أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - الدين والإلحاد وجهاً لوجه [2]






الدين والإلحاد وجهاً لوجه [2]


إسلام بحيري

الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 03:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-
البواعث النفسية للإلحاد
والرغبة في عدم الإلتزام بقوانين الشرائع السماوية
ذكر افلاطون - في محاورته المشهورة - ثلاثة اشكال للإلحاد :
- الشكل الأول يتمثل في انكار الألوهية او الربوبية، أو الإلحاد الصريح نجده عند الفلاسفة السابقين على سقراط (الفلاسفة الطبيعيون) الذين وضعوا اللبنات الأولى لما صار يُعرَف اليوم بالمذهب الطبيعي أو المدرسة المادية ويُعرفون (بالفلاسفة الذريين) يعتبرهم أفلاطون ملاحدة.
- الشكل الثاني يتمثل في اثبات الألوهية مع انكار العناية الربانية للخلق، والعناية الربانية تعني أن الله تعالى يعنيه، مهتم بشؤن الخليقة بشؤن الكون وخاصة بمسار و مصير الإنسان، لذلك من لوازم ومقتضيات العناية الإلهية ارسال الرسل و إنزال الكتب، وإنكار هذا إلحاد عند أفلاطون..
- الشكل الثالث هو: الاعتقاد بأن الألهة يمكن ان تُستجلَب رضاها ويُستدفع سخطُها بتقريب القرابين وتضحية الأضاحي.. قال افلاطون : الاعتقاد بأن الألهة يمكن ان تُستجلَب رضاها ويُستدفع سخطُها بتقريب القرابين وتضحية الأضاحي يُعادِل القول بأن الآلهة سخيفة كالقضاة المرتشين الذين يمكن ان تُزيّف ضمائرهم وآرائهم بدفع النقود لهم مع مخالفة القانون.. فهل هذه آلهة ؟! هذا إلحاد .
وفي القرآن الكريم تنديد بعقائد الصلب والفداء الوثنية، واتخاذ الأنداد وادعاء الابناء لله، وعبادة الوسائط وتقديم القرابين لها لكي تشفع لهم عند الله، مع مخالفة تعاليم الرسل وممارسة الظلم والبغي، هذا في القرآم مبثوث في كل موضع ولا يمكن حصره.

الروائي والمفكر الفرنسي الملحد (دينيس دِدِرو)، المشرف على الموسوعة الفرنسية قسم الملاحدة إلى ثلاثة انواع :
- ملحد يقول: " ان الله غير موجود حقا ويعتقد هو بذلك حقاً " قال انا اسمي هذا الملحد الحقيقي .
- وملحد متردد لايستقر على رأي (يعني المتشكك) .
- وملحد ثالث : يــتمنى ان الله غير موجود من أجل أن يمضي في سلوك القبائح وارتكاب انواع الفسوق والفجور دون وخز من ضمير.. وهذا تقسيم فيه نوع من الذكاء لأنه لامس البواعث النفسية لإدّعاء الإلحاد ، حيث يكون الهدف هو التهرب من قوانين الشرائع، فيمر الملحد ولابد من بوابة إنكار بعثة الرسل ووحي السماء، ويسمى عند العرب بالـ(الزندقة). فكل ملحد زنديق، وليس كل زنديق ملحد، فقد ينكر النبوة ولكن يؤمن بوجود الله.
هذا الحراك النفسي الداخلي هو الباعث الخفي على الإلحاد لكي يطلق لنفسه عنان شهواتها ورغباتها دون قيد، كما قرر القرآن الكريم وعبر عنه بالمتاع القليل الذي تعقبه حسرة وندم.
لذلك اكثر من فيلسوف في العصور الحديثة طرح السؤال: هل يوجد ملاحدة حقيقيون؟


-2-
الإلحاد العام كان نتيجة عوامل تاريخية
يقول (بلوتارك) : وُجِدَت مدناً حتى بغير حصون، بغير دور للتعليم، ولكن لم توجد مدينة واحدة بغيــر معابد.
الإنسان بطبيعته كائن مؤله روحي يبحث عن أصله ومصدره، يبحث عن ربه عن إلهه، يبحث عن المطلق المتجرد عن حدود المادة.. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).. لم يقل يسلمانه لأنه يولد مسلماً، يحمل قلبه وعقله نوراً يعرف به ربه ويدرك به أن لكل شئ سبب ولابد لهذا الكون من خالق عظيم حكيم. ولهذا كان الإلحاد نادراً بين البشر على مر العصور..

وهناك رأيان متعارضان في ميلاد الإلحاد :
- رأي يقول أن الإلحاد لم يولد الا في اوروبا في العصور الحديثة وماقبل ذلك لم يكن هناك إلحاد
- والرأي الآخر يقول - بل كان موجوداً في شكل فردي - فإن الاغريق القدماء عرفوا الإلحاد بوجهات نظر فردية، لكن ليس كخط فكري عام.
وكلا الرأيان على أن التاريخ البشري لم يعرف الإلحاد كتيار عام إلا في أوروبا الحديثة في القرون الوسطى، نتيجة عوامل سياسية واجتماعية خاصة بتلك المرحلة، وتعاون رجال السلطة مع رجال الدين على مص دماء شعوب تلك المنطقة، وانتشار محاكم التفتيش بصورة وحشية، ومحاربة الكنيسة للعلم والعلماء بزعم أنهم يكفرون بحقائق الكتاب المقدس، الخ فاندلعت الثورة الفرنسية الشهيرة التي كان شعارها (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) أي يقتلوا القس أولاً ثم الملك.. لأن الدين استخدم لغير ما نزل له، حيث نزل للصالح العام فاستخدمه رجال الدين لأجل مصالحهم هم، وبعد الثورة الفرنسية ازدهرت الحركة العلمية والصناعية في أوروبا كلها بعدما طرحوا أغلال الظلم المسماة ديناً عن ظهورهم وأيديهم.. فظن كل من أتى بعدهم أن الدين عدو العلم، وهذا غير صحيح، لأن دين الكنيسة في هذه الحقبة لم يكن هو دين الأنبياء، وإنما كان دين الكنيسة السياسي.

ثم انتشرت بعد ذلك أدبيات الإلحاد في العالم كله بفعل التأثر الحضاري الذي ذكره ابن خلدون من أن المغلوب مولع بتقليد الغالب.. ولا شك أن الإلحاد يظهر أكثر في ظل الظروف المماثلة لظروف القرون الوسطى، لأن الكبت لا يولد إلا الإنفجار.. و(الإنفجار) قد يقع عند بعض الناس يميناً يتطرف ويعتزل دنيا الناس ويعيش في الكهوف الفكرية وفي الماضي (فتظهر السلفية)، وقد يقع يساراً ينكر وجود الله (فيظهر الإلحاد) حيث يظن أن الله مسئول عن ضعفه وخذلانه في أخذ حقه بيده وعدم الإنحناء لحاكم ظالم بل يجب قتاله وتنحيته كما جاء به الإسلام وبعث الله به رسوله الكريم محمد ص في حركة تطهير قوية من الحكام الاستبداديين.
وكلا الإنفجارين خطأ.. وإنما الصواب هو الثورة على المستبد فقط دون التطرف الفكري يميناً أو يساراً.

-3-
الله تعالى : هل هو متصل بعالمنا أم هو غائب عنه ؟
إن التطور الفكر الديني عبر البشرية حتى من الفترة البدائية يؤكد دائماً أن الإله اذا تمّ تصويره على أنه متسامٍ تماماً مفارِق وعالٍ تماماً يُفقَد ، يكفر الناس به،
وفي الأديان التوحيدية نجد هذا الإله يتدخل في الشأن الطبيعي والإنساني، لكن هذا يرفضُه أيضاً العقل العلمي والفلسفي الجديد.. مع أن هذا لا يدخل في اختصاصاته ! أنظر (الغيب والعقل: دراسة في حدود المعرفة البشرية)، المؤلف: إلياس بلكا. الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي. وقد حاول دوكنز أن يثبت دخول الغيب في اختصاصات العلم التجريبي ولكنه فشل فشلاً ذريعاً لأنه يتوهم أن الله له شكل وصورة، وهذا غير صحيح ولا يؤمن به أهل الديانات التوحيدية إلا اليهود.

لكن هنا مشكلة : إن آمنا به متساميا متعالياً بالكامل، نفينا العناية والتدخل، ففقدنا الحاجة اليه، لا نريده ماحاجتنا له! وهناك دراسات تُثبت أن قوما عبدوا هذا الإله، وبعد حين أكّدوا أنهم فقدوه، في اللحظة التي أعطوه كـامل التسامي والتعالي ففُقِد! وعادوا إما الى وثنية شركية او الى غير ذلك. هذا يحدث في التاريخ ويتكرر، الدكتور(عبد الوهاب المسيري) رحمه الله كان مهتماً كثيراً بهذه النقطة، الإله الحلولي الحال في الطبيعة وفي الانسان، والإله المفارق المتسامي.. لذلك أين نقطة الاعتدال.. ؟ نقطة الإعتدال أن يكون متصلاً بالعالم وبك من خلال شخص له استعدادات روحية خاصة، وُسعة روحية خاصة، يكون على اتصال به ويطيق هذا..

ولكن (جان بول سارتر) فيلسوف وجودي ملحد كان يقول: أنا لا انكر وجود الله هكذا بالمطلق، لكن قولي هو أن الله في يوم من الأيام كان موجودا، وكان ينطق وكان يتصل بالإنسان، ثم صمَت بالكامل لم يعُد يُسمع له صوت، اين هذا الإله، لقد فقدناه !

والحقيقة أن ما قاله سارتر وجهة نظر معقولة، إذ لا يمكن أن ينتهي مدد العناية الإلهية طالما كان هذا الإله موجوداً، فلابد أن يتصل بنا ويرشدنا إلى طرق سعادتنا الروحية والنفسية والتشريعية، مما لا يمكن أن نبلغه بعقولنا.. وبالفعل تم إرساء الشرائع واكتملت ببعثة النبي الكريم سيدنا محمد ص، واستهدت الحضارات البشرية بها وانتفعت كثيراً، وفي القرآن الكريم (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً) (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) ولكن بوفاة النبي الكريم محمد ص : قامت مشكلة فلسفية كبيرة أشار إليها سارتر، وانقسم بسببها المسلمون إلى طائفتين كبيرتين : شيعة وسنة، وكان هناك تفاوت كبير بين أهل الأديان حول هذه المسألة، فاليهود يقولون أن الرسالات انقطعت بوفاة موسى بن عمران أعظم أنبيائهم، والمسيحيون قالوا أن الإرسال انقطع برفع نبيهم عيسى أو يسوع المسيح – والحقيقة أنه توفى كغيره من البشر، وفي القرآن (إذ قال الله يا عيسى إني ((متوفيك)) ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا) وأما اعتقاد النصارى وكثير من علماء المسلمين بأن جسده قد تم رفعه إلى السماء، فهذه خرافة من خرافات أهل الكتاب التي تأثر بها المسلمون، مع تصريح القرآن بوفاته! قالوا أن تكملة الآية (ورافعك إليّ) ففهموا فهماً حرفياً أنه رفع الجسد، مع أن سياق الآيات يدل على أن الله سيطهره ويرفع مكانته من أن تناله أيدي اليهود وجند الرومان لكي يصلب - وقال المسلمون أن الرسالات انقطعت بوفاة النبي ص، وحدث خلاف كبير وانشقاق بين المسلمين في هذه اللحظة.. يقول عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفِرَق ص 12) : (كان المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهاج واحد في اصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا وأول خلاف وقع منهم اختلافهم في موت النبي عليه السلام فزعم قوم منهم أنه لم يمت) وذلك لأنهم تعلموا منه أنه "خاتم النبيين" لا نبي بعده، فكان موته إشكالاً فكرياً لديهم، نعم انقطعت النبوة واكتملت الشرائع وبلغت البشرية نضجها وكتمل وعيها وباتت تفهم أن هناك قوانين للمجتمع يجب أن تُحترم على المستوى الفردي، وأن الحرية ليست مطلقة.. فهمت البشرية هذا بعد تربية طويلة على أيدي الرسل، انقطعت النبوة وأصول التشريع الكبرى، ولكن هل انقطعت الرسالات أيضاً إلى الأبد ؟ هل خلت الأرض من ذلك (الرجل) الطاهر الصافي مرآة القلب، المتصل بالسماء ؟ هل غاب الله وانقطع اتصاله بنا إلى الأبد ؟
قالت الشيعة : لا.. بل كان الأمر قبل النبي ص نبوة وبعده إمامة من أهل بيته، أي أن الله تعالى كان يرسل قبله أنبياء من بيوت مختلفة حتى انتهت إلى بيت إسرائيل (يعقوب عليه السلام) ثم ختمت ببيت النبي الأعظم محمد ص، ولكن لابد بعده من استمرار العناية الإلهية، فجعل الله تعالى بيته استمراراً لها إلى يوم القيامة في صورة "بعث الأئمة المجددين من أهل البيت" الذين يقومون مقام رسول الله ص وأعماله ومهامه في الأمة، وكذلك لهم نفس حقوقه على الأمة، وفي القرآن (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) أي أن لكل جيل يتلو لابد له من إمام، وفي الحديث المشهور (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها أمر دينها).. يقول الشيعة : فكان أول إمام يحل محل النبي ص هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حيث كان معه نفس المشروع الأنبياء والرسل الإصلاحي التنموي الذي يدعم العدل والمساواة، والذي ازدهرت به حضارة عرب الجزيرة في بضع سنين بعد غارات القبائل وأكل الميتة وعبادة الأوثان.. ولكن للأسف انقلب معاوية بن أبي سفيان على هذا المشروع النبوي وتم إجهاضه بعد قتل الإمام علي وتولي معاوية الحكم.
أهل السنة والجماعة لا يعتقدون باستمرار الإمامة بعد النبي ص، فكل شئ انتهى عندهم بوفاته، وأما الشيعة الإمامية (وهم شيعة العالم حالياً عدا شيعة اليمن الزيدية) فيقولون أن الإمامة استمرت بعد النبي ص في اثني عشر إماماً أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسن العسكري (ويظنون أنه الإمام المهدي) الذي اختفى عام 259 هـ وهم يعتقدون أنه حي إلى الآن.. وبالطبع هذه خرافة وأسطورة تكفل بتفنيدها الأستاذ "أحمد الكاتب" في مؤلفاته، فالإمام المهدي الآتي في آخر الزمان سيولد ولادة طبيعية من أم وأب، وسيكون اسمه أحمد وليس محمد، لأنه هو المذكور المبشر به على لسان عيسى عليه السلام حين حكى القرآن على لسانه (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [سورة الصف]
وكلا النظريتين (نظرية أهل السنة ونظرية الشيعة) لا تفي بدليل العناية وحاجة البشرية إلى النبي أو الإمام، لأن البشرية مستمرة تتوالد إلى يوم القيامة ولم تفن عام 11 هـ ولا عام 259 هـ..
ولا يوجد لدى المسلمين اليوم مدرسة تقول باستمرار الإرسال وبعث الأئمة المجددين إلى يوم القيامة إلا مدرسة واحدة هي مدرسة الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم بمصر.. والتي يتزعمها الآن السيد محمد علاء الدين أبو العزائم رئيس الإتحاد العالمي للطرق الصوفية الكائن مقره في باريس بفرنسا.

-4-
هل انتهت بعثات الرسل أم هي مستمرة ؟
وهل نحن مخاطبون يقوله (كما أرسلنا ((فيكم)) رسولاً منكم)
أم أن القرآن نزل لحقبة تاريخية وانتهت، ولمجموعة بشرية ماتت

سئل الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم :
سمعنا حديث رسول الله (ص) : (يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) فنرجوا من سماحتكم التكرم ببيان سر إظهار المجددين فى كل زمان، وما علاقتهم برسول الله (ص)؟، وما هى مآخذهم للسنة فى كل زمان؟.

فأجاب قائلاً
يا بنى: معلوم أن أول الإرادة آخر العمل، وأول مراد الله تعالى هو حبيبه ومصطفاه (ص)، وسبق فى علمه أنه حبيبه ومصطفاه، وأنه الإنسان الكلى الممد لجميع العوالم، وخلق جميع الخلائق له (ص) كما ورد فى الحديث بسند الإمام محمد بن سهل (ر) فى تفسيره للقرآن، يقول الله تعالى: (إنى خلقت محمدًا لذاتى، وخلقت آدم لمحمد، وخلقت كل شئ لبنى آدم..) إلى آخر الحديث.

أبرز الله الكون متطورًا أطوارًا ليعده لإشراق شمس حبيبه ومصطفاه، فكان (ص) فاتحًا خاتمًا كما قال سيدنا علىِّ (ع): (اللهم صَلِّ على محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق وآله).

أشرقت شمسه (ص) بالنور العام الدائم الذى لا يغيب، لأن شمسه (ص) لا تأفل، كما قال السيد عبد القادر الجيلانى رحمه الله:

أفلت شموس الأولين وشمسنا * أبدًا على فلك العـلا لا تغرب

فجعله الله تعالى فاتحة الإيجاد، وخاتمة للرسل فلا نبى بعده، فاقتضت حكمته ورحمته وإحسانه، أن يحفظه لأمته فى أمته، فلا يزال (ص) فى أمته
بدليل قوله تعالى: -;---;--وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ (الحجرات: 7).
وبدليل قوله تعالى: -;---;--وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ-;---;-- (النساء: 83).
وقال سيدنا على بن أبى طالب : (اللهم لا تخل الأرض من قائم لك بحجة إما ظاهرا مشهورًا وإما باطنًا مغمورًا لئلاَّ تبطل حجج الله وبيناته).

فلا يخلو زمان من الأزمنة، بل ولا يمضى قرن ويتجدد آخر، إلا ويبعث الله لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها، وهم ورثة رسول الله (ص)، ولولا ذلك لخفيت معالم دين الله، واندثرت آثار أئمة الهدى.

وإنما الورثة أشبه بالمرائى، فإن المرآة الأولى التى واجهت الحقيقة المحمدية، ورسمت فيها صورته (ص)، لا فرق بينها وبين آخر مرآة رسمت فيها تلك الصورة، ولكن التفاوت بين الظرف والظرف لا المظروف، وبين الإناء والإناء، لا ما فيهما.

والصورة لم تتغير فهى هى، وتكون المرآة بحسب زمانها، فخير مرآة تكون فى خير زمان وكلها خير، ومن أنكر هذا فقد أنكر قوله: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ-;---;-- (الأحزاب:40).

صور تجلت وهى هى لا غيرها * زيت الزجاجة عن مثال هويتى

فأنا أنا المسموع والمنظـوربل * أنا ظاهـر نزه تذق أحديـتى

وأنا المشـاهد والمشـاهد أولاً * بل آخرًا لاحت شموس حقيقتى

وقد حصل لأصحاب رسول الله (ص) يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى دهشة حيرت العقول، لاعتقادهم أن خاتم الرسل لا ينتقل، حتى مَنَّ الله على الأمة بنور العلم اليقين من الصديق (ر) فتلا آية: -;---;--مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا-;---;-- (الأحزاب: 40).

هذا هو سر تجدد الورثة فى كل قرن أو قرون، وما ورد من الآيات والأحاديث فى هذا الشأن فمعلوم، وما يعترى بعض المنكرين لهذا السر، فهو من طريق قوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ-;---;-- (ق: 15)، والمجـدد المرآة لا النور، والإناء لا ما فيه، فإنه الإنسان - من حيث هو إنسان - مؤهل أن ينال من الله الخير والفضل العظيم الذى ناله الأطهار من أوليائه، والأخيار من الصديقين.

وما من زمان إلا وتتجدد فيه أحداث لم تكن على عهد السلف، وتظهر فيه شؤون تقتضيها سعة العمران.
ولما كانت تلك الأحداث والشؤون لابد وأن ينظر إليها بعين الشريعة ليثبت حكمها من حيث الحلال والحرام، والندب والكراهة، والوجوب والمنع، كان لابد لكل زمان من أفراد يصطفيهم الله لنفسه فيفقههم فى دينه، ويلهمهم الصواب فى القول والعمل، ويقيمهم مقام رسله صلوات الله وسلامه عليهم، فتنطوى النبوة فى صدورهم، إلا إنه لا يوحى إليهم.

ولذلك نظائر فى الأمور المحسوسة: فإنا لو عرضنا أمراض هذا العصر على ابن سينا وابن بختيشوع وغيرهما من كبار الأطباء لجهل هذا المرض ولما علم له دواء، فكما أن الله سبحانه يحدث فى كل زمان أطباء للأشباح لطفًا بالخلق،ورحمة بهم، فهو سبحانه أرحم الراحمين بعباده فيجرد لهم رجالاً يستنبطون الحكم على كل حدث حدث، أو شأن تجدد، وهم ورثة رسول الله (ص) سر قـوله (ص): (العلماء ورثة الأنبياء) . ومعلوم أن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورثوا نورًا وهدى، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.


ما هى مآخذ المجددين للسنة؟
عقيدة كل مسلم أن رسول الله (ص) خاتم الأنبياء، وهذا الأصل يقتضى أن يكون كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) جامعين لبيان الأحكام المتعلقة بالشؤون التى تحدث فى كل زمان ومكان، بحسب ما يعترى المجتمع الإسلامى من الأحوال التى تحدث من غير أن يسبق لها نظير.

ومعلوم أن تلك الحوادث - بحسب أهميتها - تشغل قلوب المجتمع، فقد تقوى تأثيراتها حتى يألفها المجتمع ويتلقاها الأبناء عن الآباء معتقدينها دينًا، ومثال ذلك ما حدث فى الدولة العباسية من البدع كالقول بخلق القرآن، وتغيير المنهج الذى كان عليه من قبلهم فى تلقى عقائد التوحيد، حتى حصروها فى مواضيع، وجعلوا طريق تحصيلها العقل، وجعلوا لذلك أسسًا حكموا أن من لم يحصلها غير مؤمن، وهى من شر البدع.

وما حصل بعد ذلك من البدع المضلة من تفرقة المجتمع وتعدد الخليفة، ثم عظم الأمر، حتى صار الحكم بالهوى وهجر القرآن والسنة، وتساهل المسلمون حتى غيروا أحكام الشريعة الغراء بقوانين ونظمات، فأصبحت السنة بدعة منكرة، والبدع المضلة سننًا مقبولة، فانحلت عقدة التعصب للدين، وتمزقت دعائمه، وأصبح المسلمون كما يعلم من شهد الماضى والحاضر، شهد الماضى بدراسة أخباره، وشهد الحاضر بالمعاينة. كل تلك الحوادث والشؤون، لا يخلو منها مجتمع فى كل زمان.

ومقتضى أن رسول الله خاتم الرسل يثبت أنه (ص) لم يمت بصفته رسول الله، بل ينبغى أن يعتقد حق الاعتقاد أن النبوة والرسالة باقيتان ما بقى الحدثان (الليل والنهار) قال سبحانه وتعالى: -;---;--إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ-;---;-- (الحجر: 9).

كذلك تفضل الله تعالى على عباده الذين بشرنا بأنهم خير أمة أخرجت للناس أن يجدد لهم أمر دينهم كلما خفيت محاجه أو سُتِرت حُجَجَه، ولا يكون ذلك إلا بواحد من المسلمين يتفضل الله عليه بفقه دينه وعلم الحكمة فى أحكامه، وسر أحكامه، ويمنحه لسان البيان، ويلقى عليه محبة منه سبحانه.

وفضل الله تعالى لا يخفى على ذى بصيرة، وإن كانت شمس رسول الله (ص) خفيت على الخفافيش من الناس، فالقائم هذا لا يضره إنكار أهل الجهالة عليه، ولا يضيره منهم عدم الإقبال، فإن أعداء الحق فى كل زمان ومكان أكثر من أحبابه.

ومآخذ المجددين للسنة فى كل زمان من كتاب الله، وسنة رسوله (ص)، وهدى أئمة الهدى من السلف الصالح، وإنما اللبس حصل لأهل الجهالة لأن أحكام الزمان الذى هم فيه مغايرة لأحكام ما قبله.

والأئمة المجددون ليس لهم رأى ولا هوى ولا حظ إلا فيما يرضى الله تعالى ويرضى رسوله (ص) بقدر النور الموهوب لهم من الله تعالى.

وهنا أنبهك أيها الأخ الراغب فى نيل الحسنيين، أن تكون محافظًا على الموازين فيما سبق الحكم فيه مما هو فى الكتاب والسنة، فإذا تكلم المجددون فيما حدث بعد ذلك مما لم يسبق له نظير من الحوادث فعليك أن تقبل، معتقدًا أن عبارة المجددين فوق شهودك، لأنهم يقتبسون من مشكاة رسول الله (ص)، أو مما وقر فى قلوبهم من نور الإلهام، أو من الأخذ بالعزائم بعد طمأنينة القلب، وصفاء جوهر النفس، وكمال الإخلاص لله، وليس بإمام من خالف صريح الكتاب والسنة، أو خالف عمل أهل الإجماع من أصحاب رسول الله (ص) وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما ما يتعلق بالعقـيدة والإخلاص فلكل مؤمن قسط من هذا النور بقدر عناية الله تعالى به، والله أسأل أن يجدد بنا السنة، ويعلى بنا الكلمة، ويجعلنا أئمة للمتقين إنه مجيب الدعاء"

وللحديث بقية..
 



#إسلام_بحيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [1]
- -سلفيون ملاحدة- موقف االسلفيين والملحدين/اللادينيين من نموذج ...
- كيف يكون الإسلام هو الحل ؟!
- جمعة رفع المصاحف.. بنو أمية يطلبون تحكيم شرع الله في ميدان ا ...


المزيد.....






- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - الدين والإلحاد وجهاً لوجه [2]