أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ابتسام يوسف الطاهر - الدوائر المستطيلة















المزيد.....

الدوائر المستطيلة


ابتسام يوسف الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1315 - 2005 / 9 / 12 - 10:42
المحور: كتابات ساخرة
    


قصة طويلة
الشوارع التي كنت على علاقة وطيدة معها، بدت لي متعبة هرمة برغم شبابها، تجاهلتني وانا اسير بها كالاعمي، الذي فقد بصره حديثا.. لم اجرؤعلى التنقل الا برفقة بعض من الاحبة، وان كان ذلك يشعرني بالحرج والقلق والخوف ان يجري لهم مكروه بسببي .
حين فُتحت ابواب البلد للمحتل قبل ابنائه المغتربين ! اقتحمنا الخوف والقلق على الاهل، وتعالت حمى الشوق الذي روضناه كل السنين كالنوارس عدنا لشواطئ الطفولة، لنشارك الاهل محنتهم او لنخفف عنهم او حسب البعض لنودعهم او نموت معهم. وجدنا فرحا يشوبه الخوف، فرحا لازاحة كابوس السنوات العجاف، وازاحة الراعي الاحمق الذي قادهم من كارثة لاخرى, والخوف كان من الطريقة التي ازيح بها على يد من نفخوه كالبالون . لذا بهتت تلك الفرحة وتنائي الامل، وقد استبدلت العصابة بعصابات لاتختلف عن بعضها الا بغطاء الراس! فكلهم يحملوا الرشاشات لا دفاعا عن النفس ولا لحماية البلد، وانما لمواصلة مااعتادوا عليه من تسلط واذلال للمتعبين.

بعد ان عوملت كأجنبي لايحق لي البقاء لاكثر من عشرة ايام، لاقضي معضمها اتنقل من دائرة لاخرى ولاقف بنفس الطابورالذي وقفته قبل عشرون عام!
كانت معي الجنسية وغيرها من الوثائق التي تثبت انتمائي للوطن، وحيث لم يعترفوا بحبي وحنيني واخلاصي له، وقد حملته بين اضلعي لاحميه من غضبتي، ان اُمتهنت كرامتي. وقد سمعت البعض يتهم الوطن باطلا بما جري لنا.. لذا قررت ان اقدم طلبا للحصول على جواز سفر عراقي وعزمت على الذهاب وحدي لاجدد جنسيتي كاول خطوة، فخاطرت بظل التفجيرات (متعددة الجنسيات) واخذت تاكسي بعد ان تاكدت انها ليست مفخخة، والسيارات المفخخة تترصد الابرياء المتعبين. تمنيت لو احمل لافته اقول بها (انا ضد الاحتلال، ضد الارهاب، ضد جرائم قتل الابرياء، ضد عصابة الخطف والقتل...انا مع الوطن الذي ارهقته الحروب).
تذكرت مذيعةالنشرة الجوية في لندن وهي تنصح المواطنين بحمل قارورة ماء معهم منعا للجفاف! والحرارة هناك لم تتعدى السابعة والعشرين!! فحملت معي قارورة ماء احتياط تعينني على تحمل الحر الذي بلغ اكثر من اربعين درجة، فلا اضمن وجود باعة المشروبات على الارصفة، فلابد انهم انزووا بالبيت حفاظا على ارواحهم، فعصابات القتل العشوائي تترصد هؤلاء المساكين، الذين ربما بوقوفهم ساعات تحت وهج الشمس، لبيع المشروبات، يدخلوا في قائمة المتعاونين مع الاحتلال!!! الذي تجوب دباباتهم الشوارع بلا خدوش .
دخلت الدائرة بوجل، الغبار يعلو كل ركن منها حتى الوجوه، اسلاك الكهرباء (المقطوعة) تتدلي بحرية فوق الرؤوس! سألت فاشار لي احدهم بوجه متعب، لاحدى الغرف. ألقيت التحية بارتباك.. وانا اتطلع للموظف، كانت نظرته خاوية.. سلمته الطلب والجنسية لتجديدها , تطلع للطلب والوثيقة بطريقة كأنه يمسك بورقة نتنة.. ثم رماها علي والتفت يواصل حديثا سابقا مع زميله ! لم اصدق ماحصل شعرت وكأن الارض صارت تدور بي ودفعتني للماضي لكابوس اخر لم افق منه بعد.....

.. كانت رغبة السفر قد سيطرت على تفكيري، وصرت اعتبرها الخلاص لما امر به من احباطات وقلق ..
لذا ذهبت مع اخي في ذلك الصيف من ذلك العام الذي يعرفه الجميع ربما, ذهبنا لوزارة الداخلية لتصديق وثيقة التخرج التي ترجمتها قبل تغلغل الاتحاد الوطني (شرطة الطلبة ) في الموضوع .
بعد صراع مع المواصلات وصلنا الشارع الذي فيه الوزارة، تلقفونا رجال الامن والشرطة برشاشاتهم ومنعونا من دخول الشارع ولكن استطعنا ان نستدل منهم على مكتب (التصديق) الذي فتحوه لهذه الامور، وصلنا هناك نلهث عطشا والعرق يتصبب من جباهنا، بالرغم من كؤوس اللبن والشربت والماء التي اشتريناها من باعة الرصيف .
هناك وجدنا الطابور لايقل عن طوابير الخبز والبيض او دائرة الجوازات وغيرها.. كدت الغي الفكرة، بسبب التعب اوالاحساس بالخوف الذي انتابني، وانا ارى ان الامر قرب ان يكون حقيقة. ساكون بعيدة عن امي! واخوتي، عن اهلي واملي بالعمل لاعوض ابوي تعبهم.. فاعلنت لاخي بعد تردد، ماعاد بي رغبة للدراسة في الخارج ضحك اخي وهو يحاول تهدأتي "تحملنا الكثير ولم يبقي الا القليل، فلا داعي لنرجع بخفي حنين"..
الكل ينتظر وقوفا تحت شمسنا الحارقة، المعاملات تجري ببطء غير معقول وكأن هناك من يتسلي بتعذيب اؤلئك البشر.. اخيرا وصلنا (السرا) الحمد لله همست بفرح مرتبك، تأملت خيرا بالموظف الذي بدا مختلفا عن اؤلئك الذين استقبلونا في شارع الوزارة -الذي لااذكر له اسم, اغلب شوارعنا خاصة الصغيرة بلا اسماء!- او تهيأ لي انه يختلف عن اؤلئك الذين يترصدون حركات الغادي والرائح ممن صارت لهم سحنة معينة تميزهم, كان شابا وسيما، في الاربعينات من عمره، ابتسمت وانا اعطيه الوثيقة، بعد تحية لم يرد باحسن منها ولا حتى بمثلها.. تطلع لي وللوثيقة، ثم تصرف بشكل جعلني اؤمن ان ليس كل مايلمع ذهبا! حيث رمى الوثيقة علي وادار ظهره، دون اي كلام...التفتُ لاخي وكأني استنجد به
ــ عفوا اخي .. مالامر، نريد تصديق الوثيقة، بعد ان صدقتها وزارة التربية. سأل اخي بهدوء مازلت احسده عليه، وان عرفت ان كتمان غضبه سبب له القرحة، وعرفت لماذا هذا المرض شائع في بلدنا.
التفت ذلك الموظف بعد عناء، وكأنه ضغط على نفسه واعصابه كثيرا ليتنازل ويجيب باقتضاب شديد وجفاء، لم نعرف له سببا
-الوثيقة قديمة.
قلتُ بعصبية بعد ان فشلت بضبط اعصابي:
ــ لكنها مصدقة من وزارة التربية، التي مازالت حية ترزق، لم تتغير
التفت ونظر بحقد وغضب واشار بيده بمعنى "بره. .. امشوا"
سحبني اخي من يدي وكأنه يعتذر مني، تمالكت نفسي بصعوبة لكي لاابكي او اصرخ امامه، وانا اتطلع للمساكين المنتظرين دورهم بفارغ الصبر، ليعاملوا كقطعان الماشية. فالغيت فكرة السفر والدراسة.

ارتعشت حزنا والما, وانا اعود من ماض لم يتواري بعد. بقيت حائرة، اتامل ان يعود ليوضح لي الامر، وحين لم يبال بوجودي، سالت بصوت هادئ ومشحون بغضب استجد توا
ــ ماالحكاية، اين اذهب الان؟. من فضلك
اجاب باقتضاب شديد
-الوثيقة ساقطة!
-اعرف انها قديمة لذلك اردت تجديدها
فقال بحدة "قلت لك ساقطة"
تمتمت "اللهم طولك ياروح، ياصبر ايوب" فصرخ بوجهي: "ماذا تقولين"
ــ قلت لااله الا الله، انا لله وانا اليه راجعون.. على وثيقتي . وخرجت اتطلع بعيون حيرى، وانا اخاطب السماء, لارفع بعض من معنوياتي، او لاخفف من اهمية الامر "اما من مغيث يغيثنا .."
كان باب احد الاقسام مفتوحا، حيث الحر لايحتمل، مع انقطاع الكهرباء المزمن. تطلعت عسى ان اسمع تعبير اعتدت عليه (تفضلي كيف نساعدتك)؟
كان هناك ثلاث نساء يغطين رؤوسهن رغم الحر! يجلسن على مكتب احداهن ويفترشن الاوراق بانواع الخضرة والخبز واكواب الشاي ، يتحدثن بانسجام وهن منهمكات بالاكل، لم احظي منهن بغير تطلع غير مبال، ابتسمت باحراج وانا انسحب . فسألت اخرين فقالوا ان الموضوع مع ذلك الموظف! تطلعت بشكل عفوي لفوق وهمست (عليه العوض اذن). البعض منهم قد غير بزته حقا ولكن ليمارسوا ما تعودوا عليه من تسلط بقناع اخر.
فقررت العودة في يوم اخر وقد عودتني الغربة على الاصرار، ربما ساضطر لسؤال اخي المسكين ليرافقني.
جفلت وانا اسمع اسمي، التفتُ، فاذا به احد زملاء الجامعة، آخر مرة رايته يوم جاء لوداعي قبل عشرون عام، عانقته وقد عرفته، برغم التعب الذي اضاف لاعوامه اعواما، دارينا دموعنا، ثم وكأنه افاق من الصدمة ليسالني، ماذا افعل هنا، فشرحت له القصة باختصار. استعاد حماسه القديم، واخذ الاوراق وذهب للموظف ذاك، ثم ناداني، دخلت بتردد لافاجأ بالموظف واقفا وهو يمد يده لمصافحتي ويعتذر "لم اكن اعرف انك من طرف الاستاذ" بعد دقائق وُظبت كل الاوراق وُوقعت، ولم يبق سوى (الاظبارة) اشاروا لمكان في الحديقة لشرائها، فخرجت مع الصديق لاجد طابورا ألعن من كل الطوابيرالتي وقفتها سابقا نساء يمسحن العرق بعباءاتهن، رجال تكاد الاوراق التي يحملوها ان تذوب وهم يهفون بها، اطفال يتصارخون تعبا وعطشا من شدة الحر.
قلت للصديق: شكرا لااريد ان اعطلك عن عملك. وقد رفضت ان يسأل احد الموظفين ليتجاوز الطابور كله، ليشتري لي (الاظبارة).
قال باحراج: "اتركيها معي لاتمها غدا" . شكرته وانا احاول جاهدة لرسم ابتسامة تخفي حجم الخيبة, شد على يدي وكأنه يعتذر عن ذنب لم يقترفه ثم همس ضاحكا "لم تتغيري ابدا"
كأنه قرأ ماأردت ان اقول (باني ساعود في يوم من الايام! يوم يقابل الموظف كل المراجعين باحترام ويؤدي واجبه بغض النظر عن معرفته او قرابته لاحد.. يوم يكون الطابور اقل ويمضي بانتظام بلا تجاوزات، يوم يعامل الانسان بدرجة اكثر اهمية من الوثيقة او( الاظبارة).



#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة الكردية ومايكل جاكسون
- الشعب العراقي بين الفتاوي والتهديد؟
- .......وظلم ذوي القربي
- المتعاونين مع الاحتلال
- العري السياسي والاخلاقي ازاء محنة العراق
- من يرفع الراية
- الانتخابات البريطانيةوالسؤال الاهم
- لمصلحة من، قتل العراقيين؟
- من هم اعداء الاسلام، اليوم؟
- صدي الايام
- اليسار واليمين وصراع المصالح
- الا يستحق الاعدام من خان شعبه؟
- الصمت العربي ومحنة العراق
- من وراء تفجيرات العراق?
- منطق الجريمة في تفجيرات العراق
- دروس الانتفاضة
- أغنية الموسم
- العراق وزيف الأعلام العربي
- طلعنا عليهم طلوع المنون..!!
- على الضفة الأخري


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ابتسام يوسف الطاهر - الدوائر المستطيلة