أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - موريس رمسيس - الهروب إلى النار - قصة قصيرة















المزيد.....

الهروب إلى النار - قصة قصيرة


موريس رمسيس

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 21:49
المحور: الادب والفن
    


عبد الصمد انسان بسيط صادق و امين مع نفسه و فى كل معاملاته مع الآخرين فهو يجب الجميع و بلا تميز و قد تَعود على ممارسة الصلاة منذ الصغر كما كان يعتز كثيرا بشخصيته و بأسلوبه الخاص فى التفكير لذا لم يتأثر بسهوله بأى فكر سلفي أو إخواني ، لم يكن له الكثير من الأصدقاء على عكس صديقة و الأقرب إليه ياسين الذى يسكن معه نفس العمارة و كانا يذهبان سويا الى المدرسة حتى تخرجا معا ايضا من نفس الجامعة فأصبح عبد الصمد محامى متخصص فى القضايا الجنائية و تخرج ياسين من كلية التجارة لكنه لم يستفيد كثيرا منها فى تكديس أمواله فى البنوك بكل الطرق و الحيل المشروعة و الغير مشروعه

ياسين له الكثير من الأصدقاء و المعارف ، فهو يصلى مع السلفيين و مع الإخوان و مع الآخرين ايضا و يتردد على جميع المساجد فى الحى و يصادق فى كل مكان يذهب إليه عارضا خادماته .. كان عبد الصمد يعرفه جيدا و يعلم انه لا يلتزم ابدا بفروض الصلاة خلال وجوده بالمنزل أو فى خارجه بعيدا عن الحى اثناء قضائه لأشغاله و كل ما يفعله عبارة عن تمثيليات لزوم المصالح و السبوبة .. كان ياسين يطلع عبد الصمد على كل اسراره دون خجل لارتياحه النفسى إليه ، فقد كان عبد الصمد يمثل له مرآة اعتراف أو المَغسل الذى ينظف فيه نفسه و ضميره من الذنوب اليومية و بإخراجها من سرداب الأعماق إلى العلن و إليه ، فكان ياسين لا يخفى عنه شيء ابدا و قد صرح له ذات مرة أنه لا يقدر ان ينافقه على الرغم من منافقته للجميع بما فيهم الله و رسوله

كان عبد الصمد يعرفه جيدا منذ الطفولة فأثناء المدرسة كان ياسين يسرق اقلام و كراريس تلاميذ الفصول الأخرى المجاورة اثناء فترة الفسحة و يخفي ما سرق فى حقيبة عبد الصمد المدرسية حتى لا ينكشف أمره ثانية من معلمة الفصل عند تفتيشها لحقيبته بعد تكرار شكوى التلاميذ و كان معروف بذلك الأمر لدى جميع المعلمين .. كان عبد الصمد يحبه كثيرا و لا يفشى ابدا اسراره و لا يبلغ عنه المعلمين لكنه فى نفس الوقت كان يرفض مقاسمته فى الأقلام و الكراريس المسروقة حينما يعودان إلى المنزل

مرت الأيام و كَبرَ الاثنان فى العمر و ازداد ياسين طمعا و حيطة اثناء سرقاته و ثرائه و أصبحت أملاكه لا تُعد و لا تُحصى و قام بالحج الى الكعبة اكثر من مرة كما كان يواظب على العمرة سنويا اما عبد الصمد فبقى على حاله لم يتغير مكتفى بدخله الشهرى الذى يتحصل عليه نظير القضايا المعروضة عليه من زبائنه المعوزين .. عرض عليه ياسين ذات مرة ان يساعده فى بيع قضايا زبائنه إلى الأطراف المقابلة لكى يكسب اكثر من الجهتين فى نفس الوقت كما يفعل الغالبية لكنه رفض ذلك الأسلوب و معتبره يتعارض مع مبادئه و اخلاقه و تعاملاته مع الله و رسوله كما كان يرفض تماما القضايا المشبوهة المعروضة عليه التى يشوبها ادانه صريحة لصاحبها كما رفض كثيرا من مغريات العمل كمستشار قانونى لدى ياسين فى مشروعاته الخاصة ، فهو يعرفه جيدا و يعرف كل اساليبه الملتوية فى كل مكان .. لقد كان عبد الصمد صارم مع نفسه و مع الآخرين و لا يقبل نهائيا المال حرام ان يدخل بيته مفضلا عليه النعيم فى الآخرة و طامعا خيرا فى رصيده من الحسنات و رصيده من الاعمال الخيره امام الله

مات عبد الصمد قبل ان يستطيع القيام بالحج أو العمرة معتمدا على صلواته و أعماله الحسنة مع الناس كما مات ياسين و عنده الرصيد الكبير من عدد مرات الحج و العمرة و مئات الأضاحى الموزعه على الناس و لم يكن من قبيل الصدفة ان يتجاوران ايضا فى الجنه ، سكن عبد الصمد بيت متواضع و سكن ياسين قصر كبير مجاور له لا ينقطع عنه اصوات الرقص و اللهو .. لاحظ عبد الصمد قلة النساء و الأولاد لديه مقارنة بما لدى ياسين من خلال اصوات الصخب القادم من قصره فاستفزه ذلك كثيرا و بالأخص عند رؤيته لـ ياسين ذات مرة يترنح خارج قصره فى حالة من السكر الشديد ومعه بعض النساء الجميلات و هن يتعلقن بيه و فى اياديهن كئوس الخمر يتضاحكن

و لأول مرة بدأت الغيرة تدب فى قلب عبد الصمد - القصر اكبر و اوسع و اجمل و النساء احلى و اجمل و اكثر عددا كما الحال مع الأولاد الحلوين - فشعر بقرفة و تقئ شديدين و احساس كبير بمرارة الظلم و عدم العدل فلم يتمالك نفسه و اخذ يصرخ بصوت عالى فى هستيريا فى كل اتجاه

- يا الله .. يا الله
- اين انت .. اين انت يا الله
- ماذا تريد؟
- لماذا تكافئ ياسين اكثر منى؟
- انا الله الآمر الناهى
- لكننى اعرف ياسين جيدا و اكثر منك!
- انا الله و انا حر فى أمرى
- أذاى! ... كده يبقى ظلم!
- أنا الله .. أنا أعز من اشاء و ازل من أشاء!
- طيب ... انا لا أريد جنتك!

ما هى إلا برهة و وجد عبد الصمد نفسه مُلقى فى نهر من النار - نهر طويل جدا لا نهاية له ، الناس بداخلة يتعذبون و يتطايرون فى مياهه النارية كما تلعب الأسماك الكبيرة و تقفز فى مياه البحار .. هناك على ضفتيه يتواجد ناس كثيرون لا يقلون عددا عما بداخله ، فهم يجلسون يتفرجون لكن بعيدا عن شدة حرارة النار .. تساءل عبد الصمد مع احدهم و هما يتطايران سويا عن هؤلاء الجالسين المشاهدين

- من هؤلاء الجالسين على الشاطئ
- هؤلاء من تم إعفائهم من عذاب النار
- كيف يتم الإعفاء؟
- الإعفاء يتم فى الجنة!
- كيف؟
- عندما يتطوع احدى الأقارب أو المعارف بدفع أتاوى للرسول و هى عبارة عن عدة نساء أو اولاد و حسب الاتفاق مقابل الإعفاء من العذاب
- كيف يتم معرفة فاعل ذلك؟
- يتم أخبارك على الشاطئ من دفع الأتاوى عندما يتم إعفائك!

وجد عبد الصمد نفسه ذات مرة على الشاطئ جالسا مع الجالسين يتفرج مثلهم من بعيد على عذاب النار فى النهر ، عرف ان ياسين عندما علم بوجده فى النار قام بدفع خمسه نساء و ثلاث اولاد من رصيده كأتاوى للرسول مقابل إعفائه من العذاب .. لم يشك عبد الصمد للحظة فى محبه ياسين له لكنه شعر بقرفة و اشمئزاز داخلى لانعدام العدل على الأرض كما هو الحال فى انعدامه بالسماء على عكس ما تخيل

اخذ عبد الصمد يسترجع ايام طفولته مع ياسين صديق عمره و اخذ يتخيله و هو يقول له - كان من الأفضل لك ان تقاسمنى من البداية الأقلام و الكراريس المسروقة لكى تتفادى كل هذا المشوار الطويل - صرخ عبد الصمد بصوت عالى جهور قائلا لا..لا..لا

لا لظلم الله و لا لأتاواى الرسول و لا لرشاوى ياسين ثم قفز فى النهر مفضلا ان يتعذب و يتطاير فى مياه النهر الحارقة و البقاء مع الباقين فى النهر مع المظلومين فى الدنيا و الآخره و مفضلا الهروب إلى النار أرحم



#موريس_رمسيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفوضى و الأضعاف و التفكيك مشروع إنسانى
- لعبة الجن و العفريت - قصة قصيرة
- مؤامرات الربيع العربى
- غزوة السجون و الأقسام
- فوضى الهوية و الحرب الأهلية
- نعتوا ناعوت
- الله أكبر الرجيم
- أنا الفاعل
- أمة
- أبو خارى
- داعش الإيمان
- عار عليك
- بَدَور عليه – (ترنيمة)
- ما المقصود ب فرج الله؟
- العبقرية اليهودية و القبة الحديدة
- الحب المحرم – قصة قصيرة
- الحاجة نفيسة – قصة قصيرة
- الأغو جنان
- رمضان كريم شبعان
- سماره – قصة قصيرة


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - موريس رمسيس - الهروب إلى النار - قصة قصيرة