أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - قراءة في القداسة – عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.















المزيد.....

قراءة في القداسة – عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4685 - 2015 / 1 / 8 - 21:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



"إن نظرة ً فاحصة يلقيها المواطن العربي على مسيرة حياته و بنية مجتمعه
توضح أنه ما زال يعيش في عالم ثنائي من الخيال و الغيبيات و الواقع
و أنه في وجوده أسير لأساطير محرمات و مقدسات تتناول كل مقومات هذا الوجود.
و أنه ما زال يعاني تسلط و استبداد أفكار أشخاص تفصله عنهم مئات السنين،
و يندر أن يتساءل أحد:
لماذا وصف ذلك الشئ بالحلال و المقدس؟
و ذلك الشئ بالمدنس و الحرام؟
و لماذا أعتبر هذا المكان و هذا الجبل و ذلك الحجر مقدسا؟
في حين دُمغ غيره أو دُمغت ظاهرة طبيعية بكونها:
مجردة من القداسة!"

(اقتباس من مقدمة المترجم العربي لكتاب: المقدس و المدنس، أنظر توثيقه أسفل المقال)
------------------------------------------------------------------------------------

عند قراءة التوراة سيجد القارئ تفريقا ً بين ألفاظ: المقدس، الطاهر، المدنس و النجس. و سيجد أن لفظ المقدس يرد في مواضع بينما يرد لفظ الطاهر في مواضع أخرى، كما أنه سيجد استخدام لفظ المدنس في غير المواضع التي تم استخدام لفظ النجس فيها، و سيزيد من حيرته و عدم فهمه أن هذه الألفاظ قد تقود إلى بعضها البعض، و أنه في مواضع أخرى يبدو أن هذه الألفاظ تحل محل بعضها.

أهدف من خلال هذا البحث أن ألِج َ إلى أساسات العقلية الدينية اليهودية التي أظهرت هذه الألفاظ و فرقت بينها ثم أشارت بواحدها إلى الآخر و استعاضت عن لفظ ٍ بلفظ على الرغم من اختلاف المفهومين، لتشي لنا أن ما ظهر من اختلاف ٍ في المفهومين ِ ما هو إلا في الحقيقة ِ جذر ٌ واحد ٌ ذو مظهرين أحدهما خاص بالإله و الآخر بالإنسان.

لكن أثناء الولوج إلى العقلية الدينية اليهودية سنجد أننا نغوص إلى ما هو أعمق منها و أقدم، إلى ما كان قبلها و ما بنت هي عليه أساسها، و هو العقلية الدينية القديمة حين انفصل الإنسان ُ عن سلفه الأول غير الإنساني، و رفع َ رأسه إلى الأعلى و شاهد النجوم و الكواكب و عانى من هولات الطبيعة و شُحِّ الموارد، و اصطدم َ بعجزه أمام الوجود والموت، و حاول تفسير سبب وجوده و علاقته بمحيطه و بالقوة ِ التي تصورها أصلا ً لكل ما هو كائن. و سأستعين ُ بكتاب: المقدس و المدنس السابق ذكره في بداية المقال لتقديم الأفكار، مع طلبي من الجميع أن يتجردوا من أي أفكار مسبقة لديهم و يقرؤوا متذكرين أننا نتحدث عن أقوام ٍ بدائية ٍ جدا ً مُوغلة ٍ في التاريخ و القِدم، بسيطة ٍ و أكثر َ براءة ً من طفولية ٍ في الفهم و الاعتقاد، و أننا لا نستدعيهم اليوم إلا لسبب ٍ واحد ٍ عظيم ٍ جلل، و هو مدى تأثير عقليتهم البسيطة في صياغة ِ موروثنا الفكري و الديني الذي بقوته ِ يرسم مستقبلنا في القرن الحادي و العشرين كما رسم القرون َ التي قبله.
 -;-
بالنسبة للإنسان الأول هناك مفهوم: المقدس و ضده الدنيوي، فالمقدس هو ما نشأ عن الآلهة و ما يختص بها، و ما فعلته و كيف فعلته في بداية الزمن الأول عندما كان و صارت بداية ُ كل شئ، و هو الذي يعطيه صفة: استحقاق الوجود و بالتالي: الوجود و القداسة. و يقابل هذا المفهوم ضده: الدنيوي، و هو ما لم يتم تخصيصه للآلهة و لم يتم تقدسيه بفعلهم أو استدعاء تماثُل فعلهم أو إعادة إنتاجة، مما يعطيه صفة المُدنس، و ينفي عنه استحقاق الوجود. و لا بدَّ لكل كائن ٍ من أن يُصبِح َ موجودا ً، و بالتالي أن يخرج من صفة: الدنيوي و المُدنس، لكي يتم تكريسه للآلهة و يصبح َ: مقدسا ً مُعترفا ً بوجوده.

و بهذا فإن المقدس هنا هو ما كان "مقطوعا ً" للإله، "دالا ً" عليه، و فيه "يحلُّ" الإله، و يتم "إعادة إنتاج" الزمن الأول الخلقي، و "استدعاء" الأحداث الأولى الكونية، و سأستعين ُ اليوم بالتوراة لشرح هذا المفهوم الإنساني الأقدم منها الذي عبر عنه سفر اللاوين في الفصل العاشر الآية العاشرة: "للتميز بين المقدس و المُحلَّل، بين النجس و الطاهر" (و تُقرأ بالعبرية: ويلهافvديل بين ها كوديش و بين ها حوول)

فإذا ً نحن بصدد الوقوف أمام معنى المقدس لاستجلاء معناه، و لا بد لنا ما أن ندرس نصوصا ً توراتية أخرى لنفهم ما معنى كلمة المقدس، فمثلا ًعندما يظهر الإله لموسى في العليقة و يأمره بخلع نعليه فإنه يبرر هذا الأمر بأن المكان مقدس "كوديش" (الخروج 3 : 5)، و عندما يأمر الإله اليهود بأن يحترموا السبت يستخدم أيضا ً ذات التبرير بأنه مقدس "كوديش" (الخروج 16 : 23). هذان مجرد مثالان من عشرات الأمثلة التي أينما وردت فإنها توضح وجود "انقطاع" الشئ أو المكان أو الجماعة للإله، هذا "الانقطاع" الذي يجعلهم "مقدسين"، أي "مفصولين"، أي "غير متداولين"، أو بعبارة أوضح و أجلى و أفصح "غير مُحللين لغير الإله".

لتوضيح المفهوم أكثر، يجب علينا أن ندرس ضده: المُدنس، فالتوراة تستخدم الفعل: حي ليِ لو (بلغتنا العربية: حـَـلــّــَــلوا، و ينفع جدا ً أن نفهم الفعل العبري هنا كما نفهم الفعل العربي، فالمُحلـَّـل في العربية هو ما جاز استخدامه للناس، و العبري يقول أن المُحلل هنا هو ما يستخدمه الناس لكنه يقول أن هذا الاستخدام يعني أنه مقطوع للناس و غير مقطوع للإله، و بالتالي فما هو غير مقطوع للإله هو "مُدنَّس" إذا - و أقول إذا - كان بالأصل ينبغي أن يكون للإله. يعني أريد أن أقول هنا أن الإله يرى له "أشياء" معينة "خاصة به" و "مقطوعة له" و "مفصولة له عن الناس" فإذا ما تم استخدامها أي إذا ما تم "تحليلها" أصبحت "مُدنسة" و هذا هو مفهوم المقدس و المدنس بالضبط! راجع استخدام هذا الفعل في نصوص: حزقيال 22 : 26، حزقيال 44 : 23، مزمور 89 : 39، مراثي أرميا 2 : 2.

و من الطريف و المفيد معا ً و الذي يؤكد ما ذهبت إليه أن ننظر إلى فعل التحليل (أو التدنيس) اليهودي و قد تم استخدامه في نصوص توراتية أخرى تشي بمعناه، فمثلا ً عندما يأمر إله اليهود المحاربين أن يعود منهم إلى بيته قبلَ الحرب بعضُ الذين لم يتسنى لهم اختبار لذات الحياة و الاستمتاع بها رحمة ً بهم شاملا ً معهم من زرع كرمة ً (اي شجرة َ عنب) و لم يستخدمها أي لم يأكل منها، فإنه يورد ذات الفعل بعبارة(فيلو حيليلو)، لاحظ هنا أن الاستخدام هو تحليل لشجرة العنب، فالحلال مرتبط بالاستخدام (تثنية الاشتراع 20 : 6).

لاحظ أيضا ً أن النص لا يذكر أن شجرة العنب أصبح مدنسة بالاستخدام مع أنه استخدم نفس الفعل الخاص بالمُدنس. و حتى نفهم هذا الأمر جيدا ً علينا أن نتذكر أن الدنس يتأتى و يتحصَّل و يقع عندما يكون الاستخدام واقعا ً على موضوع لا يصح إستخدامه أبدا ً، أي عندما يصبح ُ حلالا ً الموضوع ُ "الخاص" و "المقطوع" للإله، و هنا فقط يكون الاستخدام هو ما يجعل هذا الموضوع "مُدنسا ً". فشجرة العنب أصبحت: حلال، أي تم استخدامها لكنها ليست مدنسة لأنها ليست خاصة بالإله فهي شجرة الرجل الذي زرعها، بينما أي شئ إلهي يعينه الإله لموسى و هارون و بنيهما الكهنة و يقول أنه لا يجب استخدامه من قبل الناس لكن يتم استخدامه يصبح "مُدنساً " و يتم التعبير عنه بفعل التحليل. فالمدنس هنا هو الحكم الروحي الديني على فعل الاستخدام الدنيوي على موضوع إلهي مُعيَّن. (للاستزادة من نفس الفكرة يمكنك مراجعة أرميا 31 : 5).

و تفهم العقلية ُ اليهودية ُ هذا الأمر جيدا ً فها هو المزمور 89 الآية 39 يصف وقوع َ الملك في أيدي أعدائه أو هزيمته أو ذله بأنه تدنيس له، لأن الملك طالما كان محميا ً من الإله فهو "خاص به" و "مقطوع له" و "مفصول من أجله"، لكن بمجرد هزيمته فقد تم "استحلاله" من الناس، و لم يعد خاصا ً محميا ً مقطوعا ً مفصولا ً للإله!
كما أن العقلية اليهودية التي ترى نفسها مُميَّزة ً عن الشعوب الآخرى و مُختارة ً من الإله، تجعل من نفسها "مقدسة" و "مقطوعة" للإله و "مفصولة" عن الأمم الآخرى لأجله، و بالتالي فهو أبوها و حاميها و سيِّدُها، و لذلك حينما يتم احتلال الأرض الإسرائيلية و سبي شعبها إلى بابل فإنهم "يتدنسون" و هيكل الرب "يتدنس" و أواني و كنز الهيكل "يتدنس" لأن الشعب قد أصبح "حلالا ً" للأمم، واقعا ً تحت سيطرتهم و استخدامهم و انتهاكهم و كذلك الهيكل و الكنوز، و سنجد أن التوراة تعبر عن هذا الأمر مرة أخرى باستخدام فعل التحليل كما هو في حزقيال الفصل 7 الآيات 21 و 22.

يتبع في المقال القادم الحديث عن مفهومي: الطاهر و النجس.

---------------------------
المصادر:
1- كتاب: المقدس و المدنس، المؤلف: مرسيا ألياد، الترجمة: المحامي عبد الهادي عباس، الناشر: دار دمشق للطباعة و النشر و التوزيع، طبعة أولى، العام 1988

2- Profane (chol, chalal) Study (مقال منشور)، الكاتب: Yochanan Zaqantov،رابط المقال: http://www.karaitejudaism.org/talks/Profane-Chol-Chalal_study.pdf

3- القراءات النصية للتوراة باللغة العبرية: http://www.torahclass.com/audio-bible-in-hebrew



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذات َ كأس ِ قهوة
- قراءة في الوجود – 3 – عن الموت.
- قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.
- عشية الميلاد – نحتفل ُ في أرضنا.
- قراءة في الوجود – عن الوعي.
- قراءة في الشر -8 - كمصدر للمعنى ضد استحقاقات الوجود العبثي
- بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.
- سقوط كوباني الوشيك.
- بيريفان ساسون
- قراءة في اللادينية – 4 – الإحيائية، الطوطم و التابو كمدخلٍ ج ...
- قراءة في اللادينية – 3 – الإحيائية، الطوطم و التابو كمدخلٍ ج ...
- أين التحالف من كوباني؟
- قراءة في اللادينية – 2 - ما قبل َ مأسسة الدين.
- قراءة في الشر -7 - المقدس التعويضي و الشر الخلاصي.
- وباء السلفية التكفيرية –6 – لامركزية المرجعية و استتباعاتُها ...
- بوح في جدليات – 7 – أبي أنا ذاهب.
- في الموت – قراءة رابعة، بوابة الانتقال.
- قراءة في جدلية ما بين المنظومة الدينية و الواقع- 2 – المقدس ...
- بوح في جدليات – 6 – ارتدي ثيابك َ لقد تأخرنا.
- وباء السلفية التكفيرية – 5- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 4


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - قراءة في القداسة – عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.