أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [9]















المزيد.....


الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [9]


إسلام بحيري

الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 10:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من خرافات الملحدين حول نظرية التصميم الذكي

-1-

1- مسألة "التبصر بأثر رجعي" : التبصر بأثر رجعي يعني النظر في واقعة أو مفردة معينة بعد انتهائها واستخراج الأفكار والحلول المنطقية.
أمثلة : رجل وقع له حادث بالسيارة وبعد أن يفرغ من كل الأحداث التالية ويرجع إلى بيته يبدأ يبحث ويفكر ويتذكر ويقول لو كنت فعلت كذا لما وقع الحادث، كان ينبغي أن أفعل س و ص و ع.
مثال آخر فتنة سياسية وقعت، وبعد أن تضع الحرب أوزارها يبدأ المفكرون يدرسون المسألة ويقررون حلولهم وأطروحاتهم بناء على تصور واضح للمشكلة (التي وقعت بالفعل).
هذا هو التبصر بأثر رجعي.
التبصر بأثر رجعي في قضايا الإلحاد والإيمان يُستخدم بأسلوب ماكر جدا، وغبي جدا.. وقد يقع من علماء كبار، وبعضهم علماء رياضيات، وبعضهم علماء فلاسفة.. يوظفونه على هذا النحو :
يقولون للمؤلِّهة : أنتم تقولون أن الكون ذو تصميم معقد وذو بنية معقّدة، ولا يمكن –بحساب الإحتمالات - وجود تصميم معقد صدفة دون مصمم، إذن لابد من وجود إله.. يقولون: هذا الكلام مجرد خيال وتبصر في الكون بأثر رجعي بعد تكوينه بالفعل، ولكي نثبت لكم هذا : ائتونا بكم من القطع المعدنية أو غير المعدنية وانثروها في الهواء، وستقع على الأرض وتحدث شكلاً وتركيباً معقداً.. ولو نثرتها مليون مرة فلن يعود التركيب الأول مرة أخرى، يكاد يكون الإحتمال صفر، إذن لا تقولون لنا أن التعقيد والتصميم المعقد لابد من له من مصمِّم!! هكذا يلبسون الحقائق على الناس.. ونقول :
أنتم لديكم غشاوة على أعينكم لا تكادون تفهمون الحدود والفروق بين الحقائق.. نحن إذا أتينا بحروف اللغة العربية ثمانية وعشرون 28 حرفاً في ألف شكل معدني مثلاً، ونثرناها في الهواء أمام جمع من الناس، ستقع وتكوّن ترتيب معيّن وجملاً غير مفهومة لكنها معقّدة، ولو نثرناها مليون مرة ستكوّن جملاً أخرى مختلفة ومعقدة، نعم لا ننكر هذا.. ولكن الذكي يعلم أن هناك رابط يجمع بينها جميعاً يجعلها متساوية، وهو رابط "الإعتباطية" تركيب معقد ولكن اعتباطي! لا مفهوم له.. ولكن ماذا لو نثرنا تلك الحروف كوّنت بيت المتنبي :
مما ضرّ بأهل العشق أنهم هَوَوا * وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعاً وأنفسهم * في إثر كل قبيح وجهه حسنُ
هنا ماذا سيحدث ؟! هل سيسكت الناس كما سكتوا في المرات الأولى ؟ أم ستصيبهم الدهشة! سيقولون من كتب هذا وكيف تكوّن هذا البيت من الشعر، من قام بصفّه هكذا ؟!
هذا هو الفرق بين الترتُب والترتيب، بين التعقيد الإعتباطي والتعقيد الغائي القصدي المعبر عنه بالتصميم الذكي.
الحاصل بين القواعد النيتروجينية الاربعة للحامض النووي DNA هو ترتيب ذو دلالة وأيّ دلالة! دلالة تُشفِّر الكائن كله، وتجعله على ماهو عليه.. هي الدلالة التي تجعلني أنا وأنت على ما نحن عليه، تجعل الدجاجة على ما هي عليه، والكركدن على ماهو عليه، والشجرة على ماهي عليه، والزهرة على ماهي عليه.. وماكل تلك المخلوقات على ماهي عليه إلا الحياة! والحياة شيء متفرّد ومتميز ومختلف الى أبعد حد عن اللا حياة! ولذلك، فرق كبير بين تركّب نراه مثلا في السحاب، وبين تركُّب نراه في البنية الحية.

-2-

2- مفهوم "إله الفجوات" : حينما يفشل العلم في تفسير ظاهرة معينة، يرجعها المؤمن إلى الله (هذه قوانين الله)، وهنا لا يستحضر الماديون "علم الفجوات" (العلم سيكتشف.. العلم سيقول كلمته) لا.. بل تعلو حناجرهم بالإنكار على "إله الفجوات" وعلى أعداء العلم! وكأن هناك تعارض بين الله وبين قوانينه التي وضعها في الكون.. ولا تعجب! فبالفعل هذه الفكرة موجودة في الفكر الأوروبي ولا تزال حتى الآن : الخطأ الكبير الذي وقع فيه الفِكِر الأوروبي، ولا زال متورطا فيه الى اليوم هو أنه تخيَّل أن الله تبارك وتعالى يعمل في عَرْضٍ واحد مع القوانين التي تكفَّلَ العلم بإكتشافها ثم صياغتها بالأسلوب العلمي، (توماس هاكسلي) كَتَب يقول مرة : "كل ماينجح العلم في تفسيره، فبالضرورة لا دور لهه فيه"! لا.. ليس بالضرورة، هذا كلام غبي جداً جداً وفي منتهى السذاجة بالنسبة لما يعتقده المسلم.. (حتى أن المسلم الصوفي لا يعتقد أن مشيئته تتعارض مع مشيئة الله).

ولا تعجب من سطحية الفكر الأوروبي لأن ما هي روافده ؟ الفكر اليوناني فكر وثني متخلف في تصوراته عن الله والآلهة كأنها بشر تدخل في صراعات من أجل الحب والملك الخ، الفكر المسيحي كذلك فكر بائد لا يختلف كثيراً عن الفكر الوثني من حيث الأصول الكبرى في أنسنة الإله (تأليه المسيح)، وفي إدخاله في صراعات مع البشر (صراع مع اليهود ومع الرومان ثم هزيمة منكرة في النهاية وقتل للإله) وفي قصص الفداء والصلب من أجل غفران خطايا بني آدم.. فما ظنك بحضارة قامت على هذه العقائد ؟! إذا كانوا قتلوا إلههم بحسب الإعتقاد المسيحي، فهل سوف يشعرون أنهم لا زالوا في حاجة إليه ؟!! أو حتى يعتقدون أنه هو الذي يسيّر قوانين الكون ؟!!
ثم إن محاربة العلم والعلماء زادت الطين بلة، لأن رجال الدين كانت عقليتهم بالغة التخلف، وليس في كتبهم المحرفة أي أمر بالعلم والبحث والنظر، وإنما كان هناك اعتقاد دائم منذ وفاة المسيح أن القيامة على الأبواب..
كذلك يبدو ان هذه الفكرة السخيفة (الله والقوانين متعارضان) هو سذاجة المتدينين في الأعصار الخالية وخاصة في العصور الوسطى (الله فعل.. الله خلق) بالجملة دون الدخول في التفاصيل، وكان الناس مقتنعين بهذا في وقته، ولكن لما جاء العلم ولم يعُد مقتنعا بهذا الفهم الإجمالي، يريد أن يبحث في القوانين والنظر فيها (كما أمر القرآن عندنا) وبدأ يبحث عن علل وعن عوامل تفصيلية و دقيقة تفرّق بين الظواهر المختلفة، ونجح العلم أيّما نجاح في تفسير ظواهر كثيرة.. لكن ظلَّ هؤلاء المتدينون السذَّج على الاستعصام بالموقف السلبي المستنكر للعلم وبإنجازاته، كذّبوه و كذّبوا حتى الحواس، كما حصل لـ(غاليليو) الذي كان يمكن أن يُنصَف من هؤلاء بمجرد أن يُلقوا نظرة واحدة عبر تليسكوبه البدائي، لكن حتى هذه رفضوها.. لأنهم يعتقدون أن الحق في جانبهم وأن الباطل في جانبه، ولايخضعون لهذه المنهجية العلمية التجريبية.. لايؤمنون بها، بل حاربوها حرباً شعواء.. فحدَث صدع جدا كبير بين هؤلاء الجامدين السُّذَّج، وبين منهج العلماء المَرِن الذي يعترف بنسبيته وبتطوره وتكامله، منهج بحثي مختلف، فاتسعت الهُوَّة الى الأمد الأقصى بين الفريقين..
فصار العلم يتبجّح ويقدّم تفسيراته العلمية الدقيقة لهذه الظاهرة او تلك إزاء هذا التفسير الجُمَلي الساذج "الله فعل.. الله خلق.. الله اراد.."، ومن هنا رفض العلم بانه يوجد إله فعل كذا ولا خلق كذا.. العلم فقط هو الذي يعطي الجواب، وللأسف كلا الموقفين خطأ ما بين إفراط و تفريط.

طريقة المسلم على العكس تماما، فهي طريقة مبنية على أن القوانين الطبيعية –بشكل عام – هي أسلوب الله تبارك وتعالى.. طريقته في العمل، في تشغيل الوجود. وأنت كلما نجحت كعلم في تقديم تفسير جديد تفصيلي لظاهرة ما، كلما اعطاك زادا جديدا تُقارب به كيفية عمل الله في الخلق، كيف يعمل؟ العلم يقول لك. قال تعالى: (أولم يرَوْ أنّا خلقنا لهم ممّا عَمِلَت أيدينا أنعاماً فَهُم لها مالكون) ؟ (عَمِلَت أيدينا).. يد الله تعمل، والسؤال كيف تعمل؟ هل رأى أحدنا الله مباشرة بالأساس ؟ هل رأى يدَ الله كيف تعمل مباشرةً؟! وحاش لله أن تكون له يد حسية مادية.. إذن هذه القوانين، وهذه النظم إنما هي أسلوب الله في العمل، ولذلك لاتقع في عرض الله.. فكيــف تقع في عرض الله وهي أسلوبه ؟!! وإنما تقع في طول عمَلِ الله، (فهي تعمل و الله يعمل بها).. لايوجد تعارض بالمرة، ولذلك كل نجاح ينجزه العلم في تقديم تفسيرات جديدة ومبتكرة لنا لعمل نظام ..لعمل شيء معين .. تفسير ظاهرة طبيعية او غير طبيعية او حيوية ..الخ إنما يُقدم لنا زادا يُموِّلنا بزاد جديد نقارب به عمَل الله فنزداد إيمانا..
لكن أصل الإيمان لا يقوم على العلم وإنما على العقل.
الإيمان يستند الى العقل.. العلم عنده دور تمويني يموِّننا ببعض الأشياء التي تجعلنا نقارب عمل الله، أما وجود الله وكونه هو العلّة الحقيقية في هذا الوجود كله وفي احداث هذا الكون كله وأنه قائم به.. كل هذا العقل أوجبَه ..العقل توصّل إليه، بغض النظر عن العلم كان أو لم يكن، نجح..فشل.. أخفق.. هذا لايعنينا..

بعض الملاحدة العرب السُّذَّج البسطاء المساكين، يدّعون أن المؤمنين لم يؤمنوا إلا مع العلم الحديث وفي القرن العشرين و الواحد والعشرين مع (ستيفن هوكنج).. أي اذا آمن (هوكنج) آمنا.. واذا كَفَر (هوكنج) كفرنا! .. هذه ترهات وسخافات وكلام ساذج.. دور العلم تكميلي في هذا الميدان وليس له أي أهمية.. (حتى نظرية التطور التي يسبحون بحمدها ليل نهار لا علاقة لها بالفيزياء ولا بنشأة الكون ولا أصل الحياة) فلا تدع مجالاً لأي ملحد أن ينتفش ريشه بحجة "العلم"..! بل علّّمه كيف أنه أحمق لا يدري الفرق بين مجال عمل العلم، ومجال العمل العقلي الإستدلالي الفلسفي الذي يمكن به الوصول إلى حقائق الغيب.

لايوجد ثمة برهان علمي على وجود الله.. مستحيل، والذي يقول لك لديّ برهان علمي على وجود الله (كما يفعل السلفيون)، قل له: أولا أنت ساذج لاتفهم لا في فلسفة العلم ولا في الفلسفة العقلية أنت انسان بسيط جداً ولا تفهم ماذا تقول.. العلم لايستطيع ان يُثبت وجود الله وليس من شأنه ان يُنفي وجود الله..

لأن العلم له مساحة يشتغل فيها فقـط وهي ساحة العالم الطبيعي، وعنده مناهج محددة يتوسل بها، [كل ماخرج عن هذه الساحة يقول لك: هذا ليس من تخصصي]، أي أنه لو ثبت بالعلم أن هذا التصميم المعين تصميم ذكي وعبقري وجميل وفاعل الخ.. هل يستنتج "العلم science" : (إذن فالله موجود) ؟ إذا اعتقدت هذا فأنت جاهل مسكين.. عامّي تتمسّح بالعلم والعلماء دون فهم لأصولهم ومجال عملهم، بل سيقول لك العلم ومادخلي أنا بوجود الله ؟ "لا أدري" (ولذلك اللا أدريون أصدق مع أنفسهم من الملاحدة) هنا العلم يقف "لا أدري".. وتدخل الميتافيزيقا ومعها المباديء العقلية الآن!.. (إذن فالله موجود).. إذن هذه تتبع المبادئ العقلية والفلسفة، ولا تتبع العلم، كفى خلطاً وجهلاً.

إذن إ"له الفجوات" أكثر تماسكا، واكثر منطقية، لأن الذي يقول بإله الفجوات إنما يصدر في قوله هذا عن إله آمن به على "خلفية عقلية"، لديه "براهين عقلية" على وجود الله، براهين عقلية لاعلاقة لها بالعلم، لذلك ظل الناس من ألوف السنين مؤمنين بالله قبل ان ينشأ العلم الحديث بكامله، ولذلك هم يُهرَعون الى تفسير أي ظاهرة بإسناده الى الله الذين آمنوا به على اساس عقلي محترم، يحترمه كل من يحترم العقل وينفر من التقليد واتباع الكبراء - حتى لو كانوا علماء ملاحدة - على غير أساس عقلي.. لأن ليس كل عالم scientist يدرك هذا الفرق الدقيق.

-3-

3- نظرية التصميم الذكي هل هي إسقاط من العقل الانساني ؟ : يقول الماديون : (من قال انه يوجد نَظْم في الواقع ؟! قد يكون هذا اسقاط من العقل الانساني، الكون هو هكذا وانتهى، ونحن الذين سميناه نظما واسقطنا عليه مفاهيمنا البشرية وارداتنا ومصالحنا)..
غير صحيح.. هذا الكلام خطير جداً وعدمي بمعنى الكلمة، ويعني أول ما يعني القضاء على سائغية العلم، ليس العلم فقط، بل القضاء على امكانية وإمكان كل استدلال من حيث أتى، بل يقضي على نفسه.. أتعرف لمَ ؟! نحن كل تفكيرنا وكل مذاكراتنا.. كل حواراتنا وتواصلنا.. كل هذا هو ضروب من الاستدلال، اذا أنكرتَ واقعية النظم، معناها انكرت النظام الارتباطي، انه يوجد ارتباط معقول بين الاشياء، ليس بإرتباط عشوائي.. بل لمعنى، لغاية، لقصد، بدليل أنه يشتغل عندما يرتبط فإنه يشتغل ويعطي نتيجة، واذا عكسنا الارتباط لايعطي نتيجة او لايشتغل بالمرة. فحياتنا كلها هي قائمة على الاستدلال.
إذا أنكرت هذا النظْم يُصبح كلامك واستدلالك نفسه لامعنى له، فكما قلت لنا عن النظم والتصميم عبارة عن "إسقاطات عقولنا" وان العالم خالِ من النظم .. إذن بنفس منطقك : من الممكن أن أفهم من كلامك هذا أن العالم منظم جداً جداً ! فتقول : هذه سفسفطة ! وتكون بهذا قد رددت على نفسك.. هذه فعلاً سفسطة أنت بدأتها! فأفق أولاً من نومك وتخديرك ثم لنتحاور حواراً جدّيّاً.
أنت اذا قضيت على المباديء، فسوف تتيح المجال لأن نرتّب أي شيء على أي شيء!.. وهؤلاء هم السوفسطائيون الجدد.. سوفسطائيون معاصرون في اثواب علماء وفلاسفة، سفسطة لاتنتهي، يلعبون لعبة السفسطة دون ان يدروا!..
لو كان كلام هؤلاء السفسطائيون صحيحا، لأمكن في عالم العلم ايضا أن نقرّب اية ظاهرة من ظواهر الطبيعة، بأي فرضية، انت قرّبها بفرضية (أليست بإسقاطات كما تدّعي؟!) وانا سأقولبها بفرضية معاكسة لفرضيتك، وفي النهاية أنا سأنتج علما وأنت ستنتج علماً، وهذا وذاك إلى سينتج علماً آخر إلى ما لا نهاية، وهذا ليس علماً !

لأنه في المسار العلمي تُمتَحَن فرضية، وتسقط، فنستغني عنها.. وتُمتَحَن فرضية ثانية وثالثة واحيانا عشرات الفرضيات الى ان نقع على الفرضيات الصحيحة التي تكشف عن القانون الحاكم، ، واحيانا يُعتَقل الفكر الانسان مائة سنة ومائتين وثلاثمائة سنة الى ان يقع على الفرضية الصحيحة. هؤلاء السوفسطائيون ألا يدرون أن شيخهم دوكنز نفسه قد اعترف بالتصميم ؟ فهل سيكونون دوكنزيين أكثر من دوكنز نفسه ؟!
العلم على ماذا يقوم بالله عليك ؟!
العلم يقوم على الاعتقاد بواقعية العلاقات الإرتباطية بين الاشياء، موجودة ويؤمن بها العلم، وبإختصار يقوم على موضوعية النظم! أنه يوجد أنظمة في الخارج وُجِدتَ لتكتشِفهُا! فإذا أنكرت هذاً، فأنت بذلك تجعل العلم مستحيلاً! ولو وضعت أمام الشمس غربالاً فلن تحجب الشمس عن أعين الناس.. ومهما أتقنت الفهلوة والبيان السحري الباطل فلابد أن ينتصر الحق الصرف أيضاً.. لأنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح.
اذن الأخطر ليس ضرب سائغية العلم فحسب، بل الوقوع في السفسطة بمعنى ضرب معقولية العقل نفسه..معقولية الفكر البشري.. معقولية الاستدلال البشري.. هذا اخطر شيء على الاطلاق.

-4-
الهدفية في الكون ليست هي انعكاس لبنية العقل.. لا فنحن لدينا فرضية اخرى و أدق بكثير - وهذا ما حيَّر (آينشتاين) – هي : (أنه يوجد تجاوب ويوجد تراسل بين بنية الكون، وبنية العقل) ! وهذا الذي استعجب منه العلماء والفلاسفة الكبار.. هذه هي دهشة الفلاسفة من الأشياء المألوفة عند. تقول لي: هذه مجرد فرضية ؟ هذه فرضية مؤيدة بخمسين ألف دليل!.. نحن نعيش بفضل صِدق هذه الفرضية..
يوجد تجاوب بين بنية الكون وبين بنية العقل بحيث ان العقل الآدمي العقل البشري الانساني قادر –سبحان الله العظيم- أن يفهم بعض سر هذه البنية، وبعض نظمها، وبعض تصاميمها، ويتوغل ويبحث ويضع يده على القوانين الفاعلة والحاكمة في هذا الوجود، ويسخر الوجود بها، ويفهمها فهماً تنبؤياً، فيستطيع ان يعرف اليوم أنه بعد مليون وخمسين سنة في يوم كذا وفي ساعة كذا .. سيحدث كسوف كلّي مثلا !.. يعرف هذا وينجح تماما!
وبالقانون الذي عرفه وسماه قانون التربيع العكسي القائم على قانون الجاذبية، استطاع ان يحدد كيف سيبعث المركبة الفضائية وتصل بعد اربعة ايام مثلا وثلاث ساعات وتسعة دقائق ..الخ تحط على القمر بعد هذا التوقيت تماما !!! وبالعفل يتحقق ماتمت دراسته وحسابه !ومن هنا نجاح العلم ..

-5-
لكن السؤال: كيف ؟! وماهو سر تجاوب البنيتين ؟ (هل تتذكر مفارقة والس؟)، ولماذا زوّدتنا الطبيعة بهذه المَلَكة من قبل مئات ألوف السنين، لماذا لدينا هذه اللياقة الهائلة؟ وهذه اللياقات لا علاقة لها بوجودنا في إِطار البقاء فقط.. لا، فنحن نستطيع ان نبقى من غيرها.. صحيح ؟ لكن هذا الإنسان هو المراد هو السيّد هو صورة الله، هو خليفة الله في الأرض (إني جاعل في الأرض خليفة)

الوجود له درجتان:
1- وجود تام، وهو وجود الانسان .. أن يبقى و أن يقهم
2- وجود ناقص: وهو وجود الجمادات والبهائم.. الخ، أن توجـد ولا تفهم (فنحن شرفنا اننا موجودون ولدينا القدرة على أن نفهم)..
ما هو سر هذا الفرق الهائل الذي يفرق بيننا وبين الكائنات والأحياء الأخرى؟ ما لماذا أعطانا الكون شيفرته ؟ أو كيف استطعنا أن نفهمها ؟ وما هو سر هذا الإنسجام والجدلية بين آلية النظام الكوني وبين عقولنا !!
بدون وجود الله لن تستطيع أن تفسر شيئاً، لأنه هو الذي خلقنا وخلق الكون، وهو الذي وضع هذا الرابط المعبر عنه في القرآن بـ(التسخير) (وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعاً منه) فالقرآن هو كتاب الله المقروء، والكون هو كتاب الله المشهود.. والإنسان كون صغير..

الله تعالى لم يهمل خلقه، بل خلق ثم سخّر ثم هدى وعلّم
هل تذكر جدول العناصر الكيمياوية الذي وضعه العالم الروسي الشهير (ديميتري ماندل يِيف) في عام 1869م، طبعا هو عُدِّل عدة مرات، لكن باختصار توجد ثمانية عشر مجموعة في الجدول رأسية، وتوجد سبعة افقية، وترتيب العناصر يتبع خطة محددة، أتى الذين بعد ماندل ووضعوا العناصر المكتشفة وفق هذه الخطة فانتظمت تماماً، لكن بقيت فراغات.. فعرفوا انه لابد ان تكون في الطبيعة عناصر تسُد هذه الفراغات.. اذن يوجد نظام هنا في الطبيعة! وليس نظام الجدول الذي وُضِع.. لا، بل النظام العقلي الذي اكتشفه وليس الجدول، ونحن صغناه في شكل جدول، و فعلا.. يوما بعد يوم وجدوا أن توقع العلماء صحيح! الى عام 2009م صار لدينا مئة وثمانية عشرة (118) عنصراً في الجدول الدوري.. معناه فعلا الطبيعة فيها نظام ودقيق جدا جدا، يسمح لـ (ماندل ييف) ولمن أتى بعده ان يترك فراغات حتى في يوم من الايام ستُسَد !! يعني هذه الفراغات إذا امتلأت في الطبيعة ستمتليء في العقل أي في الجدول!.. يوجد تناظُر! يوجد جدلية.. حالة مرآوية.. معناه أن الكون فيه نظام وهي ليست مسألة افتراضية .
سؤال : هل يمكن لبقَّة صغيرة دقيقة جدا جدا تمشي على شعرة في فرو حيوان لبون معين ان ترى هي هذا الحيوان التي هي على شعرة في فروه وتفهمه كله ؟! مستحيل .. فنحن أصغر من هذه البقَّة في الكون !! ولدينا القدرة على معرفة الكون وبناء النماذج الرياضية تخيّل شكل الكون، هل هو اسطوانة هل هو كرة هل هو مفتوح هل هو سلبي التحدّب او ايجابي التحدب او مغلق؟.. شيء عجيب!!
ربما سمعت قوله تعالى على لسان موسى أمام فرعون (قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)، بدون فهم "سُنّة الهداية" أو قانون الهداية ستظل تضرب أخماساً في أسداس، ولن تفهم شيئاً، لن تفهم حتى الفرق بينك وبين الشمبانزي.. أرأيت كيف أن الإيمان بالله يمنحك احترام النفس وتقدير الذات وفهم موقعك في الكون ؟

يتبع..



#إسلام_بحيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة السيد علاء ابوالعزائم رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفي ...
- علماء الأزهر.. هل تحولوا إلى دعاة يصدون عن سبيل الله ؟!
- الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [8]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [7]
- إذا كان الإسلام هو سبب التخلف فبماذا نفسر حضارة الإسلام بعلم ...
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [6]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [5]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [4]
- الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [3]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [2]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [1]
- -سلفيون ملاحدة- موقف االسلفيين والملحدين/اللادينيين من نموذج ...
- كيف يكون الإسلام هو الحل ؟!
- جمعة رفع المصاحف.. بنو أمية يطلبون تحكيم شرع الله في ميدان ا ...


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [9]