أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - دوامة عمرها مائة عام















المزيد.....

دوامة عمرها مائة عام


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4674 - 2014 / 12 / 27 - 14:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما الأحداث المتتالية بعد الحرب العالمية الثانية، تأسيس الأمم المتحدة واستقلال إسرائيل وهجرة اليهود القسرية وغيرها، نعيها جيداً وفينا من عاصرها، لكنها لم تكن وليدة ساعتها ويومها، فبالعودة مائة عام بعمق التاريخ، يمكننا أن نتيقن بأنها وقائع وأحداث كانت قد طبختها أيادٍ انكليزية في مطبخٍ فرنسي ...

دوامة عمرها مائة عام

في هذه المقالة نتحدث عن حقبة تاريخية مهمة من عمر العراق والمنطقة العربية والعالم، وكالعادة فأنني أعود للتأكيد بأنه ليس هناك دقة تامة في هكذا بحث، ذلك لأن التاريخ قد كُتب بعدة أقلام، ليس كلها تتحدث أو تنقل أو حتى تعرف الحقيقة كما هي لعدة أسباب، منها المصالح ومنها الجهل أو الخطأ (المقصود أحياناً) في تمريرها، ومنها حتى بيع الحقيقة وشراء الكلمة ...

نسترسل في الحديث عن مؤتمر (فرساي) ومعاهدة (سايكس بيكو)، معركة تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية (الرجل المريض)، والطريقة التي اتبعت في تصفيه إرثه، صفقات أو الأصح (طبخات) سياسية.

حين أجتمع الأخوة الأعداء في أحدى قاعات قصر فرساي بباريس بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى في 1918 أوزارها، كان هناك أفواه يسيل منها اللعاب لاحتواء الضعفاء، فتنافست على كل شيء واختلفت في كل شيء، ولم يتفقوا المجتمعون سوى على تقسيم بلاد العرب، هناك على محراب القصر ذُبحت الوحدة العربية ...

أن أهم ما خلصَ له العالم بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها، جاء على لسان الأربعة الكبار المنتصرون فيها (الروس والأمريكيون والفرنسيون والانكليز) المؤتمرون بقصر فرساي بباريس عام 1919 ...
(( إن صنع السلام أصعب بكثير من إشعال فتيل حرب، وأصعب حتى من الانتصار فيها ))

قبل مائة عام من الآن، كان يبدو للجميع بأن طرفان يتنافسان على حكم أرض العرب ... الإمبراطورية العثمانية والحركة القومية العربية.
بيد أن طرفاً ثالثاً كان يعمل ويخطط، متمثل بالقوى العظمى (بريطانيا وفرنسا) وبالضد منهما (ألمانيا)، يقوم بعملٍ محموم بالخفاء. فقد كانت السياسة البريطانية تمضي تبلور خططها وتنقل خرائطها من الورق على أرض الواقع، مستغلة مشاعر الإحباط التي يعيشه الشعب العربي بسبب تهميش دوره بإدارة بلده ...
فقد كانت الحكومة البريطانية، التي وصلت يدها الطولى آنذاك إلى عمق المنطقة من خلال (إسنادها) الظاهر لثورة التحرر العربي ضد الأتراك، لا تنظر إلى الحركة القومية العربية بعين الراحة، فلازمتها عداء شديد، الأمر الذي فتت الوطن العربي، ولم تقم له قائمة حتى اليوم.

من الأدلة التي تدين الحكومة البريطانية في سعيها لإجهاض حركة القومية العربية، ما أبرق به رئيس مكتب دلهي الكولونيل البريطاني (بيرسي كوكس) إلى لندن عند احتلال مدينة البصرة إبان الحرب العالمية الأولى ...

(( ... إن الحكومة البريطانية لا ترى أية ضرورة لتشجيع القومين العرب في العراق، لقد نجحت قواتنا باحتلال مدينة البصرة دون مقاومه أو أي عداء من جانب المدنيين، بل بالعكس فان هؤلاء السكان نظروا إلينا كأصدقاء وحماة، لذا فانه من الصعب علينا ان نتصور كيف يمكن أن نساعد التنظيمات القومية العربية على منهج الاستقلال))
× × ×

لمّا كنا طلاباً بالابتدائية ببداية السبعينات، وزّعتْ وزارة التربية على كل تلميذ أطلساً بالألوان مطبوع بشكل جميل، يدعى (الأطلس العراقي) يحتوي على صفحات من القطع الكبير، كانت قليلة لكنها غاية في الجمال والروعة والفائدة.
من أول نظرتي له، إستهوتني صفحاته وجعلتني أحفظها على ظهر قلب، فقد كان يزيدُ من جمال رسومه ورونقها، والتي أتذكرها حتى الآن بشكل تام، خطوط التحبير لإيضاح التفاصيل الدقيقة والملامح، فرحتُ أطالع و(أدرخ) تخطيطاته وخرائطه وأحاول أن أقلده برسمها وتلوينها.
لكن شتّان بين طباعة أجنبية راقية يضمها الأطلس، وبين إمكانيات طفل بأقلامه الخشبية البسيطة وأوراقه السمراء، ورحتُ اسأل عن أقلام التحبير السحرية التي أسموها أقلام (روترنك)، فجاهدتُ من أجل الحصول عليها، لكني فشلت بإقناع أمي وأبي شرائها لي، لأنها أكبر من سني، فرضيت بوقتها بقرارهم ولأجد في عدم حصولي عليها الحجة والمبرر لرداءة رسوماتي !
كان رسامو الأطلس الذي أنتجته شركة هولندية في أمستردام قد أبدعوا في نقل هيئة العراقيين ورسم بيئتهم وكأن الرسامون جاءوا ليعيشون بيننا، فكانت تشدنا أكثر لبلدناوتقربنا من تنوعه الجغرافي والمجتمعي ونحن ننتقل من منظراً لنخيل البصرة إلى شلالاً بالشمال، جاموساً بالأهوار وبدواً بالصحراء، ملامحاً عربية أو كوردية بخلفيات شفافة ملونة جميلة.
تتحدث رسوم الأطلس بإسهاب عن العراق بخرائطه الاقتصادية (كميات وأماكن زراعة الحبوب والقطن والنخيل والتبغ ...) وخرائطه الإدارية والموارد الطبيعية والحيوانية والتضاريس وهكذا.
ويذهب بمقارنة العراق، سواء بالمساحة أو السكان أو الموارد، ببلدان أصغر كلبنان أو أكبر كمصر، وبدول الجوار ... تركيا وإيران.

الجميل أنّ العراق (كان) بمقدمة دول العالم بزراعة النخيل وإنتاج التمور (33 مليون نخلة منتجة) أي أربعة أضعاف سكانه البالغين (8.5 مليون نسمة آنذاك) بقي منها اليوم 10 ملايين نخلة نصفها عقيم، باختصار كان يقابل كل شخص أربعة نخلات، أصبح اليوم يقابل كل نخلة أربع أشخاص !
وكان البلد بمقدمة الدول بإنتاج البترول والفوسفات والكبريت، وتصدير الأصواف والجلود وغيرها.
وكم وددتُ وتمنيتُ ان يتفوق بلدي على السعودية في انتاج النفط وعلى السودان بالثروة الحيوانية وعلى مصر بالسكان وعلى إيران بالمساحة، كمن يريد المراهنة على تفوق حصان اسمه العراق في ساحات سباق الخيل !
تقع في وسط الأطلس خارطـَتَي العالم، طبيعية وإدارية، ونجد في نصفه الثاني خرائط دول الجوار وحوض البحر المتوسط ورسم قارات العالم وتفاصيل أخرى، وقد إستُخدمت الطرق الحديثة برسم التضاريس بتلوين كل بقعة على الخريطة، فالبحار تُلون أغمق حسب أعماقها وتبدو سلاسل الجبال مظللة وكأنها مجسمة أمامك.
كنت لا أمِلُّ تصفحه، وأستغرق ساعات معه، فأتتبع الأنهار من منابعها لمصباتها، وأقيس أطوالها بالمسطرة، النيل أم المسيسبي أم الأمازون الأطول ؟ سلاسل الجبال، روكي أعظم أم الأنديز أم هندكوش أم الهملايا ؟ والعواصم، القاهرة أكبر أم ريو دي جانيرو أم موسكو ؟ كل ما تقع عيني عليه، أضع حوله أسئلة، وأبحث في الأطلس عن الإجابة.
أتابع حدود البلدان بَحْرية كانت أم بَريّة، وكان لي خطة بذلك، فلكي أحفظ على سبيل المثال دول أفريقيا وموقعها في القارة، أختار أحد بلدان العمق، مثلاً (الكونغو بأفريقيا وألمانيا بأوربا) وأكتب الدول التي تحدها بالتسلسل باتجاه عقارب الساعة، فأتعرف من خلال (خطتي) على بلدان لم اسمع بها، تتخللها أحياناً بحيرات مشتركة او سلاسل جبال أو شواطئ بحار ...
لكن استوقفني يوماً امراً استخلصته، دفعني أن أسرع لأبي أسأله الإجابة ...
ـ لماذا حدود الدول العربية مع بعض غالباً ما تكون خطوط مستقيمة، وكأن أحدهم (جرّها) بمعونة مسطرة ؟
جوابه لم يتغير حتى لو تتغير صيغة سؤالي، ليظهر لي أن ملايين العرب تعرفه، وهو سبب أزماتنا منذ مائة عام، وسبب تفرقتنا وضعفنا، يعني الجواب فيما يعنيه، نقض وعود، خيانة بريطانية، مصلحة فرنسية، مباركة روسية وضعف عثماني... وعجز عربي !
كلها تصب في كلمة مركبة ... (سايكس بيكو).

(سايكس بيكو) كلمة تجمع رجلين في أسم واحد ...
... في الفترة بين تشرين ثاني 1915 ولغاية مايس 1916، قام ممثلا الدبلوماسية البريطانية السير (مارك سايكس) والفرنسية (فرانسوا بيكو) بتبادل مخاطبات على مستوٍ عالٍ من السرية، وبعلم ومباركة القيصرية الروسية، (لألتهام) مستعمرات الامبراطورية العثمانية (الرجل المريض)، والمفارقة أن سرية ذلك العمل، لم تكن تخوفاً من أحد، بل كي لا يطالبهم الآخرون (بالكعكة)، كالأمريكان والألمان المتفوقين عليهم في الثروة والصناعة والقوة.
وكانت حاجتهم للمواد والخامات الأولية بسبب فقدِهم مستعمراتهم وأسواقهم في آسيا وأميركا وأفريقيا، هي مبرراتهم لابتلاع بلاد العرب، أرضاً وشعباً !
ووصلت التفاهمات بين خارجيتي البلدين لحد تبادل وثائق التقسيم التي كانت على مرحلتين، الوصاية أولاً والتجزئة ثانياً، حيث أستقر الحال بشأن المشرق العربي :
(لبنان وسورية وولاية الموصل) تُستعمر من قبل الفرنسيين. وللانكليز (العراق مُمَثل بولايتي بغداد عاصمة والبصرة منفذ على الخليج) ثم للغرب منه حتى حدود (فلسطين) التي ستدار دولياً، على أن يشتركان بأدارة ميناء (حيفا)، أما (عكا) فللفرنسيين، وكأن البلدين قد ورثا بستان مثمر !

بعد إن التأم مؤتمر فرساي وثبّتَ (الإخوة الأعداء) بنوده، وما تمخض عنه بتأسيس عصبة الأمم المتحدة، وُثـّـقتْ تلك البنود رسمياً في العام 1922 مدعومة بوثائق بلفور حول فلسطين، مُتجاهلين وناقضين وعودهم للساسة العرب بإنشاء دولة عربية موحدة ... بشكل تام !
ولما (طشّ) خبر الوثائق والخرائط، إعترضت الشعوب العربية وغضب الأتراك، فغيروا الأنكليز بمكر كلمة (استعمار) بـ (وصاية) لتهدئة الشارع العربي، ومَنحت بريطانيا ولاية (الاسكندرونة) السورية للأتراك كحُسن نية وعربون صلح وبناء علاقات إستراتيجية مع (أتاتورك) المعروف بمقته العرب وميوله الغربية العلمانية.
المفارقة أن الانكليز الذين دعموا الثورة العربية للتحرر من الكابوس العثماني التركي وموّلوها بالعدة والخطط على يد عرابهم (لورانس)، يعودوا ليُكافئوا الأتراك على حساب العرب بإهدائها ولاية (الاسكندرونة) السورية، وبسبب تقاطع مصالح بريطاني ألماني، لم يفقد العراق ولاية (الموصل) !

كان ظاهر مؤتمر (فرساي)* هو اجتماعات صلح، لكن وفود البلدان المنتصرة راحت تبتز الدول المهزومة، ففرنسا تطمع بضم منطقة (السّار) الحدودية الغنية بالفحم من ألمانيا، وإيطاليا تُريد إنتزاع موانئ على البحر الادرياتيك كان لا يزال البلغار محتفظين بها، والروس يبتلعون بلدان القوقاز ويستعمرون دول شرق أوربا، والأمريكان يريدون أن تكون عصبة الأمم المتحدة ـ التي تظم جميع البلدان وتقوم بفك النزاعات قبل أن تتطور لحروب ـ على أراضيهم (الآمنة)، لكن تحديد (جنيف) مقراً لها، قد أعاد الأميركان لعزلتهم عن أوربا ولم يَنظمّوا للمنظمة إلا بعد حين.
كانت القرارات القاسية غير المتوازنة قد أسست لقيام أقطاباً وأحلافاً بين الدول من جديد، لتفشل العصبة عملياً بحل النزاعات التي حدثت لاحقاً، مما ألهب الساحة الأوربية لتقوم حرباً كونية ثانية.
× × ×

لنعُد لما يخصنا في هذا المقال، فحين وُجهت الدعوة (للشريف علي بن الحسين) لحضور المؤتمر الذي أقيم بين الدول المنتصرة والمهزومة بالحرب العلمية الأولى بنهاية 1918، ظن بأن أبواب الفرج بقيام دولة عربية واحدة قد فُتحت، فأوفدَ أبنه الأمير (فيصل) مُحمّلاً إياه جملة مطالب (لأصدقائه) الإنكليز والفرنسيين، أن ينتزع استقلال المشرق العربي من (الإسكندرونة) على البحر المتوسط غرباً إلى (ديار بكر) شرقاً فالخليج العربي والجزيرة العربية جنوباً.
لم يدُر ببال الأمير الشاب (فيصل) أن التنافس على أشُده بين (الصديقين) وعملية تفعيل وعد بلفور جاهزة وستكون أمامه، وهو وأبوه كانا أول من نفذا تعليمات الإنكليز بحذافيرها على يد (عرّاب) السياسة البريطانية الضابط (لورانس)* لتقوم الجيوش العربية بدحر جيش الإمبراطورية العثمانية وتحرير أرض العرب ومطاردة المحتل التركي من الجزيرة العربية ثم إسقاط محمية العقبة لينظموا شمالاً لقوات عربية كانت قد نجحت بتحرير مدينة حلب.

وما أن أقلته البارجة العسكرية البريطانية من الشام لميناء مرسيليا، حتى شمّ رائحة الخيانة ليتلقّى أول صدمة من (أصدقائه) الفرنسيين !
لم يدعوه لحضور جلسات مؤتمر فرساي، بل اكتفوا بجولات (بروتوكولية) ليقف على حجم الدمار الهائل الذي أصاب المدن الفرنسية جراء بطش الألمان بهم خلال الحرب، بُغية كسب تعاطفه معهم في مسألة المطالبة بتعويضات ألمانية مُجزية للفرنسيين، وليجد نفسه (يغطس) بطين السياسة، كذاك الطين الذي ملأ حارات وأزقة المدن الفرنسية !

كانت (الطبخة) لا تزال تُعد من قبل فريق إنكليزي فرنسي في (مطبخ) مدرسة مهجورة في باريس بعيداً عن عيون الفضوليين والطماعين والصحافة، في وقت كانت الوفود الأخرى وبينهم أميرنا الشاب يسترخون بفنادق باريس الفخمة !
نُقل الأمير إلى لندن بأستضافة اليهودي (وايزمان) وليجد أن لمسات أخيرة قد وُضعت على قبوله (تمثيل) منظمات يهودية في فلسطين، وهو ما يعني نزع اعتراف رسمي عربي بتواجد اليهود على أرض فلسطين، بمقابل وعود (بمناقشة) منح المشرق العربي حدود دولية و(إستقلال) !
أعطاهم الأمير العربي جواب دبلوماسي ليؤكد تعاطفه مع اليهود ووعدهم بالعودة لأبيه في أمرهم، وكان يعلم بأن أبيه مستعد لدفع أي ثمن بمقابل أن يتحقق حلمه بولادة وطن للعرب، وأن يقوم بحكم مشرقه.
عاد الرجل من لندن لباريس ولم يستمع لأي شيء مما وُعِد به، بل صُدم بتقسيم بلاد العرب لأقسام ثم لدويلات !
وهكذا مرت عملية تقطيع الكعكة بمرحلتين، الأولى (الوصاية) والثانية تخطيط حدود وهمية ... (بمسطرة).

في قصر فرساي، غلبت المصالح الداخلية في المؤتمر على لغة التخاطب، انكلترا تطمح لمزيد من المكاسب الاقتصادية، مستعمرات في المشرق العربي والاحتفاظ بالهند وضم غينيا الجديدة، واليابان تقتطع جزء من الصين، وايطاليا تشكو الفقر عينها على شمال أفريقيا، ناهيك عن فرنسا صاحبة القائمة الطويلة ...
لكن الألمان والذين تخلفوا لبضعة أيام عن حضور المؤتمر، وصلوا ليُعلنوا أنهم لم يخسروا حرباً، وتمكن وفدهم المُحنك من إقناع بعض وفود المنتصرين، بأن مزيداً من العقوبات الاقتصادية ستدفع بهم (لأحضان) الروس، وهم إنما جاءوا لإبرام اتفاقية وليس التوقيع على صك هزيمة، وكلهم ثقة بأن الرئيس الأميركي (ولسون) سينصفهم حين صرّح بأن مشاعره مع تحقيق السلام وضد إشعال حرب جديدة !
لم يرُق ذلك للفرنسيين الذين دفعوا أقسى الخسائر ـ 700 ألف قتيل فرنسي من بين ما مجموعه ثلاث ملايين قتيل للحلفاء ـ وهو رُبع قتلى الألمان، فتجمع الفرنسيون محتجين، أرامل ومعوقين وجرحى برغم ثلوج شباط في ذلك العام الباريسي، فأضطر وزير خارجيتهم التحدث في المؤتمر بالانكليزية ـ وهذا ما لا يفعله الفرنسيون في الغالب ـ بشكل متزمت وصلب لإقناع المؤتمرين بأن وضع بلده استثنائي.
ولما وجد الفرنسيون بأن الألمان قاب قوسين من الإعفاء، اتهموهم بمحاولة اغتيال رئيس وزرائهم (كلي ماصو)، فتعقـّدَ الأمر حيناً حتى ظهر أن مواطناً فرنسياً قام بذلك ظناً منه أن الدبلوماسية الفرنسية المتصلبة إنما تدفع الألمان لشن حرب جديدة ضد بلده !
كانت نتائج الحرب العالمية الأولى أشد تأثيراً من الثانية، تفكك إمبراطوريات كروسيا القيصرية والإمبراطورية الأوسترهنكارية والدولة العثمانية، وأدت لظهور الشيوعية.

وقد هجّرتْ اتفاقية (فرساي) مئات ألوف البشر من قراهم، معهم حيواناتهم ولوازمهم، عِبرَ حدود خُطـّت على الورق، هِجرة لا تُمثـّل أهدافهم ولا تطلعاتهم، فكانت تلك أولى مبررات قيام حروب لاحقة.
من نتائج الحرب العالمية الأولى، التأسيس الخجول لعصبة الأمم المتحدة لتضم 60 بلداً، وبدء سباق تسلح محموم بصناعة أدوات الموت الحديثة، كالدبابات والطائرات، هذا السباق قد أفرزته حزمة العقوبات على ألمانيا وعلى الدول الخاسرة والذي تسبب ايضاً بنشوء أقطاب متنافرة كدست الأسلحة بعد تطويرها لتصبح أكثر فتكاً بالبشر والشجر والحجر، لتقود العالم لحرب كونية ثانية.

مما سبق يبدو لنا جلياً أن هذا المؤتمر ـ وبما يتعلق بالوطن العربي ـ قد وضع الأسس فعلياً لتفتيته لدول ودويلات متصارعة، ولم تكتفِ القوى العظمى بذلك، بل استمرت تُغذي النزاعات وتصطنع الأزمات، من بينها مثلاً إنشاء ودعم (إسرائيل) وعدم تخطيط الحدود بشكل تام مما أثار المشاكل لاحقاً، كالحدود بين العراق والكويت أو بين اليمن والسعودية ومنطقة (حلايب) بين مصر والسودان وحتى بعض المناطق بين دول وإمارات الخليج ...

ربما لو أن الوطن العربي لم يُشظى لدول ودويلات في (فرساي) لكان أحد أقوى اقتصاديات العالم بما يمتلكه من ثروات بشرية وطبيعية هائلة !

وهكذا دفعت الشعوب العربية أثمان غالية لقاء تقسيم أراضيهم بقرار بريطاني فرنسي مشترك، ولا يزال الشعب العربي يدفع الثمن في الوقت الحاضر، وسيظل يدفعه لعشرات أو مئات أعوام لاحقة !

عماد حياوي المبارك



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقلابات لا تنتهِ
- منازلة أم المعارك
- هيتشكوك
- المعادلة المعجزة
- حيتان
- آباء وأمهات
- مجرد كلام يستودَي
- هذا أنا ... عماد
- نوم ... شياطين
- يوم أكتشفتُ أني ... غير مؤمن !
- العتب على ... السمع
- ورقة التوت
- الآنسة ... بابيت
- عملية اغتيال ... بدالة
- مستقيمات
- لواكة لبّي
- حكايا وبغايا
- لازوردي
- كالكوووون
- قه شقولي


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - دوامة عمرها مائة عام