طاقة الربط النووية والكتلة المفقودة

صباح راهي العبود

الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 16:25
المحور: الطب , والعلوم
    

لعل قانون التجاذب والتنافربين الأجسام المشحونة هو من أول القوانين التي يدرسها الطالب في المرحلة الثانوية والتي مفاده أن الأجسام المشحونة بنوع معين من الشحنات الكهربائية تتنافر مع بعضها البعض بقوة,وكل جسمين مشحونين بشحنتين مختلفتين يتجاذبان بقوة,وفي كلا الحالتين فإن القوةهذه لها علاقة بمقداركل من الشحنتين والمسافة بين مركزيهما .وهذا يجر الطالب المبتدئ الى تساؤل منطقي حال التعرف على الذرة وتركيبها ومكونات نواتها,إذ سيعلم أن النواة تحتوي على نيوترونات متعادلة الشحنة وبروتونات موجبة الشحنة فما الذي يمنعها من التهاوي والتفكك مادامت هناك قوة تنافركهربائية بين البروتونات المتشابهة الشحنة داخل نواة الذرة والتي تتجمع في حيز محدود متناهي في الصغر ؟؟.وربما يعزي البعض هذا التلاحم الى وجود قوة جذب بين كتل مكونات النواة وفقاً لقانون الجذب العام بين الكتل الذي وضعه إ سحاق نيوتن ,لكن هذه القوى صغيرة جداً جداً قياساً بقوة التنافر بين تلكم المكونات وهي لاتكفي لحفظ أنوية الذرات دون تفكك.فما تفسير ذلك؟؟
إكتشف علماء الفيزياء مطلع القرن الماضي وجود طاقة ربط وضعية بين نيوكلونات النواة (البروتونات والنيوترونات) وهذه الطاقة تعمل على تماسك مكونات النواة,وطاقة الربط هذه هي التي نحتاجها لفك النيوكلونات بعضها عن بعض ,لذلك فإن تفكيك النواة يؤدي الى إصدارالطاقة الرابطة وقد لوحظ من الحسابات وجود نقصان بالكتلة الوضعية للنواة بعد حصول التفكك.وهذا معناه أن النقص بالكتلة هذا قد تحول الى طاقة ,وقد تم حساب الطاقة الناتجة تلك من خلال معادلة أنشتاين في تكافؤ الطاقة والكتلة وكما موضح في أدناه.
الطاقة الناتجة من تحول الكتلة الى طاقة = مقدارالكتلة المتحولة × مربع سرعة الضوء
وبعد حساب مجموع الكتل المكونة للنواة كل على إنفراد (منفصلة) وقارناها بما كانت عليه داخل الذرة مجتمعة متماسكة لأتضح لدينا أن الأخيرة تزيد على الأولى بمقدار,وهذا المقدارهو الذي تحول الى طاقة بعد فك الإرتباط أو بمعنى آخر يمكن القول إن إرتباط البروتونات والنيوترونات مع بعضها داخل نواة الذرة تطلب حرق جزء من الكتلة وتحويلها الى طاقة. ويمكن حسابه على وفق معادلة أنشتين التي ذكرناها على فرض أن الكتلة هي إحدى صور الطاقة:-
الكتلة الصفرية = مجموع الكتل بعد التفكك + طاقة الربط (طاقة تنتج جراء التفكك).
يلاحظ من العلاقة السابقة أن طاقة الربط طاقة سالبة بالنسبة للكتلة الصفرية للجسيمات الطليقة.
ولقد أمكن التأكد من النتائج تجريبياً من المراجعات الدقيقة ومن ثم مقارنة النتائج التي يتم الحصول عليها من قياسات (مطياف الكتلة) ,وطاقات تفاعل الجسيمات النووية ومصادرأخرى متعددة.
لنأخذ كتلة ذرة الهيليوم كمثال للتوضيح فهي تساوي 4.00386 وحدة كتلة ذرية طبقاً للقياسات المأخوذة من مطياف الكتلة,ولما كانت نواة الهيليوم مكونة من بروتونين ونيوترونين ,إذن ستكون كتلة هذه المركبات هي:- 2 كتلة بروتون + 2 كتلة نيوترون

= 2×1.00813(وحدة كتلة ذرية) + 2×1.00894 (وحدة كتلة ذرية) .
وللعلم فإن وحدة الكتلة الذرية = 1.6605389 × 10 مرفوعة للأس (- 27) من الكيلوغرامات.
إذن كتلة الهيليوم بعد التفكك = 4.03414 وحدة كتلة ذرية.وهذا أكبر من كتلة ذرة الهيليوم المقاسة والتي تساوي 4.00386 وحدة كتلة ذرية. إذن سيكون هناك فرق في الكتلة (نقص) ممثلاً لطاقة الربط لنواة الهيليوم وهذا الفرق يساوي 0.03028 وحدة ,أي :-
0.0302 × 1.66 ×(10) مرفوعة للأس (-27) كيلوغرام.وهذه الكتلة تتحول الى طاقة تحسب وفقاً لمعادلة أنشتين بعد ضرب الناتج بمربع سرعة الضوء (مربع 3000000000 م/ ثا), فنحصل على مقدار تلك الطاقة ويساوي4.52× (10) مرفوعة للأس (-12) جول.وقد تم تحريرهذه الطاقة عن طريق شطرأنوية الذرات.
وهذا الإكتشاف جعل العلماء يعيدون النظر في قانون حفظ الكتلة الذي وضع سابقاً والذي ينص على أن المادة (الكتلة) مقدارها في الكون ثابت لا يتغير فهي لاتفنى ولا تستحدث , في حين إن الأمر ليس كذلك فالكتلة يمكن أن تنقص وتتحول الى طاقة. وعلى هذا الأساس سيكون القانون على وفق المنظور الحديث هو( مجموع كتل وطاقات المواد المتفاعلة = مجموع كتل وطاقات المواد الناتجة) ,حيث تكون الكتلة أحدى صور الطاقة.
لا بد لنا أخيراًمن التأكيد على أن طاقة الربط النووية التي تربط مكونات النواة مع بعضها تفوق طاقة الربط الجزيئية التي تربط الجزيئات بعضها لبعض,وأن كمية هذه الطاقة المتحررة في التفاعلات النووية أكبربقدر(10-100) مليون مرة من نظيرتها في التفاعلات الكيمياوية. فعلى سبيل المثال لو أخذنا جزيئات ملح الطعام ( كلوريد الصوديوم) وهي مادة مستقرة وعرضناها لإجهاد ميكانيكي شديد أو حرارة فسوف تبقى محافظة على تركيبها الذري على الرغم من التغيرات التي قد تحصل في شكلها العام لأن طاقة الربط بين الجزيئات في حدود (1- 10 ) الكترون فولط , في حين أن طاقة الربط بين ذرات النواة يفوق ذلك بملايين من المرات فلا تتأثرمكونات النواة إلا بفعل خارجي مؤثر.
لقد تم تطبيق معادلة أنشتاين في تحويل الكتلة الى طاقة في توليد الطاقة النووية وفي القنبلة النووية حيث تتحول الى طاقة هائلة .وما الطاقة التي تشع من الشمس سوى تطبيق لذلك.

#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات