أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - مدارس أو مذاهب















المزيد.....

مدارس أو مذاهب


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


مدارس أو مذاهب

من منا حين يسمع كلمة (مدرسة)، لم يذهب فكرهُ لتلك البناية الجميلة التي جمعتنا بأصدقائنا وذكرياتنا الجميلة ننهل منها العلم والمعرفة، حتى وان كانت مبنيّة... من طين؟
في الواقع، فإن أصل كلمة مدرسة لا يعني المبنى أو ما بداخله ومن يشغله، وإنما يعني مذهب معين، فقولنا مدرسة يعني الإشارة إلى مذهب معين، فحين نكون بصدد وصف جماعةً يجمعهم فكر أو هدف أو ذوق أو اهتمام أو سلوك معين، نقول انهم ينتمون للمدرسة... كذا.

بين حين وحين، تمر علينا تقارير هادفة ومفيدة في الأدب والفن وفي كل ما يبدعهُ عقل إنسان فتعجبنا وتشدنا.
فمثلا، نقرأ بشكل شيق موضوع عن لوحة بأبعادها الفنية والحسية، أو عن أغنية أو أنشودة بعمادها الثلاثة (الكلمة شعراً واللحن موسيقى والصوت عذوبةً وأداءً) ، ويقدم لنا باحث مختص تقارير قيّمة عن تطور أنماطاً حديثة من الفن أو سيرة حياة شاعراً أو قاصاً...
ولأنني لست بذي اختصاص وإنما مثلكم ليس أكثر من أنني تواقاً للمعرفة وذواقاً للكلمة والموسيقى والخط الجميل، باحثاً عن الجمالية بما تسمح به الظروف وبما يمكن لي استيعابه، ولكوني بعيداً عن التحزب والتدين، لأنهما وكلما نتعمقُ بهما، كلما نقع أكثر ضحية للانشقاق والتطرف، فأني سألج في مساهمتي هذه بطرح أمثلة حية ثلاث تتحدث عن الفرق بين تذوق شخصاً وآخر تبعاً لثقافة مجتمعه أو حسب ميوله الشخصية...
× × ×
(1)
بعد عودة قريب لي مع زوجته من سفرة للمغرب، قمنا بزيارتهم، فحكيا لنا عن الأجواء هناك التي تأخذك لسبعينات بلدنا العراق، ووصفا لنا انطباعاتهم عن شمسهم الدافئة وفاكهتهم اللذيذة وخضارهم الطازجة وأسعارهم الزهيدة.
وأهديانا (صوغة) أي هدية من هناك، كانت عبارة عن بعض من خيارات وشِجرات و(بيتنجانات) نواعم، لفت نظرنا أحجامها الصغيرة خصوصاً أحد الباذنجانات التي كانت بحجم كرة منضدة، فقد لبست ثوب لماع من (الروغان) الأسود وتربعت على رأسها (طاقية) خضراء مائلة، أوحت ألينا أنها أحد غلمان... هارون الرشيد !
ولما جاد الرجل بهذه الخضار، ابتسم ووجد أنه لا مناص من أن يُخبرنا ما جال بفكره... ففي الطائرة العائدة المعبئة بمسافرين أوربيين قامت سيدة تجلس إلى جانبهما بفتح حقيبة سفرها الموضوعة على الرف لتسحب بكل سلاسة كتاباً وبدأت تقرئه، بعد قليل طلب منها زوجها ـ كبير السن ـ أن تناوله هو الآخر كتاباً، مما تطلب منها البحث داخل الحقيبة وهي على الرف، ثم أستغرق الاثنين بالمطالعة طوال فترة الطيران...
حينها سألت الزوجة صاحبنا...
ـ ماذا لو طلبتَ مني فتح حقيبتنا وطلّ أو ربما سقط (الغلام) على رأس الرجل وزوجته أو هبطتْ خيارة بحجم الإبهام عليهما؟
ضحكنا من الفرق بيننا وبينهم، فغذائهم غذاء الروح وغذاءنا غذاء... البطن !
× × ×
(2)
... كنت احضر في العراق بمنتصف التسعينات سلسلة ندوات عن (الباراسايكولوجي) في نادي الأطباء بالمنصور وفي نادي الجادرية بجوار دائرة الوسم أو في مركز الفنون بشارع حيفا، يقوم على إعدادها قسم التوثيق والدراسات الجمالية بالتعاون مع نخبة من المختصّين، وكانت أجواءها ذي مستوٍ عالٍ من التنظيم والإدارة والتقديم... وفي الحضور.
كان يتخللها فترة استراحة (تي تايم) فيها يقدم على موائد، اللشاي والقهوة وبعض البسكويت والمرطبات والحلوى، وهو تقليد أوربي .
وأعجبني ـ ونحن وسط فوضى في كل شيء بالعراق ـ شدة الانضباط ومهنية الأجواء، ولم أرَ في تلك الندوات يوماً، شخصاً غير معني أو غير مُتابع أو نصف مثقف بين كل الحاضرين.
ذات مرّة وبينما انهينا محاضرة ممتعة في نقابة الأطباء وانصرفنا، كان هناك مجموعة شباب وسط الشارع الرئيس، وهم يحتفلون ـ فيما يبدو ـ بولادة زوجة قريب لهم بمستشفى الهلال الأحمر المقابل، فكانوا يتبادلون الشتائم والغلط في أسلوب (فريد) لتهنئة بعضهم البعض، ثم قامت هذه الفتية برفع وتيرة مناوشاتهم، فتحولت إلى مشاجرة بالأيادي (عركة) بسبب جمع بعض الحلوى التي نثرتها إحدى (بيبيات) المولود !
علقت واحدة من الحضور وهي طبيبة، بصوت واطئ جداً: يمعودين مَ تسوة... تعالوا هنا مكومة الحلويات !
أجابها زميل: والله لو يدرون كان من زمان تركوا صاحبهم وهجموا على... الندوة.
هنا أيضاً اختلاف مسألة سلوك فئتين في مجتمع واحد، وهي كما يُقال... أذواق في الاختيارات وأخلاق في السلوكيات !
× × ×
(3)
في موضوع ثالث لا يتفق ـ بشكل كامل ـ عليه اثنين ...
الرسم الكلاسيكي يعطينا صورة واضحة ودقيقة تحقق وضوح المشهد للمتلقي، فرسوم مايكل أنجلو ودافنشي وكل جيل الرواد يضعك وكأنك أمام (الموديل) بالضبط، ولحد اليوم نرى أن الخالة (الموناليزا) تجلس تحاكينا وعينيها بعينينا، كذلك منظر للطبيعة يضعكَ في سحر جبال الألب مثلاً أو في غابات الأمزون أو أحراش إفريقيا، فقد يصطاد الرسام لقطة ويجالسها بلوحته ويحاكيها بفرشاته، وبالتالي ينقلها بشكل مهني رائع.
وستتمكن من لمس الدقة برسم (البورتريه) لدرجة إبراز حتى الشعرة الواحدة مثلما تُنقل لك الصورة بآلة تصوير حديثة، وبجمالية ودقة تُمَكـّنـُك أن ترى عمق مشهد من الطبيعة يمتد أمامك خارج إطار اللوحة لأميال وأميال...

لكن لنكن واقعيون، فمادام بإمكان كامرة ولو بدائية أن تضع هذه الوجوه الجميلة أو المناظر الخلابة على ورقة، فقد صار هذا الفنان (الكلاسيكي) أنما يبدع من خلال أنامله وبفرشاته فقط دون أن يحاكي أحاسيسنا، ففنه عديم الفكرة والمعنى وليس فيه تطلّع أو هيام ولم يتدخل إبداع وتفوق العقل فيه، نعم انه فنان متمكن وموهوب، إلا انه ليس بارع ولا عبقري !
الفن يحتاج لفكرة، وهذه تتجسد بالفن الحديث، لذا تجدهُ قد فرض نفسه على الكلاسيكي مؤخراً، وصارت مذاهبه اليوم في الأكاديميات تُدرّس.

صدقوني لم أعد كالأمس يجذبني معرض للرسم الكلاسيكي، لأني أجده وكأنه معرض للتصوير الفوتوغرافي أن تضع (الموديل) وتخططه ببراعة، وصرت اليوم أتابع أعمال فنية يمتزج بها الإبداع الفكري بالمهارة الفنية وأجد فيها مساحات وأعماق أكثر بكثير من مجرد لوحة جامدة وجميلة لجبل، ففي الرسم الحديث يتجسد عمق غير متناهي للمسافة والزمن... والاهم أن يكون مُطعّم بفكرة أو فلسفة !
ليس شرط هنا أن نتفق كلياً، أدعو من يعترض، أن يفتح قلبه لتلقي ما كان يرفضه بالأمس، فسيجد وقد أتيحت أمامه فرص جديدة للاطلاع والمتعة.

لا انسَ تأثُّري عام سبعين ورغم صغري بلوحة عُرضت في قاعة المكتبة العامة ببعقوبة، وضعها رسامها وسط كم من لوحات البورتريه والطبيعة، كانت الوحيدة مميزة وتوقف عندها الآخرون فترة أكثر، فقد رُسمتْ على قطيفة سوداء داخل إطار (التفاصيل) التالية...
نقطتين خضراوين متجاورتين لماعتين في مساحة شاسعة من الظلام، فقط نقطتين مدورتين بداخلهما خطان عموديان معتمان، تحس أنهما يتحركان متوازتان في اتجاهك من ذلك الفضاء المعتم أينما تقف لترصد حركتك، فتجعلك تبحث في اللوحة عن شيء ينقذك من الضياع في الظلمة، وتبقى تبحث عن مسعفاً لغاية ما تطلع على عنوانها الذي يفتح لك طلاسمها ويضعك في أفق جميل... (قطـّة في الليل) !
ليس الأهم البراعة الفنية فيها بقدر طريقة تقديمها، لأن الفكرة هي اللمسة التي غلبت هنا، وهي التي رَسّخت هذه اللوحة البسيطة دون زميلاتها بذهن الزائر !
هذه حالة ذوق ممزوج بإحساس، لكن من الممكن ـ أيضاً ـ أن لا يلمسه إنسان آخر ولم تعجبه !

والمسألة ليست بعيدة عن كتابة الشعر، فالعمودي المقفى يحتاج لبراعة في اللغة ودراية عميقة بالقواعد وعروض الشعر وبحوره، بينما الحر يكون فيه الكاتب غير ملزم بقوافي... يتحرك بمساحة أرحب لأنه حُر. فينا من يجد في الأول البراعة وآخر يجد في الأخير البساطة.
ولو نظرنا للإبداع في رسم لوحة كلاسيكية أو في قصيدة شعر عمودي، نرى الحاجة للمقدرة في استخدام الفرشاة أو القلم، بينما في قطعة أدبية أو رسم حديث، تجد المعنى يطفو على المهارة، وعليه فمن لدية مقدرة لإبراز أية فكرة وهو ليس برسام أو شاعر، يمكننه أن يخوض تجربة تقديمها للمتلقي، وقد يُبدع فيها.
لو استطاعت لوحة تعبيرية معينة أو نصوص حُرة من الوصول إليك بأي شكل كان، فهي حققت هدفها بنقل رسالة معينة، حينها (سـِمْ) أنت هذه الخطوط وهذه الكلمات... ما شئت !

الخلاصة ...
هناك فرق بين المهارة والإبداع، وأن اهتماماتنا كبشر مختلفة، وهي لا تعتمد على زمان أو مكان أو بيئة محددة، ففي أمثلتي الثلاث، في الطائرة أهتم البعض ببطونهم وآخرون بفكرهم، وفي مدخل المنصور أنشغل البعض بطرح راقي وآخرون بمناوشات سوقية، وحتى في الأدب والفن، يتذوق أحدنا ما لا يتذوقه آخر أو ربما نفس الشخص ينقلب ويقوم فكره بثورة على ذاته بين ليلة وضحاها.
هذه أمور تقود البعض لقطع عشرات الأميال لحضور حفلة أو أن يبذل آخرون كثير من الجهد والمال لحضور مسيرة تأييد أو تنديد، أو لحضور مؤتمر لمتضامنين أو لمغتربين أو لمتحزبين...

... وهناك من يفضل أو (تفضل) على كل ما سبق، أن يلبس ويتأنق للتجول والتسكع فقط... في (المولات)!

عماد حياوي المبارك



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغز بِعثة (فرانكلين)
- عن الأسماء وعن القصص...
- (مغماطيس)... إبن حلال
- من (الديرة)... إلى (كبطاش).
- زيارة... (ميمونة!).
- رحلتي الأخيرة إلى المغرب
- فاتي كانو
- سطو مسلح... وعجز وفساد
- مُصاهرة ملوك
- لص (شريف)
- سر الرقم (50)...
- رسالة من الأعماق
- زورائيات
- نكسة أم هزيمة؟
- ذبابة... نانو
- قِ ثلوجك... سيد كلمنجارو
- سبع سبعات... أو أكثر
- مهرجان (الأبل بوب)
- سيمي كوندكتووووور
- الفضولي... يصل الأحمر


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - مدارس أو مذاهب