أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الناصرية ومتوالية الكوارث















المزيد.....


الناصرية ومتوالية الكوارث


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 10:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يزال الناصريون يُصرون على تزوير الحقائق التاريخية ، من أجل تبييض وجه زعيمهم رغم مرور عدة سنوات على كارثة بؤونه / يونيو67، وعلى رحيل زعيمهم (شهر توت/ سبتمبر70) والكارثة أنّ أغلب الماركسيين المصريين يمشون وراء الناصريين ويُردّدون مزاعمهم المُـنافية لحقائق التاريخ ، من ذلك قولهم أنّ هزيمة يونيو67 كانت ((مؤامرة من الصهيونية العالمية والامبريالية الأمريكية)) والعقل الحر يرى أنه لو صح هذا الزعم فمعناه أنّ عبد الناصر كان أداة تنفيذ تلك (المؤامرة الصهيونية) وأنّ الصهيونية العالمية هى التى أمرته بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء ، وأمرته بإغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية (وهو المكسب الذى حصلت عليه إسرائيل (المزعومة) بعد هزيمة عام 56 التى صوّرها الإعلام الناصرى/ العروبى على أنها انتصار على الدول الثلاث : بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)
وهل الصهيونية العالمية هى التى أقنعتْ عبد الناصر بوجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية ؟ وهل الصهيونية العالمية هى التى جعلته يرفض تصدق التقرير الذى أعده الفريق محمد فوزى الذى كتب فيه أنه لا توجد أية قوات إسرائيلية على حدود سوريا ، باعتراف قادة عسكريين سوريين ، بعد رحلة استطلاع بالطائرات السورية؟ وهل الصهيونية العالمية هى التى أجبرته على نقل عشرة من أكفأ ضباط الجيش إلى وزارة الخارجية وكان على رأسهم اللواء أحمد إسماعيل الذى خاض حرب73 (وكان النقل لوزارة الخارجية فى شهر مايو 67 الشهر الذى شهد انسحاب قوات الأمم المتحدة وإغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية) وذلك باعتراف محمود رياض وزير الخارجية آنذاك ؟ أى أنّ كل تلك القرارات تؤكد على استعداد مصر للحرب وأنّ المسألة (جد مش هزار على رأى شعبنا الأمى) وهل الصهيونية العالمية هى التى أجبرته على توريط الجيش المصرى فى اليمن؟ الذى ظل من عام 62- 67 (ثلث الجيش المصرى وفق الكتابات المؤيدة للناصرية) وهل الصهيونية العالمية هى التى خططت ونفذت الوضع البائس للجيش المصرى ، من حيث التدريب وتحديث المعدات الخ ، بل إنّ أمين هويدى (مدير المخابرات العامة) يعترف ((بتقصير القيادة العسكرية فى تجهيز الخطط وتعديلها بالسرعة المطلوبة ، وفى التدريب المستمر وقت السلم لتكون مهيئة لعملها وقت الحرب ، وفى تفرغ الوحدات لمسرح العمليات ووضع خطط التعبئة وتجربتها وإجراء المناورات وتدريب الرئاسات)) كما ذكر أنّ الثابت أنه لم يُخصص من الوقود (البنزين) لأغراض التدريب أكثر من 5% من حجم الوقود المُخصص للقوات المسلحة. كما أنّ القوات الجوية عجزتْ عن تدريب الطيارين فلم يُجاوز عددهم 150 طيارًا بينما كانت الطائرات القاذفة والمقاتلة يبلغ عددها 154 طيارة (بعجز أربع طيارين وبدون أى احتياطى) ثم عقد مقارنة بين الوضع المزرى والبائس للطيران المصرى بالموقف فى إسرائيل (المزعومة كما يحب الناصريون وصفها) إذْ كان لدى إسرائيل ألف طيار يعملون على 376 طيارة ، أى وجود 624 طيار احتياطى (طارق البشرى- فى كتابه الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال- ديسمبر91- ص351) هذا هو موقف الطيران فى إسرائيل (المزعومة) أما فى مصر (الناصرية) فلا احتياطى للطيارين بل عجز فى عدد الطيارين الأصليين . فهل الصهيونية العالمية هى التى أنزلتْ (وحيها) على نبى العروبة (وأكبر مُـعادى لإسرائيل وللصهيونية ولأميركا) و(أوحتْ) إليه أنْ يظل ذليلا أمام (الطفل المُـدلل) عبد الحكيم عامر، الذى خرق بسببه كل الأعراف العسكرية ومنحه أربع ترقيات دفعة واحدة ليقود القوات المسلحة، وبالتالى يضمن (عبد الناصر) أنْ تكون القوات المسلحة تحت سيطرته، فإذا ب (الطفل المُـدلل) يتمرد على من دلله؟ وهل الصهيونية هى التى (أوحتْ) لعبد الناصر أنْ يظل مُـتمسكــًا بهذا الطفل المُـدلل رغم تجاربه الفاشلة المُـتكرّرة (فى سوريا وحرب السويس عام 56 واليمن وكارثة 67)؟ وهل الصهيونية هى التى (أوحتْ) إليه بترقيته إلى رتبة المشير بمناسبة كارثة الوحدة المزعومة بين سوريا ومصر؟ كل تلك الأسئلة تضع العقل الحر أمام احتماليْن لا ثالث لهما : الأول أنّ عبد الناصر كان يتخذ قراراته بمحض إرادته ، وهى القرارات التى أدّتْ إلى أبشع تاريخ فى مصر الحديثة (كارثة بؤونه/ يونيو 67) والاحتمال الثانى أنّ تلك الكارثة سببها (المؤامرة الصهيونية) كما يُروّج الناصريون . فلو صحّ الاحتمال الثانى تكون النتيجة أنّ عبد الناصر كان أداة تنفيذ (المؤامرة الصهيونية) التى نجحتْ فى تحقيق (الأسطورة الواقعية) أسطورة هزيمة يونيو67 التى سيقرأها البشر فى الألفية الرابعة على أنها إحدى حواديت ألف ليلة الخرافية.
والسؤال الذى يتجاهله الناصريون وكل العروبيين هو: هل يمكن عزل محطة يونيو67 عن مجمل ماحدث بعد سيطرة الضباط على مصر فى التاريخ الكارثى (يوليو52)؟ ثم سيطرة عبد الناصر على زملائه الضباط؟ وهل يمكن عزل ذلك التاريخ عن دعم أميركا لضباط يوليو؟ وهل يمكن عزل ذلك عن المد الثورى الذى نما قبل يوليو52، خاصة بعد فبراير46 (المظاهرات التى نظمها اتحاد الطلبة والعمال) بتوجيه وتنظيم من كافة قوى اليسار والتيار الليبرالى المصرى؟ وأنّ ذاك التاريخ (فبراير46) لفتَ انتباه المخابرات الأمريكية إلى حقيقة أنّ مصر على وشك الانعتاق من سيطرة الاحتلال الإنجليزى والقصر الملكى وأحزاب الأقلية والالتفاف حول حزب الوفد الأكثر جماهيرية وقوى اليسار والليبراليين، خاصة مع اشتداد دور المقاومة الشعبية فى مدن القنال؟ وأنّ المخابرات الأمريكية أيقنتْ أنّ (التغيير) قادم فى مصر، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تدخل أميركا فى (مؤامرة التغيير) وليذهب الإنجليز والملك وحزب الوفد واليسار والليبراليون إلى الجحيم؟ ومن هنا كان دعمهم لضباط يوليو52. أليس ما فعله ضباط يوليو هو التنفيذ الحرفى لما خطــّطتْ له المخابرات الأمريكية ؟ (لندع جانبًا النوايا فالعبرة بالنتيجة) وإلاّ ما معنى ضم رجل المخابرات الأمريكية (عبد المنعم أمين) إلى حركة الضباط يوم 22يوليو(قبل الحركة بيوم واحد) رغم ((اتصالاته بالسفارة الأمريكية واقتناعه بما تروجه الدوائر الأمريكية فى مصر عن الخطر الشيوعى وضرورة التصدى له بكل قوة)) ولماذا يكون هو بالذات الذى رأس المجلس العسكرى لمحاكمة عمال كفر الدوار؟ وفى هذا الشأن ذكر المؤرخ العمالى أمين عز الدين أنّ ((عبد المنعم أمين لعب دورًا فى حملة الترويج الأمريكية حول الخطر الشيوعى فى مصر)) (مجلة روزا ليوسف 31/7/87) ولماذا تمّ اتهام خميس والبقرى بالشيوعية؟ وما مغزى هذا الاتهام عند ربطه بالدعاية الأمريكية عن الخطر الشيوعى؟ الإجابة ذكرها أمين عز الدين فكتب ((وجدتْ المخابرات الأمريكية وعملاؤها فى أحداث كفر الدوار فرصتهم لكى يُضاعفوا الترويج عن الخطر الشيوعى فى مصر. وراحوا يُـقنعون نفرًا من قادة الجيش . والتقط هذا الخيط القائمقام عبد المنعم أمين أحد الضباط الطارئين على حركة الجيش والذى لم ينضم إلى الضباط إلاّ يوم 22يوليو52 ليُشارك فى عملية الاستيلاء على السلطة. ثم منحه عضوية مجلس قيادة (الثورة) يوم 15 أغسطس 52 فى أعقاب أحداث كفر الدوار)) (روزا ليوسف 27/7/87) وما مغزى ما ذكره محمد نجيب (وغيره كثيرون من ضباط يوليو) عن الاجتماع الذى تمّ فى بيت عبد المنعم أمين وحضره جيفرسون كافرى وأربعة أمريكان : إثنان من السفارة الأمريكية فى مصر، وإثنان من المخابرات الأمريكية. ومن الجانب المصرى : عبد الناصر، زكريا محيى الدين ومحمد نجيب (محمد نجيب فى كتابه كنت رئيسًا لمصر- المكتب المصرى الحديث – عام 84- ص311، 312) وما مغزى قول جيفرسون أنّ ((حكومته تخشى من تسلل الشيوعية فى مصر، وعرض معاونة أجهزة المخابرات الأمريكية)) لذلك كتب المؤرخ العمالى طه سعد عثمان ((وهكذا يتأكد دور المخابرات الأمريكية فى الأحداث بالتقارير التى أحاطتْ قادة حركة الجيش عن شيوعية مصطفى خميس وقادة العمال فى كفر الدوار، والتخويف من تحركات العمال فى مناطق أخرى مثل شبرا الخيمة والمحلة الكبرى)) (خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة- مطابع الأمل- عام 93- ص 10) وذكر أيضًا (وهو ذات ميول ناصرية- أى أنّ شهادته غير مجروحة) أنّ ما حدث فى كفر الدوار((كان عربونــًا للأمريكان فى محاربة الشيوعية)) (ص47) وهكذا التقى الطرفان : المخابرت الأمريكية وضباط يوليو حول هدف واحد هو محاربة الشيوعية ، وهذا لن يتم إلاّ بإعتقال الشيوعيين وتعذيب بعضهم حتى الموت وهو ما تمّ بالفعل فى معتقلات عبد الناصر.
ونظرًا لخطورة المد الثورى السابق على يوليو52، فإنّ هارى ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عقد فى الثامن من يناير52 ومعه ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا مؤتمرًا ، كان الهدف منه التصدى للمد الثورى فى مصر وإيران (د. أنور عبد الملك فى كتابه: المجتمع المصرى والجيش- طبعة مكتبة الأسرة- عام 2013- ص50) وبعد خمسة أيام كتبتْ مجلة أخبار اليوم الأسبوعية المعروفة بعدائها لحزب الوفد ولليسار ((أنّ السفارة البريطانية فى القاهرة أصبحتْ ترى ضرورة إيجاد حل يقوم على جلاء القوات البريطانية من مصر، حيث أنه من المستحيل تقوية القاعدة العسكرية فى الوضع الحالى وسط المقاومة الشعبية المتزايدة باستمرار)) (المصر السابق- ص64) وما كتبته أخبار اليوم الأسبوعية (وصلتها معروفة بالإنجليز والأمريكان) يؤكد على الحقيقة التى يتجاهلها الناصريون والبؤساء من الماركسيين ، إذْ أنّ رجال المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية (من خلال علماء فى كافة التخصصات) أدركوا حتمية الخروج من مصر، وكان ذلك فى يناير52، أى قبل سيطرة الضباط على الحكم بستة شهور، كما يجب ربط ذلك بوجود 80 ألف جندى بريطانى فى منطقة القناة ، ومع ذلك لم تـُطلق القوات البريطانية رصاصة واحدة ضد ضباط يوليو، بل لم تتخذ أى إجراء لمقاومة سيطرتهم على الحكم ، وكل هذا يؤكد وجود اتفاق (جنتلمان استعمارى) بين أميركا وبريطانيا على ترك الساحة خالية للضباط . ولأنّ بريطانيا وأميركا مُـتطابقان فى العداء للشيوعية لذلك كان من المهم ربط ذلك بما ذكره محمد نجيب فى مذكراته ((منذ اللحظة الأولى عملنا كل ما هو ضرورى لاستئصال الأسباب الرئيسية للشيوعية فى مصر)) ولذلك لم تكن مصادفة أنْ يتم اعتقال 254 مناضلا يساريًا فى ربيع عام 54. ويجب ربط ذلك بموقف عبد الناصر اللا أخلاقى الذى اتخذه ضد كل الشرفاء أمثال أحمد أبو الفتح الذى كانت له العديد من المواقف الوطنية ، فعندما جاء مستر دالس إلى القاهرة فى مايو53 نشر أحمد أبوالفتح مقالا فى جريدة المصرى بعنوان (نحن نكرهكم يا مستر دالس) وقال فيه ((ظننتم أنكم تستطيعون شراءنا بنقطكم الرابعة. أنتم الذين بحاجة إلى نقطة رابعة أخلاقية)) (أنور عبدالملك- مصدر سابق- ص 119) ومن هنا كان عداء عبد الناصر لأحمد أبوالفتح ، لأنّ عبد الناصر وافق على (النقطة الرابعة) الأمريكية تحت شماعة (المعونة الأمريكية الاستعمارية) التى رفضها الليبراليون واليسار، واستمرّتْ (تحت مُسميات عدة) طوال فترة سلسال حكم الضباط (عبد الناصر، السادات ومبارك) وما مغزى قانون الاصلاح الزراعى ((الذى كانت وزارة الخارجية الأمريكية تنصح به دائمًا وأنشىء ما يُسمى ((المصلحة المصرية الأمريكية لتطوير الريف)) وهو ما اعترض عليه تنظيم (النجم الأحمر) الذى عارض مشروع الاصلاح الزراعى ووصفه بأنه سيُفتتْ الملكية الزراعية ويؤدى إلى تقليل الانتاج وأنه وُضع بتوجيه أمريكى وأنّ الحل هو إقامة المزارع التعاونية والجماعية وميكنة الزراعة (فوزى حبشى فى كتابه معتقل لكل العصور- دار ميريت للنشر- عام 2004- ص118) وفى مارس عام 51 قـدّمت لجنة استشارية عينها رئيس أميركا توصية قالت فيها ((يجب تشجيع الاصلاح الزراعى فى البلاد المتخلفة)) وفى فبراير52 عقب حريق القاهرة مباشرة أصدرتْ وزارة الخارجية الأمريكية كــُـتيبًا بعنوان (الاصلاح الزراعى) دعتْ فيه إلى تعديل نظام الملكية وشدّدتْ على أهمية هذه الاجراءات فى الصراع ضد الشيوعية)) (أنور عبدالملك- مصدر سابق- ص92) ورغم الدعاية الناصرية عن قانون الاصلاح الزراعى وأنه ((لمصلحة الفلاح المصرى)) ورغم أنّ القانون سمح بإنشاء نقابات للعمال الزراعيين فإنّ هذه النقابات لم تظهر إلى الوجود بل زاد النفوذ الاقطاعى (المصدر السابق- ص99) وضباط يوليو الذين تظاهروا بأنهم ضد سيطرة رأس المال الأجنبى، إذا بهم يفعلون العكس تمامًا ، إذْ صدر مرسوم فى الجريدة الرسمية بتاريخ 30يوليو52 (بعد أسبوع واحد من سيطرة الضباط على مصر) نصّ على تعديل القانون رقم 178 لسنة 47 الخاص بالشركات المساهمة ، وقضى بتخفيض نسبة المساهمة الاجبارية لرأس المال المصرى من 51% إلى 49%)) وعبد الناصر الذى وصف الفترة السابقة على يوليو52ب (العهد البائد) فإنّ ذلك (العهد البائد) ظهر فى ظله قانون العمل الصادر سنة 47 الذى فرض على الشركات الأجنبية استخدام 90% من عمالها من المصريين (المصدر السابق- ص111، 113)
وفى عام 58 صدر قانون تمّ بموجبه إنشاء (المؤسسة المصرية الأمريكية) التى تملكتْ 13 ألف و860 فدانـًا (المصدر السابق- ص100) فكيف يستقيم ذلك مع الدعاية الناصرية عن العداء للامبريالية الأمريكية ؟ وبعد اعدام العامليْن خميس وبقرى ، واعتقال الشيوعيين تأكد الأمريكان من استحالة قيام انتفاضة فلاحية خصوصًا بعد تفتيت الرقعة الزراعية (كان أقصى حد للتملك ثلاثة فدادين وفى رأى البعض خمسة) وقد تمّ ذلك تحت التأثير الأمريكى كى لا يتحقق شىء يمكن أنْ يُـشبه من بعيد أو قريب المناهج الاشتراكية فى الريف.. ونتج عن ذلك انخفاض فى الانتاج الزراعى وهبوط فى مستوى معيشة الفلاحين)) (المصدر السابق ص104) وبينما الدعاية الناصرية تزعم أنها مُعادية للغرب ، فإنّ النظام الناصرى كان يُـفضل (فى مجال الاقتصاد والاستثمار) التعامل مع الغرب (المصدر السابق- ص122) وأنّ عبد الناصر ولى وجهه شطر الولايات المتحدة الأمريكية ، فطلب من البنك الدولى للانشاء والتعمير قرضًا لتمويل بناء السد العالى (ص123) وعندما أعيد تنظيم اتحاد الصناعات المصرية فى 25 إبريل 60 كان رئيسه د. محمد أحمد سليم ((وهو مهندس كبير من مؤيدى النفوذ الأمريكى)) (141) وفى الوقت الذى كان فيه نبى العروبة (عبد الناصر) والصحابى الأول (هيكل) يُروجان للعروبة فى حزمة واحدة فيها العداء للغرب تمّ (تشكيل كتلة عربية ضمن البنك الدولى للتعمير والتنمية) (ص158) ومعروف أنّ أميركا أكبر المساهمين فى البنك الدولى ولها السيطرة الفعلية عليه. وأعتقد أنّ المعلومات التى ذكرها د. أنور عبد الملك لا يمكن الطعن عليها ، لسبب رئيسى لأنه أحد المُعجبين والمُدافعين عن (حركة الجيش) فى يوليو52، وبالتالى فإنّ شهادته غير مجروحة. وبعد أنْ سيطر الضباط على مصر، كان الانحياز لصالح رؤوس الأموال الأجنبية وضد العمال المصريين ، وظلّ الوضع يتفاقم خاصة فى عهد السادات ومبارك.
وعندما تم القبض على عبد الرحمن الخميسى يوم 24 يونيو54 عثر البوليس معه على منشور بعنوان (عد إلى بلدك يا فوستر دالس) (فوزى حبشى مصدر سابق- ص126) ولماذا كان تدريب ضباط المباحث المُـتخصصين فى تعذيب المُعتقلين فى الولايات المتحدة الأمريكية بالذات وكان من بينهم حسن منير الذى كان مجرد ضابط صغير عام 55 وظلّ يرتقى حتى وصل إلى قائد معتقل عام 59، فعاد بعد بعثة إلى أمريكا ((مجرمًا قاتلا مُـتعطشـًا للدماء)) (المصدر السابق- ص 141، 142) وفى ديسمبر52 (بعد ستة شهور من سيطرة الضباط على مصر) وافقتْ أمريكا على تزويد الضباط بأسلحة تصلح لقمع المتظاهرين (المصدر السابق- ص156) ورغم كارثة يونيو67 انتشرتْ أغنية كارثية (بعد الهزيمة) تقول كلماتها ((ابنك يقول لك يا بطل هات لى انتصار.. ولا فيش مكان للأمريكان بين الديار)) بينما الشاعر نزار قبانى كان أكثر وعيًا بالكارثة وأكثر وطنية فكتب فى قصيدته الشهيرة (هوامش على دفتر النكسة) قال فيها (أنعى إليكم يا أصدقائى، اللغة القديمة/ والكتب القديمة/ أنعى إليكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة / ومفردات العهر والهجاء والشتيمة / أنعى إليكم نهاية الفكر الذى قادنا إلى الهزيمة / إذا خسرنا الحرب لا غرابه / لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقى من مواهب الخطابه / بالعنتريات التى ما قتلتْ ذبابه / لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابه))
العنتريات التى قصدها الشاعر الكبير نزار قبانى ، ترجمها عبد الناصر بقبوله قرار مجلس الأمن رقم 242فى نوفمبر67 الذى نصّ ((على الاعتراف بإسرائيل وحدودها الآمنة)) فلماذا كانت العنتريات والشتائم المتوالية ضد ((إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل)) بل والقضاء على إسرائيل ((التى لا مستقبل لها فى المنطقة)) كما كتب الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (عبد الناصر) فى أهرام 8/6/73) وفى بيان القيادة السياسية الموحدة قرّر العرب بزعامة عبد الناصر أنّ ((الهدف العربى القومى هو القضاء على إسرائيل)) (فتحى الديب فى كتابه عبد الناصر وتحرير المشرق العربى- مركز الدراسات السياسية بالأهرام- عام 2000- ص688) وإسرائيل (المزعومة) فى الميديا العروبية / الناصرية ((ضربتْ 11 قاعدة جوية مصرية فى وقت واحد من العريش إلى الأقصر)) والذى كتب هذا الكلام هو الصحابى الأول (هيكل) فى كتابه الانفجار- ص713. وأنّ إسرائيل (المزعومة) دمّرتْ كل الطائرات والممرات المصرية فى مدة قدّرها هيكل نفسه ب ((ثلاث ساعات ونصف)) (الانفجار- ص710) وبسبب العنترية التى كتب عنها الشاعر نزار قبانى ، وتحت شعار (أو ستار) القومية العربية (اللى مش مزعومة) أتاح نبى العروبة (عبد الناصر) لإسرائيل ليس احتلال سيناء فقط وإنما القدس والضفة الغربية وغزة والجولان السورية.
وبعد كارثة هزيمة بؤونه/ يونيو67، كانت المتوالية التالية لها هى كارثة 9، 10 يونيو، المُـتمثلة فى مسرحية (التنحى) التى كتبها الصحابى الأول (هيكل) ومثلها عبد الناصر. وهيكل استفاد من مدرسة (علم النفس فى قهر الشعوب) فوضع السم فى العسل على سنة معاوية بن أبى سفيان، إذْ دسّ فى خطاب التنحى أنّ التنازل عن الحكم سيكون لصالح زكريا محيى الدين. لماذا اختار هيكل اسم زكريا بالذات ؟ لأنّ الاعلام الناصرى كان (قبل الهزيمة بسنوات) قسّم وزراء عبد الناصر إلى مجموعة مع السوفيت ومجموعة مع الأمريكان من بينهم زكريا محيى الدين . بلع شعبنا (الطيب/ الساذج) والذى صدّق الدعاية الناصرية طوال 15سنة (من 52- 67) خصوصًا إذاعة (صوت العرب) التى أنشأتها المخابرات الأمريكية وكان افتتاحها يوم 6يوليو 53، فكان رد الفعل التلقائى (والذى توقعه هيكل) : يا نهار أسود .. الريس عاوز يجيب لنا واحد أمريكانى.. لأ يا ريس خليك مكانك ((بالروح والدم نفديك يا جمال)) هذا ما كان ، ونجحتْ مسرحية هيكل بجدارة وفاز الفريق المُعادى لشعبنا المصرى ، وتمّ ذبح الشعب بيديه ، إذْ أنّ هتاف ((بالروح بالدم نفديك يا جمال)) يمكن للعقل الحر أنْ يُحوّره ببساطة ليكون ((بالروح والدم نفديك يا سبب كوارثنا)) أو ((بالروح والدم نفديك يا من مكنت اسرائيل من احتلال سيناء والجولان والضغة والقدس)) أو ((بالروح والدم نفديك يا من حققت حلم إسرائيل فى التوسع)) ولكن بعد أسابيع اكتشف الأميون من شعبنا الخدعة فأطلقوا على بيان (التنحى) تعبيرهم الخاص المُستمد من ذات الحروف بعد تحويرها لتتطابق مع تعبير السخرية المصرية الشهيرة ، فانتشر بين شعبنا ترجمته الخاصة لبيان التنحى ((أحيه.. أحيه.. بتتنحى بعد إيه؟!)) ولم تكن مفاجأة أنْ يُرسل أحد المواطنين رسالة إلى الأديب توفيق الحكيم يقترح فيها إقامة تمثال لعبد الناصر فى تل أبيب (عودة الوعى – دار الشروق- عام 74- ص67) وكان تبرير هذا المواطن إنّ إسرائيل لم تكن يومًا تحلم بأنْ تـُحقق تفوقها العسكرى ، إلاّ بفضل سياسة عبد الناصر.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا كان الصراع بين (حور) و(ست) ؟
- العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى
- الشعر فلسفيًا والفلسفة شعرًا
- السنة المصرية وجذور التقويم العالمى
- الحمساويون دمّروا غزة
- العلاقة بين الكلمة والفنبلة
- بيرم التونسى والشعر المصرى
- عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)
- الأدب والقمع الدينى والسياسى
- مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
- الترجمة من المصرى للعربى
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (9)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)
- أحزان السياب السبعة
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الناصرية ومتوالية الكوارث