أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - كيف يكون الإسلام هو الحل ؟!















المزيد.....


كيف يكون الإسلام هو الحل ؟!


إسلام بحيري

الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 23:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقول الكاتب الكبير الأستاذ خالد محمد خالد :
(إن تصفية العلاقة بين المجتمع والدين بداية الطريق إلى النماء والاستقرار.. وليس ثمة ما ينفر الناس من الدين مثل ابرازه في صورة في صورة مناهضة لحقوقهم مخذلة لطموحهم .

والدين في المجتمع الإنساني بأسره يمثل "ضرورة اجتماعية" لا غنى للناس عنها. لكن الأمم تتفاوت في طرائق الانتفاع به, واستلهام مبادئه وتوجيهاته. كما تختلف في حرصها على أن يكون كما أراد له ربه قوة وإخاء ومساواة, لا ظهير أنانية وعدوان.

وبقاء الدين متربعاً على عرشه المجيد, يتوقف على أمرين :

أولهما : تفاعله المستمر مع حاجات الناس, حتى تستطيع البشرية أن تجد منه عوناً على مواجهة مشاكلها المستحدثة, ووضروراتها الطارئة, ويبارك محاولتها الدائمة للتقدم والوثوب.

ثانيهما : احتفاظه بخصائصه الذاتية الكبرى, وأهدافه التي من أجلها شرعه الله وأنزله.. وهي إسعاد الناس سعادة واقعية في نطاق المساواة النبيلة التي جاء يعلنها ويحض عليها) اهـ نقلاً عن كتاب (من هنا نبدأ) ص 50

بعد سقوط نجم الفكر السلفي الوهابي، ونزع قناع التجديد المزور عن وجهه القبيح، وافتضاحه أمام الجماهير التي كانت تثق به عبر وعاظ ورهبان قناة الناس وقناة الحافظ وغيرها من الفضائيات الممولة من جهات وبلاد معروفة بولائها التام لإسرائيل، تنفيذاً لمشروعها الصهيوني في المنطقة، حتى تكون هي الدولة الأقوى والأكبر - حتى من حيث المساحة - بعد تقسيم الدول العربية والإسلامية إلى دويلات صغيرة بسبب دجاجلة "تطبيق الشريعة" وسحرة "الحكم بما أنزل الله".. وأخيراً (فاجعة) داعش التي أدهشت الكثيرين إذ قالوا (كيف كان يحمل وعاظ الفضائيات وخُشّع الرهبان هذا الفكر الحيواني السبعي الذي يعود إلى ما قبل التاريخ البشري) ؟ ومع أن هناك من بعض الجهلة أو المغرضين من لا يزال يحاول - عبثاً - التفرقة بين لحية "داعش" وبين اللحى المتناثرة بين أظهرنا : إلا أن الواقع الصارخ ينطق بأن الفكر السلفي الوهابي قد سقط جداره وانهد بنيانه إلى غير رجعة.
فقد تبين - على إثر الثورات العربية - للصغير والكبير أن هؤلاء شخصيات سياسية محتالة احتيالاً رخيصاً لا شخصيات دينية محترمة.. وأن كل ما كان من نقيق الضفادع ونعيب الغربان حول ضرورة تطبيق الشريعة (ذلك اللغز وتلك الفزورة التي لم يستطيعوا هم حلها حتى الآن ولم يخبرونا كيف نطبقها ونحن نعيش في مجتمعات إسلامية نبيع ونشتري ونتزوج ونطلق بشرع الله !) تبين أن كل هذا كان مجرد حيلة لاكتساح المنافسين السياسيين ووصمهم بالكفر والردة أمام البسطاء.
بعد سقوط وأفول هذا النجم المزيف كان هنا سؤال مهم يطرح نفسه : ما هو البديل ؟
الحقيقة أن من تتبع تاريخ أمتنا وتكوينها الثقافي والروحي والتربوي، ودقق النظر في لحظات الإستعمار والتحرير، ومن كان سبباً في تحرير بلادنا العربية وتربية شبابنا على الأخلاق الفاضلة النبيلة التي بها تنهض الأمم وتقوم الحضارات : سيجد أن البديل هو الإسلام الوسطي الصوفي السمح.. الذي به تقدمت تركيا وماليزيا وإيران.. وبمعاكسته تخلفت الدول العربية التي انتشر فيها هذا الفكر بدعم من بلاد البترول، حيث استشرى التكفير والعنف الفكري حتى انتهى إلى العنف المسلح، ولم يعد هناك فرصة للعمل والبناء والتنمية مع استمرار هذا الشغب. وأما في البلاد الإسلامية التي قامت بها نهضة صناعية وثقافية فلم تعرف هذا الفكر المتطرف بل ساد فيها الإسلام الصوفي الروحي السلمي المستنير، المنبثق من مشكاة أهل بيت النبوة.
ولكي نعرف ما هي معالم التصوف يجب أن نسأل عدة أسئلة محورية :
س : هل هناك مدارس تزكية وتربية في الاسلام ؟
ج : نعم هي مدارس التصوف ومذاهبه.

س : هل هناك علم معني بدراسة مرتبة "الاحسان" ؟ كما أن هناك "علم الفقه" لدراسة مرتبة "الاسلام" و"علم العقائد" لدراسة مرتبة "الايمان" ؟
ج : نعم، العلم المتخصص في دراسة مرتبة الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه) هو علم التصوف المذكور في قوله تعالى (ويزكيهم).

س : هل هناك مجتهدون في "أعمال القلوب" كالتوكل والإخلاص والرضا بقضاء الله وقدَره والإخلاص والمحبة ومراتب اليقين, كما ان هناك أئمة مجتهدون في "عبادات الجوارح" من صلاة وحج وزكاة وصيام ؟
ج : نعم هناك مجتهدون كثيرون في تزكية النفوس وتطهير القلوب في تاريخنا الإسلامي، ولكل منهم مدرسة تربوية خاصة به، أو بالمصطلح الصوفي : لكل منهم "مشرب" خاص به.. وقد قام الباحث الصوفي المستنير د. عمار علي حسن بوضع كتاب في سيرة بعض هؤلاء الأعلام سماه (فرسان العشق الإلهي).
هذه المدارس التربوية يطلق عليها في الاصطلاح الشرعي مدارس "التزكية" أي تطهير النفس البشرية والقلب من الأمراض النفسية كالكبر وحب الظهور وحب الرياسة والسعي إلى السلطة والغضب والحسد والحرص والخوف من الخلق الخ.. فمدارس التصوف هي التطبيق العملي للتزكية في قوله تعالى (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم..)
فأي أهمية يمكن أن نتصورها لمثل تلك المهمة الخطيرة التي تمثل أحد مقاصد البعثة المحمدية !
كانت مدارس التصوف تلك تُخَرّج نماذج ممتازة وقدوات للبشرية وقمماً شامخة في البذل والتضحية وعلو الهمة والأخلاق الحسنة الفاضلة.
من الذي نشر الإسلام في ربوع شرق آسيا بلا سيف ولا سَنان غير تجار الصوفية ؟ ثم من الذي حرر بلاد الإسلام من ربقة الذل والإستدمار غير الصوفية ؟ السيد عمر المختار في ليبيا، والأمير عبد القادر الجزائري في الجزائر، والسيد عبد الكريم الخطابي في المغرب، والإمام "شامل الدغستاني" في روسيا، وجيش الطريقة النقشبندية في العراق، والسيد محمد ماضي أبو العزائم في مصر حيث كان هو الأب الروحي لثورة 1919 م وكان شيخاً للزعيم سعد زغلول رحمه الله تعالى. (للتوسع يمكن الرجوع إلى أبحاث الباحث السوري الأستاذ أسعد الخطيب، لا سيما كتاب "البطولة والفداء عند الصوفية").

دور الصوفية في تحرير الأمة وتصحيح مسارها :
لقد بعث الله تعالى نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بـ "إسلام الإنسان" على حد تعبير الأستاذ جمال البنا رحمه الله، لكي يحرر الإنسان من رق أخيه الإنسان، تنتهي غارات القبائل القوية على القبائل الضعيفة، لكي ينتهي السلب والنهب والرق ووأد البنات وإهانة المرأة والتعامل بالربا واستعمال منطق القوة والسلطة في كل مناحي الحياة.. وبالفعل تحرر العربي وتثقف عقله واستنار قلبه وانصلحت أخلاقه بفضل هذا النبي الكريم، وبقيت تعاليم هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في مدرسة أهل بيته من بعده.. فكان مع الإمام علي بن أبي طالب "إسلام الإنسان" الذي تلقاه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مع معاوية "دين السلطان" ولم يطُل الصراع كثيراً حتى انتصر مشروع "دين السلطان" وعاد بالعرب مرة أخرى إلى زمن غارات القبائل واستعمال منطق القوة وإرهاب الحاكم للرعية ونفاقهم له اتقاء شره.
ولم يكن اللوم واقعاً على معاوية ولا على ابنه يزيد ولا على أي حاكم ظالم من بعده بقدر ما وقع على قطاع كبير من مغفلي المسلمين لم يفهموا الفرق بين إسلام علي وإسلام معاوية بقدر ما فهموا الفرق بين ورع علي وبين عطايا معاوية وكرمه ورشوته لأنصاره وشرائه للذمم من بيت مال المسلمين.
لقد ظل المسلمون يعانون من ضياع "إسلام الإنسان" بعد الإنقلاب عليه وهو في مهده سنة 40 هجرية، ولا سبيل للرجوع مرة أخرى إلى الإسلام الحقيقي "إسلام الإنسان" إلا باقتفاء أثر أهل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال التصوف والإسلام الصوفي.

كلمة للمنكرين على التصوف :
توجد أقلام هنا وهناك تفهم التصوف على غير حقيقته، فتراه انهزامية وتواكل وضعف، ولا أدري من أين أتاهم هذا الفهم السقيم مع أن تحرير البلاد العربية من نير الإستعمار كان على أيدي الصوفية، بدءاً من هجمة التتار وانتهاء بالعصر الحديث!
- ربما تسلل إليهم هذا الفهم من قرائتهم لأدبيات الصوفية التي توصي بالأدب مع الشيخ والتسليم له وعدم الإعتراض عليه، ورأوا أن هذا يتعارض مع استقلال الشخصية واحترام العقل الخ ما هنالك.
ولكن هؤلاء فهموا هذا النوع من الأدب فهماً خاطئاً على غير وجهه، فليس من آداب التصوف أن يسكت المريد على منكر يراه أمامه، فربما يكون هذا الشيخ دخيلاً على التصوف، وإنما الأدب هو التسليم لما يأمره به الشيخ ولو كان ضد مراد نفسه، لأن طريق التربية وتزكية النفس صعب وغامض ليس كطريق تعلم العلوم النظرية.. ومن هنا تكون العلاقة بين المريد والشيخ أشبه بالعلاقة بين الإبن والأب المربي، يحتاج إليه وإلى توجييه وخبرته، وليس غريباً أن يقبل الامر ما لم يكن معصية، فنحن نطيع أمر الطبيب بتناول أدوية كريهة الطعم لأننا نعلم أن أمره فيه المصلحة ونثق فيه وفي علمه وحرصه على شفائنا.. كذلك الامر يكون مع طبيب الروح، إلا أن مهمة الأخير أصعب وأعوص، ولن تسمح نفسك بأن تقمعها وتقمع رغباتها وشهواتها إلا من خلال مربي اجتاز تلك المراحل وقطع تلك المفاوز واقتحم هو بدوره تلك العقبات من قبل على يد مربٍ آخر بالتسلسل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم : وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان وسطا بين العالمين ، وأن يخفى عنه ما به سعادته الروحانية ، وأن يلهمه ما به سعادته الدنيوية ، قال سبحانه : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل: 78..
وقال أن : الذي يفارقه المسافر إلى الحق حقائق في ذات الشخص لا تفارقه إلا بفادح المجهود ، وما دامت تغشى جوهر النفس ، فالنفس في اللبس، ولو حصّل المسلم علوم الأولين والآخرين ولم يظفر بدليل في مقام جهالته بالطريق أو برفيق في مقام علمه به لا يصل إلى قصده ، ولو أن الله جل جلاله قدر ذلك في أزله لأظهر ذلك في ملائكته المجردين عن المادة ولوازمها ، أو منح ذلك رسله الكرام ، فإن الله تعالى ألزم الملائكة أن يتلقوا من آدم ، وأمر الرسل أن يتلقوا من جبريل) اهـ. نقلاً عن كتاب "الطهور المدار على قلوب الأبرار".
هذه هي الحقيقة التي لم يفهمها أولئك المنكرين، وقد أتاهم الفهم الخطأ من جهة أنهم لم يسلكوا طريق التصوف وإنما فقط قرأوا عنه، ولو سلكوه وشعروا بالتحسن التدريجي في أخلاقهم ونفسياتهم وكيف أمسوا أكثر تواضعاً وأكثر رحمة وأكثر سلاماً داخلياً مع النفس ومع الناس : لما اعترضوا، وإن هؤلاء المريدين المتأدبين مع الشيخ أمسوا بعد ذلك رجالاً حرروا العالم الإسلامي من الإحتلال، ونشر تجارهم وعلماؤهم الإسلام السمح في شرق آسيا.
- كذلك ربما يعترض البعض على التصوف بالممارسات الخاطئة والإنحرافات عن الشريعة.
ونقول :
1- أن أي انحراف يحدث تقع تبعته على صاحبه لا على المنهج، لأن هناك فرق بين التصوف والطُرُق الصوفية، فرق بين النظرية والتطبيق. ولو أخطأ قطاع من الأطباء وتحولوا إلى تجار : هل نلغي مهنة الطب ؟ ولو باع بعض الضباط ضمائرهم أو طالبوا بإطلاق اللحى وتحولوا إلى رجال دين يتسترون على الإرهابيين : هل نقوم بإلغاء قطاع الشرطة ؟ بالقطع لا ! لأن حاجة المجتمع للطب والشرطة ومصلحته من الإبقاء عليهما أكبر بكثير من مفسدة عينة من المنحرفين وسط بحر من الشرفاء.
2- التصوف هو المنهج الأجدر بمحاربة الجماعات المتطرفة في المرحلة الحالية، ولو كانت هناك هنات وبعض انحرافات، إلا أنها أمور شخصية وليست جرائم منظمة تقودها عصابات إجرامية، وإنما مجرد دخلاء على الطريق يمكن التخلص منهم لو كانت هناك حركة ثقافية قوية تدعم التصوف.
3- التصوف هو الروحانية الجامحة التي تملك وحدها إرواء عطش الشباب الملحد الحائر أو الذي لا زال في طريقه للإلحاد ولا يجد إجابات شافية عن تساؤلاته حول وجود الله.. أذكر أني كنت أجلس ذات ليلة أقلب في القنوات الفضائية فوقفت على حوار بين شابين ملحدين من جهة وشيخ أزهري وقس من الكنيسة المصرية من جهة، فتركت كل شئ وتابعت الحوار لأني من المهتمين بهذا الشأن.. فلاحظتُ أن ردود الشيخ والقس ضعيفة، لدرجة أن أحد المعلقين قال (أنهم مش عارفين يردوا.. وأنهم قرفوه وفقعوا مرارته)! وكان كلامه صحيحاً.. (مع ملاحظة أن أحد دعاة الصوفية - وهو الشيخ "أحمد عبده عوض" – قابل مجموعة من شباب الملاحدة وناقشهم وكانت حجته مُسكِتة لهم وأسفرت مناظرته عن رجوع أكثرهم إلى الدين), ظل الوضع على ما هو عليه حتى اتصل شخص يبدو من لكنته أنه فلاح مزارع بسيط، لكنه أفحم الجميع بما فيهم الشيخ والقس الحائزان على أعلى الدرجات العلمية! ماذا قال ؟ قال في تواضُع : (أنا عندي دليل عقلي.. سأضرب لهم مثلاً من حياتهم اليومية، وهو "كوب اللبن".. هل يستطيعون أن يروا السمن أو الدهن الذي يتخلل اللبن ؟ لا ولكنه موجود)!! قال هذه الكلمات بعد ساعتين من الأخذ والرد، فنزلت برداً وسلاماً على قلوب الجميع وكانت علامات التأثر واضحة على وجوههم.. (شاهد بنفسك في هذا الرابط في الدقيقة 25 :
https://www.youtube.com/watch?v=viVCvMN7kng

التصوف هو المنهج الإسلامي الأصلح والأبقى في المرحلة القادمة :
منذ ألف سنة قال عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته (أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بدين).. هذه العبارة الوجيزة في مبناها، الكبيرة في معناها : كانت خلاصة رؤية تاريخية ثاقبة من ابن خلدون لما حدث منذ هدم الخلافة الراشدة على يد معاوية بن أبي سفيان واستخدامه سياسة "تحريف الدين لصالحه السياسي" كأمضى سلاح ثقافي يمكنه أن يسيطر به على عقل وإرادة الأمة, وقد نجح في هذا إلى حد بعيد هو ومن اقتفى أثره من بعده ومن بعد ابن خلدون أيضاً.. ولا أبالغ إن قلت أن أفكار معاوية (أحد أكبر دهاة العرب) لم تزل تعيش بيننا وتسلب كرامتنا أمام طغاة الحكام حتى عصرنا الحاضر ! من خلال الفكر السلفي وأبواقه الممولة المبثوثة في كل مكان.. وأن أول مسمار دُقّ في نعش ذلك الإسلام الأموي المزيف كان مع اندلاع الثورات العربية، حينها فقط تنفّس المواطن العربي الصعداء وبدأ يشعر بآدميته..
نعم .. لم يسقط مشروع معاوية إلا مع سقوط الفكر السلفي والإسلام السياسي منذ عامين فقط..
معاوية شخصية محورية في التاريخ الإسلامي لأنه عبث وأحدث خللاً في "النص" والأحاديث النبوية التي تمثل الدستور الثقافي والديني الذي استقى منه "أهل السنة والجماعة" أصولهم السياسية ومواقفهم تجاه الظلمة والمتجبرين والمتغلبين بالسيف إلى السلطة.. ونحمد الله أن هذا الفكر لم يعد له مكان بيننا الآن.
ولكن مهلاً : فكر استمر 1400 سنة هل تريد أن تمحو جذوره من وعي الأمة وتحرر منه العقل المسلم دون منهج بديل وسطي ومتكامل في فهم الإسلام يقاومه ويصلح ما أفسده الفكر المتطرف ؟!! لا شك أن هذا سيكون دليل أمية ثقافية وضعف في التخطيط في ميدان الصراع الحضاري والفكري.

خصائص المنهج الإسلامي البديل في المرحلة القادمة :
لابد من منهج بديل (قوي) يتفوّق خيرُه على شرور الفكر السلفي المتخلف المتطرف.. وتكون خصائصه كالتالي :
1- يجمع بين البُعد الثقافي النخبوي وبين البعد الشعبي الجماهيري، ولا يصلح النموذج النخبوي المجرد الذي مكانه الصالونات الأدبية والمجلات والكتب أن يكون بديلاً عن تيار الفكر السلفي الشعبي الذي كان يخاطب رجل الشارع وتفهمه المرأة ربة البيت والطفل الصغير لبساطة لغته.
2- ليست السلطة هدفاً له بحال من الأحوال، وإنما يجب أن يكون منهجاً نقي المضمون والهدف كما أنزله الله على رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك لكي نتقي غوائل خلط الدين بالسياسة مرة أخرى.
3- يجب أن يكون منهجاً تربوياً أخلاقياً، يركز على إسعاد الناس وتحقيق مصالحهم وبناء الشخصية السويّة والمواطن الصالح الذي يحب وطنه ويتقن عمله ويرغب في المشاركة بما يستطيع في نهضة بلده واستعادة مجد أمته. بدلاً من التدين الظاهري السطحي المنطوي على قلوب أقسى من قلوب الصهابينة، وبدلاً من هذا التخلف الفكري من التكفير والإقصاء والدعوة إلى العيش بعقلية القرن السابع الهجري أو عقلية علماء بلخ أو خراسان! كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى.
ولو تأملنا أي منهج إسلامي أصيل يحمل هذه الخصائص، لما وجدنا غير التصوف الأصيل، فهو يحمل هذه الخصائص :
1- التصوف يجمع بين البُعدين النخبوي والجماهيري..
البعد الثقافي النخبوي من جهة أنه علم راق جداً بل أرقى ما وصلت إليه البشرية في معرفة النفس ومعرفة الله ومعرفة أسرار الوجود وفلسفة الحياة، فعلم التصوف – كما يقول د. عبد المنعم الحفني في الموسوعة الصوفية – هو فلسفة المسلمين، يجد فيه المثقف بغيته ويقضي به نهمته الروحية ولذته العقلية. وإذا كان بعضنا من أنصاف المثقفين يزري على التصوف وعلى الحلاج ومحي الدين بن عربي جهلاً منه بهم وتأثراً بزعيم المتأسلمين الأكبر ابن تيمية : فإن محي الدين بن عربي ومولانا جلال الدين الرومي مصدر فخر لنا نحن المسلمين في الغرب، ولهم مكانة رفيعة في الأوساط الثقافية والأدبية الأوروبية لا تقل عن مكانة أبي الوليد بن رشد، ولكن للأسف الكثير منا لا يعلم عنهم شيئاً إلا ما قاله ابن تيمية في القرن السابع الهجري ولا يزال يتردد كلامه حتى الآن!
والبعد الصوفي الشعبي الجماهيري : يكون من خلال الطرق الصوفية.. والعامة يشهد الواقع بأنهم من أحب الناس للتصوف لأن محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أحد أصوله وأركانه، وزيارتهم تعتبر عند الصوفية صلة وبر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكير بحياة هؤلاء وجهادهم ومبادئهم السامية التي عاشوا واستشهدوا من أجلها.
2- التصوف منهج رباني هدفه – كما يقول الإمام محمد ماضي أبو العزائم - تزكية النفس البشرية وإيصالها إلى كمالها، وموضوعه القب وما يدخله ويخرج منه من خواطر وأفكار وما ينتج عن هذا من سلوك خارجي، ومعالجة الأمر من منبعه وبدايته حتى يكون أهلاً لمشاهدة جمالات الله تعالى ورؤيته بعين البصيرة في مخلوقاته، فيتنعم العبد المؤمن برؤية ربه (الذي هو أعلى نعيم أهل الجنة) هنا في الدنيا قبل الآخرة، ويثمر هذا صفاء القلب حتى لا يكون للشيطان إليه طريقاً، فيكون العبد كأحد الملائكة بل أفضل ولكن في صورة بشرية كما حكى القرآن عن يوسف عليه السلام (ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم).. هذا هو التصوف باختصار، وهذا هو ميدانه : الإصلاح الداخلي والتهذيب الأخلاقي.
وأما ميدان السلطة والسعي إلى الحكم فلا علاقة بينه وبينها، لأن رؤية الصوفية للإصلاح رؤية داخلية في الأصل،والجهاد الأكبر عندهم هو جهاد النفس، ولا يتطرقون إلى الجهاد الأصغر - جهاد العدو (القتال) إلا لرد بأس الإحتلال عن بلاد المسلمين (وليس قتل المسلمين كما تفعل الجماعات المتأسلمة)، ولا يأتي الإصلاح عند الصوفية من خلال السلطة وإنما من خلال تربية الجماهير التي يخرج منها الحاكم الصالح، وأما الصوفية أنفسهم فهم يهربون من تولي أي منصب سياسي، والتاريخ الإسلامي يزخر بقصص رفض كثير من العلماء الصوفية أو المحبين للتصوف لمنصب القضاء، لدرجة هروب كثير منهم من بلده في حالة إجبار الحاكم له على ذلك.
3- التصوف منهج تربوي أخلاقي إيجابي، ليس فيه سلبيات في بنيته ومضمونه، وإنما تأتيه الإنحرافات من أصحاب المصالح وأهل الدنيا الذين لا يخلو منهم زمان أو مكان، إلا أن التصوف في حد ذاته منهج إسلامي نبوي بحق لا غبار عليه، فلم تعرف دنيا الناس إرهابياً واحداً تخرج من مدرسة أهل البيت الصوفية.
ولم تر الأمة الإسلامية والمجتمعات العربية من الصوفية إلا كل خير وكل بر، فإن مدارسه هي التي أخرجت لأمتنا من المصلحين والقادة والعلماء والمربين والمفكرين جموع غفيرة، أمثال السيد محمد ماضي أبو العزائم د. مصطفى محمود د. يوسف زيدان و د. علي جمعة في مصر، والحبيب علي الجفري في اليمن، والسيد محمد علوي المالكي في السعودية، و العلامة الشهيد د. سعيد رمضان البوطي في سوريا، وصدر المتألهين في إيران، والأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي في تركيا، وأحمد بن عبد الأحد السرهندي وشاه ولي الله الدهلوي وأبو الحسن الندوي في الهند، وآل الغماري وآل الكتاني في المغرب وغيرهم كثير مما لا يحصى كثرة. ويكفي أن نرجع فقط إلى كتب سير وتراجم الصوفية ككتاب "الموسوعة الصوفية" للدكتور عبد المنعم الحفني أو "نزهة الخواطر" للسيد عبد الحي اللكنوي (مطبوع في دار ابن حزم بعنوان "الإعلام بما في تاريخ الهند من الأعلام" في سبع مجلدات) أو كتاب "ربانية لا رهبانية" أو كتاب "إذا هبت ريح الإيمان" للسيد أبي الحسن الندوي لكي نعلم فضل التصوف والصوفية على هذه الأمة، وكم قدم من علماء ومصلحين وقادة ومفكرين ومجددين. ولكي نعلم الفرق بين الإسلام الصوفي السمح وإسلام الخوارج الذي ابتدعته الحكام وأقذار السياسة.
لقد كان الدين – في ظل التصوف – في تاريخنا مصدر إسعاد وأمن وأمان نفسي ومجتمعي بشكل أمسينا نفتقده ونأسى عليه الآن.. ولا يمكن استعادة تلك الأيام الخوالي إلا بقيام حركة ثقافية ودينية تعمل على إحياء الفكر الصوفي وفهمه على حقيقته
لا كما يروج عنه خصومه.

في النهاية لو كنت أخي القارئ الكريم من الباحثين عن الإسلام الوسطي فتابع د. عدنان إبرهيم وهو رجل عاشق للصوفية ومدافع عنهم في حماس مع أنه يعيش في قلب أوروبا (فيينا) ويتحدث في المسجد في أعقد المباحث الفلسفية ونظرية الكوانتم ونقد الإلحاد والداروينية، الخ.. وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي يكون خطباؤنا مثقفين كعدنان إبراهيم!
https://www.youtube.com/user/shaikhAdnanIbrahim/videos



#إسلام_بحيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمعة رفع المصاحف.. بنو أمية يطلبون تحكيم شرع الله في ميدان ا ...


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - كيف يكون الإسلام هو الحل ؟!