ثقافية، ووضوح المشروع الثقافي للنخب أنفسهم، وبروز حراك مجتمعي ـ مدني ينخرط فيه المثقفون بوصفهم فاعلين اجتماعيين.. وحين نعاين جوهر هذه الشروط وما تكرّس منها عراقياً خلال السنوات المنصرمة التي أعقبت سقوط نظام صدام نُصاب بالصدمة والإحباط.
هنا أود الحديث عن الوظيفة العضوية للمثقفين في المجتمعات التي تعيش فضاءات سياسية واقتصادية واجتماعية مأزومة، وتعاني من تناقضات عصية على الحل في المدى القصير، واختلالات بنيوية تفضي إلى عدد من الحلقات المفرغة التعيسة لاسيما في الحقلين الاقتصادي والسياسي، إلى جانب وجود فئات تعتاش على الأزمات والاختلالات وتعمل على ديمومتها، مثلما هو حاصل عندنا، هنا/ الآن، في العراق.
وما أقصده بالوظيفة العضوية للمثقفين هو أن يختار المثقف لنفسه موقعاً مؤثراً في الحراك المدني القاصد وقف التدهور أولاً، والعامل على تصحيح الأوضاع وإصلاح وتغيير البنى التشريعية والمؤسساتية التنفيذية للدولة والمجتمع تالياً.
تتمثل الوظيفة العضوية للمثقف في ذلك التعاشق الذي يحدث، في لحظة ضرورة تاريخية؛ اجتماعية وسياسية، بين الفكر والممارسة، وبين البعدين الثقافي والسياسي. فإذ ذاك تغدو الوظيفة العضوية صورة للمثقف. وهي صورة ثلاثية الأبعاد، مجسّمة ومركّبة ومتحوِّلة، تختزل مجموعة صور ( للمثقف ) كما في شريط سينمي. صورته مهتماً بالشأن العام، وقارئاً لوضع مجتمعه الذي هو في حالة أزمة، ومبدعاً لأعمال فنية وفكرية، وأخيراً مشاركاً في الحراك المدني. فيكون الاهتمام بالشأن العام انغماراً في تبني قضية، سواءً بالتعبير الأدبي والفني والفكري والإعلامي، أو عبر النشاط المدني الممأسس.. من هنا يغدو مفهوم الحراك المدني أوسع من مفهوم حركة الاحتجاجات المدنية، ولكنه يتضمنه.. يتصل المفهوم الأول ببعدين واسعين؛ سياسي ـ اجتماعي يخص قضايا الشأن العام، وثقافي يهتم بإعادة صياغة الوعي الاجتماعي.
وإذا كانت ساحات الاحتجاج المدني تمثّل فضاءات اختبار لممكنات القوة والتأثير لدى الأطراف الفاعلة المختلفة فإن النخب المثقفة العراقية مدعوّة لمغادرة حالة ( بعض السلبية ) إن صح التعبير، التي تعاني منها.. ذلك أنها لم تكن خارج أطر الصراعات المحتدمة، بمستوياتها كافة، قبل سنة 2003، وحتى ما قبلها.
إن المؤشر الذي يعتد به في راهننا، ويعكس نجاح النخبة المثقفة المدنية في فرض منظورها، حتى على الجماعات غير المدنية، هو أن الجميع باتوا ينادون سواءً عن قناعة، أو نفاقاً، أو مداورة، أو ركوباً للموجة، بوجوب أن يكون شكل الحكم في العراق مدنياً، وأن الدولة لابد أن تكون مدنية، لا دينية، الأساس فيها مبادئ المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتنمية المركّبة، المستدامة. والتي ما تزال أمنيات لم تتحوّل، عند النخب والجماعات الماسكة بمفاصل السلطة، وربما لن تتحوّل أبداً، إلى أسس وموجِّهات برامج سياسية جادّة، تحوِّل بنى الواقع العراقي وتجعل من الدولة العراقية عصرية مشبعة بقيم الحداثة والتنوير.
ما أريد التأكيد عليه هو أننا لا نعيش في مناخ ديمقراطي بآليات عمل سياسي فعالة، لكن ثمة فسحة في الفضاء السياسي العراقي الآن ممكن الاستثمار فيها لمصلحة التوجّه المدني الديمقراطي عبر إيجاد قنوات اتصال وحوار وتغذية استرجاعية منتجة بين النخب والجماعات والمؤسسات ذات الطابع المدني الحداثي.
تؤسس ساحات الاحتجاج المدني لوعي جديد أكثر حدّة وعمقاً لأنه نتاج أنشطة في الشارع السياسي، وتفاعل مجتمعي وإن بدا محدوداً، وصدام مباشر وغير مباشر مع قوى مضادة. وهذا يبلور وحدة الفكر والممارسة، ذلك أن ناشطي الحراك المدني ينطلقون من أفكار وتصوّرات تنضج بسيرورة الممارسة التي تقوِّمها الأفكار في إطار جدلية ثقافية ـ اجتماعية ـ سياسية.
في ساحات الاحتجاج المدني تتقلص المسافة بين النخب الثقافية والناس الاعتياديين إلى حد التلاشي أحياناً.. يترك المثقف، مؤقتاً، معتكفه الإبداعي إلى الشارع ليتعلم، بقدر ما يبث من أفكار، مما يقوله الناس، داساً أنفه في ما يعني الوطن والمجتمع ومستقبلهما. وهذا هو فحوى ما نقصده بالوظيفة العضوية للمثقف. فالتجربة المشتركة تُنضج قناعات مشتركة وتنشئ تقاليد مبتكرة للعمل السياسي تتساوق وطبيعة المرحلة وروح العصر، وتساهم في ولادة نخبة سياسية عصرية جديدة.. فالحراك المدني إذا ما استمر ببرنامج متماسك وواقعي لا يُخرج الوضع السياسي من الركود وحسب، وإنما سيعكس آثاره على الحقل الثقافي كذلك. كما أن الأحزاب السياسية التقليدية ( وصفة التقليدية لا تنتقص من شأنها ) إذا ما وجدت في صفوفها أصحاب عقول مرنة، وذكية، مؤمنة بالحوار، والتغيير، تستطيع أن تكسب خبرات مضافة من السيرورة التي تُحدثها حركات الاحتجاج المدني، وأن تطوِّر وسائلها في العمل، وأن تنفذ أعمق في جسم الواقع ومشكلاته، فيكون لها عندئذٍ أدوار أكثر أيجابية في البناء.
يمكن تأشير وحصر الناتج الفكري ـ الثقافي الذي تفرزه عمليات الحراك المدني السلمي في العراق بإعادة طرح سؤال الهوية في أفق رؤية عصرية لدولة مدنية، والربط بين أقنومي الحرية والعدالة الاجتماعية من عتبة أن هوية الدولة لابد من أن تكون ديمقراطية عمادها مبدأ المواطنة، مع جعل العامل السياسي في القلب من الاهتمام الفكري النظري والثقافي الإبداعي. والكشف عن البعد الطبقي للأزمات والاختلالات في بنى المجتمع والواقع. فلا يمكن إنكار حقيقة أن الدافع الطبقي في الاحتجاجات المدنية قائم بوضوح. فظاهرة الفساد التي هي مرمى المحتجين الأول تتمفصل مع القضية الطبقية. ذلك أن النخب السياسية الفاسدة اغتنت من طريق سرقة المال العام على حساب حقوق المواطنين وكدحهم. فزادت الفجوة الطبقية بين محدثي النعمة السرّاق من القطط السمان، وملايين الناس التي تعيش، الآن، عند خط الفقر أو تحته.
الحفاظ على حيوية الحراك المدني يتطلب الطاقة التي يتيحها أداء المثقف لوظيفته العضوية.. الوظيفة التي تجعله لصيقاً بالقضايا الرئيسة لمجتمعه وعصره، والأداء الذي يمد الخطاب السياسي المترشح من الحراك بالدلالات والمعاني، والطاقة التي تضمن سيرورة التغيير.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن نتعلم ألفباء السياسة بالممارسة: ساحات الاحتجاج مثالاً
- جيل جديد.. مثقف جديد
- تأملات عبر اللحظة العراقية الآنية
- المثقف محتجّاً مدنيّاً
- هذا الحراك المدني
- الروائي الساذج والحساس
- التعصّب صَنْعَة فاشيّة
- ولادة ثانية 2 2
- ولادة ثانية
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 2 2 )
- قراءة في رواية ( جحيم الراهب ) لشاكر نوري
- ازدهار الأدب يتصل بتنمية المجتمع
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 1 2 )
- الشعر ونهاية القرن
- الحب أصل الحياة
- صراع الدولة والجماعات في العراق
- الأمية: سيرة الكاتبة
- إذا كنت تحب
- الراهن العراقي: السياق الواقعي والأسئلة المحيّرة
- قراءة في رواية ( سانتا إيفيتا )


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - الاحتجاجات المدنية والوظيفة العضوية للمثقفين