أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الأمية: سيرة الكاتبة














المزيد.....

الأمية: سيرة الكاتبة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4830 - 2015 / 6 / 7 - 15:51
المحور: الادب والفن
    


أيولد المرء وفي بدنه جينات الكتابة وعشق الفن، أم أنه أمر يكتسبه بمرور الوقت، ومع تقلّب الحوادث، وتشابك المصادفات؟. أهناك لحظة إشراق تفاجئ الوعي والروح فيقرر شخص ما، رجلاً كان أو امرأة، في أن يغامر، بدءاً منها، ويتخذ من صياغة الكلمات همّاً يومياً لا يتحرر منه حتى النَفَس الأخير؟ أم أن المسألة أشد تعقيداً مما نعتقد؟. ماذا نقصد بهذه الكلمة المبهمة، التي لم يُكتشف بعد معيار مادي لقياسها، وأقصد الموهبة؟. ما نسبة الإرادة والتصميم والحماس والعمل الدؤوب في استثمار تلك الموهبة، وجعلها منتجة؟ وكيف لأي شخص أن يضحّي بفرص الحياة الأخرى والجاً غابة التيه (الكتابة)، من غير أية ضمانات مؤكدة؟. ولكن، مثلما تقول الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف في كتاب (الأمية: سيرة الكاتبة/ ترجمة: محمد آيت حنا/ منشورات الجمل/ بيروت 2015):
"ينبغي في البداية أن نكتب، بالطبع. ثم ينبغي بعد ذلك الاستمرار في الكتابة. حتى حين لا يثير الأمر اهتمام أحد. حتى حين يتملّكنا الانطباع بأن كتابتنا لن تثير قط اهتمام أحد.. حتى حين تتراكم المسودات في الدرج وننساها بينما نكتب أخرى"ص53.
"نحن نكتب لنستمتع"عبارة يرددها كثرٌ من الكتاب، وماركيز صرّح ذات مرة بأنه بدأ الكتابة ليسلّي أصدقاءه، ولا ندري مدى درجة الجدّية في هذا القول الذي غالباً ما كان صاحبه يطلق من أمثاله وهو نصف ساخر، وغير متأكد، بوصفه روائياً، إن كانت هذه قناعته النهائية.. يقول لك بعض من الكتّاب أنهم لو منحوا فرصة أخرى للحياة (بعد الموت) فسيختارون الكتابة أيضاً.. الكتابة قدر بعض الأشخاص، كما يبدو، في هذا العالم.
ما يحتاجه الكاتب دوماً في هذا الدرب المدهش والمقلق والغامض هو الإيمان.. أن تؤمن بقدراتك، وتؤمن بأن الكتابة أسلوب عيش رائع على الرغم مما يرافقها من آلام ومحبطات.. وتؤمن بأن للكتابة وظيفة استشفائية تنويرية تحريرية ومغيّرة.. أن تفهم العالم أكثر قليلاً كلما كتبت.. وأخيراً أن تؤمن بما تكتب ولكن هذه المرة من غير تعصّب.. قليل من الشك، ها هنا، ضروري. وكثير من تقبّل الرأي المخالف، والاستعداد لمحاورة أصحابه، أكثر ضرورة.
أحياناً يرغمنا القدر لا على اختيار طريق الكتابة وحسب، وإنما اللغة التي نكتب بها أيضاً، والتي ليست هي لغتنا الأم.. هذا ما حصل مع كاتبتنا أغوتا كريستوف (1935 ـ 2011) الهاربة من بلدها لا إلى مكان آخر (سويسرا) وإنما أيضاً إلى لغة أخرى (الفرنسية).
"أعرف أني لن أكتب قط الفرنسية كما يكتبها الكتّاب الفرنسيون ولادة. بيد أني سأكتبها كما أستطيع، كأفضل ما أستطيع.. لم أختر هذه اللغة. لقد فرضتها عليّ الصدفة، فرضها القدر، فرضتها الظروف.. مكرهة أنا على الكتابة بالفرنسية. إنها تحدٍ.. تحدٍ تخوضه امرأة أمية"ص62 ـ 63.
في روايتها (الدفتر الكبير) التي تُرجمت إلى أكثر من أربعين لغة ومنها العربية تسرد حكاية طفلين ذكرين توأمين تتركهما والدتهما عند جدتهما نصف المجنونة في زمن الحرب فيواجهان تحديات الحياة، وحدهما، بذكاء وشجاعة باهرين.. والحكاية مستلة من تجربة مجتمعها وبلدها في سنوات الخوف والمجاعة والعنف، إذ وضعت نفسها وأخيها في قلب حدث لم يخبراه، لكنها شهدته بعينها أو سمعت تفاصيل عنه.. ولذا فما كتبته ليس سيرة يمكن البحث فيها عن الحقائق، بل لعبة خيال تنزع قناع الواقع وتعرض المخبوء منه في العراء.. كانت صورتها هي وأخوها في قلب المتن الروائي، معالَجاً بكيفية فنية خاصة:"عندما بدأت الكتابة، كنت أكتب:"أخي وأنا"وتلك الأنا كانت فتاة. بيد أن عبارة (أخي وأنا) التي ما فتئت تتكرر، بدت لي ثقيلة، وانتهى بي المطاف إلى كتابة (نحن). وتحولت تلك الـ (نحن) لتصير إشارة إلى ولدين. لقد كنا أنا وأخي حقاً كالتوأم: كنا معاً طيلة الوقت، حماقتنا كنا نرتكبها سويةً. لذا أتتني تلك الـ (نحن) ـ ولدين توأم ـ مثل إلهام بارق، كأنها أمر بديهي"ص70 ـ 71.
الغربة هي الأرض الصالحة، والمناخ المؤاتي للكتابة.. لا أقصد الغربة الناشئة عن الابتعاد عن الوطن الأم فقط، وإنما حس الغربة، كذلك، وأنت في مكانك.. غير أن أغوتا كريستوف هجرت مكانها الأصلي وعاشت الغربة المباشرة وكتبت.. تقول:
"كيف كانت حياتي لتكون لو أنني لم أهجر بلدي؟ أحسب أنها كانت ستكون أشد قساوة وفقراً، لكنها أيضاً ستكون أقل عزلة وأقل تمزقاً، ولربما كانت لتكون حياةً سعيدة..
ما أنا متأكدة منه، هو أنني كنت لأكتب أنّى كان وبتوسط أية لغة"ص48.
الكتابة هي الوطن البديل لأولئك الذين تلتبس عندهم فكرة الوطن.. أولئك المنفيون قسراً الذين يصلون تخوم اللاعودة.. تغدو الكتابة تعويضاً عن حياة ضائعة، وملاذاً، وأكاد أقول؛ إنقاذاً.. هؤلاء يحاولون ترويض الذاكرة، ودرء خطر الوحش الباعث على التعاسة والجنون.
عاشت أغوتا كريستوف حياة محدودة، متقشفة.. عاشت عزلة البيت، في سويسرا، مع أبنائها، ولم تتطلع إلى حياة برجوازية باذخة.. لم تولع بالسفر، ولم ترغب بالمغامرة كرّة أخرى.. لكنها أيضاً تشبثت بالحياة.. وحول هذا كانت فلسفتها بسيطة، موحية، عميقة، ولافتة للنظر:
"ليست لديّ أدنى رغبة في الموت. أجد الحياة قصيرة جداً. بعد الحياة سنكون ميتين طيلة الوقت. بإمكاننا إذن أن ننتظر حتى يصل وقت الموت"ص77.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا كنت تحب
- الراهن العراقي: السياق الواقعي والأسئلة المحيّرة
- قراءة في رواية ( سانتا إيفيتا )
- إبريل قاسٍ
- -تمثّلات الحداثة- 4 الحداثة والمثاقفة.. الآداب والفنون والب ...
- تحت جرس زجاجي
- الإصبع الصغيرة
- -تمثّلات الحداثة- 3 المدينة والطبقة الوسطى ومشكلات التحديث
- بلاغة الجسد؛ السلطة، الثقافة، والعنف
- طفولة ناتالي ساروت
- تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغترا ...
- قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم
- تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة
- نساء بوكوفسكي
- سارتر في المرآة
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الأمية: سيرة الكاتبة