أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - جنون الإرهاب المقدس – الحنبلية الجديدة 3 من 4















المزيد.....

جنون الإرهاب المقدس – الحنبلية الجديدة 3 من 4


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 09:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن أحد القواسم المشتركة بين مختلف الحركات الراديكالية، القديمة والمعاصرة، الدينية والدنيوية هو إيمانها المطلق بما تسعى إليه، ووجدانها العارم والنظر إلى نفسها باعتبارها حاملة الفكرة المطلقة والإيمان الصادق. وهو الأمر الذي يفرغها مع مرور الزمن من قيم الوجدان ويكلس عقائدها الأولية وتراكمها التاريخي في متحجرات "مقدسة". وهي حالة تؤدي بالضرورة إلى جمود القيم في الفكر والممارسة. مما يحولها لاحقا إلى قوة متصلبة ومنظومة مغلقة عادة ما تضعها في تضاد مع فكرة التقدم والتطور والإصلاح. وذلك ليقينها الصارم بان ما تمثله وتسعى إليه هو عين الحكمة والعقل والوجدان. من هنا معارضتها للقوى الاجتماعية والفكرية الجديدة. فالجديد بالنسبة لها يصبح أما هرطقة أو بدعة أو خروجا على الصراط المستقيم أو انتهازية وتحريف وخيانة. بعبارة أخرى، إن تباين الأحكام القييمية عن "الجديد" مرهون فقط بشكل العقيدة الديني أو الدنيوي. إلا أن النتيجة واحدة، ألا وهي سيادة الرؤية الواحدية المغلقة (الأصولية أو التوتاليتارية).
إن سيادة واستحكام الرؤية الأصولية أو التوتاليتارية هو المصدر النظري لتبرير وتدعيم فكرة "المقدس" بما في ذلك تجاه الإرهاب بوصفه أحد الأساليب العنفية لبلوغ الأهداف الخاصة بهذه الحركة أو تلك. وهو حكم ينطبق على الحركات الأصولية (الراديكالية) الإسلامية المعاصرة، التي جعلت من الإرهاب "جهادا" أو "حربا مقدسة" قابلة للتنفيذ ضد الجميع بغض النظر عن القومية والجنس والدين. فالذهنية الأصولية عادة ما تختزل الموقف إلى ثنائية الأنا – العدو. أما هوية "العدو" فهي وعاء يمكن إدراج كل طرف تعتقد بأنه مصدر التهديد الأولي لما تسعى إليه أو الحفاظ عليه. وهي ذهنية لا يؤدي تراكمها التاريخي والدفاع المستميت عنها إلا إلى استحكام فكرة المقدس في النظر إلى أفعالها بما في ذلك أكثرها تفاهة وهمجية. وهي حالة اكثر من مثلها في تاريخ الاسلام القديم والمعاصر التيار الحنبلي.
فقد كانت الحنبلية التيار المناسب لإيمان العوام، أي للذهنية العادية والتقليدية. وذلك لان مضمونها بأجمعه لا يتعدى فكرة الانصياع والتنفيذ الشكلي والتقليد الحرفي لمجموعة النصوص المتراكمة في خيال الثقافة وأوهامها وعقولها. كما أنه التيار الذي مّثل الفكرة القائلة بضرورة التقيد الحرفي بكل ما هو "مقدس" و"إسلامي". بينما لم يكن هذا المقدس والإسلامي في تصوراته وأحكامه سوى كمية النصوص المحببة لأوهام العوام. من هنا انهماكه الفعال في شئون الجسد الفردي. إذ ليست حقيقة الحنبلية سوى الاعتناء المفرط بحقوق الجسد والتزاماته بما يخدم "واجبات" الانتقال من لذة الدنيا إلى "نعيم الآخرة". ذلك يعني أن حدودها القصوى تنحصر في شهوة الفرجين. وهي شهوة اختزلت مضمون الاسلام وعقائده الكبرى من خلال تحييد العقل ومنعه من الإبداع الحر، لأنها وجدت في كل فعل عقلي حر أسلوبا يؤدي بالضرورة إلى بدعة.
وقد كانت تلك "البدعة الكبرى" في تاريخ الاسلام، أي الانتهاك الفج لحقيقة ما فيه من دعوة للاجتهاد العقلي. وهي دعوة وجدت تجسيدها التاريخي في صيرورة الحضارة الإسلامية وثقافة الخلافة، أي كل ما حصل على نماذجه الكبرى في إبداع مختلف الفرق والمدارس والعلوم. وليس مصادفة أن تكون الحنبلية تيارا منبوذا من رجال العقلانية الإسلامية وأعلامها العظام بما في ذلك من جانب السلطة (زمن المأمون). لكنها تحولت بعد سقوط الحضارة الإسلامية وخراب بؤرها الثقافية واندثار مراكزها السياسية إلى العقيدة الأكثر انتشارا ورسوخا. وهي حالة تشير أولا وقبل كل شئ إلى جمود الروح الثقافي وخراب الذهنية النقدية وانحسارها التام. وليس مصادفة أن تسود الذهنية العقائد الحنبلية في جميع مراحل السبات الثقافي والحضاري في عالم الاسلام عموما وفي العالم العربي خصوصا. وهو الأمر الذي جعل منها الأيديولوجية المناسبة للانحطاط الثقافي والسياسي.
لقد غرست الحنبلية في النفسية الاجتماعية والذهنية الثقافية نمطا أصوليا (راديكاليا وتوتاليتاريا) في الفكر والممارسة استطاع في غضون قرون عديدة تجفيف أغلب المصادر الحية للرؤية الإسلامية. إنها استطاعت أن تنتج وتعيد إنتاج ذهنية لا يتعدى اهتمامها حدود الجسد الفردي المرفوع إلى مصاف "الأمة". بمعنى غياب واضمحلال بل واندثار الأبعاد الاجتماعية والسياسية للفكر. مع ما ترتب عليه من تجميد للحياة الاجتماعية بمعايير العبادات الشكلية، وتحنيط للحياة السياسية يقيم الخضوع، ومن ثم ترسيخ وتوسيع وتجذير الاستبداد السياسي والفكري والاجتماعي عبر دعمه الدائم بقواعد الإيمان التقليدي.
وإذا كانت المفارقة التاريخية للحنبلية في العصر الحديث تقوم في استثارتها، من خلال الوهابية، رصيد التحدي الأول للنفس، فان فضيلتها هذه لم تكن سوى الصيغة العرضية لمحاولتها إعادة ترسيخ قيم "الاسلام الأول"، أي الاسلام المتحرر من قيم الثقافة وإبداعها المتنوع. وهي مفارقة كانت تحتوي في أعماقها على تناقض حاد بين مظاهر الدعوة العملية للتمسك بالأصول (القرآن والسنة) ورفض "البدع". بمعنى الإبقاء على حالة السيادة المطلقة لإسلام العبادات. وهو الأمر الذي كان يحوي في أعماقه على طاقة الإثارة القوية لقيمة النصوص وتقديسها العملي. مع ما يترتب عليه من احتقار وتكفير لحرية العقل والاجتهاد العقلاني. من هنا انغلاقها السياسي في الجزيرة (المملكة السعودية) وإعادة إنتاجها خارجها.
وليس اعتباطا أن تكون معظم الحركات الأصولية الإسلامية والمتعصبة منها والإرهابية هي مجرد نماذج متنوعة للحنبلية (الوهابية). وهي ظاهرة يمكن تحسسها الملموس من خلال رؤية الارتباط العلني والمستتر بين الحركات الأصولية المتطرفة والأنظمة التقليدية. فقد كان تاريخ الاصوليات المتطرفة وما زال في اغلبه على وئام سياسي مع القوى الملكية التي تقدم نفسها حامية للدين والدنيا. كما انه ليس اعتباطا أن تظهر اعنف واشد الحركات الإرهابية الإسلامية في البلدان الملكية التقليدية كالسعودية والأردنية والمغربية، أو على الأقل اغلب قادتها العمليين (الحركيين) المشهورين. ففي كليهما تسود وحدة القيم المشتركة عن "الوحدة" و"الصراط المستقيم" ومحاربة الحرية الفردية والاجتماعية والسياسية والدفاع "عن القيم الإسلامية"، أي كل ما يمثل تقاليد الاستبداد والثقافة الأصولية. وفي هذا أيضا يكمن سر الالتقاء التاريخي بين "الأنظمة التيوقراطية" و"الأنظمة العلمانية" في دعم الاصوليات أو محاربتها.
فقد كانت هذه الممارسة المتناقضة ظاهريا للتيوقراطية الإسلامية والعلمانية القومية ذات طبيعة واحدة من حيث وظيفتها. وذلك لان هدفها الحقيقي كان يرمي إلى تذليل كل منافس "أصولي" لها. وليس اعتباطا أن يصل الصراع بينهما إلى حد الاقتتال العنيف حينا والائتلاف التام حينا آخر، أو أن تجري تحولات راديكالية المظهر كما نراه على سبيل المثال في ظاهرة تحول جميع الدكتاتوريات "العلمانية" إلى حليف لعتاة القوى الأصولية. بحيث نرى السادات يتحول إلى "الرئيس المؤمن"، والنميري إلى مطبق الشريعة الإسلامية، وصدام إلى قائد "الصحوة الإيمانية"، والقذافي إلى "مفكر الاسلام الأخضر". أو أن تتحول العائلات المالكة إلى "قائدة الإصلاح الديمقراطي" و"النظام الشرعي".
إن اضمحلال وتلاشي الفرق والخلاف بين "الأنظمة العلمانية" و"الأنظمة التيوقراطية"، ومن ثم تلاشي الخلاف الجوهري بين فكرة التيوقراطية والعلمانية في "النخب السياسية" العربية، يعبر أساسا عن واقع استفحال القيم التقليدية واندماجها "الطبيعي" في منظومة الاستبداد التي وجدت في التوتاليتارية الدينية والدنيوية ملاذها الأخير. وهي توتاليتارية جعلت من الإرهاب الشامل للسلطة وسحق المجتمع المدني وفكرة الشرعية المرتع الفعلي للاصوليات الجديدة وإرهابها "المقدس". إذ لم يكن هناك من مقدس للاستبداد السلطوي غير السلطة. من هنا تسابقها مع الاصوليات الإسلامية المعاصرة في الدفاع عن "المقدس". ومن ثم إعادة إنتاج الحنبلية الجديدة التي تجعل من الإرهاب حربها المقدسة الجديدة ضد كل بديل يهدف إلى بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية.
إن هذ1 التضافر التاريخي بين مكونات ومقومات متضادة في الفكر والممارسة السياسية يشير إلى عمق الخلل البنيوي في طبيعة الدولة والنظام السياسي والثقافة. وهو خلل يتناغم مع خلل الأوزان الداخلية في كل شئ. وبالمحصلة هو تعبير عن انحطاط فعلي شامل. وفي ظل ظروف كهذه يصبح الإرهاب ثمرة حلوة كما كانت الحرية هي الثمرة الحلوة لصعود القوى الاجتماعية الحية والفكرة التنويرية والعقل الحر. ذلك يعني، إن تحول الإرهاب إلى "عقيدة مقدسة" هو بحد ذاته مؤشر على نوعية الهبوط الشامل في الوعي النظري والعملي، أي في الفكر والأخلاق. وهو هبوط يشير بدوره إلى طبيعة الأزمة البنيوية التي يعاني منها المجتمع والدولة والثقافة. وفي الحصيلة ليست هذه الأزمة سوى الصيغة الأكثر تجريدا للانحطاط الثقافي.
فالانحطاط الثقافي هو الحاضنة الفعلية للتطرف والغلو. والقضية هنا ليست فقط في أنه يمد الوعي السطحي بكل الصيغ والرموز السهلة للهضم السريع للعوام، بل ولما فيه من "طاقة" على شحذ أوهام الحثالات الاجتماعية وأنصاف المتعلمين بروح العنف والتخريب. وفي هذا يكمن سر القدرة الفائقة والاستعداد الأكبر من جانب الاصوليات الإسلامية المعاصرة على ابتذال قيم الاعتدال العقلانية. وهو ابتذال يكشف أولا وقبل كل شئ عن ضعف الثقافة العقلانية واضمحلال أو غياب الذهنية النقدية، أي كل ما تشترك به وتتسابق الأنظمة السياسية العربية والاصوليات الإسلامية المتطرفة. ومن فعل هذين المصدرين تتراكم قيم الحنبليات الجديدة بوصفها التجسيد العملي لجنون "الإرهاب المقدس".



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنون الإرهاب الأصولي – تحطيم العدل والاعتدال 2 من 4
- جنون الارهاب السلفي – إيمان مشوه وبصيرة حولاء-1 من4
- الجمهورية العراقية الرابعة – الاحتمالات والابعاد المجهولة
- هل العراق بحاجة إلى مرجعيات دينية؟
- الأغلبية المعذبة ومشروع البديل الوطني في العراق
- إشكالية الهوية العربية للعراق – مشكلة الجهل والرذيلة
- المثقف العراقي – المهمة الشخصية والمسئولية التاريخية
- العلم والأنوثة
- ملاحظات على حملة التضامن مع منتدى الاتاسي
- فلسفة الاعتدال السياسي الأمثل في العراق المعاصر
- فلسفة التسامح ومنظومة الاحتمال العقلاني
- فلسفة الإصلاح العقلانية
- الاسلام والجنس – عقيدة العقدة
- المشروع الديمقراطي العراقي وفلسفة النفي الشامل للطائفية السي ...
- الحركة القومية الكردية - المثلث الهمجي للطائفية العرقية 5 من ...
- التوتاليتارية الشيعية – المثلث الهمجي للطائفية السياسية الجد ...
- الطائفية السياسية - قاعدة الاحتمال الهمجي في العراق 2 & 3 من ...
- المثلثات الهمجية - برمودا الانحطاط العراقي 1 من 6
- الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول
- الشرع والمرأة – حق الانتخاب ام انتخاب الحق


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - جنون الإرهاب المقدس – الحنبلية الجديدة 3 من 4