أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - الاصلاح الديني: تيارات الاصلاح (2-4)















المزيد.....


الاصلاح الديني: تيارات الاصلاح (2-4)


عمرو محمد عباس محجوب

الحوار المتمدن-العدد: 4710 - 2015 / 2 / 4 - 12:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الصعب فصل تأثير الحركة الوهابية والمهدية، كحركات إصلاح ديني تقليدي، على الأفغاني ومحمد عبده لتصل إلى حركة الإخوان المسلمين. فقد انطلقت من نفس المدخل، حيث دعا الشيخ محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، رشيد رضا، إلى نبذ الخلاف المذهبي والتعصب الطائفي، والابتعاد عن التقاليد الممتزجة بالخرافات والأفكار الدخيلة على الإسلام، فهم الإسلام فهماً جديداً، عن طريق إعادة فهم وتفسير القرآن والسنة، واستخدام الأدوات الفقهية التقليدية مثل الاجتهاد، القياس والإجماع وغيرها من أجل صياغة مشروع إصلاحي.

دعاة اصلاح الخطاب الديني

تجاوز دعاة اصلاح الخطاب الديني (مدرسة الافعاني ومحمد عبده)، دعاة الاصلاح الوهابية والمهدية على صعيد الانفتاح على العصر، والنزوع نحو التجديد في الدين والفكر واللغة، أي أنه يجمع بين التمسك بالثوابت والأصول، مع ترك مساحة للمتغيرات بحيث تستوعب واقعنا المعاصر. جمال الدين الأفغاني كان يميل إلى الأسلوب الثوري لمقاومة الاستعمار الغربي للدول الإسلامية، ومحمد عبده الذي اتخذ أساليب سلمية لتكوين أجيال تحمل الدعوة وتنشر التربية الإسلامية، حتى لو اضطرها ذلك لمهادنة ومداهنة الاحتلال ما دام ذلك يدرأ المفاسد (السلفية في طريق النهضة. مشكل أم حل - إسلام أون لاين).

حدث شرخ كبير في توجهات مدرسة "الافعاني ومحمد عبده" مع انحياز محمد رشيد رضا، أبرزِ تلاميذ محمد عبده وناقل أفكاره عبرَ مجلة المنار، عن الخطِّ التجديديّ والتنويريّ لمعلّمه، سائرًا في ركاب الإصلاح الوهابيّ الذي أسّس للتيار السلفيِّ، وتصادم مع الغربِ وحضارته. حدث التراجع الاكبر مع تأسّيس الإخوانَ المسلمين كتنظيمٍ سياسيٍّ، حركي وادخل العنف عبر تشكيل النظام الخاصِّ. ظهور الاخوان أدى لتراجع الحركة التنويرية والمستنيرة، وتاسيس مؤسسة الدين الرسمي للدول. هذه المؤسسات، وخضوعاً لابتزاز حركات الاسلام السياسي، سمحت بتقسيم عمل بينهما، يترك لها الحبل على الغارب في العمل الشعبي مقابل ابتعادها عن السلطة. هذه هي المعادلة الي رفضت على اساسها إصلاحاتُ طه حسين، وأحمد أمين، وقاسم أمين، وخالد محمد خالد، وصولًا إلى تكفير نصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور.، واعدام محمود محمد طه وقتل الشيخ الذهبى، فرج فوده وغيرهم

الإخوان المسلمين

في هذا المجال سوف اتناول التجارب المعاصرة من الامثلة التي طرحت نفسها كحركة عالمية لكافة المسلمين، والتجربة الاكبر التنظيم السياسي والاجتماعي (الاخوان المسلمين)، والهدف تقديم تحليل تفصيلي من واقع تفسيرها الخاص لعلاقة الدين والدولة والمجتمع، كتفسير وحيد ونهائي لجماعة المسلمين كافة. كافة التنظيمات المعاصرة الاخرى من القاعدة وداعش وغيرها هي امتداد على نفس الفكرة الاخوانية ومنبثقة عنها.

جاءت نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في ظروف غاية في التعقيد. فقد انفجرت قبلها ثورة 1919 واستطاعت فرض الحياة البرلمانية ودستور 1923 الليبرالي، ولكنها كانت خالية من أي توجهات للعدالة الإجتماعية وبعدها تم إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا، كل هذا في وطن يرزح تحت الاحتلال. وعندما نشأت الدعوة تأثرت بهذه المعطيات كافة؛ من المناخ المنفتح، النزعات الصوفية المنتشرة والممارسة السياسية الديمقراطية.

إذاً قامت الدعوة في بدئها كجماعة دعوية تنزع نحو التربية الثقافية والدينية للفرد والمجتمع، تؤمن بالديمقراطية وبشكل عام تميل نحو الاعتدال. "وقد أنحدر الإمام البنا من مدرسة فكرية، تؤمن بأن نهضة الأمة الإسلامية، تبدأ بالتربية الأخلاقية، ومعرفة صحيح الدين، وهو تلميذ لرشيد رضا، الذي تتلمذ على يد الإمام محمد عبده، وكلنا يعلم أن الإمام محمد عبده، كانت له وجهة نظر، جعلته يختلف مع جمال الدين الأفغاني، ذو الفكر الجهادي، إذ كان الإمام محمد عبده، يؤمن بأن الإصلاح يبدأ بالتربية المجتمعية، وأن الجهاد يبدأ في البيت والمدرسة، وقد كان قد أنشأ مجلة العروة الوثقى في باريس". "ثم إن الإمام حسن البنا كان رجلاً متصوفاً، بل كان على الطريقة الحامدية الشاذلية وقد حثّ البنا أعضاء الجماعة على قراءة الأوراد التي سماها المأثورات " (المفكر الإسلامي جمال البنا : الأستاذ البنا كان ذا نزعة صوفية و الإخوان كانت أفضل ما يلائم المرحلة، الوسط – حاورة وسام السبع).

الحاكمية والجاهلية

مع تعرض الإخوان المسلمين في مصر في الخمسينات من القرن الفائت للقمع، الحل، التصفيات وخفوت صوتهم، برز احد كوادر الإخوان المسلمين الباكستانيين (أبو الأعلى المودودي) في ظروف نشوء باكستان كٌانسلاخ عن الهند ومحاولة عزلها عن التأثير الهندي، صاغ المودودي الحاكمية أي مصدر السلطة. ضمن المودودي فكرة الحاكمية في كتابه المصطلحات الأربعة وعنى بها تكفير النظام القائم وتكفير حكامه والخروج عليه وقتاله. وتبني أبو الاعلي المودودي نموذج الدولة الشمولية التي يؤسسها أفراد أو جماعات ملتزمة بقيم الإسلام (محمد حسنين هيكل: خريف الغضب: بداية ونهاية عصر السادات، مركز الاهرام للطباعة والنشر، مصر، 1988.

تسربت هذه النظرية إلى مصر بعد أن تبناها سيد قطب في كتاب معالم في الطريق (كان هذا الكتاب من مقررات المدارس الثانوية في السودان في الستينات) في ظروف تضييق سياسي وقمع. وتوصلت كتاباته إلى تقسيم العالم إلى إسلام وجاهلية ولاسبيل إلى التعايش، إن مجتمع الإسلام هو مجتمع العدل والحاكمية فيه لله. ويرى سيد قطب إن هذا الأمر تقوم به الصفوة المؤمنة ولكنها فرض عين على كل مسلم وسلاحها الانقلاب على الطبقة الحاكمة.

يكتفي المودودي بتكفير" الدولة "ويصف المجتمع ب" الجاهلية " أما سيد قطب فيتبني خطاباً يتخطى تكفير الدولة والمجتمع إلى تكفير الأمة، لأننا عندما نطيع الدولة ونخضع لها نكتسب صفات "الشرك "وتعود بذلك وثنية- جاهلية. يقوم سيد قطب بمزج مفهومي"الحاكمية" و"الجاهلية"، فالحاكمية تكفر الدولة، والجاهلية تكفّر المجتمع والأمة، وتنفي إسلامها. لا مفر إذن أمام المسلم المعاصر من "الخروج على الدولة" و"الهجرة" من المجتمع عبر العزلة الشعورية بداية، ثم"تكفير" الأمة للمحافظة على إسلامه، على أمل إعادة إنتاج الأمة وتأسيس المجتمع المؤمن وإطلاق الدعوة من جديد.

كان الرد الأول من قلب المؤسسة التي ينتمي اليها سيد قطب، وهو الذي يعتبر أحد قياديها ومنظريها الجدد، وجاء الرد على لسان المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي، خليفة المؤسس حسن البنا، حيث أصدر كتابه الشهير" دعاة لا قضاة" وبقي هذا الكتاب قيد التداول الداخلي في تلك الفترة إلى أن طبع ووزع عام1977 . وهو وثيقة هامة تدين الخطاب التكفيري وتؤسس لقطيعة مع منظومة الأفكار التي ترتكز عليها أطروحة" الحاكمية الالهية". وأبرز ما جاء في هذا الكتاب: "إن حكم الناطق بالشهادتين أن نعتبره مسلماً تجري عليه أحكام المسلمين... إذ أن ذلك أمر لا سبيل للكشف عنه والتثبت فيه".

وحول مصطلح الحاكمية يقول: "انه لم يرد بأية آية من الذكر الحكيم ولا في أي حديث، والغالبية التي تنطق بالمصطلح وهي لا تكاد تعرف من حقيقة مراد واضعيه إلا عبارات مبهمة سمعتها عفواً هنا وهناك أو ألقاها إليهم من لا يحسن الفهم ويجيد النقل والتعبير... وهكذا يجعل بعض الناس أساساً لمعتقدهم مصطلحاً لم يرد له نص من كتاب الله أو سنة رسوله".

وحول مسألة اختصاص الله بالتشريع وأن من وضع تشريعاً فقد انتزع لنفسه أحد صفات الله وجعل نفسه نداً لله تعالى خارجاً على سلطانه يقول: "إن الحكم لله وحده صاحب الأمر والنهي دون سواه. هذه عقيدتنا.... لكن الله عزّ وجل قد ترك لنا كثيراً من أمور دنيانا ننظمها حسبما تهدينا إليه عقولنا في إطار مقاصد عامة وغايات حدّدها لنا سبحانه وتعالى وأمرنا بتحقيقها بشرط ألاّ نحل حراماً أو نحرم حلالاً، ذلك أن الأفعال في الشريعة إما فرض أو حرام أو مباح... ولا يجوز لأحد أن يزعم أن تشريعات تنظيم المرور هي من تشريع الله عزّ وجل" ( د. عبد الغني عماد: في نقد أطروحة الحاكمية الإلهية، http://www.tourathtripoli.org ، الرصد فى 11 نوفمبر 2012.

ومع ذلك فالكتابات النقدية والمراجعة الذاتية لهذا الفكر من داخل المؤسسة الإخوانية بقيت متواضعة وخجولة، فلم يسجل بعد الهضيبي إنتاج نقدي، بل ساد ما يشبه الصمت، وغلب التبرير على التحليل، إلى أن تفاقم الخطر الناتج عن التطرف والتكفير كمنهج، وشاع استخدام العنف في الداخل الإسلامي، الأمر الذي دفع بالبعض القليل لإعادة المراجعة من جديد.

من شدة وطأة هذا التوجه والظلال الكثيفة التي تلقيها أفكار الجاهلية على البناء الفكري والسياسي الإسلامي، حاول د.الترابي نفي هذه الأفكار عن حركته وافرد حيزاً في كتاب الحركة الإسلامية في السودان لايضاح موقفه "لكن الحركة لم تتقبل تكييف سيد قطب للمجتمع المسلم التقليدي ورميه بالجاهلية وقلة ثقته فيه....وقد أنكرت الحركة قطعًا بعض التطورات اللاحقة للمدرسة القطبية التي أشاعت الاتجاهات الاعتزالية التكفيرية للمجتمع التقليدي اليائسة من كل النظم المتمكنة.... فالحركة لا تقتصر على التكوين الفردي لنخبة محدودة، ولا على السرية المطلقة، ولا تستهدف بجهادها ضرب أعيان المتغلبين أو مرافق المجتمع الظالم".

الشريعة الإسلامية بين فكرين

تميزت الدعوة إلي الشريعة الإسلامية او الدستور الإسلامي، كما لاحظ الأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي الباحث في القضايا الإسلامية، ارتباطها بالقوانين " أنه برغم أن الشريعة الإسلامية 90% منها اخلاق وليست قوانين، يعني ليست مجالا يفترض أن تتدخل فيه الدولة بقوة القانون، ولكن الحركات الإسلامية تريد ان تحول كل الاخلاق إلي تشريعات" )برنامج قناة الجزيرة في العمق، الاسلام السياسي في العالم العربي- الحركة الاسلامية السياسية في السودان بتاريخ 26/4/2010

ويركز الدكتور أسامة السيد الأزهري العالم بالأزهر الشريف "إن الهدي النبوي المنقول عن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يزيد على 60 ألف عبارة من الجمل النبوية رويت بإسناد او إسنادين، سلسلة الرجال الذين رووة. ومكونة من 5 ملايين إسناد، منها 5 الاف جملة او عبارة متعلقة بالفقه والاحكام (الحلال والحرام، عقود، بيوع، حضانة، معاملات، زواج وطلاق وغيرها) و55 إلف جملة او عبارة متعلقة بمكارم الاخلاق" (خيرى رمضان: الدكتور أسامة السيد الأزهرى العالم بالأزهر الشريف فى حوار، برنامج ممكن، قناة سى بى سى، 28 ديسمبر 2012.

الشيخ علي عبد الرازق

عندما نشأت جماعة الإخوان المسلمين طرحت الشريعة الإسلامية، خاصة الحدود، واستعادة الخلافة كاهم إستراتيجية في صراعها مع كافة الاتجاهات التحديثية. في وجه محاولات الملكية المصرية لوراثة الخلافة العثمانية – التي سيؤيدها الإخوان المسلمون لاحقا- وتنصيب ملك مصر خليفة. دفع الجدال في هذا المجال، إلي تصدي الشيخ علي عبد الرازق (1888-1966) - الحاصل على درجة العالمية والدارس بعدها في جامعة أوكسفورد البريطانية والذي عُين عقب عودته قاضياً شرعياً بالمنصوره، وأصدر كتاب "الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام"عام 1925(سيرة الشيخ علي عبد الرازق: http://kenanaonline.com/users/bios/posts/152648

أثار الكتاب ضجة غير مسبوقة، بسبب آرائه في موقف الإسلام من "الخلافة" حيث نُشَر الكتاب في نفس فترة سقوط الخلافة العثمانية. سحب منه الأزهر شهادة العالمية، وهو ما اعتبره الكثير من المفكرين رداً سياسياً من الملك فؤاد الأول -ملك مصر وقتئذ. ويُعد كثيرون، كتاب الإسلام وأصول الحكم، استكمالاً لمسيرة تحرير فكري بدأها الإمام محمد عبده في كتابه "الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية" والشيخ عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد".

دعا علي عبد الرازق، المسلمين، من خلال الاسطر الاخيرة لكتابه: "أن يسابقوا الأمم الآخرى، في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم، ونظام حكومتهم، على احدث ما انتجت العقول البشرية، وامتن ما دلت تجارب الامم على أنه خير أصول الحكم".

إن عبارات وكلمات هذا الكتاب المختصر المفيد أثرت بشكل كبير على كل محاولات الخلافة، وأصبحت طلقات وسهام أصابت وأسقطت الحجب على مدى العصور الحديثة عن وجوه كل الجماعات الأصولية، المستترة وراء الدين. "لم نجد في ما مر بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن اقامة الإمام فرض من حاول اقامة الدليل على فرضيته بآية من كتاب الله الكريم. ولعمري لو كان في الكتاب الكريم دليل واحد لما تردد العلماء في التنويه والاشادة به ولكن المنصفين من العلماء والمتكلفين منهم قد أعجزهم أن يجدوا في كتاب الله حجة لرايهم فانصرفوا عنه إلي ما رأيت بدعوى الاجماع تارة ومن الإلتجاء إلي أقيسة المنطق وأحكام العقل تارة أخرى".

ورد على القائلين بالدعوة للخلافة الإسلامية "أن يذهب باحث إلي أن النبي (ص) كان رسولاً وملكاً، وليس بدعاً ولا شذوذاً أن يخالف في ذلك مخالف، فذلك بحث خارج عن دائرة العقائد الدينية التي تعارف العلماء ببحثها، واستقر لهم فيها مذهب. .. بل أن أكثر من عرفنا من الرسل إنما كانوا رسلاً فحسب. ولقد كان عيسى بن مريم عليه السلام رسول الدعوة المسيحية، وزعيم المسيحيين، وكان مع هذا يدعو إلي الإذعان لقيصر، ويؤمن بسلطانه. وهو الذي أرسل بين أتباعه تلك الكلمة البالغة "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". وكان يوسف بن يعقوب عليه السلام، عاملاً من العمال، في دولة فرعون مصر. ولا نعرف في تأريخ الرسل من جمع الله له بين الرسالة والملك، إلا قليلاً.. لاشك في أن الحكومة النبوية كان فيها بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطنة والملك. إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسس دولة سياسية، أو شرع في تأسيسها، فلماذا خلت دولته إذن من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم؟ ولماذا لم يعرف نظامه في تعيين القضاة والولاة؟ ولماذا لم يتحدث إلي رعيته في نظام الملك وفي قواعد الشوري؟ ولماذا ترك العلماء في حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومي في زمنه" (الشيخ علي عبد الرازق: كتاب الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، مكتبة مجلة أفق الثقافية، http://www.ofouq.com).

رؤية القوى المدنية الديمقراطية

هناك مدخل اخر وهو الغالب وسط القوى المدنية الديمقراطية، التي تعتبر الاصلاح الديني جزءا من الاصلاح العام. يمثل هذا الاتجاه، افضل تمثيل التقرير الذي اطلقته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) عام 2014، بعنوان "التكامل العربي سبيلا لتحقيق نهضة إنسانية". لخص التقرير أنه لتحقيق النهضة الإنسانية في العالم العربي، تحتاج المنطقة -وغالبية أنظمتها ذات طابع شمولي- إلى إصلاح بثلاثة أركان: سياسي-حوكمي، واقتصادي، وثقافي تعليمي. سياسي يحقق مشاركة شعبية، وحرية، وعدالة اجتماعية، وكرامة. كل هذا تمهيدا لقيام وحدة اقتصادية عربية كاملة، أسوة بالاتحاد الأوروبي. وثالثا، إصلاح ثقافي وتربوي "يعيد إحياء ثقافة الإبداع، ويصلح ما أفسدته عصور الانحطاط والاستبداد في الفكر والعلم والأخلاق والقيم، ويفكك البنى الفكرية والثقافية المحركة لنزعات الانغلاق والتطرف".

وأهم الاركان في رأي التقرير، نهضة ثقافية تشجّع البحث والفكر النقدي، والعودة إلى الإسلام الحقيقي، لإبعاد المنطقة عن شبح التطرف والانغلاق الفكري والديني. تلك الأجواء هي التي أنبتت "القاعدة" وبعدها "دولة الإسلام في العراق والشام" (داعش)، وغيرهما من تنظيمات التكفير وبث روح الحقد والكراهية. وهذا الانحطاط الفكري الذي بات ينخر المجتمعات العربية، هو نتاج عقود من الاستبداد السلطوي، وتغييب المنطق في النظام التعليمي الكارثي، لتجهيل الشعب وإقحام الدين في السياسة، بغياب أي مراجعات تتناول أصول الدين والفقه والاجتهاد (رنا الصباغ : ريما خلف وإشكالية الهوية والثقافة والإصلاح الديني في العالم العربيhttp://www.abouna.org/content/ ريما-خلف-وإشكالية-الهوية-والثقافة-والإصلاح-الديني-في-العالم-العربي*

الاصلاح إلى إين؟

تطرح دعوات التجديد والاصلاح من افراد، مؤسسات، رؤساء دول، لكنها كغيرها من الامور لم نسر فيها إلى اخر الخط. والاسئلة المطروحة هي من المفترض أن يقوم بالاصلاح، ألآليات التي ستحكم هذه العملية وهكذا من الاسئلة. لقد اتيح للمسلمين أن يكون لهم نظام شورى مجتمعي في اجتماع سقيفة بن ساعدة، الذي عقد كأول واخر مؤتمر سياسي عقدة المسلمون حول الخلافة. تطورت الخلافة إلي تعيين باشكال مختلفة، للخلفاء الاربعة ثم انتهت بتنازل سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما) عن الحكم لمعاوية، لتبدأ دولة الملك العضوض منذ الدولة الاموية حتى دولة الاستبداد البرقراطية.

هناك موسسات عديدة تملأ الفضاء الاسلامي من مجمعات العلماء، المؤتمر الاسلامي، الازهر، القيروان وغيرها، لكنها كلها مؤسسات الدولة البرقراطية، وتحتاج للتغيير الديمقراطي لتصبح لها مصداقية وفاعلية لتكون منابراً للحوار الحر، وقادرة على المساهمة في التجديد الديني. البداية في أي تجديد يبدأ من حقيقة اساسية إن المشكلة ليست في الإسلام ولا في أي دين. لكنها في كيفية إستثمار هذا الدين، فهناك من استثمره في التقدم، ومن يستثمره في التخلف.

لقد عشنا في طوال القرن الماضي كيف أثر الجمود والتضييق الفكري الديني، على حركة التاريخ والبناء، حتى ترعرعت في فضاءاتنا تيارات التكفير والارهاب من جانب، ومؤسسات فقهاء السلطان الرافضة لأي تجديد او ديمقراطية، وتسترت على فساد واستبداد الدولة. لقد وضعت الظاهرة الداعشية، الجميع امام الحائط، فضحت كل التبريرات، من مؤسسات الاسلام الرسمي التي فشلت في صون هؤلاء من التطرف. اما الاخوان المسلمين والسلفيين، فليس امامهم سوى اما مراجعات جدية وعودة للتيار الاساسي والقبول بالديمقراطية والدولة المدنية، كما في تونس، او تحولهم لنظام خاص ينافس داعش، كما يحدث في السودان، مصر، في ليبيا، سوريا وحوثي اليمن.



#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاصلاح الديني: المصطلح والمفاهيم (1-4)
- الرؤية الاستراتيحية (7-7) أليات التوصل لرؤية
- الرؤية الاستراتيحية (6-7) الكفاءات الأساسية
- الرؤية الاستراتيحية (5-7) تجارب محاربة الفقر
- الرؤية الاستراتيحية (4-7) تجارب وضع الدستور
- الرؤية الاستراتيحية (3-7) تجارب عربية ودولية
- نداء تونس: ابدعي في التوافق
- الرؤية الاستراتيحية (2-7) ما قبل الرؤية
- الرؤية الاستراتيحية (1-7): مفاهيم منهجية
- اليمن وداعاً........اليمن أهلاً
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (4) دروس الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (2) صناعة الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع ...


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - الاصلاح الديني: تيارات الاصلاح (2-4)