طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 22:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عام 1971 ظهر كتاب "الشموليون الجدد" للكاتب البريطاني رولاند هانتفورد.
The New Totalitarians
Roland Huntford
في هذا الكتاب يحلل هانتفورد المناخ السياسي والاجتماعي في أوائل 1970s في السويد, و يجادل أنه يشبه الدولة الشمولية "الخيرة او الناعمة" القائمة على غرار كتاب رائد روايات الخيال العلمي "ألدوس هكسلي ", "عالم جديد شجاع".
(عالم جديد شجاع هي رواية مكتوبة في عام 1931 من قبل ألدوس هكسلي، ونشرت في عام 1932. تقع احداثها الستقبلية في لندن 2540 م (632 AF-"بعد فورد" في الكتاب: خط التجميع للصناعة الذي اوجده هنري فورد, والذي يؤدي الى ابشع انواع الاغتراب كما جسده بكل حذق الممثل الكبير تشارلي شابلن في الفيلم الشهير الازمنة الحديثة. وهي رواية تتوقع حدوث تطورات هائلة في مجال التكنولوجيا الإنجابية، والنوم والتعلم والمؤثرات النفسية من اجل التلاعب بشخصية الفرد وتكييفها اجتماعيا لانتاج مجتمع سعيد ومرفه ولكن افراده مطاوعون تماما ومسلوبي الارادة)
مضمون الأطروحة الرئيسية في كتاب "الشموليون الجدد" هو اعتماد شمولية الحكومة السويدية بمقدار أقل على العنف و الترهيب, مقارنة بالشموليات القديمة او الكلاسكية, وبدلا من ذلك تعتمد على الإقناع والتلاعب باساليب ماكرة ولينة من أجل تحقيق إنجاز أهدافها الشمولية. فتأثير أيديولوجية الدولة الرسمية كان الأكثر وضوحا في معظم الامور الخاصة، التي لم تمتد اليها اي سلطة من قبل وان امتدت فكانت بالحد الادنى.
في ذلك الوقت، كانت السويد دولة يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الاشتراكي والذي حكم لأكثر من 40 عاما. يشير هانتفورد الى ان ذلك ادى إلى هيمنة كاملة من الفكر الاشتراكي الديموقراطي على جميع مستويات الحكومة، بما في ذلك بيروقراطية الدوائر الرسمية والقضاء، والتي كانت تسيطر عليها قبل كل شيء شبكة ربط قوية من النقابات العمالية الديمقراطية الاشتراكية، لوبيات الضغط، والمنظمات الحزبية. وادى ذلك إلى ظهور شبكات تجمع جعلت من الصعب للغاية بالنسبة لغير الاشتراكيين الديموقراطيين تحقيق اي نوع من السلطة الحقيقية في السويد. ولكن يظهر ان هذا التسييس الهائل للدولة لم يقلق الا عددا قليلا من السويديين.
الشموليون الجدد يحللون طبيعة المجتمع السويدي في سياق تاريخي أوسع. فبحجة ان السويد منذ تجاوزها النظام الإقطاعي كانت دائما دولة مركزية جدا، ولذلك فان السويد, هم يزعمون, لم تطور ثقافة مدنية تشجع الفردية مثل غيرها من بلدان أوروبا الغربية. ولذلك يدعون ان الثقافة و المؤسسات السياسية في السويد هي نتاج السياق الاجتماعي و السياسي الفريد للسويد، وبالتالي لا ينطبق مثالها على الدول الغربية المقارنة.
يؤكد هانتفورد ان ممارسة الجنس في السويد "مسيسة" حسب التصميم من فوق. حيث اصبحت سياسة اشاعة الجنس هي السياسة الرسمية لتصبح تعويضا عن الملل و"مكافئة" السلطة لمواطنيها بسبب مسايرتهم و مطاوعتهم لشموليتها "المقننة هندسيا", ككل شمولية, من فوق.
حسب هانتفورد, فان الانطباع السائد بخصوص السويد، وبخاصة في ما يسمى العالم الناطق باللغة الإنجليزية, فان السويد هي دولة الرفاه و المجتمع "الفاجر!" جنسيا. وكان توصيفا كهذا يعتبر اطراءا في اوقات معينة, وخصوصا من قبل اليسار, وانتشر هذا الانطباع ايضا في العديد من الدوريات.
ولكن في عام 1971، ظهر كتاب رولاند هاتتفورد، مراسل صحيفة الاوبزرفر البريطانية في ستوكهولم، الذي أصدر رأيا مخالفا. يضم كتابه "الشموليون الجدد"، لائحة اتهام لاذعة لدولة الرفاه السويدية باعتبارها تجسيدا لمجتمع كان ألدوس هكسلي قد تخيل وجوده في كتابه "عالم جديد شجاع" أربعون عاما من قبل. ان الصورة التي رسمها الكتاب عن السويد المعاصرة هي صورة بائسة, حيث يتم التضحية بالحرية الفردية على مذبح الضمان الاجتماعي. نشرت انطباعات هانتفورد في كل من لندن ونيويورك, واحدثت قلق مراجع عديدة, كما أحدثت استياءا شديدا و جدلا ساخنا في الصحافة و الحكومة السويدية. كان رد الفعل السويدي في الواقع بسبب الخوف من ان نقد هانتفورد يمكن أن يضر بسمعة السويد في الخارج، مما حدا بوزارة الشؤون الخارجية الى اجراء (ما يشبه) البحث في ردود فعل المواطنين، وذلك في ممارسة إدارية تهدف إلى تقويض مصداقية كتاب هانتفورد.
على الرغم من ان كتاب هانتفورد قد نفدت طباعته منذ فترة طويلة, فان الشموليين الجديد لم ينسوه. فمقتطفات منه تواصل الظهور في المواقع اليمينية, بهدف حراسة النظام الاجتماعي المحافظ بوجه "الصواريخ" اللفظية لترسانة النص المثيرة لهانتفورد, وتوجيه التحذيرات الرهيبة ضد دعاة الإصلاح الليبرالي وتوسيع الحريات الفردية اللاجنسية ايضا.
يعتقد Frederick Hale أن وابل النقد الذي وجهه هانتفورد الى دولة الرفاه السويدية كان على خلفية ما يقرب من أربعة عقود من التعليقات البريطانية إيجابيا حول الإنجاز الديموقراطي الاشتراكي في السويد، على الرغم من 1960s شهدت بوضوح إبرازا لنتائجه الأقل جذابية. ففي غضون ثلاث سنوات من النظام الاشتراكي الديمقراطي برئاسة رئيس الوزراء بير ألبين هانسون- عام 1932، تحدثت الأنباء عن انتعاش ملحوظ من الركود الاقتصادي في السويد الذي طال أمد تصفيته في المملكة المتحدة، حيث، تحت قيادة المحافظين، قد سار الاقتصاد بمسيرة أبطأ بكثير ولم يحدث تقدم في التعامل مع مشاكل الاكتئاب الاقتصادية المزمنة, مما حدا, من وقت لآخر، لأعضاء اليسار والفابيين الاشتراكيين المعتدلين الى الاستشهاد بالسويد الوليدة كمثال واضح للمضي قدما، وكمنارة تهدي الاقتصاد البريطاني للتخلص من ركوده.
في مدح نموذجي في وقت مبكر لانجازات الإدارة الاشتراكية الديمقراطية في السويد ، كتب الصحفي George Soloveytchik في The New Statesman and Nation ان المعجزة الاقتصادية في السويد يمكن أن تعزى إلى حد معقول لمزيج من العوامل. فقد أنعم الله على طبيعة البلاد بوفرة. ولكن في رأيه, فان الكثير من الفضل في هذه المعجزة الاقتصادية الاسكندنافية يعود إلى سياسات التدخل من حكومة هانسون، الذي قال عنها جازما، بانها قد غذت ظهور "طريقا وسطا بين المشاريع الحرة الجماعية و الفردية", مما إعطى السويد "نموذجا فريدا للرأسمالية الناجحة."
ان السياسة الشمولية في السويد تهدف الى خلق الانسان العالمي الحامل للصفات الذكورية والانثوية في آن واحد androgynous, واقتلاع جذوره الحضارية والتي تؤدي لدى العديد من السويديين الى الشعور بالضعة او النقص والنظر باعجاب الى اسلاميين متطرفين باعتبارهم, على عكسهم, يمتلكون مخزونا حضاريا, مما يؤدي الى ممالأة السلطة لهؤلاء المتطرفين ونزولهم الى الشارع للمطالبة بامارة اسلامية في السويد!
المصادر
1-
Brave New World in Sweden? Roland Huntford s the New Totalitarians
Academic journal article By Hale, Frederick
Scandinavian Studies , Vol. 78, No. 2
Read preview
http://www.questia.com/library/journal/1G1-152993455/brave-new-world-in-sweden-roland-huntford-s-the-new
2-
Marklund, Carl (2009). "Hot Love and Cold People. Sexual Liberalism as Political Escapism in Radical Sweden". NORDEUROPAforum 19 (1): 83–101
3- يمكن قراءة كتاب
Brave New World by Aldous Huxley
بالكامل في
http://www.idph.com.br/conteudos/ebooks/BraveNewWorld.pdf
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟