أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - القبر الأخير














المزيد.....

القبر الأخير


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 4545 - 2014 / 8 / 16 - 04:05
المحور: الادب والفن
    





تطلب الأمر إلحاحا كبيرا وتوسلا، وسرد آيات قرآنية وأحاديث نبوية، منها الصحيح وغير الصحيح، كي يتنازل السي بوشعيب عن قبره، ويقبل بأن يرقد فيه الشاب علال الميت منذ ثلاثة أيام.
لم يستطع والده تسلم جثة ابنه إلا يوم أمس. لما مات علال في مستشفى القرية، إثر لدغة عقرب سوداء، أمر الطبيب بنقل جثته إلى المشرحة بالدار البيضاء. بقيت القرية الصغيرة كلها تنتظر. حتى تناسلت الإشاعات وتضاربت الأقوال.
من قال إنه لم يمت، وأنه ما زال في غيبوبة.
ومن قال إنهم سيسرقون كبده وكليتيه، وربما حتى عينيه وأعضاء أخرى من جثته لبيعها.
وقال آخر: إن علال لم تلدغه عقرب، بل سممته امرأة..

نزل والد علال رفقة زوجته والفقيه السي دحان إلى الدار البيضاء في الحافلة، وعاد الجميع متزاحمين في سيارة نقل الموتى مع ميتهم.

قال سائق سيارة نقل الموتى:
- خمسة عشر سنة وأنا أمارس هذه المهنة، لم أصادف ولو مرة مثل هؤلاء الناس، لم يظهر عليهم حزن أو ألم، لم أر دمعا في أعينهم. طيلة الطريق الرابطة بين المدينة والقرية كان أهل الميت يتبادلون الكلام عن قلة الزرع والجفاف وموت البهائم. لا أدري هل في صدورهم قلوب آدمية.

قال السي بوشعيب أن والده المرحوم أنشأه على أن يضع رجلا في الدنيا وثانية في الآخرة، والقبر الوحيد المتبقي في المقبرة المسورة، هو محجوز له لما ينادي المنادي وترجع الروح إلى باريها.
"ما نحن إلا ضيوف عابرين في هذه الدنيا .
رد عليه الفقيه الهرم:
- بعد عمر طويل يا السي بوشعيب.
+ لم يبق في هذه الدنيا ما يعجب...
- لا تقل هذا يا رجل. ما زال فيك ما "تدردك" على قبورنا كاملين. الله يزيدك الصحة. جئناك لتتنازل عن قبرك للمرحوم علال، اعتبره في مثابة ابنك.
+ إلا علال. الخنزير.. الله لا يرحمه ..

كان والد علال واقفا يسمع، لكنه لم يتحرك ولم يغضب. أشعل لفافة تبغ رخيص وأخذ ينفث دخانها.

قال الفقيه السي دحان:
- أنت تعلم أن المقبرة امتلأت عن آخرها، حتى الممرات امتلأت، والسلطات لم ترخص بعد لنا لفتح مقبرة جديدة ...
ابتسم السي بوشعيب بمكر، ورد:
+ ولنفترض أنها رخصت لكم، أين ستكون هذه المقبرة التي تنتظرون دفن موتاكم فيها، ولا أحد من القرية تقدم للتنازل والتبرع بقطعة أرض لهذا المشروع الجديد.

تدخل حماد قريب السي بوشعيب:
- منطقتنا منطقة جبلية وعرة، والأراضي المنبسطة بها قليلة، لم يبق أمامنا إلا الدفن بالجبل.

قال بوعزة الميكانيكي مصلح عربات القرية:
- حاولنا قبل يوم دفن والدتي في الجبل، لكن أرض الجبل صخرية قاسية، تلزمها آلات حفر كبيرة لا نملكها.

عاد الفقيه للتدخل متقدما بصفته لتشفع له:
- العن الشيطان يا السي بوشعيب ودعنا نكرم ميتنا ونعجل بدفنه، أكرمك الله دنيا وآخرة.
+ إلا علال اللئيم، لم تعرف له إلا تلك العقرب السوداء. لو عثرت على هذه العقرب لقمت بتحنيطها وعلقتها على جدار بيتي، حقا هذه المخلوقة تستحق التكريم.

هنا تحرك والد علال من مكانه، ودخان سيجارته يملأ وجهه..
- اتق الله يا السي بوشعيب، الولد مات، وإذا كانت لديك معه مشاكل فستتحاسب معه حولها غدا يوم القيامة أمام ربنا..

صاح صائح من وسط الجماعة:
- أذكروا أمواتكم بخير.
واحتج آخر:
- الشمس قربت من المغيب يا جماعة.

وصل معلم القرية. أركن دراجته جنب شجرة، سلم على الجماعة، بعدها طلب أن يتكلم . صمت الجميع منصتين لما سيقوله:
توجه إلى صاحب القبر:
- اسمح لنا يا رجل. ما الخلاف الذي كان بينك وبين المرحوم علال؟

انتبه الجميع إلى أن هذا هو السؤال الذي كان يجب أن يطرح من البداية. همهموا مرددين نفس السؤال..

ظل السي بوشعيب صامتا يحملق في المتحلقين حواليه.
ولدفعه إلى الكلام طوقه الجمع، كل واحد يرميه بسؤال:
- أبسبب أنه كان يسرق العنب من بستانك؟
- أبسبب أنه قتل كلبك؟
- هل لأنه كان يستهزئ من إعاقة رجلك؟
- هل كان لا يحترمك؟
- هل بسبب المشاجرة القديمة بينكما حول ماء البئر؟
- هل لأنه كان ......

رفع السي بوشعيب يده متبرما صائحا أن يتوقفوا:
- توقفوا.. توقفوا بالله عن لغطكم وهرائكم. أنتم تعرفون أن علال كان مستهترا، سكيرا، ماجنا، لم تطأ قدمه يوما مسجد القرية، ولا ضريح الولي الصالح، ولم يسمعه أحد مرة صلى فيها على النبي.

علق صديق علال:
- من سمعك يقول إنك رجل ورع تقي. حتى أنت من رواد "الكانتينا" (الحانة) بالمركز.

تظاهر المعني بعدم السماع.
عاد الفقيه محاولا تهدئة السي بوشعيب:
- لكن الرجل مات الآن والحق سبحانه هو الوحيد الذي له الحق في محاسبته. كل شاة تعلق من كراعها.
والتفت إلى المجتمعين:
- اهدؤا والعنوا الشيطان يا جماعة وصلوا على النبي..

لما اقتربت الشمس من المغيب، غلبت الجماعة في الأخير، ووهب السي بوشعيب قبره لغريمه المرحوم علال.

بعد الدفن انشغل الجميع بفك اللغز..
في مقهى القرية كانوا جالسين أمام طاولات تملأها براريد الشاي والشفنج.

قال المعلم:
- فتشوا عن المرأة.

قال ابن عم المرحوم علال:
- إن علال كان عشيقا لزوجة السي بوشعيب قبل أن يتزوج بها هذا الأخير.

قال آخر:
- كان علال على علاقة ببنت السي بوشعيب المطلقة.

نطق الفقيه:
- لا احد يعرف منكم الحقيقة، ولكني لا أستطيع البوح بها. رفقا بالمرحوم، هو الآن يتعذب في الآخرة.

تدخل أقرب الأصدقاء لعلال:
- هو نفس العذاب الذي ينتظرك آ السي الفقيه، قم وتب لله.

غادر الفقيه الجمع من دون كلام.

لما مر من أمام المقهى ولد السي بوشعيب المخنث فهم الجميع.
شربوا كؤوس الشاي وأكلوا الشفنج وتفرقوا.



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفلة بالطربوش الأحمر
- الاستشهاد مغادرة طوعية للحياة
- مقاولة -إنما الأعمال بالنيات-
- سكرة بجوار الموتى
- كم ثمن الفرح؟
- غبار محمل بالغضب
- زفزاف.. البوهيمي المفترى عليه
- فلسطين برازيلية لا عربية
- قتل حاخام مغربي فاشل
- -الخبز الحافي- إبداع مشترك لدييغو مارادونا ومحمد شكري
- قصة مباراة نهائية
- موعد غرام مؤجل
- فوزالدودة الضرورة
- لوح
- من أعمال سلفادور دالي غير المكتملة.. من مقتنيات متحف الجامعة ...
- ماذا يجري في حكومة هذا البلد الأمين الذي اسمه المغرب؟ بعد ضر ...
- قصة إدوارد موحا وما جرى له أو حكاية عن الجحود والغبن المخزني
- الدكتور محمد الحبابي: الزهايمر السياسي أشد خطورة وإدريس لش ...
- ميت في حانة
- لماذا اختار المخرج والممثل المغربي شفيق السحيمي المنفى الاضط ...


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - القبر الأخير