أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الصفار - محاولة لرصد العقل السياسي العراقي















المزيد.....


محاولة لرصد العقل السياسي العراقي


علي الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 22:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعادت أحداث العاشر من حزيران 2014 والمتمثلة بالتمدد المفاجىء لداعش وإحتلالها لأكثر من 30% من مساحة العراق وردود الأفعال من النخب السياسية والجماهير العراقية ، أعادت السؤال حول العقل السياسي العراقي من حيث وجوده/ سماته / تميزه / قدرته على التحليل / إمتلاكه لأدوات التفكير الواعي الناقد / حياديته العلمية وفهمه لأحداث الوطن والعالم.
هنا أقصد بالعقل السياسي العراقي افكار وتحليلات ومواقف النخب السياسية العراقية الحزبية منها وغير المتحزبة والمثقفين العراقيين والجماهير العراقية ،وبالتالي فهي نظرة على العقل الجمعي والفردي وتشمل العقل السياسي العربي والكردي وإضطرارا سنرصد العقل السياسي السني والشيعي لأنهما ومع الأسف أصبحا حقيقة،فالجميع رغم إختلافهم في القومية والدين والمذهب يشتركون بعراقيتهم التي غابت عن وعي الأغلبية ويشتركون في الكثير من المظاهر السلبية في التفكير وهي الوحيدة الظاهرة والتي تثبت عراقيتهم وعقليتهم السياسية العراقية والتي قد تحثهم على التوحد بعد إن فرقتهم الأحداث والفرص التي إتيحت للعراق بعد 2003 .
سنحاول أن نرصد فقط مع قدر من الإشارات التحليلية لأن الموضوع يحتاج لمراجعة نقدية من علماء في العلوم السياسية والإجتماعية وحتى النفسية وعلماء تاريخ ومختصون في المستقبليات،ومع ذلك لابد من الإشارة الى ماهو معروف وسبق ذكره وخاصة ماأشار إليه الوردي وظل ينبه علية لعقود وأثبتت الأحداث بعد 2003 صحة الكثير منها مثل العصبية القبلية / المذهبية / المناطقية،والشيزوفنيا الفكرية حيث يؤمن الشخص بالشيء ونقيضه إضافة إلى شخصنة القضايا العامة وصعوبة قبول الرأي الأخر، وعلى المستوى السياسي الجمعي عدم القدرة على التمييز بين الدولة والوطن والسلطة وعدم فهم أهمية العراق الإستراتيجية ودينامكيات الصراع الأممي المرتبطة بمصالح الأمم وليس الحكومات والتي جعل الإستراتيجية البحرية الأميركية المعاصرة مثلا تستند إلى ماوضعه أدميرال بحري قبل مئتي سنة ،ومن أخطر سمات العقل السياسي العراقي عدم تمييزه بين الوصف والتحليل وعلينا الإعتراف إننا في العراق نعيش حالة فقر في الوعي السياسي مقارنة حتى بالدول العربية وتجلي هذا الفقر في هيمنة قوى سياسية جاهلة على العقل الجمعي العراقي وغياب تام لأي تفكير بالمستقبل ولو سألت أي مثقف سياسي كيف تتخيل العراق بعد عشرين سنة لأجابك فورا ( عرب وين ....طنبورة وين) في دلالة على إنهزام فكري مؤلم وفقدان الأمل حتى من النخب المثقفة.
لابد من الإعتراف إن العقل السياسي العراقي لم تتح له الفرص ومساحة الحرية التي أتيحت لغيره ( المصري مثلا) بسبب عقود من العنف خاصة الديكتاتورية المتفردة والمتوحشة التي إستمرت لأكثر من ثلاثين سنة والتي حاربت كل شيء وزرعت خوفا فريدا يعبر عنه العراقي بالخوف من خياله وبالتالي يمكن القول إننا نتحدث عن عقل سياسي ناشيء يستند إلى خزين من التجارب والمواقف التاريخية السابقة والتي لم يتم صهرها في بوتقة الفكر السياسي الوطني بسبب التغيرات السياسية المفاجئة التي إمتاز بها العراق التي حرمته من الإستقرار والأمان الضروريان لتكون وعي وطني ،ومن يراجع التاريخ يكتشف إنه حتى العهد الملكي الموصوف بالإستقرار مقارنة بالأنظمة التي جاءت بعده، لايمكن تقييمه على إنه نظام واحد بل هو مجموعة مراحل متباينة حدثت فيها تغيرات جذرية ( حكم فيصل الأول مقارنة بحكم غازي المختلف تماما أو نظام مابعد حركة مايس 1941 مع ماقبله)،ثم حكم قاسم الوطني الذي لم تتح له التدخلات الأجنبية وضيق أفق النخب السياسية الوطنية فرصة تكوين وعي / عقل سياسي عراقي خاصة وإنه لم يستمر أكثر من خمس سنوات،تلاها حكم البعث الأول الدموي الذي لم يدم إلا ثمانية أشهر ،والشيء نفسه ينطبق على حكم الأخوين عارف المتقلب ،وحتى نظام البعث الثاني فهو لم يكن نظاما واحدا طيلة الخمس والثلاثين سنة حيث تجد مجموعة أنظمة زمنية مثل ،مرحلة 68-73،و73-79،و80-88،و90-2003 وفيها إنقلب النظام السياسي من إشتراكي إلى رأسمالي ومن تابع للمصالح الدولية إلى متمرد عليها ومن قومي إلى إسلامي ومن حزبي إلى فردي ومن فردي إلى عشائري ومن ثري إلى فقير ومن معاد للدين إلى متبني لحملة إيمانية، وخلالها كان القمع هو السمة الغالبة خاصة للنخب الثقافية والسياسية والتي شملت حتى نخب الحزب الحاكم التي حاولت في فترات متباينة تكوين نوع من العقل السياسي البعثي خاصة في منتصف السبعينيات في منافسة فاشلة مع الفكر الماركسي الذي كان الحزب الشيوعي العراقي يمثله وكسب من خلاله الكثير من الشباب مما أثار حفيظة البعث الفكرية التي تحولت إلى إجراءات أمنية قاسية ووحشية بإعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يفهما البعث .
وأثر الإضطراب السياسي بعد 2003 في عرقلة تكون عقل سياسي عراقي بل إن بوصلة العقل السياسي ضاعت وتاهت بفعل الطائفية السياسية حتى وصلنا لمرحلة يمكن فيها الإشارة الى عقل سياسي سني وشيعي وكوردي وتركماني، ولم يسع المثقفون العراقيون إلى العمل على تكوين عقل سياسي عراقي كرد فعل على المناهج الفكرية الطائفية والعنصرية وكوسيلة وحيدة للرد على الطائفيين وردعهم بل ربما تشجيع النخب السياسية الطائفية نفسها على التعلم من إخطائها من خلال تقديم نموذج لفكر جديد طل العراق متعطش له.
ماهي أهم مظاهر العقل السياسي العراقي بنماذجه المختلفة والتي نصفها بالعراقية كون ممثليها عراقيون ويناقشون ويعلقون ويساهمون في الشأن العراقي:
1) لازال الوطن غائبا عن فكر ووعي العراقيين الذين إنشغلوا عنه بالإنحياز إلى دول إقليمية بحجة التقارب الفكري،حيث ينحاز السياسي الشيعي للدولة الإيرانية بحجة تشابه المذهب،ولنفس السبب ينحاز السياسي السني إلى الدولة التركية والسعودية متناسين جميعا إن من أبسط المبادىء الجيوسياسية إن مصالح الدول المتجاورة غالبا ماتكون متضاربة وإنه لاتوجد دولة تتمنى القوة لجارتها حتى في حالة الإستقرار الإقليمي، وتتحول في ظل الصراعات إلى محاولات لإضعاف الجار لإبعاد الخطر إليه بدلا من إنتقاله اليها،ومن يتابع الأحداث في العراق منذ 2003 يكتشف إن الدول المشار إليها جميعا حاولت إضعاف العراق من خلال تشجيع الإرهاب فيه،ولو وعى السياسيون وربطوا الأحداث جيدا لعرفوا السبب الذي كان يدفع بشار الأسد لدعم الإرهابيين ويمولهم لقتل الشيعة وهو – أي النظام السوري- كان ولازال يأتمر بأمر إيران والبديهيات تستدعي أن تجبره إيران على وقف دعمه للإرهاب الذي إستمر لأكثر من ثمان ، سنوات قبل أن تستثمره أميركا لقلب الطاولة عليه وعلى إيران وحزب الله،بمعنى آخر إن إيران كانت ضالعة في دعم الإرهاب في العراق وقتل الشيعة إن لم يكن بشكل مباشر فالبواسطة لكون السلطة في إيران تدرك مفهوم الدولة والوطن والمصلحة الوطنية وبالتالي فالمذهب لها هو وسيلة وليس غاية بعكس الأحزاب الشيعية التي تعتقد خاطئة إن إيران هي حامية المذهب ولو دقق العراقيون لأكتشفوا إن إيران الحالية تتحرك – وهي محقة - وفق نفس إستراتيجية الإمبراطورية الفارسية قبل الإسلام وإستراتيجية إسماعيل الصفوي وشاه إيران حيث لاخيار لها إلا الإنفتاح نحو الغرب كي لا تبقى أمة محاصرة لا إمتداد لها وليس لها حدائق خلفية وقد حققت إيران زمن ولاية الفقيه وبصمت ذكي مالم يحققه الشاه في هذا المجال رغم تعاونه مع أميركا وإستعراضاته لقوته، حتى وصلت الى البحر الأبيض المتوسط بل إلى أفريقيا في حين لايدرك العقل السياسي العراقي أهمية العراق في حمى الصراع الأممي للوصول إلى المياه الدافئة بل يفرط بدولته .
وفي الجانب الآخر الآخر ظل السياسيون السنة تابعون إلى تركيا والسعودية رغم معرفتهم بتمويلهما للإرهاب في العراق ،بل إنهم ساهموا وسهلوا للإرهابيين الأجانب الدخول إلى العراق ووفروا لهم حاضنات بتمويل من السعودية وقطر ودعم لوجستي من تركيا في خيانة واضحة للوطن بحجة محاربة السلطة ، الغريب إنهم كرروا هذه الخيانة مرتين الأولى في 2004 عندما سمحوا وهللوا للقاعدة والثانية في 2014 حيث لايخفى دعمهم للدولة الإسلامية مهما حاولوا إخفاء فرحهم بسقوط الموصل وكأنها مسجدا شيعيا وليس محافظة عراقية يجب أن لايسمح أي عراقي لأية قوة أجنبية بدخولها حتى لو كان الحاكم هو الشيطان نفسه، بل إنهم لم يسألوا أنفسهم لماذا لا تسعى داعش لتغيير تلك النظم رغم عدم إسلاميتها وكيف تسمح تلك الدول لها بالمرور الى العراق رغم وحشيتها البعيدة عن الدين.
ولو عدنا للوراء لعقود لوجدنا إن الجميع (السلطة والأحزاب المعارضة ) أمعنت في سحق الوطن والدولة العراقية، ففي 1975 ضحى البعثيون وقائدهم مثلا بنصف شط العرب لإيران من أجل التفرغ لقمع معارضة وطنية عراقية هي الحركة الكردية، والجميع يعرف الأهمية الإستراتيجية لشط العرب وإلحاح إيران منذ تأسيس الدولة العراقية على الحصول على ممر لها فيه ولم تحصل عليه حتى في ظل أضعف حكومة عراقية وهي حكومة عبد الرحمن عارف بينما يضحي حزب قومي يؤمن بالوحدة العربية كما يدعي بجزء من سيادته بثمن بخس ، ولدولة غير عربية. وفي المقابل أدخلت الأحزاب الكوردية القوات الإيرانية إلى العراق حتى في سنوات الحرب العراقية – الإيرانية وهي خيانة للوطن مهما كانت السلطة الحاكمة ،كما قاتلت بعض الأحزاب الشيعية إلى جانب إيران في حربها مع العراق دون أن تدرك إن الصراع لم يكن مذهبيا بل هو صراع إرادات سياسي كان قائما وسيبقى لأنه مرتبط بحياة الأمم وليس بالسطة السياسية لكنه يتخذ أشكالا مختلفة .
إذن تشترك الأحزاب والنخب السياسية العراقية في عدم إدراكها لأهمية الوطن والدولة لأنها لاتمتلك عقلا سياسيا عراقيا كما هو في جميع الدول، ولو قارنا ماذكرناه أعلاه مع جميع الدول العربية لن نجد مثلا عربيا واحدا سواء من السلطة أو من الأحزاب المعارضة ممن ضحى بوطنه من أجل المنصب والسلطة، وقد يفسر هذا وجود وعي سياسي مصري جمعي عام بأهمية الوطن دفعهم لإسقاط مرسي والإخوان بعد سنة واحدة فقط من حكمهم بينما تدمر الأحزاب الإسلامية الوطن دون أن يواجهها عقل سياسي عراقي .
ولو عدنا للوراء إلى زمن قاسم وعبد الناصر لأكتشفنا إن القوى القومية بما فيها البعث وقعت في نفس الخطا وعلى الأغلب بسبب غياب الوعي الإستراتيجي وللحصول على السلطة بالنسبة للبعثيين، لذلك ساندت ناصر- الطامح لدولة مصرية قوية - ضد الحكم الوطني زمن قاسم مسحورة بالفكر القومي الناصري الذي كان وعيه بالموقع الإستراتيجي لسوريا والعراق متقدما على الوعي السياسي للقوى العراقية ولم تدرك إن صراع قاسم – ناصر هو إمتداد لصراع نوري السعيد – ناصر لكونه صراعا عراقيا – مصريا بحكم موقع البلدين الإستراتيجي .
ولكي نكون منصفين نعتقد إن الأحزاب اليسارية لم تدخل هذه اللعبة ولم يسجل لها دورا في خيانة الوطن ولانعرف هل إن السبب وعيها السياسي المتقدم أم لكونها أحزاب وطنية صرفة بخلاف الأحزاب الإسلامية التي لها إمتدادات إقليمية،كما إن الإمتدادات الأممية لليسار لم تسع لتحطيم الدولة / الوطن بحكم البعد الجغرافي وعدم وجود مصلحة لذلك إضافة إلى عقلانية المرجعية الأممية مقارنة بالمرجعيات الدينية ويمكن البرهنة على وعي اليسار بأهمية الوطن في دعمهم لقاسم ضد عبد الناصر وعدم الإنقلاب على عبد الكريم رغم قدرتهم على ذلك خوفا من تدخل إقليمي يدمر الوطن بل وحتى تكتيكاتهم في العلاقة مع الأنظمة السياسية من العهد الملكي وحتى زمن البعث وقد يفسر هذا أحد أسباب إنكفاء اليسار بعد 2003 كونه تيار وطني خالص لا إمتدادات خارجية له من جهة ولعدم وجود وعي سياسي عراقي جمعي ناضج يفهم قيمة الوطن والدولة ومناصرة من يحرص على هذه المعادلة.
2) وعلى المستوى الداخلي ساهمت القوى السياسية في تحطيم ركائز الدولة العراقية بعد 2003 ولم تتنبه إلى أهمية التفريق بين الجكومة والدولة ولم تستوعب المخطط الأميركي ومستلزمات الفوضى الخلاقة فأمعنت في تحطيم ماكان مهلهلا أصلا فلم يعد للمؤسسة العسكرية أي قيم (وكان البعث وصدام أول من عمل على تحطيمها عندما نصب نواب العرفاء وزراء للدفاع ومنحهم رتب الفريق وصلاحيات تدميرية لم يملكها أي ضابط مهني في تاريخ العراق ومنها إستخدام السلاح الكيمياوي ضد إبناء شعبه) من خلال تكرار خطأ البعث بإعطاء الرتب العسكرية لكل من هب ودب مما أسهم في تدمير مؤسسة كان الشعب يعول عليها الكثير، ولم يكن رد فعل القوى السياسية المعارضة لهذا التحطيم إلا لغرض الحصول على نصيب منه وليس معارضته ورفض المبدأ، وحصل الأمر نفسه في وزارات الدولة والمؤسسات الأمنبية والعلمية، ولو قارنا الأمر مع مصر مثلا لأدركنا الفرق الشاسع في الوعي السياسي حيث حافظ المصريون بما فيها السلطات المتعاقبة على المؤسسة العسكرية التي كان لها موقفا وطنيا مدعوما من القوى السياسية التي إتفقت على رفض إهانة المؤسسة العسكرية والأمنية مهما كان بطشها في حين تجاوزت القوى السياسية السنية مثلا على المؤسسة الأمنية والعسكرية ونعتتها بأوصاف مهينة مثل الحرس الوثني والجيش الصفوي وجيش المالكي كان حصيلتها ماحدث في العاشر من حزيران 2014 دون أن يدركوا إن للوطن والدولة خطوطا حمراء لايجوز تجاوزها مهما كان الخلاف شديدا مع السلطة.
مرة أخرى السبب يعود إلى غياب الوعي السياسي العراقي،وقد يقول قائل إن ماذكرناه مسؤولة عنه الأحزاب الإسلامية السنية والشيعية والأحزاب الكردية لكونها جميعا تمثل طبقة سياسية إنتهازية تتميز بالجهل والطمع وهو صحيح دون نقاش، ولكن هل سمعنا بردود أفعال من العراقيين توازي ماشهده الشارع المصري،الجواب كلا بالتأكيد لأنه حتى القوى السياسية غير الإسلامية لم تدرك وتسعي لتوعية الجماهير بأهمية الوطن والدولة.
3) لايستوعب العقل السياسي العراقي (الحاكم / المعارض / الجمهور) لعبة المصالح الدولية وديناميكيات الصراع الدولي بسبب عدم شيوع مثل هذه الثقافة وعدم التواصل مع المؤسسات الدولية البحثية مقارنة بدول عربية أخرى كمصر حيث توجد مؤسسات مصرية لها علاقات وثيقة بالمؤسسات الدولية مثل مؤسسة الأهرام التي يتوفر لها كم هائل من المعلومات عن مجريات الصراع الدولي كما لا تحتفظ مؤسسات الدولة العراقية مثل الرئاسة والمخابرات والخارجية بمثل هذه الوثائق بل إن الذاكرة العراقية منعدمة تماما حيث تعمد أي سلطة جديدة على محو تاريخ السلطة التي سبقتها وأقساها وأشدها ماحصل بعد 2003 ،والغريب مانشهده من فرق واضح بين النخب السياسية العربية مثل السفراء والكتاب والصحفيين العرب وأمثالهم العراقيين حيث تغيب الأخيرة عن المسرح السياسي كخبراء / أو معلقين /أو باحثين، ومن جانب آخر أدى العنف بالقوى السياسية المعارضة إلى عدم الإهتمام بمثل هذه القضايا الوطنية والتركيز على حماية نفسها من بطش السلطة والتفكير بتغييرها كهدف أسمي لا يكون بناء دولة عصرية أحدها لقناعتها الداخلية بأن هذا الهدف بعيد المنال.
وأستغرب لعدم وقوف العقل السياسي العراقي عند مقارنة الموقف الدولي مع نظام الأسد ( روسيا والصين) والذي لم يحصل مع نظام البعث – صدام رغم الأهمية الإستراتيجية للعراق،السبب في رأي يعود لما قلته أعلاه‘ حيث كان صدام يلعب اللعبة السياسية بغباء شديد فيه من العنتريات الشيء الكثير فتراه منحازا للمعسكر الإشتراكي تارة لينقلب ضده بإسلوب ساذج ودون أن يحصل على ثمنه من المعسكر الآخر، أو لعامل داخلي (قوة الحزب الشيوعي ) بل ويمعن في المعاداة بوحشية تحرج الدول الكبرى دون أن يفهم إن المصالح متبادلة ولايمكن أن تكون من جانب واحد، مما جعلته في موضع عدم الإحترام من الجميع لدلك لم تقف معه الدول المعادية للمصالح الغربية والتي تضررت من التدخل الأميركي كما هو مفترض.
الشيء نفسه ينطبق على الأحزاب السياسية التي تولت السلطة بعد 2003 حيث لم تدرك اللحظة / الفرصة التاريخية التي أتيحت لها لتفك أسرها مع القوى المساندة لها أيام المعارضة مثل إيران / السعودية / سوريا والسبب مرة أخرى هو غياب العقل السياسي العراقي الذي يجعل من الوطن همه الأول ولسذاجة أغلب هذه القوى وغلبة المصالح الشخصية على قادتها، لذلك كرر المالكي والطبقة السياسية الشيعية نفس أخطاء صدام بعدم فهمه لديناميكيات الصراع الدولي وثنائية المصالح كونها تسير بإتجاهيين، ولم يفهم لماذا لم تندفع أميركا لتسليح الجيش بأسلحة متقدمة لنظام منصاع تماما لإيران أو هكذا يبدو، وبالتالي لايمكن لدولة كبرى أن تعرض أمن سلاحها لدولة معادية ، ولم يفهم إنه من حق السعودية أن تطمئن على حدودها الشرقية كثمن لدعمها النظام العراقي الجديد وهو مالم يحصل، كما لم يفهم إن إيران كان بإمكانها إيقاف الإرهاب القادم من سوريا وكان من الممكن مساومتها على مصالحها مقابل عدم تحول العراق إلى ساحة للوثوب على النظام وهكذ بالنسبة لروسيا والصين وعدم إدراك دورهما في دعم النظام الجديد.
ولم يشهذ العراق لاعبا سياسيا ماهرا بعد نوري السعيد الذي كان الإنكليز يصفوه (( له قدرة رائعة على الركض مع الأرانب والكلاب في آن واحد)) ورغم علاقته الوثيقة ببريطانيا كان يقول ((لو أعرف إن الإنكليز سيخسرون الحرب سأكون أول من يطلق عليهم النار)).
4) تمارس جميع القوى والنخب السياسية خطأ شخصنة القضايا الوطنية وتعطي لنفسها الحق في تسخير الوطن لمصالحهم الشخصية بل على العكس تتاجر هذه القوى بالوطن من أجل مصالحها المذهبية والشخصية وهو عين ما كان يفعله صدام والبعث حيث أستخدم العراق لمصلحة البعث وأستخدم الإقتصاد لخدمة السياسة وليس العكس كما تفعل جميع الدول والسبب يعود في رأي إلى ترسخ المنطق القبلي / العشائري والذي تعزز بالأفكار الدينية،فالمشاركة السياسية في الوطن حولها السياسي العراقي إلى عدد الوزارات والمناصب الحكومية التي يحصل عليها أتباعه وليس المشاركة في حماية الوطن وتقدمه،بل إن المثقفين العراقيين وجماهير القوى السياسية تناغموا مع هذا العقل السياسي من خلال مناقشتهم لعدد المقاعد الوزارية التي يستحقها هذا الحزب أو ذاك وكانها من بديهيات العمل السياسي وليس تصرفا عراقيا صرفا يؤكد ماقلناه عن غياب العقل السياسي العراقي الواعي بأهمية الوطن وقيمته.
5) لازال العقل السياسي العراقي يقف مندهشا مما يحصل وحقيقة داعش والدور الأممي في تشكيلها ودعمها /محاربتها ولم يقدم لنا هذا العقل تفسيرات منطقية خاصة والعراق ساحة لداعش ،بل إن الموقف من داعش تاثر بشكل أساسي بطائفية الأحزاب ،فالعقل الشيعي يرفضها لأنها ضد المذهب ( وليس ضد الوطن)، والعقل السياسي السني ظهر نفاقه بوضوح ولدرجة مقرفة سواء على مستوى القوى السياسية والنخب المثقفة ومع الأسف حتى على مستوى المواطنين حيث يدينون داعش ظاهريا ويساندونهم سرا بل ويتشفون بالسلطة الشيعية وكأن داعش إحتلت النجف وليس الموصل وصلاح الدين والأنبار وجميعها موسومة بالمحافظات السنية دون أن يدركوا إنهم سيكونون ضحايا داعش بل إنهم نسوا خطأهم القاتل في دعم القاعدة، ومن يتابع ردود أفعال السياسين والمثقفين العراقيين يستغرب هذا التخبط في تحديد ماهية داعش كونها لعبة دولية تستهدف الوطن وإن الوقوف ضدها لايحتاج إلى نقاش، ولم يستطع العقل السياسي العراقي بشقيه المعرض والمؤيد إلى رؤية موحدة تستند إلى المصلحة الوطنية.
6) ظهرت بوضوح الشيزوفينيا الفكرية في العقل السياسي العراقي،فالسياسي السني مثلا يرفض المليشيات الشيعية لكنه يسمي العصابات الإرهابية بثوار العشائر وليس ميلشيات ويرفض تدخلات ايران في الشان العراقي لكنه يدعو تركيا للتدخل فيه ويدعو الحكومة لإعادة ضباط النظام السابق إلى الجيش فيما يعيب على المالكي إستعانته بالضباط السابقين ويدين جريمة قتل المصلين في مسجد مصعب بن عمير والبالغ عددهم بحدود ستين شخصا ويسكت عن جريمة أبشع هي إعدام 1700 شاب عراقي من منتسبي قاعدة سبايكر بل يظهر بوضوح على وجوه أغلبهم ( ظافر العاني مثلا) الفرح من هده الجريمة البشعة.وفي الجانب الشيعي تظهر الشيزوفينيا أيضا حيث ينتقد الشيعة التدخل التركي والسعودي ويسكتون عن التدخل الإيراني الواضح للعيان وتتوسل القيادات الشيعية أميركا للتدخل العسكري في حين يظهرون على الشاشات يرفضون أي دعم أميركي بل ينكرونه.
يقول الوردي إن العراقي يكون ساديا أمام الضعيف وماسوشيا أمام القوي،ومن يراجع سلوك القوى السياسية بعد 2003 يدرك صحة ما ذكره الوردي ، فالقوى السنية وأغلبها كان يتذلل أمام شرطي عهد صدام بل كانت سمته الأساسية الجبن (مرة أخرى ظافر العاني لمن يعرفه) لكنه أصبح أسدا بعد 2003 لأن القوى الشيعية ليست بنفس عنف البعث ولأنها مكبلة اليد بسبب العامل الدولي،وكذلك القوى الكردية (مسعود مثلا) التي كانت تتوسل صدام ليرضى عنها رغم جرائمه لتتحول بعد 2003 ، ورغم الإمتيازات التي حصلت عليها والتي لم يكن يجرؤون على التفكير بها،يتحولون إلى ساديين يتلذذون بتدمير الوطن، ونفس الشيء مع جميع القوى الفاعلة حيث التذلل لأميركا والإستئساد على أبناء الوطن.
7) تشترك أغلب القوى السياسية بل وحتى النخب منها والعقل السياسي العراقي في ضعف ذاكرتها التاريخية الوطنية وعدم قدرتها على إسترجاع /إستعادة التاريخ في اللحظة المناسبة لذلك تتكرر الأخطاء التي دمرت الوطن دون أن يعي العقل السياسي إن مايقدم عليه مثلا جرب سابقا ولم ينفع لذلك من يتابع السياسيين وهم يتحدثون سواء في أحاديثهم أو خطاباتهم يكتشف غياب أية إشارة إلى أحداث حاسمة في تاريخ العراق أو إشارة إلى مواقف شخصيات عراقية سابقة لها علاقة مباشرة بالحاضر والمستقبل،ويمكن للمتابع أن يستغرب كيف تستعيد القوى الشيعية مثلا أحداث وقعت قبل 1400 سنة ( السقيفة ) وهي أحداث لا يستطيع أحد منهم أن يؤكد وقوعها، لكنه لايستذكر إرهاصات تشكيل الدولة العراقية أو إستقلال العراق أو قضية الموصل ودور القوى الدولية والمحلية أو ديناميكيات الصراعات السابقة،والسبب في رأي إنهم لم يدرسوا تاريخهم جيدا وبالتالي لايستطيعون إستعادته في اللحظة المناسبة،ولا يوجد سياسي عراقي واحد يستطيع أن يربط بين سياسات السومريين والأكديين والبابليين والعباسيين والعثمانيين والسياسات / الإستراتيجيات الحاضرة، بل إنهم سيضحكون عند قرائتهم ذلك دون أن يدركوا إن إستراتيجيات الدول والأمم لها علاقة بالماضي ولها جذور قديمة لابد لمن يتصدى للشأن السياسي أن يدركها،وتتوسع دائرة الجهل لتشمل التاريخ الدولي والإقليمي حيث يقف السياسي وعلامات الدهشة بادية عليه وهو لا يعرف كيف يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
لمن يريد أن يكون سياسيا ناجحا عليه تأهيل نفسه والبداية دراسة التاريخ ولكنه شرط غائب عن العقل السياسي العراقي المتميز بذاكرته القصيرة المدى ، ومرة أخرى لو قارنت مع العقل السياسي المصري لوجدت إشارات واضحة لأحداث مصرية سابقة لها علاقة بالحاضر بل فيها إمتدادات لإستراتيجيات سابقة ( إستراتيجية محمد علي).
8) لايشكل الإقتصاد أية أهمية في العقل السياسي العراقي رغم أهميته كونه الأساس الذي تتمحور حوله الأحداث المحلية والعالمية بل إنه لايستطيع الربط بين الأحداث التي مرت بالعراق قبل وبعد 2003 بالعامل الإقتصادي ولم أسمع سياسي عراقي واحد يربط بين العنف والتشرذم السياسي وتوقف عجلة التنمية وعلاقة كل ذلك بالعولمة واللبراليون الجدد ولايستطيع أي منهم تقديم تعليلا إقتصاديا حتى لأخطر الأحداث لأنهم يعتقدون إن الصراعات تحركها الطوائف والمذاهب والأفراد وليس الإقتصاد غير مدركين إن السياسة الإقتصادية وقوانينها أهم من الدستور نفسه .
ومن بتابع الفضائيات العراقية والعربية وجلسات البرلمان يكتشف الفقر الشديد في العقل السياسي العراقي مقارنة بالعقل السياسي الأممي وحتى العربي، إذ يفتقد العراق إلى شخصيات سياسية / ثقافية / علمية يمكن الوثوق بتحليلاتها لأن العقل العراقي يحلل اللحظة المرتبطة بإرادات الأفراد وليس ببيئتها وجذورها حيث لايتعب نفسه في البحث والتحليل والتنقيب وهي السمات الأساسية للعقل العراقي سابقا كما كان يؤكد الجاحظ.
الموضوع في تقديري جد خطير ويحتاج لوقفة علمية تبدأ بالإعتراف بالحقيقة وصولا إلى العمل على تهيئة مقومات تشكيل وعي سياسي عراقي يؤمن بالأمة العراقية من أجل أن نترك للأجيال وطن يدافعون عنه ومخافة أن نتأخر حتى ننتج أو نساهم بإنتاج مثلا جديدا (( بعد خراب العراق )) بعد أن أنتجنا المثل المعروف (( بعد خراب البصرة )).
من يتصدى لهذه المهمة ؟؟
وللحديث بقية




#علي_الصفار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تجب محاكمته ...في العراق ؟؟؟؟؟؟؟
- للمالكي ، فرصة لتصبح بطلا !!!!!!
- الموصل :الإنتكاسة الثانية للجيش العراقي.............. من تجب ...
- عبد الحسين شعبان (يا قلم ... من يشتريك؟؟؟؟)
- المالكي ومسعود ........وفخ نفط كوردستان
- مظاهر ودلالات سقوط المالكي وحزبه
- أغاني المالكي !!!
- آهات عراقية (4) / مالكيات !!!!!!
- لغز المالكي في العراق !!!!!!
- آهات عرقية (3)
- أهات عراقية (2)
- آهات عراقية(1)
- الوطنية العراقية ......آن أوان الحقيقة والمواجهة
- أحداث الأنبار :شرارة ثورة سنة العراق ضد رموزهم
- مالم يدركه ويقوله زعيم الحزب الشيوعي العراقي في قناة الإتجاه
- إنتخابات مجالس المحافظات في العراق
- القسام الشرعي للمرحوم العراق
- عذرا ..أيها الشهداء لقد أخطأتم الطريق
- إستباحة مدينة الثوره ..نموذج لأزمة الحكم في العراق
- ألعمامه .....والسلطه


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الصفار - محاولة لرصد العقل السياسي العراقي