أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل فاضل - الطير يهاجر إلى كون سرمدي














المزيد.....

الطير يهاجر إلى كون سرمدي


خليل فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 4475 - 2014 / 6 / 7 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة لـ خليل فاضل ـ كُتبت عام 1970، نشرت في باريس في مجلة الوطن العربي عام 1978 ـ نشرت ضمن مجموعة (الطير يُهاجر إلى كون سرمدي)، الهيئة العامّة للكتاب ـ القاهرة 1986
[email protected]

" لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ". قرآن كريم

الطير يهاجر. كمدٌ كثيف يملؤه. حزنٌ طاغٍ يملؤه. صدرُه يتورم وجناحه ينكسِر. ينسكبُ دمعَه داخله ممرورًا متدفقًا عارمًا كالسيل. تجاوبه السماء بأنّاتٍ متفاوتة، وتتمدّد بعدها تحت أكفان السحابات، وكأن الرايات قد اعتلت الخيمة الزرقاء، حين بان في الأفق قوس قزح بألوانه السبعة الزاهيّة. تخطي الطير طريق الرحلة، وشرَع يرقصُ على درجِ قوسِ قُزح في مهارة. كان كمَدُه وحزنُه، ينسكبان رويدًا رويدًا في تجاويفِ السماء.
كان ظلُّه يرتمي على الصحراء المُبتلةِ بمياه المطر، مكونًا مساحةً محدودةً من الفيء، الذي تناسخت فيه بعد حين، نباتات الصبار.
الصحراء مهيضة في الشتاء. هضابُها تنحتُها عوامل التعرية، فتبدو عجفاء معروقة. سهولها قيعانٌ مُجدبة، وحصواتها لا تلتمع. التلال أثداءٌ عديدة عقيمة، لا تحمل قطرة لبن واحدة.
الطير يهاجر في رحلة الشتاء. الكمدُ الداخلي يتحول إلى شعورٍ مُبهم بالعجز، وحين يدور محرك السيارة، تتكشَّفُ عوالم الطريق، ويرفع عسكري المرور يده تحيةً للسائق، وتتآكل أطراف العجلات، ويسترسل المحرك في لغطٍ أجوف مع أسفلت الطريق.
الطير يطوي الأحلام تحت جناحيه. يترقبُ بالعينين انفتاحات الطرق الجديدة، والملاهي التي تعلن عن نفسها في صخَب. يظل يوميء للجميع حتى ينحني، وتمتدُّ رقبته سهلة، يذبحونها في هدوء، بدون بسملةٍ أو تكبير.
سفر التكوين:
حينما تهجع الحروف إلى الطين، وتنصبغُ الكلمات بالعفن، تنفتحُ جروح الرؤية، وتنعقد الجباه، وتتلّوى الأرحام من الألم؛ فثمة نزيف يعقب الإجهاض، يحمل معه مخلَّفات الجنين المشوَّه، بويضة الصدق التي لقّحها حيوان الكذب، أو بويضة الكذب التي لقّحها حيوان الصدق.
العراك:
الطير يتصارع في حلبة الرغبة مع كثيرين. بعضهم طرحه أرضًا، يدوس على عنقِه بكعب الحذاء، والآخر يتهاوى تحته مُقبِّلًا وجه الحذاء، والباقون يصفقون ويصفرِّون ويتعاقدون على مراهنات الجولة المقبلة.

عن الطير والضوء:
أجنةُ الضوء، حينما تولد في الأعين ساعة المساء، تستيقظُ الأحلام وتبدو قرمزية بنفسجية، ويتربَّع الوجه الملائكي الوضيء المُبتسم على عرش التفكير، وتتوهُ في المسافات بين الأعين والحوائط والنوافذ المغلقة والباب الموصد، كل احتمالات اندحار الليل أمام أي شيءٍ آخر غير النهار البعيد، ولما قالوا إن النجمات بعيدة، وأن القمر يستمدُّ ضوءه من الشمس، وأن كلنا يعتمد على الآخر في كل الأشياء، انسكبت دموعٌ سخينة على جناح الطائر المكسور، أحسَّها كماء النار تكويه، لكنه لم يصرخ، ولم يفكر حتى في التألم بينه وبين ذاته.
قريش:
صديد يسكن البؤر الملتهبة بحلوق جميع أفراد القبيلة. الشيخ يعلن زواج العبد بالأميرة. ترسل الإبل صوتًا مبحوحًا، فتبرك في أثره النوق، ولما سُئلوا عن أسباب نحرهم لها، قالوا كرمٌ عربي، لكن اتضَّحت الأمور بعد ما تيقّن للجميع أن اللحم الجملي، أرخص اللحوم وأكثرها سوءً. على طول المدى كان الطير يقنع بالجيفة، ورغم هذا فقد فجأة إحساسه بالتذوق، وصار يزعق عند الفجر بدلًا من الديوك، التي كان يحلو لها أن تصحو على عزف الجيتار الكهربائي.
الفقر:
"عجبت من لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه." أبو ذر الغفاري.
الطير يسرق، وهكذا لم تعد المناقير تستطيع الجهاد. كلنا مهيض. خيال المآتة أمره مكشوف، والأرض مكشوفة، والطعام لمن يأكله. ثمة إيمان موقن به من حتمية التخزين، فالعام عام قحط، والنسوة خير من يحذقن هذه الأمور. حين خرجت كل الطيور شاهرةً سيوفها على بعضها أجفلت، وأيقنت أن ثمة سرًا يرقد في كهف الساحر، ولما ذهب أحدهم للاستكشاف قال إن هناك حمامتين وبيضًا كثيرًا، يقال إنهما في مكانهما منذ أيام الرسول، ويقال أيضًا إنهما اللتان حرستا النبي والصديق أبو بكر. لما تجرَّأ الطير أكثر وتقدم، اكتشف أن الحمام مجرد تماثيل من الجبس، ووراء الكهف يحوي مخزون دهرٍ بأكمله، حينئذ أغمد كلٌ سيفه، فالقوت كان موجودًا، لكن الرحلة شاقة وطويلة، والبقاء للأصلح، وللأقوى، ولا الذكاء يجدي ولا أشياء أخرى في علم الله.
الكسوف:
كان لا يحدث إلا نادرًا كسوف الشمس، ولكنه حدث هذا العام. الطير الذكي انتهز الفرصة وهاجر إلى الكون الآخر. هاجر ولم يعُد. قيل إنهم سألوه هناك عن الهوية، فكشف لهم عن عورته ودخل.
ملاحظة:
من يومها وباقي الطيور تنتظر الكسوف مرةً أخرى، لكن سُدىً ما تفعله، فلقد قيل أيضًا، إن ما سيحدث بعد ذلك، هو أن الأرض سوف تقترب من الشمس وسوف تحترق.


خليل فاضل ـ كُتبت عام 1970



#خليل_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر: الدولة، الإعلام، والعقل الباطن
- المَوَّال الحَزين
- المصريون مُحبَطون
- الزهراء، وسنوات العمر الضائعة
- قصيدة إمرأة تطل من الشرفة
- رائحة الموت.... والحياة
- قصيدة حوار البوعزيزي وبائع البطاطا
- مقتل بائع البطاطا قصيدة
- قصيدة محمد الجندي
- ساعة الحظر
- عصفور البدرشين
- الحُسَيْني أبو ضَيْف
- الشخصية المصرية إبّان ثورة 25 يناير وما بعْدها
- التحليل النفسي للحالة المصرية الآن
- قُبَّعة الخواجة
- سيكولوجية الدم فى مصر الآن
- الفسيفساء في مواجهة الخفافيش ملامح الشخصية المصرية .. في ثور ...
- القلق المستَبِدّ وضراوة الإشاعة
- سيكولوجية رجل الأمن فى جمهورية الخوف (مصر سابقاً)
- مظاهر الاكتئاب في المجتمع العربى


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل فاضل - الطير يهاجر إلى كون سرمدي