أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - خليل فاضل - الأحوال النفسية للمصريين في الذكرى الرابعة للثورة















المزيد.....



الأحوال النفسية للمصريين في الذكرى الرابعة للثورة


خليل فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 4 - 12:23
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


اجاء في دراسة مهمة ، أن أكثر ما خيب آمال الشباب الناشطين، في كل من تونس ومصر وليبيا، هو استئثار الفاعلين العسكريين والسياسيين ـ الأكبر سنًا والأكثر خبرة ـ باتخاذ القرار في مرحلة إعادة البناء الوطني. هذا في الوقت الذي كان الشباب، الذي قاد الثورة، يتوقع الإنصات إلى صوته وتلبية احتياجاته.
وذكرت الدراسة التي استمرت عبر الشهور الثمانية الأخيرة من عام 2012، وهي بعنوان "الوعد الثوري: التحول في مفاهيم الشباب في مصر وليبيا وتونس"، أن المصريين من الشباب الذين قادوا الثورة ضد نظام حسني مبارك بلغ بهم الإحباط مداه حتى أصبحوا يتساءلون: "هل قمنا بثورة؟".
ووصف الشباب المصريون ـ الذين شاركوا في هذه الدراسة ـ وسائل الاعلام بأنها "منحازة وتفتقر إلى المصداقية والموضوعية، تنقل أكاذيب وافتراءات وتساهم في بث الانقسام في المجتمع المصري". ويتهم الشباب وسائل الاعلام هذه بتهميشهم وترسيخ صورة بأنهم يفتقرون الى الخبرة رغم وصفها لهم بأنهم أبطال الثورة."
***
في الاسكندرية قالت إحدى المشاركات في ثورة يناير 2011، قالت من مكانها على الشيزلونج بصوتٍ مبحوح (ثورة يناير طلعتنا لسابع سما ثم وبخبطة ضخمة، تدريجيًا، وبطريقة حقيرة نزلتنا لسابع أرض، كانت أيقونتنا "خالد سعيد" وأيقونتهم كانت "سما المصري" ، الآن بعد أربع سنوات من الشتات المُمنهج لشباب الثورة، بتشويههم المُتعمَّد من قبل الآلة الإعلامية، وصل بهم الإحباط إلى درجة اليأس، وكأنه الصراع بين "الأنا" التي شاركت وساهمت، اعتصمت وتظاهرت، استشهدت وأصُيبت واعتقلت وعُذبت، وبين "الأنا الأعلى" إرهاصات الثورة، الضمير، الحلم، الأمل، اليوتوبيا، اصطدم الاثنان بصخرة الواقع القاسية، تولد الاكتئاب العميق.
أربع سنوات انحدر فيها منحنى الثورة من "ارفع رأسك فوق إنت مصري" رمزية العزة والكرامة، حب الحياة، التطلع لمستقبل أفضل، إلى "تسلم الأيادي" .
ما حدث قبل الثورة وأثنائها ولمدة سنة كان نوعًا من الزخم والاستدماج لرؤية عصرية لمجتمع متخلف، ثم جاءت الشاشات الفظة لتخرج منها تلك الوجوه الكالحة والأبواق المسعورة، تشوهها وتغتال ما تبقى من رموزها معنويًا؛ فيحنون إلى الميدان، إلى لحظات الغاز والمياه والخرطوش، فيجدون المدرعات والأسلاك الشائكة والأبواب الحديدية الإلكترونية توصد الميدان إلا للغوغاء المؤجرين.
على الكنبة، في غرفةٍ مظلمة، أمام كومبيوتر أو موبايل أوTablet تختزل الثورة بعد 4 سنوات في مشاهد فيديو ودموع وألم يعصر النفس ويشتتها.
بعد أن اعتدى الجنود على الثوار، اكتأب الناس، تحديدًا الثوار على مختلف أعمارهم، والاكتئاب عدوان على الذات، يقود ذلك البعض إلى "العدمية": الكل باطل وقبض الريح، ينام في وضع الجنين، ينهض يضع وردة على صورة شهيد.
يقول محمد طلبة رضوان ، هذا مشهد جرى الإعداد له في مطبخ الدولة العميقة، أسقطوا 25 يناير، بـ 30-6 سجنوا الثوار وحاكموهم، زوروا وعي الناس، سحلوا البنات في الشارع، أما إيمان عوف فتقول (أيوه لسه الفرصة موجودة، نعم حلمنا بالوطن الرومانسي كسرنا السور وخرجنا للشارع، مع بضعة أوراق وأغاني للشيخ إمام، اتفق الديابة مع الخرفان علينا، خوننا بعض وسُرق الحلم بكل هدوء .
يطفح المشاركون مرارة وقنوط، تقول رانيا فزَّاع (نعم أنا واحد ممن يطلقون عليهم "نحانيح 25 يناير"، أنا من السوقة التي "خربت البلد" وأخرجت أسوأ ما فيها، أنا الابن المتمرد الذي خرج ليلة 28 يناير ولم يخبر والدته أنها لن تراه مجددًا، وستتسلم نعشه من مشرحة زينهم بجانب ميدالية ذهبية باسم الثورة).
وهكذا .. لم يكن المدافعون عن الدولة، هم أصحاب اللُغد السميكة والأصوات المُتحشرجة، اللذين قاموا بالنضال التليفزيوني لقتل الثوار في الشارع (هكذا حاول الشباب ومن معهم حماية الدولة من الانهيار في عهد مبارك (انهيار كل شيء)، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه وأسوأ، إن القلب يعتصر والنفس في لوعتها لا ترى إلا انكفاءً على الذات أو هروبًا أو انتحارًا.
***
أفرزت ثورة يناير أربع سنوات، عجينة غريبة، كأنها نتاج الطاحونة،" الدوامة - البئر العميقة - الترعة المُخضّبة بالوسخ - المعجونة بالطحالب والديدان ومياه الصرف الصحي - تروي زرع الأرض - ويشرب منها الناس والماشية ويستحمون فيها" هكذا حال بلدنا وصل فيها الخلل إلى ذروته، وتراكمت فيها العتامة والجاهلية القاسية شديدة الوطأة، تجلّي ذلك في مشهد غاية في الغرابة والجنوح، شركة عدد الموظفات فيها قليل والرجال كُثر، لم يعِر شبابها "المغاوير" اهتمامًا للبنات فلقد "زهدوهن"، اتجهوا إلى رجل ثلاثيني له صدرٌ بارز مكتنز، تحرشوا به وقرصوه في صدره، اضطر هو بالمقابل، إلى التحرش بهن في صُلب مؤخراتهم "جهارًا نهارًا" في ممّرات الشركة.
هكذا بعدما أظهرت الثورة أجمل وأنبل ما فيها، طفح الغث منها، طار كالخفاش والذباب، طيلة أربع سنوات، ليكوِّن مأساة، مجموعة من السلوكيات الاجتماعية الجانحة والعلاقات شبه الانسانية البشعة.
الناس لا تسأل عن الثورة ولا متى قامت!! هم في حالة إلهاء شديد، حُمّى الأسعار، عبوسُ شبه دائم على الوجوه، في الشارع، في المترو، في القرى في النجوع، والثورة (مشيت.. راحت..غارت)، تركت وراءها مجموعة من الاضطرابات النفسية، بعضها غائر عميق مؤلم، وبعضها واضح صريح فاضح، يسمَّى بعضها في أخف درجاته الاكتئاب الحياتي، والآخر ذُهان صريح، جنونٌ كالغول يحتل مساحة القلب والرئتين ولا يتركها، يتمحور حول الثورة وأحداثها.
أتاني مريض (بالمازوخية المرتبطة بالفيتيشية ..عشق المحبوبة بدرجة مُذلة واستعذاب الألم معها)، هذا حدث مع عينات من المصريين، وضح جدًا في السنوات الأربع، التي مضت من عمر الثورة الأولى لأولاد مبارك، والثانية حالة عشق الحزب الوطني المرتبطة بالمصلحة، ثم حالة العشق المجنون للمجلس العسكري بصرف النظر عما يرتكبه من أخطاء، ثم أنصار الإخوان مع جماعتهم، وهذا الشكل الأعمى من التقديس الذي جعلهم ينكرون ولا يرون.
أخذ هذا ذروته القصوى مع السيسي، فإذا كان جلّ ما يفعله المريض العاشق المجنون هو أن يتشمم ويتمسح بملابس حبيبته أو يلعق أحذيتها، فإن الذين يعشقون رموزهم حدث لهم عمى عن وعي أو لاوعى شعوريًا، لكن في المقابل كانت هناك حالات شجاعة (خالد أبو النجا ووحيد حامد مثلاً)، لكن الإعلام "المنحط" دأب على تخوين كل من لا يعشق أو يقدِّس أو يعظم الرئيس ومن حوله، ونعته بأقذر الصفات واتخاذ أسلوب الردح والصراخ، إعلام صار له خصيان أشبه بصبيان العالمة، هذه الحالة خلقت جوًا من الاحساس الاضطهادي التآمري، لدى كثير من الناس، حتى هؤلاء المتفرجين المتذمرين، لأي أمر يسير خطأ في أحوال البلاد.
***

تفشَّي المرض النفسي وازداد الوعي، صرت أرى مرضى لم أرَ مثلهم قط، قبل يناير 2011 (صبي جزار، صاحب عربة فول، سائق تاكسي، سائق توك توك، صبي منجِّد، مساعد نجار موبيليا، أمين شرطة، ضباط شرطة، أميين، صغار فلاحين وصغار الموظفين، ناس من النجوع والقرى في عمق النوبة وأسوان، ستات بيوت وموظفات في الجهاز الإداري للدولة، يتبادلن حبات الترامادول (عقار مخدر ومُسِّكن قوي يُستخدم أساسًا لتخفيف آلام السرطان) وينشرن ثقافة تعاطيها في كمياتٍ صغيرة نصف حبة، حبة، حبة ونصف، من أجل قتل الاحساس والشعور، من أجل استمرار العمل في البيت والشغل "كالحمارة" لا تكِّل ولا تشتكي، زوجات من الطبقة العليا، في الأربعينيات يخُنَّ أزواجهن مع شباب في العشرينيات، يمارسن معهم الجنس وهم تحت تأثير المخدرات، ويتلقين منهم الإهانة، علاقات غرامية وجنسية في شركات القطاع الخاص، مع نساء متزوجات وبنات عذراوات في مُقايضات لزيادة الرواتب والمكافآت، مديري بنوك شهيرة يفرطون في تعاطي الهيروين، أطفال دون الخامسة ودون العاشرة يعانون من اضطرابات حركية، ومن ضعف التركيز والتحصيل الدراسي، وآخرون مراهقون ورجال مسئولون يدمنون ألعاب القتل اللذيذ والدم والذبح في البلاي ستيشن لساعات طويلة.
***
انتقلت مشاهد حرق الكنائس وضرب النار من الشوارع والساحات والميادين (شكرًا للقنوات الخاصة التي حرصت منذ، أحداث رابعة ، على أن يكون في معظم شوارع مصر كاميرا ومصور ومراسل صحفي)، إلى الجالسين على الكنبة، كما انتقلت إليهم مشاهد الدمار في سوريا والعراق، ومشاهد الذبح ورسائله من داعش، دخلت عنوةً واختيارًا إلى عُقر دارهم في غرف الجلوس عبر الشاشات المضيئة. مما أكل حساسية المصريين تجاه العنف، كما تأكل دودة القطن أوراقه، مُفسدةً قلبه.
نقلت وقائع 28 يناير 2011 إلى الناس، في بيوتهم وتبادل الناس قصص سرقة السيارات ومداهمة البيوت في كل مكان.
بدأ كثير من الناس يشترون الأسلحة ويربّون الكلاب المفترسة، يُعلّون أسوار فيلاتهم ومصانعهم، مما خلق جوًا من الذعر، وحالة مستمرة من الخوف والرُهاب ونوبات الهلع.
***

نماذج لحالات عاودت العيادة النفسية في الفترة من يناير 2011 وحتى الآن (أواخر عام 2014)
لا نعني بسرد تلك الأمراض والأعراض أنها نشأت بشكل مطلق بعد ثورة يناير 2011 لكنها ـ في أغلب الأحوال ـ كانت كامنة في العقل الجمعي المصري، وفي باطن الذهنية العامة للناس، وما أن قامت الثورة بكل مالها وما عليها وما تلاها، من جرائم وموت ودماء واستقطاب وعذاب وضنك وآلام، قد ساهمت إلى حدٍ كبير في اختراق الانسان المصري، بأعراضٍ واضطرابات، من خلال النقاط الضعيفة والهشة، التي تعرَّت بفعل ما حدث من ظروف، علمًا بأن كثيرًا من هؤلاء المُصابين كان لديهم استعداد بيولوجي، ساهم في تزاوجه مع البيئة المحيطة الضاغطة على اكتمال الأعراض وظهورها بشكلها المُحدَّد والمختلف.
تلك الأمراض والأعراض والاضطرابات ليست منعزلة عن الواقع السياسي الاجتماعي الأسري في الشارع والبيت والشاشة، التوحد مع الأحداث، مع الجيش في الطريق مع تقلبات السياسة مع أسماء محددة، وأماكن محددة، مرسي.. السيسي .. رابعة.. البلطجية.. الشهداء.. التعذيب.
حالات العُصاب: العُصاب "مجموعة من الاضطرابات النفسية" يكون فيها الانسان كئيبًا بائسًا كظيمًا ومكروبًا، يحس بمرضه ويعيه ولا يفقد الصلة بالواقع، ولا تكون لديه هلاوس أو ضلالات، يمكن أن يعاني من أعراض جسدية، الوسواس القهري، التوتر، الضغط العصبي، كرب ما بعد الصدمة، الرُهاب بأنواعه (الفوبيا)، والهيستيريا.
صالح (وهذا ليس اسمه الحقيقي) ـ 20 سنة الآن في 2014 ـ اشترك فاعلًا أساسيًا في الثورة وهو بعد في المدرسة الثانوية (كان عمره 16 سنة وقتذاك)، الآن يدرس في كلية السياسة والاقتصاد باللغة الإنجليزية، الأم تعمل في مجالٍ تربوي والأب من خلفية ثقافية سياسية.
يقول صالح (أنا مُقتنع بالثورة بدرجةٍ مرضية، مهووس بها وبأحداثها، كلما شاركت في فعالياتها أكثر زاد وسواسي القهري ، تطير الفكرة كالطائر فوق رأسي، تنقر فيه في مواضيع مختلفة منه، حينما أفتح الإضاءة وأغلقها في أي مكان أردد (قتل، قتل، قتل)، إنها كلها أفكار، سأقاطع كل المنتجات الأمريكية المنظومة الرأسمالية كلها مشتعلة، يدور داخله صراع عن أمور حيوية، تراوده أحيانًا بعض الأفكار البارانوية (الاضطهادية): كأن أحدًا يُحبه سيقتله وأن أصحابه سيأذنونه، يقول أنا مش أناركي" Anarchy " وهكذا كان التشخيص اضطراب الوسواس القهري الشديد، تدور حول أفكار انسانية، سياسية وحول الموت.
طفلة في السادسة تقص شعرها وتحاول أن ترمي نفسها من الشرفة، طفل في السابعة يتمنى الموت ويفكر في الانتحار، أب يترك أولاده و (يهِّج) ولا يعلمون عنه شيئا ويكتشفون أنه في قرية نائية متزوج ولديه أولاد، آباء يتحرشون ببناتهم، وضحايا اغتصاب وحكايات تنضح بالألم والحسرة والقتامة.

مينا الحالة الثورية الخاصة
مينا شاب مصري كان يُعالج من رهاب الخلاء" Agoraphobia " واضطراب القلق المزمن (وهما من الاضطرابات العُصابية"Neurosis " من أعراضه الخوف من أن يقع فريسة نوبة هلع، لهذا كان مينا يتجنب الأماكن العامة، قلق أخذ شكل خوف عام يأتي في شكل نوبات تظهر وتختفي، تختلف حدتها مع الاستقرار النفسي من عدمه)، في 2010 ومع استمراره في العلاج الفردي والجماعي (المسرح النفسي التلقائي بدون نص (السيكودراما)، تحسن مينا وكان يذهب إلى وسط البلد وأماكن أخرى، ومع ذلك تقدَّم إلى ميدان التحرير صباح 25 يناير 2011، وظل حتى المساء، تصدَّى لمدرعة شرطة في وسط البلد، وسقط مضرجًا في دمائه حيث أصيب بـ 64 طلقة خرطوش، نقل سريعًا إلى المستشفى، واستطاع ان ينجو من أمن الدولة، الذي كان يتربص بالجرحى والمُصابين على أبواب المستشفيات، ظن أصدقاؤه أنه استشهد، رفعوا لافتة كبيرة في ميدان التحرير، كتبوا عليها (الشهيد مينا ناجي)، وقف مينا تحتها ضاحكًا رافعًا بإصبعيه علامة النصر.
كان حماس مينا ومشاركاته الثورية على الفيس بوك وزخم النداء الثوري، الذي أطلقه مع زملائه دفعة دفعًا وانتصر على الخوف والاضطراب، ربما نسي أنه مصاب به، غطى حماسه على إدراكه وتفكيره ومضى.
يقول مينا في شهادة خاصة بالمؤلف (انفجر جيلنا، قرر ألا يمشي في نفس الدرب الذي مشي فيه أهله، نجلس على الكنبة، ننتظر كفيلاً، لكي نذهب إلى الخليج و"نجيب قرشين" ونعمل عائلة، توقف كل هذا الطرح والأسلوب وطريقة العيش في 2011 "الآن" نحن جيل..بشكل إحصائي وليس مبدئي"، فقد بوصلة الاتجاه، فقد البوصلة سياسيًا واجتماعيًا، حصل ارتداد آخر، انكفاء على الذات، تقوقع على النفس، ويأس شديد.
لقد عملنا ما كان علينا أن نعمله. الموضوع خسر، ولو أننا نتناول (فكرة الأجيال) فلأسمي ما يحدث الآن " ما بعد النهاية"، وليس بعد النهاية اتجاه محدد، لا طريق بعد الحارة السد، بعد الحائط والسور.
ماذا نفعل بعد ذلك، كتيار مدني علماني، يهدف إلى دولة "حداثية" متطورة، لا أعرف ؟! أن من يعاود العيادة النفسية الحالات القصوى، Extreme، تربية الطبقة الوسطى، الذين سافروا إلى الخليج، أصحاب فكرة الأيديولوجية الوسطية الرسمية، هذا الشباب يتعرض لأفكار ليبرالية جدًا (من النت والاحتكاك والندوات، والمهرجانات، والقنوات الأجنبية والعربية، والروايات، والكتب). الحراك الاقتصادي من أيام التسعينيات، وتحديدًا أيام أحمد نظيف ومبارك، استهدفت الطبقة الوسطى، مما خلق هوية مدنية حديثة تشكل الذات فرديًا.
وهذا ما يجعل انجراح تلك الذوات يصير جرحًا نرجسيًا، يتلوه اكتئاب جسيم يستلزم العلاج النفسي.
يقول مينا: إن القطاع الأكبر من الشباب المحافظين، متناقضين جدًا، ذواتهم الفردية عالية وظاهرة وهذا بسبب بنية وتركيبة الشبكة الاجتماعية الاقتصادية السياسية، حتى في غير القاهرة والاسكندرية، في الأقاليم والمحافظات النائية. في بيئة تربوية واجتماعية خصبة لرعاية ونمو اضطرابات شخصية أكثرها اشتراكاً اضطراب الشخصية الحدِّية Borderline Personality Disorder.

كل إنسان يريد أن يعيش، وكل بني آدم خطاء، والدين بشكله الحالي المنتشر بين المصريين لا علاقة له بالسلوك وبالحياة، وبالممارسات اليومية، فهناك إنسان يريد سماع الموسيقى ويقابل بنات، أو بنت تريد مقابلة أولاد، ومن يريد الخروج والعودة للمنظومة الواسعة خارج فكرة الجماعات الدينية المغلقة أو الكنيسة، الدين في مكان... والحياة في مكان آخر، ولذا كان الناتج لهذا العجز والانفصال، ظهور فكرة الإلحاد، التي وجدت أيضًا بشكل المجاميع (فكرة القطيع)، متميزة في معظمها بالسمات الطفولية، في مهاجمة الدين بشكل انتقامي. الطرف النقيض دومًا يوجد طالما نقيضه موجودًا.
كل تلك الأسباب دفعتني للنزول يوم 25 يناير. كانت لي آمال وتطلعات. كنت أنفجر "غيظا".. منتفخي الأوداج والكروش في سلطة فارغة هشة منخورة، تحافظ علي خراب المجتمع والاقتصاد، مما يحرمني أن أعيش حياتي بكرامة وحرية".

استطرد مينا (كانت اللبنة الأساسية يوم 25 يناير من الشباب، حتى غير المسيس منهم، خلال الحراك الاحتجاجي منذ عام 2004. التفسير السوسيولجي لهذه الظاهرة، هو احتياج الطبقة الوسطى الشابة إلى مسكن وعمل لائقين، إلى حريات قانونيّة وفرديّة أصبحت أساس الهوية المدنيّة بشكل عولمي، في مقابل جهاز دولة قمعي، فاسد غير قادر علي أن يلبِّي هذه الاحتياجات بمنظومة فعّالة.. إلا أن هذه الظاهرة هي أيضاً فعل جمعي لإسقاط السُلطة بشكل مادي، بعد عملية إسقاطها افتراضياً ونظرياً بوسائل عديدة –سمح بها سياق حريات الصحافة والإعلام والإنترنت النسبيّة في العقد الأخير لحكم مبارك، كتجميل للنظام وإعطائه طابع ديمقراطي منفتح - كان منها النقد العنيف والتهكم والسخرية وحتى السباب، في كثافة وحضور لم يكن من قبل في تاريخ رؤساء مصر السابقين. (كان أول دخولي ميدان التحرير هو الاشتراك مع بضع شباب آخرين لا أعرفهم، في تحطيم يافطة ضخمة للحزب الوطني، عليها صورة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في وسط الميدان، مُطلقين سباب صارخ ينال من شرف عائلته، فردًا فردًا. (كنا قد اكتفينا من الآباء الفشلة).
منذ توليه الرئاسة عام 1981 وحاول مبارك أن ينأى بنفسه عن الرئيسين السابقين ناصر والسادات، لكنه فعلياً اتخذ نفس خط السادات في إدارة الدولة، والاستمرار في طريق الخصخصة ـ التي تحولت إلى زبونيّة محاسبيّة في واقع الأمر، مع الحفاظ على التراث الناصري البيروقراطي، الذي أصبح في العقدين الأخيرين مجرد شبح يحمل الاسم فقط، مع كمية مهولة من الموظفين العاطلين عن العمل والأجر.. رغبته الاساسيّة في الحفاظ على التراث الناصري، والتركيز على مشاريع كبري قومية والتوسع في البنيّة التحتيّة، مثل سابقه، هي الرغبة في الاحتفاظ بشرعية الصورة الأبويّة وتعزيزها بخطاب يحمل ملامح تلك الأبويّة، غير المستحقة ـ غير محملة بحزمة سياسات فعّالة لرعايا المواطنين كأبناء للدولة - والتركيز علي أن المشكلة في الواقع أساسها الانفجار السكاني، المُطرِّد، والديون الخارجيّة.
بالموازاة، كان ظهور أجيال ناشئة من أبناء "الأب الغائب"..المسافر أو في العمل المُضاعف لسد احتياجات الحياة المتزايدة الصعوبة. أب غير مُسيس، سطحي أيديولوجياً، لا يفهم سوى الخضوع لجلب المال وتجنب البطش.. فحدث ما يمكن وصفه بلغة فلسفية: فجوة بين الاسم والكينونة.. أي رمز الأب ووجوده الفعلي. تلك الفجوة في المنجز اللاكاني –نسبة إلي العالم النفسي الفرنسي الشهير "جاك لاكان" - هي تعريف الخصاء. إذن ظهر جيل من الآباء بالنسبة للأجيال الجديدة (الذين لديهم وعي أكبر بسبب الانفتاح على العالم ورؤية نظم ثقافية وحضارية أخرى، رغم محدودية حياتهم المادية والعملية) أباء "مخصيون"، سقطت عنهم الهيبة الأبوية بجذورها القبليّة والفلاحيّة، في سبيل بروز الصورة المدنية: الأب بصفته فرد، مواطن، له نفس الحقوق والواجبات، والأهم: نفس المحدوديّة والضآلة أمام الدولة وأمام المعرفة والحياة بشكل عام. تلك الأجيال، كانت علاقتهم بالدولة ضعيفة، دون مشروع قومي كبير يضمهم إلى جنحها، مع بؤس التعليم والإعلام والعمل والمجالات المختلفة التي ترعاها الدولة، باستثناء فريق كرة القدم الوطني، الذي كان جاذباً للشباب رغم فشله على المستوي العالمي.
كان الملمح الأبرز للأبويّة المباركيّة أثناء ظهور ثورة يناير، موجود في الأصوات المعترضة عليها.. تظهر شخصيات عامة في الصحف والقنوات الرسميّة، ممثلون مطربون، إلخ.. لتبكي أمام الشاشات لإهانة الأب المُسمَّى مبارك. يركزون على كونه أب وعلي كونه أهين، بلا أي أبعاد سياسيّة للموضوع. المناقشات الدائرة في البيوت كانت مُشابهة لحد كبير (في البيت قال أبي معلقاً على ما يراه، وهو يشعر بحدس خفي بتهديد لمكانته الأبوية من جراء إهانة رمز الأب الأكبر: كيف تتطاول على أبيك؟! هو أبٌ لك، فكيف تهينه وتعترض عليه بدلاً من أن تنظر إلى نفسك وإلي فشلك كشعب، في العمل، والتكاثر المتزايد الذي يبتلع كل شيء! مبارك هو من يحمينا من الإسلاميين ومن الحرب مع إسرائيل، بدونه سنضيع).
ماذا يعني تحديداً التمرد على السلطة الأبويّة؟ هو ببساطة رفض المنظومة الرمزيّة والقيميّة التي تمثلها هذه السلطة وتحافظ عليها بوجودها في قلبها.. حدث انفجار طال السلطة الأبويّة سياسياً ودينياً وثقافياً، لكن ككل تمرد مراهق، ولأسباب تتعلق بوعي الشعب المصري بشكل عام، لم يخلق التمرد منظومة بديلة (هل هناك مفر من وجود منظومة "تراتبيّة" للرموز والقيم؟). لم تكسر ثورة يناير بنيّة الأبوة نفسها -أي التحول إلي نظام ديمقراطي - فحدث فراغ لمكان الأب رمزياً، لم يستطع أحد من المجلس العسكري، ولا الرئيس المعزول الإخواني، مِلأه (وهذا كان سبباً إضافياً لسوء اختيار جماعة الإخوان لمحمد مرسي، في بُعد شخصيته وكاريزميّته عن القدرة علي مِلأ غياب مكان الأب). وكون جماعة الأخوان جماعة طائفيّة ليست للجميع، علي عكس خطاب الدولة المصرية، فالأب الإخواني ليس أب جميع الأبناء، لم يقدر الإخوان على احتواء الاحتياج البنوي عند مختلف الناس. فكان الرعب والضياع يسيطران على الجميع وكان الاحتياج البنوي سبباً رئيسياً في هذا الإحساس الشديد، بعد الأمان الوالدي ـ من الناحية النفسيّة ـ كانت نتيجته الخروج الهائل يوم 30/6، أو الموجة الثوريّة الثانية. هذه المرة جاءت الانتفاضة الثوريّة مطالبة بأب، لا متمردة عليه، جاء من أجيال أكبر ارتبطت نفسيّاً بمنظومة الأبوة. وكان الأب بالفعل قد جاء، متحدِّثًا هادئًا، لبق، حنون وحازم، قوي ويقدر على الحماية، من قلب الدولة المصرية التي هي للجميع (نظرياً على الأقل)، وهو المشير عبد الفتاح السيسي. كان الأبناء وجدوا أبيهم الغائب أخيرًا.

أدرك الرئيس السيسي مدي شعبيته التي اكتسبها من صورة الأب المنقذ لأولاده التائهين، بتجليات عشق الأمهات الجنسي له، والشعور بالطمأنينة والألفة، من عموم المصريين تجاهه. فأكمل بنفس الصورة الأبويّة المُتفهِّمة والناصحة والحامية لأولاده، المُحذرة والمتحديّة للأخطار (داخليّة وخارجيّة) التي تأتي عليهم، بالتركيز على التكلم بنبرة رب البيت الذي يتحدث صراحة عن وضع بيته السيئ واحتياجه لجميع أفراد الأسرة للتعاون. هل كان هذا حلاً؟ ربما كان حلاً لإنقاذ مأزق الفراغ الرمزي لمكان الأب، لكن على المدى الطويل، تحتاج الديمقراطيّة إلى مواطنين بالغين يختارون ويحاسبون ويعاقبون، دون التعامل مع السلطة السياسيّة بحسابات وعُقد عاطفيّة أسريّة).
حالات الذهان Psychosis
الذُّهانُ هو حالةٌ تؤثِّر في النَّفس والعقل، وتؤدِّي إلى تَغيُّراتٍ في طريقة التَّفكير والشُّعور والسُّلوك، بحيث قد لا يكون الشخصُ الذي يُعانِي من الذُّهان قادراً على التَّمييز بين الواقع والوهم. قد يُشار إلى الشَّخص الذي يعانِي من الذُّهان بالشَّخص الذُّهانِي Psychotic أحياناً، إذ قد تظهر لديه:
●-;- الهَلاوِس Hallucinations ـ سَماع أو رؤية أشياء غير موجود أصلاً.
●-;- الضلالات Delusions ـ مُعتَقدات أو أوهام غير مستندة إلى الواقِع، تُعوِزُها البيِّناتُ والأدلَّة.
والذُّهانُ ليسَ حالةً في حدِّ ذاتها، وإنَّما عرضٌ لحالاتٍ أخرى. ويَعودُ السَّببُ الأكثر شُيوعاً للذُّهان إلى اضطراب الصحَّة النَّفسيَّة، كما في الفُصام Schizophrenia أو اضطراب الوجدان ثنائي القُطب Bipolar Affective Disorder .

حالة: طارق (وهذا ليس اسمه الحقيقي) 25 سنة (كان21 سنة) وقت قيام الثورة، يعاني من حالة فصام اضطهادي
له ملامح أجنبية ويأتي من مدينة ساحلية، جاء الى العيادة النفسية في شهر أغسطس 2014 يقول (المخابرات ترسل إشارات إلى جسمي منذ سنة ونصف، في آخر شهر ديسمبر 2012 كنت في ميدان التحرير وأحسست بأن الناس تقول عنى عميل مخابرات، تعالجت بالأدوية وخفت الإشارات التي كانت مثل نبضات القلب، ثم أتت مرة أخرى مع فض اعتصام رابعة، هناك تاريخ مرضى نفسي أسرى ناحية الأب، الذي كان ضابطا بالقوات المسلحة، قال طارق: عندي قدرات خاصة، يريدون استخدامها واستغلالها، احتمال أكون في المخابرات من غير ما أعرف.
تقول أمه إنه يعاني بشدة، وينزل من البيت الى الشارع يصرخ في الناس، وإنه يضحك من غير سبب، ولما يسأل عن ضحكه يقول (هم قالوا لي اضحك)، أثر عليه مرض والده بالشلل جدًا، تقدم للكلية الحربية ولم يقبل، ويعتقد أن المخابرات هي السبب. (لاحظ التناقض من الاعتقاد الخاطئ بأنه يعمل لدى المخابرات، وفى نفس الوقت أنها تعمل ضده، هذا بجانب أن خلفية الاب العسكرية أعطت طعمًا ولونًا للمرض له خصوصية التخابر والخصوصية، كلمة الإشارات متداولة في الفصام لكنها أيضا من علامات التواصل مع الآخر.
يقول طارق (الناس تقرأ أفكاري وأسمع أصواتا تشتمني (هلاوس سمعية، إذاعة الأفكار + ضلالات الإشارة كلها علامات وأعراض قوية ذهانية، تؤكد على تشخيص الفصام، امتزجت بأحداث مصر الآن (رابعة، التحرير)
استطرد طارق قائلا (أنا الفريق السيسي هكذا قلت لرجال المخابرات ورحبوا بي، لا أنا لست هو، هو الذي كلمني عن طريق قراءة الأفكار، إن الدولة تنهار في كل شيء).

حالة وهيبة (ليس هذا اسمها الحقيقي) تقدمت أول مرة للعيادة النفسية في 10-2011 وكانت تبلغ من العمر 58 سنة، اشتكت من قبضة قلب مستمرة، كان مظهرها عادياً جداً، تبدو طبيعية تماماً، لكنها حين تفتح فمها يدرك المرء قسوة مرضها وعمق وتجذر أعراضها إنها تعاني مما يسمى Delusional Disorder الاضطراب الضلالي (اضطراب شديد في التفكير مع الحفاظ على تماسك الشخصية، بدون هلاوس أو اضطراب في المزاج، عبرت وهيبة عن خوفها على البلد وعلى الرئيس "المخلوع" مبارك)، بلغت عن شركة الموبايل المعروفة للمخابرات، تقول إن عدم النوم (بيسَّقّط على نافوخها) وأنها تحس بأنها بالوعة فُتحت، واستطردت قائلةً (هناك شيء ما يدخل في الشرج عندما أركع وأسجد، هناك أذى وقع عليّا). وهيبة لم تمارس الجنس منذ موت زوجها منذ 32 سنة، استدعت الثقافة الشعبية الجنسية بالتهديد من فتحة الشرج، الذي دائماً يكون تهديداً مثلياً للرجال بتحويلهم إلى شواذ، لكنها في نفس الوقت تقول (كأن هناك أحدًا يريد أن يجامعني)، ثم تقول (ابني مع قوم لوط)، وهذا استدعاء فرويدي للمثلية الجنسية الكامنة في المرأة (حاملة القضيب)، ثم بدأت الضلالات تتخذ منحى سياسي آخر قالت (أوباما سيختارني لأنه يريد أن يأكل حمام محشي)، ثم تحاول أن تعقل الضلالة بقولها (طيب ما يجيب طاهي Chef) وبعد فترة من العلاج صارت الضلالات أقل حدة لكنها تمحورت حول شخصيات مصرية عامة فنقول (نجيب ساويرس هو السبب) (من له علاقة بإسرائيل هو الذي سرق الكهرباء الحكومية). لاحظ ارتباط فعل السرقة من الدولة بإسرائيل، كما هو المعتقد الشعبي العام، وتعاود لتقول (هناك اسرائيلي يسألني دائماً عن عبد الفتاح السيسي)، لاحظنا أن السيسي كان قاسماً مشتركاً، في غالبية الحالات التي شاهدناها خلال عام 2013، 2014، لارتباطه بأحداث كثيرة منها الإخوان المسلمون، مرسي، ( 30 يونيو، 3 يوليو) وما تلا ذلك من أحداث.


انتحار زينب المهدي
حالة خاصة ممثلة لاضطرابات ما بعد يناير 2011 في شريحة النشطاء الشباب
إن انتحار زينب المهدي بهذه الطريقة وبهذه المذكرة التي تركتها وراءها وفي هذا الوقت، هو انتحارٌ رمزي لشريحة محددة من هذا الجيل، انتحار له طعم اللا يقين Uncertaintyفي السياسة، الانتماء، الأمان، الولاء، الدين، الحجاب، الحيرة، كثير مثل الراحلة زينب، على مختلف درجات وعيهم وانتماءاتهم تمتلئ بهم العيادات النفسية، بل وتكتظ أيضًا بشباب يناصر الاخوان ورحل مع الأمل إلى حزب مصر القوية وانتشى بالفوز، المحدد لأبي الفتوح، ثم صدموا بحالة الأحزاب التي رحلوا إليها، بما في ذلك الليبرالية شكلاً (المصريون الأحرار، مثالًا)، تركوها وتركوا أشياء كثيرة أهمها تعلقهم بهذا الوطن، بل إن مفهوم الوطن لديهم اهتز وفقد المعنى، وصار أجوفًا ماسخًا لا يترك أثرًا، يختلط فيها برقصاتِ نساءٍ خمسينيات، وأغنية مفضلة، تسلم فيها الأيادي، مع تشنجات وجوه مرعبة في التليفزيون، الرسمي والخاص. يقول أحمد الحادقة في شهادته الخاصة للمؤلف (في هذا العصر، يصعب التحدث عن مفهوم الوطن، فهذا المفهوم، يصبح أقرب "للميتافيزيقيا "، فالحدود الجغرافية للوطن، لم تعد بهذا التأثير، ولا الفاعلية التي كانت موجودة بها من قبل. الوطن بمفهومه الشعوري (الوطنية)، باتت راكدة، تتصلب أو تكاد، لا يحرِّكها، ولا يؤثر فيها شيء. ما يهمُّني في "الوطن"، هي تلك الخصوصية الشخصية، التي توجد مع مجال عام حقيقي يسمح بالتفاعل البنّاء، تفاعل حيّ على جميع المستويات، هذا التفاعل يجب أن يكون مبنيًا على أرضية ثقافية تعليمية، واقتصادية متماسكة ومستقرِّة. أي إدارة دولة ناضجة وحديثة، تتسق مع تكوينها جميع مؤسساتها وأفرادها، بالحدّ الأدنى من التناقضات).

زينب المهدي من مواليد 1992، إن جيل التسعينيات بشكل عام، ومن خلال العينة التي فحصتها على مدى أربع سنوات، يتميز بالعناد الشديد، الصبر، القدرة الذهنية العالية على فهم واستيعاب أمور أكبر منه بكثير، وإحدى هؤلاء كانت من مواليد1998 قالت لي: ربما بعضنا "يحشش"، ويمارس الجنس بأي شكل، يتذوق الخمر، يجرِّب كل شيء، يرفض الوصاية الوالدية العقيمة، يتحدّى، بل نتصور بكل ما أوتينا من وعي وسعة أفق وإدراك، أننا سنقود ثورة ثقافية في هذا الوطن.

العامل الأول في حالة زينب المهدي: هو انتماءها لهذا الجيل المتفرِّد: جيل التسعينيات. أنها، وهي 18 سنة عاشت أحداث الثورة قبل تخرجها من قسم اللغة العربية بجامعة الأزهر. شاركت بولاء شديد في ثورة يناير 2011، وظلت وفية لعهدها حتى ماتت وهي 22 سنة، لم تُرِد أن تُكمل حياتها التي لم تحتمل أي ذكرى لتلك الثورة المُجهضة.
العامل الثاني: انضمَّت إلى جماعة الإخوان قبل ثورة 25 يناير، كانت ترى أن الجماعة هي التي ستحقق الآمال في عبور مصر إلى بر الأمان، وفقا لروايات بعض أصدقائها، المقرَّبين، رفضت الاستمرار في العمل مع الإخوان لأسباب خاصة، بحسب مصادر مقرّبة منها (تُرى ماهي تلك الأسباب الخاصة: هل هي صدمة في تصور ما، أو أحدٍ ما، أو نوع من الفزع لاكتشافها ممارسات سياسية دينية وحياتية متناقضة؟).

العامل الثالث: انضمامها لحملة أبو الفتوح، هذه الحملة تحديدًا كانت لها آثار غير حميدة على الشباب الذين انضموا إليها، وعقدوا عليها آمالاً كبيرة، ولقد أتيحت لي فرصة الاقتراب من بعض في عمر الـ 22 سنة، أوضحوا لي الصدام الفكري والأدائي، بينهم وبين من قادوا حزب مصر القوية. عبد المنعم أبو الفتوح نفسه شخصية مثيرة للجدل، ليس فقط بما يشي به تاريخه السياسي، لكن من خلال بعض المواقف المتناقضة.

العامل الرابع: تربت وماتت في حي روض الفرج، الشعبي القديم، الذي حمل عبق مصر وأصالتها (مركز التياتروهات والسينمات قديمًا، وأكبر سوق للخضار والفاكهة حديثًا).

العامل الخامس: ثارت ضد نظام محمد مرسي، ثم قررت خلع الحجاب. تداول أصدقاء زينب فيديو لها، على موقع "يوتيوب" بعنوان: "هيباتيا والدولة الثيوقراطية"، حيث ظهرت خلاله تجلس في صحن مسجد السلطان حسن، مرتدية الحجاب، وأخذت تستفيض في شرح مفهوم الدولة الدينية، وكيف أن هذا الحكم الثيوقراطي نشأ وترعرع في عصور أوروبا الوسطى ، عندما كانت الكنيسة هي المتحكِّمة في أمور الدولة. انتقدت زينب الحكم الثيوقراطي، الذي تمثل فيه الطبقة الحاكمة، الكهنوت الديني، الذي يستمد الحكام، من خلاله، حكمهم من الكتب والشرائع الدينية، باعتبارهم حكام باسم الإله، فيتخيل الحاكم أنه صورة الله على الأرض، كانت حيرة الحجاب، ارتدائه ثم خلعه، متزامنة مع الصراع السياسي بصبغته الدينية، الذي كانت زينب في قلبه. عرض "عمار مطاوع" أحد المُقرَّبين من زينب قائلاً: "سألتني في أمور دينية كثيرة وأنا كنت لا أعرف كيف أجيب عليها، كنت فعلًا لا أعرف، وكنت أبحث مُتسائلًا عن إجابات لأسئلتها، لكن من حاورتهم ـ هم أيضًا ـ لم يعرفوا، وتابع: "اشتكت من رد فعل أصحابها حينما خلعت الحجاب، اشتكت لي من كلمة "كافرة"، التي قيلت لها مليون مرة، مع كل صورة كانت تنشرها لنفسها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت تُصرِّح عن أمورٍ كثيرة ليست مقتنعة بها، كانت تخبرني بأنها تريد أن تقتنع، لأنها غير مقتنعة".
هذه الحيرة المشرعة في السؤال والجواب، الاقتناع من عدمه، حول الخلق والخالق، الحياة الدنيا والآخرة، كافة الأمور الفلسفية، البسيط منها والمُعقَّد، من هنا عاشت زينب في ظل التتابع والتواتر السياسي المشحون، الذي عاشته مصر، وتصارعت فيه قوى ليبرالية، يسارية وشيوعية، مع الدولة ومع كافة رموز التيار الإسلامي بكافة أجنحته، من المتشددة إلى السياسية والمهادنة، حرية ارتداء الحجاب وحرية خلعه، وصم من تخلعه بالكفر، في إطار أن الجميع كما الحاكم في "الدولة الثيوقراطية" صار يضع نفسه في مصاف الآلهة والأنبياء، بل أقام لنفسه سلطة الحكم المخالفين له في الرأي، ونعتهم بأحط الصفات، بل وتخوينهم، مما خلق جوًا من "البارانويا" الإحساس بالخوف والاضطهاد.
من المهم هنا معرفة التاريخ الشخصي لزينب، حيث انضمت لحزب التيار المصري ، وحسب تأكيد بعض المقربين لها، نزلت اعتصام رابعة قبل الفض بـ3 أيام، ولم تكن مقتنعة بالاعتصام ولا بمطالبه.
كل ذلك مهد لاكتئاب زينب، القاتل والمميت، والذي كان قرارًا انهائه سريعًا بإنهاء الحياة، للتخلص من كل هذا الجحيم.
وتركت زينب وراءها هذه المذكرة البليغة في وصفها لحالتها وإدراكها للأمور ومزاجها المقتول (تعبت واستهلكت ولا فائدة. كلهم أولاد ..... (شتيمة)، ونحن نحرث في البحر، حيث لا يوجد قانون ينصف ويحق الحق. فنحن نؤدي ما علينا، وكل ما نفعله أن نحاول أن نؤدي ما علينا بكلمة حق، لكيلا نبصق على وجوهنا حين نطالعها في المرآة. لا يوجد عدل. أنا متأكدة من ذلك، وليس هناك نصر نتوقعه في الأفق. لكننا نضحك على أنفسنا لكي نستمر في الحياة) .

العامل السادس: بدراسة كل الصور المُتاحة لزينب، لا أجدها إلا مبتسمة ضاحكة، من القلب، وجدانها يرفرف، وقلبها يكاد يطير من قفصها الصدري، إلا صورة واحدة كانت واقفة، يكسو وجهها الحزن العميق وعلى رأسها طرحة سوداء، ترتدي قميصًا مكتوبٌ عليه (تذكر من ماتوا، ومن فقدوا أعينهم، حتى ترى هذه اللحظة ثم اختار). في كل الصور ـ تقريبًا ـ بانت زينب ممتلئة جسديًا، وبحسب نظرية قديمة لـ كريتشمر Kretchmer أن البنيان الممتلئ تكون له سمات وجدانية تتراوح بين البهجة والحزن.

العامل الثامن والأخير (الأشد أهمية): من يدخل لعبة السياسة والصحافة والبحث والتحري في قضايا كتلك التي تناولتها زينب يدخل "عش الدبابير"، يناله منها الوسخ، الإذلال، وتلاعب المشاهد بنفسك، (برزت خلال الأشهر السابقة لانتحار زينب المهدي، ظاهرة اختطاف فتيات من قبل مجهولين ونقلهن إلى أماكن مجهولة يتعرضن فيها لاعتداءات مختلفة، ثم يعثر على بعضهن بعد ذلك بأحد الشوارع في حالة يُرثى لها، في حين يظل مصير البعض الآخر مجهولًا. في الوقت ذاته فإن أهالي العائدات يرفضون الحديث عما جرى لهن، أثناء الاحتجاز، خوفًا مما قد يتعرضون له من عواقب.. وكل ما يعرفه النشطاء، الذين يتابعون الظاهرة، أن مدنيين ملثمين قاموا باختطافهن في سيارات مدنية، وأنهن نقلن إلى أماكن لا يعرفنها، وخلال فترة احتجازهن فإنهن ظللن يتعاملن مع ملثمين آخرين.. فلم يرين وجوهًا ولم يعرفن أسماء أشخاص أو أماكن، وإذ تبدو المعلومات التي يمكن البوح بها "شحيحة للغاية" بخصوص ما جرى لأولئك الفتيات، فإن المتابعين للملف لا تتوافر لهم سوى بعض وليس كل البيانات المتعلقة ببلاغات الاختفاء.. ذلك أن هناك أسرا ممن عادت بناتها تتكتم، على الأمر كلية، وتحرص على طي صفحة تلك التجربة المريرة، لكي تتفرغ لعلاج أعراض الانهيار والتشوهات النفسية والبدنية الجسيمة التي عادت بها أولئك الفتيات ). إن ما تسمعه وتراه وتتناوله يأكل من نفسك وقلبك، يقصف عمرك، ويهز وجدانك، عندما قررت شنق نفسها، كانت قد ماتت بالفعل انتهت، استهلكت، خلصت، راحت، تلاشت.. إن تتبع أحوال المخطوفات والملاحَقات، جعل زينب ترى الجحيم في الحياة، فصارت الحياة لا تطاق، رأت بأم عينيها وقائع التعذيب والبطش والإهانة، وكيف تدوس الأحذية الغليظة على أعناق البنات وعلى أجسادهن؟

تعاملت زينب، هي ونشطاء آخرون، مع المعلومات كانت تتجمع أولا بأول. (الأمر الذي نقل إليهم الشعور بالصدمة والخوف. الصدمة إزاء ما عرفوه، والخوف من تعرضهم للأذى، جراء محاولتهم جمع المعلومات والإمساك بخيوط القضية.. ذلك أن المعلومات التي تجمعت لديهم فتحت أعينهم على عالم من الأهوال، لم يخطر لهم على بال، حتى أدركوا أنهم يخوضون غمار مغامرة، لا قبل لهم بها، فلا هم قادرون على احتمال ما يرون أو يسمعون. ولا على استيعابه وتصديقه، ولا على إيقافه أو احتوائه ).
أصيبت زينب المهدي ـ وغالبًا كل النشطاء الآخرون ـ الذين تعاملوا مع ملف الفتيات المخطوفات، بكرب ما بعد الصدمة PTSD زملة أعراض Syndrome الـ PTSD ، يعني حسب التشخيص العالمي للاضطرابات النفسية، أعراضاً تكونت بعد التعرض لضغط صدمي شديد، نتيجة تجربة شخصية مباشرة، أو التعامل مع حوادث تحمل في طياتها بذرة الموت أو الإصابة، أو تهديد لجسد الإنسان وشرفه أو للآخرين حوله، أو حتى العلم بأخبار حول موت مفاجئ أو عنيف مدمر، أو إصابة بالغة.
ردود الفعل تتمحور (حول الخوف الشديد، اليأس، العجز والرعب(، أعراضها استعادة الإحساس وخوض التجربة الصدمية وكأنها تحدث مرة ومرات أخرى، في شكل توهمات، هلوسات، نوبات تذكر انشقاقية Flashback Episodes. ، مع تجنب دائم ومستمر لأي شيء له علاقة بالصدمة أو ذكراها، مع خَدَر وتنميل في الاستجابات ككل، هذا بجانب أعراض دائمة لحالة اليقظة الدائمة، وتستمر تلك الأعراض لأكثر من شهر وتسبب اضطراباً إكلينيكياً، مرضياً يعوق الحياة الاجتماعية والمهنية.
انتحار زينب المهدي كان فعلا قاتلاً للنفس، مقتول النتائج، شديد الوعي عن عمد وسبق اصرار، ولم يكن سببه اكتئاب عرضي مستمر ولكنه كان نتيجة حالة من تعكر صفو النفس واليأس والقنوط، قلة الحيلة وانسداد الأبواب، كما قالت في مذكرتها المختصرة العامة الضامة، خوف من استمرار الحياة وخوف من ازدراء النفس لا قدرة إطلاقًا على استشراف الأمل، وعي بأن الناس حلهم مثلها قانطون من العدالة، لكنهم يستخدمون كاملة حيل النفس الدفاعية لتتأقلم مع الحياة، وكأنهم موتى على قيد الحياة.
إن فعل زينب المهدي، هنا فعلا انتقاليًا، من الحياة الدنيا على نفس الحالة (اللاوجود، اللا قيمة، اللا شيء، الانتفاء، الإلغاء، العدمية Nihilism الفناء إلى الموت الجسدي، غير أن الموت النفسي والروحي والوجداني كان قائمًا وكانت زينب مجرد جسد فيه روح يتحرك وياكل وينام في عذاب شديد، إنها نحرت نفسها نحرًا قبل أن تشنق جسدها، نحرتها الأحوال المصرية، انهكتها "دكتها" وتركتها أشلاء مبعثرة.
زينب لم تملك أي قوات مواجهة، إن كل الدعوات لعلاج الشباب دعوات حمقاء وفاشلة ولا تفهم أي شيء في المنظومة المصرية (منظومة خالد سعيد وعلياء المهدي، وائل غنيم، والحسيني أبو ضيف) لكن هؤلاء الذين تقلبوا على نيران الاتجاهات المختلفة (الإخوان، أبو الفتوح، اللا شيء) معذبون في الأرض، لأنهم ذاقوا أكثر الجوانب سوءًا وانحطاطًا وقذارة.



#خليل_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحرش الآن في مصر الصياد الوسخ
- الطير يهاجر إلى كون سرمدي
- مصر: الدولة، الإعلام، والعقل الباطن
- المَوَّال الحَزين
- المصريون مُحبَطون
- الزهراء، وسنوات العمر الضائعة
- قصيدة إمرأة تطل من الشرفة
- رائحة الموت.... والحياة
- قصيدة حوار البوعزيزي وبائع البطاطا
- مقتل بائع البطاطا قصيدة
- قصيدة محمد الجندي
- ساعة الحظر
- عصفور البدرشين
- الحُسَيْني أبو ضَيْف
- الشخصية المصرية إبّان ثورة 25 يناير وما بعْدها
- التحليل النفسي للحالة المصرية الآن
- قُبَّعة الخواجة
- سيكولوجية الدم فى مصر الآن
- الفسيفساء في مواجهة الخفافيش ملامح الشخصية المصرية .. في ثور ...
- القلق المستَبِدّ وضراوة الإشاعة


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - خليل فاضل - الأحوال النفسية للمصريين في الذكرى الرابعة للثورة