أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - بيض على لحمة ناعمة ... رأس السنة














المزيد.....

بيض على لحمة ناعمة ... رأس السنة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 17:25
المحور: الادب والفن
    


مع اقتراب رأس السنة ... يفرح قلب الولد علي ... تشرق عيناه ... ويبدأ إعادة ترتيب الكون في رأسه الصغير ... يرسم لوحة طقس الاحتفال ... لوحة كبيرة كمساحة غرفة ... تستلقي فيها الأفكار و الأحلام و مشاريع الطفولة :

صوبا المازوت بطاستها المتخمة على غير العادة .. ستؤدي واجبها في هذا اليوم لمدة زمنية أطول بكثير من المعتاد ... ستتراقص قطرات المازوت وتتلاحق بتسارعٍ استثنائي غير منتظم ... سيسخن صاج الصوبا حتى الاحمرار ... لهيبها الدافئ سيسمح بالجلوس بعيداً قليلاً عن بواريها ... ستعبق رائحة بقايا الخبز المقمّر تحت الصوبا أو فوقها ... و ستمتزج حتماً مع رائحة حطب يحترق ... قادمة من دكان الجيران ... و مع رائحة الليمون ... سيعلو أنين إبريق الشاي الأسود الراقد فوق غطاء الصوبا الصغير ... سينتظر ورق الشدة .. الكوتشينة .. امتداد الأيادي ...

سيفرح الجميع بلعبة الباصرة ... ستكون المنافسة صاخبة حول الرهان المُتفق علي كالعادة ... علبة راحة و ثلاث علب من البسكويت ... سيكتمل الضجيج عندما سيفرح الأطفال بلعبة الطرة و النقش ... طامعون بالمزيد من الفرنكات ... من أجل شراء حبات الفول المسلوق و المبهّر أثناء ذهابهم إلى المدرسة ... أو بذر عبّاد الشمس ...

سيتركون البطون خاوية بانتظار العشاء ... لعله سيكون بيض على لحمة ناعمة ... مطحونة حتى الألم كي تختفي الرغبة باكتشاف محتواها ... وسيأكلون إلى جانبها الخبز و الخبز و البصل اليابس و البندورة و الخيار ...

عند العصر ستبدأ التحضيرات لمداواة انقطاع التيار الكهربائي المعتاد ... سوف يتم إحضار ضوء الكاز بقاعدته النحاسية ... سيتم التأكد من نظافة البلورة الزجاجية ... ومن ملئه بالكاز ... سوف يُجدد فتيله ... لعل أحدهم سيحضر"قزازة" الكاز من دكان عدسو ... ستُسمَع بالتأكيد ... أصوات العيارات النارية عند حلول الساعة الثانية عشر ... سوف تتعالى أصوات الجيران خلال زياراتهم الخاطفة ... لتبادل الآماني ...

مع اقتراب رأس السنة ... تحديداً في يوم رأسها ... قد ينهمر المطر... قد تعصف ريح عاتية مفاجئة ... قد تصرخ الصوبا الهرمة المريضة بآلام العظام ... قد تنفض غضبها في جو الغرفة ... قد ينتشر دخانها الأسود في الغرفة ... قد تتساقط بقاياه في كل مكان ... قد يكون للسرير المغطى بالشرشف الأبيض النصيب الأكبر ... قد تعلو الأصوات بالشّتائمٌ والسّباب واللعنات ... قد يغضب رب الأسرة ... قد يترك البيت متعذراً النفضة سبباً ... قد يأخذ طريقه إلى خمارة الشيخ رويش أو خمارة دليلة أو خمارة عزيز ... لا فرق ... فكلهم أصدقاء لأرباب الأسر ...

مع اقتراب رأس السنة ... تزداد وتيرة توفير فرنكات الطفولة ... مصروف الجيب اليومي في المدرسة ... بها ستُشترى في المساء الموعود حفنات قليلة من القضامة المغبرة من دكان أبو زاهي ... سيضع ... حبات قليلة في فمه ... سيلحس ملحها .. يمصها ... يلوكها و يمضغها دون أن يبلعها ... يبصقها من جديد .. يكورها بين أصابعه ... يسّوي سطوحها ... يضعها تحت الصوبا ... أو يلصق الكرات المطحونة بأسنانه و المبللة بلعابه ... على جوانب الصوبا ... يتركها تسخن حتى يحترق سطحها ... يتناولها ويمضغها من جديد ... ثم يبلعها ... و يعيد الكرّة من جديد ...

في المساء الموعود ... سيأخذ نصيبه من الليمون .. يقشرها حزوزاً ... يأكل قسماً بتلذذ ... و يترك القسم الآخر لوقت لاحق ... يطوي قشرة ليمون بين أصابعه ... يقترب من الأقرب ... يمازحه ثم يفاجأه ... بالقشرة المطوية أمام عينيه .. يضغطها بقوة ... تنزف القشرة ... رذاذها يصيب العين ... تفوح رائحة الليمون ... يضحك ... ويبكي الآخر ... تعلو الأصوات ... و يبدأ العراك ...

في يوم رأس السنة تكتمل اللوحة ... تعلو هامة الفرح ... الوقت تأخر بعض الشيء ... كم ثقيل هو الانتظار ... رب الأسرة لم يعد إلى المنزل بعد ... لعله تأخر في السوق ... الزحمة لا ترحم ... طاسة المازوت تحوي أقل من ربعها ... سباقات قطرات المازوت تم تأجيلها للمساء ... في كل الحالات لا بأس ... إمكانية تعبئتها من دكان عدسو مازالت قائمة و لو تأخر الوقت ... أبو زاهي يبيع بقايا اللحم الأخيرة ... لا بأس قد يجلب معه اللحمة الناعمة ... من شارع العنّابة ... كيس الليمون أضل الطريق إلى البيت ... لعله يصل متأخراً بعض الشيء ...

رب الأسرة يعود إلى المنزل ... هيئته تقول: قادماً من الخمارة ... البرد لاسع ... و شهوة الاحتفال ما زالت كبيرة ... يدخل عابساً ... لا بأس ... كل أرباب الأسر عابسون ... و كلهم منشغلون بتأمين لقمة العيش ... يسأله أحدهم بلطف ... هل جلبتَ معكَ اللحمة الناعمة؟

ينظر باتجاه طاولة الفوراميكا الجديدة ... تقبض أصابعه على جهاز الراديو الأحمر ... يرفعه عالياً ... ثم يرميه بما تبقى لديه من قوة ... إلى أرض الغرفة ... لتتطاير منه نشرات أخبارٍ ... و أغانٍ وطنية تُمجّد الانتصارات التشرينية ... يمسك كأساً زجاجياً ... و يُلحقه بالراديو الأحمر ... لتتطاير شظاياه ... يفك حزام بنطلونه ... و يبدأ بمعاقبة الطاولة ... حتى تتشقق شرائح الفوراميكا ... يرتعد الأطفال ... يتجمعون حول صوبا المازوت الباردة ...

بعد بضعة سنوات يكبر الطفل علي قليلاً .. بعد الكأس الأول ... تجربته الأولى مع النبيذ الأحمر ... و قبل منتصف الليل بساعتين ... ينتشي فجأةً ... حتى السكر الخفيف ... حتى النعاس الثقيل ... ترجوه أخته الأصغر :

اذهب للنوم يا علي ... أعدكَ أنْ أوقظكَ ... قبل صعود "البوابير" البرّاقة بكل الألوان إلى السماء ... و قبل إطلاق العيارات النارية ... ينظر إليها غير مصدق ... يحرك كف يده اليسرى راجياً ... كمن لا حول ولا قوة له ... يجيبها:

كيف سأنام و أترك الوطن لوحده يسهر حتى يسكر ...



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أقوال أبي .... في بطولة الشطرنج
- نحو حزب سوري ينطلق من القضية البيئية
- حقوق الإنسان الأساسية في جمهورية ألمانيا الاتحادية
- الفضلات الكومبيوترية وحماية البيئة
- الحركات البيئية وموضوعة الديمقراطية
- الإنفورماتيك و المجتمع
- مدخل الى حقوق الجيل الثالث - بيئة نظيفة
- حول حماية البيئة في المشافي السورية
- الهندسة و المنتج
- المدرسة و فن النفايات
- تأسيس مصرف للتسليف البيئي
- الخضر الألماني و تحالف التسعين
- الاستثمار الأخضر للنقود
- الكوسموس التكنونانوي و مخاطر التلوث البيئي ـ 3 ـ
- تطبيقات التكنولوجيا النانوية ـ 2 ـ
- الكوسموس التكنونانوي ـ 1 ـ
- ـ 2 ـ الجامعات و الإيكوتكنوايديولوجيا
- -1- الجامعات و الإيكوتكنوايديولوجيا
- الأهمية البيئية للطاقة الهوائية
- عالمية التأهيل الهندسي في عصر العولمة ـ الجامعة الألمانية نم ...


المزيد.....




- المهرجان الدولي للشعر الرضوي باللغة العربية يختتم أعماله
- -مقصلة رقمية-.. حملة عالمية لحظر المشاهير على المنصات الاجتم ...
- معرض الدوحة للكتاب.. أروقة مليئة بالكتب وباقة واسعة من الفعا ...
- -الحياة والحب والإيمان-.. رواية جديدة للكاتب الروسي أوليغ رو ...
- مصر.. أزمة تضرب الوسط الفني بسبب روجينا
- “شو سار عند الدكتور يا لولو”.. استقبل الان تردد قناة وناسة ا ...
- حل لغز مكان رسم دافنشي للموناليزا
- مهرجان كان السينمائي يطلق نسخته الـ77 -في عالم هش يشهد الفن ...
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل صلاح الدين الحلقة 24 Selahaddin ...
- بعد الحكم عليه بالجلد والسجن.. المخرج الإيراني محمد رسولوف ي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - بيض على لحمة ناعمة ... رأس السنة