أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صباح راهي العبود - الدقة.....وأسواق الدقة.















المزيد.....

الدقة.....وأسواق الدقة.


صباح راهي العبود

الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 16:36
المحور: كتابات ساخرة
    


لعلي بدءاً سأكون موفقاً في توضيح مايعنيه مصطلح الدقة عندما أصفه بعملية ممارسة التركيز والترتيب مع الضبط والإحكام والعناية في الأداء الذي يخلو من الخطأ في القياس والتقريب. فالدقة هي صفة الأداء أو الصنعة أو المنتج عندما يقترب من الكمال والمثالية.وعلى وفق مبدأ الدقة تتخذ قرارات مهمة في حياتنا ترتبط إرتباطاً وثيقاً مع مجمل ما نحتاجه من متطلبات الصحة والتصنيع والتطوير للبنى التحتية وتوفير الغذاء وغير ذلك كثير. كما أنها مهمة في كل أعمالنا التي نقوم بها ونؤديها. فعمل الطبيب يتطلب الدقة في تشخيص المرض من خلال ما يحصل عليه من تحاليل مرضية دقيقة وصور شعاعية واضحة .كما أنها ضرورية للإنتاج الصناعي وتحضير الأدوية وصناعة المواد الإنشائية ,وهي مهمة في أداء عمل أي موظف أو مسؤول مكلف بعمل ما وغير ذلك من أمور, وعندما يحصل خطأ بسيط في هذا الأداء فقد يكون ثمنه غالياً لاسيما وأن المواطن سيدفع ثمن هذا الخطأ ويكون ضحيته.لذا نجد أن الدول المتقدمة التي تحترم مواطنيها ويهمها أمر خدمتهم وإسعادهم تسعى وتحرص على وضع الشخص المناسب (الذي يتميز بدقة وإتقان العمل ) في المكان المناسب .وقد تتسبب أخطاء عدم الدقة في العمل الى مساءلات قانونية ربما تقود الى ما لا تحمد عقباه.وعندما تكون ممارسة ا الدقة في عمل البعض تتطلب وقتاً فهذا لايعني بالضرورة الرضوخ لمشكلة البطء في العمل ,فالدقة
مطلوبة لكن ليست على حساب الوقت لا سيما وإنه سيتحول بالتالي الى إهمال وتراخ,وعليه وجب السعي لإحداث توازن بين دقة العمل والوقت الذي يتطلبه الإنجاز,وهذا يتوقف على مدى نجاح القائم بالعمل .ولعل من أهم أسباب تقدم الدول هو عملها بمبدأ سرعة الأداء المقترنة بدقة العمل دون ضياع في الوقت, وتوضع لبلوغ هذا الهدف برامج وخطط مدروسة.
من الأمور المأساوية التي تحصل هذه الأيام والتي تتنامى مع كثرة الفضائيات التي تتنافس على نشر خبر مثير تتميز به عن باقي الفضائيات الأخرى هو بثها لخبر مشوه أولمعلومة مخطوءة أو غير دقيقة بقصد السبق الإعلامي ,وقد يتسبب هذا البث في إحراج بعض الأشخاص أو ربما يمس سمعة مسؤول في الدولة أو في مؤسسة أو حزب ,وقد يسيء الى الحكومة ويسبب لها الممشاكل. فوسائل الإعلام عامة والفضائيات خاصة تُعد من أهم ركائز ودعائم الأمن القومي وحتى السلام العالمي .وعندما تنشر هذه الوسائل خبراً يفتقر الى الدقة فإنها ستدق إسفين الدمار والخراب في البناء الإجتماعي وخاصة إذا إقترن هذا النشر بعرض أفلام مفبركة تشيع الكراهية بين القبائل أو الطوائف والمذاهب والأديان أو القوميات ,و يصرون على الإستمرار في نشر هذا الغسيل القذر حتى ولو إنفضح كذبهم أمام الناس ,وهم لا يستحون من كل أفعالهم القذرة تلك ,و في العادة لا يعتذرون فيكونون بذلك محط الإحتقار والنبذ.أما وسائل الإعلام التي تحترم نفسها وتكون صادقة ودقيقة فيما تقدمه لمتابعيها فإنها ستحظى بإحترامهم وتقديرهم,وهذا الأمر ينسحب على الحكومات التي تخفي الحقائق عن مواطنيها وتشيع ثقافة الإلتواء والكذب والتزوير والنفاق وعدم الإلتزام بتنفيذ الوعود مع غياب الأداء المخلص الصادق. كما أن الشركات العالمية ذات السمعة الطيبة والتاريخ النظيف لم تحصل على النجاح الذي هم عليه إلا من خلال ممارسة طويلة الأمد للدقة في العمل وإحترام العملاء والمستوردين ,فكثيراً ما نسمع عن أن إحدى شركات السيارات قامت بسحب ملايين السيارات التي أنتجتها وتم بيعها للناس في مختلف بقاع العالم بسبب خطأ فني أو عدم دقة في أداء منظومة معينة فيها مما قد يعرض الزبائن الى مخاطر وخسائر جراء تلك الأخطاء. وبمناسبة ذكر التكنولوجيا لا بد لنا من أن نؤكد على أن دقة القياس والمقاييس قد أدت الى تقدم العلوم والتكنولوجيا التي عملت على تطور الإنسان وخطت به خطوات واسعة وسريعة, فصناعة الحاسبات الإلكترونية وأجهزة إنتاج الليزر والأجهزة الطبية الدقيقة والتلسكوبات الألكترونية وإتباع الأنظمة الرقمية الى جانب التطور العلمي الذي رافق تطور صناعة الأقمار الصناعية والسفن الكونية وغير ذلك ,كلها نتائج لممارسة الدقة التي نحن بصددها.
وعندما نتكلم عن المثل والقيم الإجتماعية الراقية فلا بد لنا من أن نعرج على موضوع إحترام المواعيد والمواثيق لدى الناس ,فبقدر ما نجده من إلتزام بدقة المواعيد من لدن ذوي الثقافة والرقي والذوق العالي فإننا نجده ضعيفاً أو معدوماً تماماً لدى آخرين ,إذ نلاحظ أن أحدهم يتفق معك على موعد لقاء أو إجتماع ويؤديه بدقة متناهية في حين لا يعير أخر أي إهتمام لذلك البتة بسبب ضعف ثقافة الإلتزام التي تنتشر بين أوساط المجاميع والشعوب الأقل ثقافة والتي لا قيمة عندها للوقت حتى إنك تعجزأحياناً من إيجاد أي مبررأو سبب حقيقي لعدم الوفاء بالموعد.
إن إنتشار وشيوع ثقافة عدم الوفاء بالوعد والموعد تسبب في الغالب مشاكل وخلافات وخسائر وإفساد في العلاقات على عكس الإلتزام والدقة في تنفيذ الوعود الذي يدل على سمو في الخلق الإجتماعي والأدب العام الى جانب ما يكتسبه الملتزم من سمعة طيبة حسنة.
يتصف الشخص الدقيق في عمله بالميل الى التنظيم والترتيب والإهتمام بتفاصيل الأمور ودقائقها والتقيد الشديد بالروتين والنظام الى جانب المثالية,فكل الأمور عنده تسير على وفق ضوابط غير قابلة للتنازل ,كما إنه يفتقر الى المرونة في التعامل التي تتطلبها ظروف ومواقف معينة ,ولهذا السبب فإنه لايستطيع الإحتفاظ بصداقات دائمية.
تًعد ممارسة الدقة في الأداء من الممارسات السامية بشرط أن لايكون الأمر مبالغ فيه في كل الحالات وخاصة تلك التي لا تستوجب الدقة المتناهية الى حد المثالية وصولاً الى الإتقان الذي قد يؤدي في أحايين كثيرة الى حصول مشاكل تؤذي صاحبها ,وما عليه إلا التخفيف من هذه الحدة وعلى مراحل زمنية للتخلص من إحراجات كثيرة قد يسببها ذلك السلوك وتلك الحدية.
وكما أسلفنا فإن ممارسة الدقة كثيراً ما يًفضي الى مشاكل ومتاعب. وسأسرد لكم على سبيل المثال ما عاناه صديق لي وإسمه (أبو شمس) من هذه الدقة اللعينة .ففي منتصف تسعينات القرن الماضي شد صديقي هذا رحاله لينتقل الى بيته الجديد في أحد أحياء العاصمة حديثة الإنشاء,ولقد إستبشر هو وسكنة هذا الحي خيراً عندما تم إفتتاح محلاً في وسط الحي وهو من السعة بحيث كان يلبي كل ما يحتاجه سكان الحي من متطلبات ,ولقد أطلق عليه صاحبه إسم (أسواق الدقة),وكانت هذه الأسواق مكتضة با لبضائع المختلفة من أطعمة وألبسة جاهزة وأجهزة كهربائية وأدوات زينة وإكسسوارات ولعب أطفال ومتطلبات صحية من أوراق صحية ومعقمات وصوابين ومساحيق غسيل ولحوم حمراء وبيضاء وألبان وأجبان وخضروات وبقليات ,فإذا إحتاج أي فرد من سكنة الحي الى البيض مثلاً فإنه سيجد عشرة أنواع مختلفة منه وبعبوات مختلفة الحجم والعدد ,وهكذا بالنسبة لبقية الحاجيات والإحتياجات .وإذا طلبت من صاحب الأسواق بضاعة معينة فإنه سيسألك عن النوع الذي تريده واللون والحجم والغرض من شراء تلك البضاعة لكي يرشدك لشراء ما يناسبك بدقة.وعندما تسأله عن سبب تلك الأسئلة فإنه يشير لك بإصبعه الى اللوحة التي تحمل إسم المحل (أسواق الدقة) ويخبرك بأنه دقيق في التعامل مع الزبائن.
في أحد الأيام طلبت (أم شمس) من زوجهاإحضار مسحوق غسيل (منظف ملابس) فما كان عليه إلا الذهاب الى هذه الأسواق (وهي الزيارة الأولى) ويطلب من صاحبها تجهيزه بمسحوق غسيل ,فسأله صاحب الأسواق عن الهدف من إستعماله,هل هو لغسل الصحون والأواني أم لغسل الملابس يدوياً أم للغسيل بماكنة الغسيل (الغسالة)؟ وأخذ يشرح له الفرق إذ أن بعض أنواع المساحيق يؤثر على الجلد سلباً ,وطلب من أبي شمس التأكد من ذلك بالذهاب الى البيت والسؤال من الزوجة عن ذلك.ففعل أبو شمس وعاد ليخبره بأن مسحوق الغسيل يًراد إستعماله في (الغسالة) ,فسأله صاحب الأسواق وما نوع هذه (الغسالة)؟ .ولما كان الجواب غائباً لدى أبا شمس فما كان منه عليه إلا العودة الى البيت ليتأكد من إسم الشركة المنتجة لها وإخبار صاحب الأسواق الذي وجه له سؤالاً جديداً لمعرفة هل أن (الغسالة) من ذوات الحوضين المنفصلين أم أنها ذات حوض واحد؟ ولما كان أبو شمس غير مهتم بهذا الأمر ويجهل الجواب لذا إضطر مجدداً الى العودة الى البيت ليأتي بالجواب المطلوب .وظل صاحب الأسواق يسأل بحجة الوصول الى الدقة المطلوبة لتجهيز مسحوق الغسيل اللعين هذا.وهكذا إستمرت الرحلة الماكوكية لأبي شمس المسكين بين البيت والأسواق. وبعد ان ضجر أبو شمس من هذا الوضع ولغرض إيقاف الهدر والمهزلة قررهو و أفراد عائلته بالإجماع حمل (الغسالة) وسلة الملابس المتسخة وجميع الملابس المنشورة على الحبل الى جانب الحبل بالذات والذهاب بإتجاه الأسواق بما يشبه الرتل العسكري يقودهم رب الأسرة المضطهد .وعند وصول الرتل مشارف (أسواق الدقة) سمعوا ضجيجاً وصخباً وشتائم تصدرمن أحدهم قدم مع جميع أفراد عائلته هو الآخر حاملين معهم حوض التواليت والمغسلة وجميع الملابس الداخلية ولكل أفراد العائلة مع قائمة مكتوبة بخط واضح وبأرقام كبيرة الحجم تصف مقاييس لمحيط الجزء الوسطي (الورك) لكل فرد من العائلة ,والأب يولول و يصرخ بوجه صاحب الأسواق (يا أخي ألا تخاف ألله,لعنك ألله ولعن الدقة وأسواق الدقة, لقد تقطعت أقدامي رواحاً ومجيئاً بين البيت والأسواق ومنذ الخميس الفائت بعد أن تورطت وطلبت منك بيعي ورق صحي للمرافق).!!!!



#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيثارة البابلية تعزف لحن الوداع لرحيل محمد جواد أموري..... ...
- (اللايك) في مواقع التواصل الإجتماعي........ذوق وأخلاق ,أم تم ...
- كريم راهي الشاعر والقاص ..........والجائزة الأولى.
- الجن يحقق حلم العاقرات
- العصافير تحضر ليلة الزفاف
- المادية الديالكتيكية عرض مبسط
- زغير آل عنون والعبقرية الخارقة
- مات ميكافيلي وبقيٌ الأميرخالداً
- الإعتذار المتأخر
- الثقافة الغائبة..............عن كل نائب ونائبة.
- دجل.............بلا خجل.
- إكتشاف ساعات تعمل منذ ملايين السنين.....لا تُخطىء ولا تتعطل.
- إكتشاف ساعات تعمل منذ ملايين السنين دون توقف....لاتُخطىء ولا ...
- ذاكرة أستاذ غانم ........ومدينة ( ز ).
- الأثر يدل على المسير..........والبعرة تدل على البعير
- بكائية.........في عيدهن.
- في نيسان القادم......سوف لا أنتخب لصاً ولا مزوراً ولا دجالاً ...
- طاقة الربط النووية والكتلة المفقودة
- التدخين السلبي ..........موت بطيء
- الثقوب السوداء.........ليست ثقوباً


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صباح راهي العبود - الدقة.....وأسواق الدقة.