قريش وتجنيد الاحابيش

وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 14:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تساؤل : لماذا نجد في الرواية الاسلامية الاعلاء من دور خالد بن الوليد في الاسلام ؟

يذكر المستشرق البلجيكي الاب لامانس في كتابه المشترك مع المستشرق البريطاني , البروفيسور كستر :

( مكة في الدراسات الاستشراقية ), والحاقا بمقالنا المعنون :
(الصعاليك وجيش الاحابيش في مكة ), والمنشور على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=473692

ان اسم الجنس ( حبش ) يجمع على ( احبوش) و ( احيوش )يجمع على ( احابيش ) . وكلا اللفظتين تدل على السودان , سكان اريتيريا . وكانت تشير في اوائل القرن السابع الى اولئك العساكر السودان الماجورين .

وقد كتب الجاحظ رسالة طريفة في ( فخر السودان على البيضان)يشرح في رسالته تفوق السودان في الحروب على البيضان , اي على العرب .ان اهل مكة من القرشيين لما اسرعوا الى غزوة بدر لم ينتظروا تجنيد الاحابيش , وهي من هفواتهم ,حيث لم يتعود اصحاب المصارف والتجارة والاموال على الحروب .فكان ان اكتفوا ببعض الرجال من الحبش خرجوا ( يتقاذفون بالحراب ) كما يقول الواقدي , حيث كانت الحراب سلاح الاحباش العادي .

ولايخفى هنا , بحسب الاب لامانس , ان الحبش هنا لاتعني العبيد ,فان المكيين من القرشيين كانوا ابعد من ان يسلموا عبيدهم السلاح . وكذلك القول عن وحشي الاسود قاتل حمزة عم النبي . وابن الاثير يعده من سودان مكة . وكان يستعمل الحربة حسب قول الواحدي .

وقد شاء ابن هشام ان يخرج وحشي من المعركة , بعد قتله حمزة , ليوهم القاريء ان السودان لم يكونوا يحاربون كعسكر منظم , ولكن لاسند لقوله هذا .وقد حارب (وحشي) حتى في عهد ابي بكر , فاشترك في الحرب ضد ( مسلمة الحنفي ).

يقول الاب لامانس ان ماينسب الى خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما من كبار القرشيين , قادة الفتوحات العربية ,لايتفق مع ميول قريش الى التجارة وما يتبع ذلك من الحذر والخوف الدافعين الى الجبن .

ان تعظيم دور خالد بن الوليد في الاسلام , بحسب راي كاتب المقال ,هو في الواقع اعلاء من شان ومقام قريش , وتنويه الى قوة الامويين ونفوذهم في شبه الجزيرة العربية , خصوصا في مكة ( سليمان بشير : مقدمة في التاريخ الاخر ).

لقد لاحظ كتاب السيرة والتراث الاعمال الخطيرة المنسوبة الى العبيد من السودان , فاخذوا بتفسيرها بطرق شتى . من ذلك انهم جعلوا ( احابيش مكة ) يلتحقون في معركة ( احد ) بابي عامر الراهب فاصابوا هدفين: عللوا شجاعة الاحابيش بطريقة لاتنال من شجاعة قريش المزعومة , وعملوا على خفض شان السيد النصراني وقد غدا مكروها في نظر التقليد المدني , لانه فضل استقلاله الشخصي على الخضوع لنظام المدينة الذي شرعه النبي محمد .

وهنالك رواية ثانية عملت على انكار شجاعة الاحابيش انكارا تاما , فزعمت ان قريشا منعتهم من الاشتراك في المعركة ,وتركتهم لحراسة الاعتدة والامتعة . وكلها محاولات تنم عن حيرة الرواة الاقدمين والغريب انها لم تلفت نظر علماء المستشرقين .

هكذا يحاول مؤرخوا المغازي الحط من عمل الاحابيش في موقعة احد, وغيرها من المغازي , ليظهروا شجاعة قريش , حتى في زمن كانت لاتزال على شركها , والسبب ان كتابة هذه المغازي وكتب السيرة تم تدوينها في العصر العباسي حيث انتصرت سيادة قريش على العرب وعلى المسلمين .ان التاريخ ينسب الانتصار في معركة احد لشجاعة الاحابيش وكثرة عددهم في الجيش المكي . ان المناهج النقدية الحديثة لاحظت توافق معلومات كتب السيرة والشعر القديم في مواضع النقص والاهمال .

ان حسان بن ثابت شاعر الرسول ذكر ان لواء قصي, جد القرشيين , نقل من واحد الى واحد في معركة احد , حتى قتل في حمله عشرة رجال . ولقد كان اللواء يؤخذ بعد مقتل هؤلاء العشرة , لولا ان تقدمت امراة من اللواتي كان القرشيون قد اتوا بهن الى المعركة , لئلا يفروا . وهذا مايشير اليه حسان بقوله :

...فلولا الحارثية , اصبحوا – يباعون في الاسواق مع الجلابب
يعير حسان بن ثابت القرشيين بان رجالهم لم تطق حمل اللواء , لان اللواء لايحمله الا الاشراف :

لم تعلق حمله العوائق منهم – انما يحمل اللواء النجوم

وقد اشترك السودان فضلا عن وحشي في معركة احد , ومنهم صواب الحبشي ,يتداول اللواء اخيرا فيحميه حتى يقطع عليه . ولم يغفل حسان هذا الامر فاستغله على طريقته في هجو قريش :

جعلتم فخركم فيه لعبد – من الثم من يطا عفر التراب

ولقد شعر البدو ( الاعراب ) بصفات القرشيين من اهل مكة , فشبهوا قريش بالضب لانها تتراجع فتحتمي بالحرم اذا ما احست بالخطر , كما فعلت في اوائل حرب الفجار . وذلك قولهم ( سمي قريش البطاح الضب للزومها الحرم ) ( البلاذري : الانساب ) , و ( قريش البطاح ) نعني سكان اوساط مكة , وهي احياء السراة من كبار التجار من الملا الاعلى .

من المنازعات بين القرشيين والمكيين ماوقع لحسان بن ثابت والحرث بن هشام المخزومي . وقد فر الاخير في غزوة بدر , فهجاه حسان وعيره لجبنه وفراره , فلم ينكر الشاعر , وقد كان الحرث شاعرا . ولم يجد غير هذا العذر دفاعا عن موقفه , بل فراره المخجل, اذ قال :

وعلمت اني , ان اقاتل واحدا – اقتل , ولايضرر عدوي مشهدي

فهل هنالك اوضح من هذا الاقرار بجبنه وجبن قومه القرشيين ؟ان موقف الشاعر المخزومي لم يمنعه من التمتع باحترام عشيرته عندما اراد هجر مكة لعشر سنوات مرت بعد الحادثة .ودعه سكانها وداعا نادرا .

فكر النبي محمد بعد فتح مكة بالسير على بني هوازن ,فنصحه المقربون ان يستخدم الحبشان , واكثرهم رقيق بني مخزوم , واذا فقد كان هذا النوع من التجنيد معروفا .على ان النبي اجاب , كما يزعمون ( لاخير في الحبش , ان جاعوا سرقوا , وان شبعوا زنوا ) .

اي حكم اوضح لنا من هذا ؟ واين شجاعة القرشيين المشركين الذين فروا في بدر والخندق ويوم الفتح , وكانوا يدفعون بالعسكر الماجور ليحارب عنهم .حتى انهم حضروا معركة حنين حضور المشاهدين . ولم يخطيء الانصار اذ وصفوهم فقالوا :

( كثير شحم بطونهم ) وهي صفة رجال الاعمال المستقرة احوالهم

#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات