أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - أربعة مشاريع أرشيفية في معرض بين الواقع الغائم وذاكرة الفن















المزيد.....

أربعة مشاريع أرشيفية في معرض بين الواقع الغائم وذاكرة الفن


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 4356 - 2014 / 2 / 5 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


كل عمل فني يحمل، وبشكل غير مقصود، بذرة كونه أرشيفا، اعتبارا لحقيقة التحول الحتمي الذي يُحدثه الزمن فيه، إذ يحول قيمته من فنية إلى تاريخية، أي إلى مستند، أرشيف، بمعنى ما. ولكن ما بالنا بالعمل الفني الذي ينطلق أساسا من فكرة الأرشيف ويتعامل معها؟ تلك التي تذهب إلى العلامات والإشارات الناجية أو المتبقية من حدث تاريخي ما، تكشف الغطاء، تربط بين الخيوط، أو تفكك الخيوط، تضع علامات استفهام على المطموس والمحجوب والناقص، أو، حين يضن الواقع بآثاره ومعطياته، تنشئ هي نفسها أرشيفا فنيا وهميا بديلا. هذا المنطلق الفني، المتأرجح بين ما هو بحثي/ تنقيبي وما هو فني إبداعي، يمثل شكلا جديدا، نسبيا، لكنْ آخذا في الاتساع، على مستوى الممارسات الفنية المعاصرة منذ العقود القليلة الماضية.
بديهي أن الأدب، ومن بعده السينما، هما أكثر ما تعامل مع فكرة الأرشيف، بسبب الطبيعة السردية التي تحكمهما كشكلين من أشكال الفنون. أما الفن البصري، فتعامله مع الفكرة لم يظهر إلا في النصف الأخير من القرن العشرين عبر تجارب قليلة جدا ارتبطت بشكل عام بالفجائع البشرية من محارق ومذابح وإبادات… هذا الانتباه لفكرة الأرشيف كمادة للتعامل الفني، والذي لعبت الثورة المعلوماتية دورا كبيرا في تسليط الضوء عليه وبلورته كقضية، دعّمه أيضا اهتمام مماثل على مستوى الفكر المعاصر، حين نعرف مثلا أن فالتر بنيامين كان قد تناول الموضوع في واحد من مقالاته الكاشفة التي كان الفن محورها، كذلك كتاب دريدا "حمى الأرشيف الفرويدي"، وآخرون عديدون لمسوا الموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر.

في سبتمبر 2012، وبدعم من المؤسسة السويسرية في القاهرة "بروهلفتسيا"، نظم كل من: الفنانة المصرية هالة القوصي والفنان السويسري أورييل أورلو ورشة عمل لمدة أسبوع، بمركز الصورة المعاصرة، حول أبعاد العلاقة بين الفن البصري وفكرة البحث الأرشيفي، تلى ذلك دعوة المشاركين بالورشة للتقدم باقتراحات لمشاريع قابلة للتطوير والدعم في حال قبولها، ومن الاقتراحات التي قُدمت تم قبول أربعة مشاريع حصل أصحابها، وهم خمس فنانين، على منحة المؤسسة، وذلك لمدة سنة عملوا فيها على الأفكار التي قدموها ليجسدوا منها أعمالهم الفنية التي عرضت حتى منتصف يناير المنصرم في مركز الصورة المعاصرة بالقاهرة.

جاء مشروع ندى شلبي "أنا وانت والزمن طويل" من واقع تجربتها، أو بالأحرى معايشتها لموقع أثري يدعى "تل اليهودية" بمدينة منشئها: شبين القناطر، بمحافظة القليوبية، حيث تتداخل الحقيقة التاريخية مع الأسطورة مع الاعتقاد الشعبي الخرافي لتخلق نسيجا ملتبسا ومتناقضا قوامه التبجيل والنفور في ذات اللحظة، الأمر الذي نلمس إشارة له في عنوان المشروع الذي يشير بلهجته العامية إلى مفارقة العداوة والارتباط الممتد، في الوقت نفسه. فقد كان بالموقع عمود وبقايا حمّام يعتقد الناس في قدرتهما على وهب الخصوبة للعاقر التي لا تلد، فتجيء إليه النساء ليمارسن الطقوس الخاصة بتلك الحاجة، وهي نوع من القناعة أشبه بتقديس مكان ينتمي تاريخيا إلى ديانة ساقطة في نظر من يترددون عليه أنفسهم. ويذكر هنا أن وزارة الآثار المصرية كانت قد قامت بإزالة الحمام والعمود ووضعتهما في مخازنها، في محاولة بائسة ويائسة للقضاء على تلك العادات والطقوس الشعبية.

اعتمد عمل شلبي على الحفر البحثي على كل الأصعدة الممكنة، من عرض لصفحات من بطون كتب تاريخية نادرة، إلى لقاءات ومقابلات مع علماء آثار وبعض سكان البلدة، إلى فوتوغرافيا للموقع وخرائط توضيحية، إلى إعادة إنتاج بعض الآثار والمخلفات التي نهبت من الموقع كالقدور الفخارية والتي توجد حاليا ببعض المتاحف العالمية الكبرى كاللوفر ومتحف بروكلين والمتحف البريطاني. تعمدت شلبي تقديم تلك الشواهد التي جمّعتها دون أي محاولة منها للتدخل، رمزيا أو تعبيريا أو بأي فذلكة فنية أخرى من النوع الذي يمكن أن يُشعر المتلقي بظل الفنان الثقيل مرميا على عمله. فطبيعة المادة والموضوع لا تحتمل وجود "أنا" أو ظل الفنان هنا، لذا آثرت الفنانة أن تقوم بدور الوسيط الذي لا أثر له بين كومة الآثار التي جمعتها وعرضتها في خفة تعادل هشاشة وجود تل أثري يعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد.

على شريط فيديو تسجيلي، ومجموعة من الفوتوغرافيا تصور لقطات تفصيلية من رسومات طلبة كلية الفنون الجميلة، ومنشور ورقي، قدمت مريم إلياس ومروى الشاذلي مشروعهما "رسم على جسد عاري" الذي يتناول قضية الموديلات الحية التي كانت تقف عارية، كما في كل أكاديميات الفن في العالم، حتى الستينيات، في مراسم كلية الفنون بالزمالك حيث من المفترض أن يتعلم الطلبة من الموديل وأوضاعه نسَب الطبيعة وعوالم الشكل والنور والظلال. يعرض هذا العمل ضمن ما يعرض من أبعاد عديدة، وربما بشكل غير متعمد، الحالة المزرية التي وصلت إليها المنظومة التعليمية بأكملها في مصر، وبالأخص في تلك الأماكن والمؤسسات التي من المفترض أنها ذات قداسة معينة لكونها تدرّس الفن والجمال فإذا بها أماكن للمنع والحجب والتحريم باسم الدين وبعنف وحيوانية الفقريْن، الفكري والمادي معا.

أما علياء صالح، تناولت إشكالية الحدود البحرية المصرية التي انتهكت اتفاقياتها من الجارتين: إسرائيل وقبرص، خصوصا بعد اكتشاف مصادر وحقول الغاز في المساحات الحدودية. في "خطوط في البحر"، وهو اسم المشروع، تحاول صالح أن تبحث، في ذلك السراب المائي، عن الخطوط التي أقرتها الاتفاقيات السياسية وضاعت في اللغو الصحفي اليومي بتصريحاته المتعارضة مع الحقيقة والواقع. تلك التصريحات السياسية طبعتها الفنانة على ورق أشبه بجريدة رمزية خالية إلا من عناوين جوفاء عائمة في فراغ أكوام من الورق (الصحف) المتراكم في بؤس، في أركان المكان والزمن.

"متحف الهولوكاوست الأسود" للفنان السوداني المولود بالقاهرة أمادو الفادني، هو اسم العمل الأخير المشارك، وقد طغت عليه الصبغة الرمزية، غالبا بسببٍ من تواضع المتبقي من أرشيف الواقع (بضع صور لأفراد مكبلين والأطواق في أعناقهم..)، وهو يعود بالذاكرة إلى ما يعتبر، تاريخيا، أولى المذابح التي افتتح بها القرن العشرون شهوته للدم: إبادة مئة ألف عضو تقريبا من قبائل الهريرو والناماجو، في ناميبيا الحالية، على يد الألمان الذين استعمروا تلك الأرض، بوحشية يُعتقد أنها كانت ملهِما لهتلر في أساليبه. ثلاثة آلاف عقلة مقتطعة من أغصان شجرة لحاءُها داكن البُنّية، رصّهم الفنان في شكل هرمي في الغرفة بعد أن رقمّهم بالأحمر، الأمر الذي يحيل إلى حقيقة ضياع أسمائهم من الأرشيف وإحلال الرقم بدل الاسم، وهم أبناء شعوب كانت حين يموت فرد منها تأتي بشخص يحمل نفس اسم الميت ليشعل نارا مقدسة فتتحرر بذلك روح الميت وتنجو من الضياع. أمام هذا الهرم الأصم، نسمع وصفا تفصيليا لعدد من الصور لمن سيكونون بعد التقاط الصورة أرواحا ضائعة وهائمة إلى الأبد في أرشيف الوجود.

يوسف ليمود



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاهرة الجائعة للحياة بعين الفنان السويسري فيرنر فال فراي
- صورة العالم الهشة في بينالي فينيسيا الخامس والخمسين
- -آرت بازل- 44 ووجه آسيا الحاضر
- يوسف ليمود ل 24: ستسقط أقنعة الأخوان إلى الأبد أجرى الحوار ...
- صورة أجيال الفن الجديدة في مصر
- بين برانكوزي وسيرا: كراسة إمكانيات للعين والبصيرة
- صورة الزمن في الفن والواقع
- ثورة مصر وحناء الجسد الخفي
- رمسيس يونان، مساحة صمت بين الأنا والمطلق 2-2
- رمسيس يونان، مساحة صمت بين الأنا والمطلق 1-2
- سارا لوكاس في قطن جسدها الرمادي
- لويز بورجوا: ذاكرة الجسد وجسد الذاكرة
- قبل إسقاط الصنم
- بيتي بيدج: نملة الذات وكهرباء الجسد الزائدة
- عن الحب والقتل وجدار جمجمة معتمة
- آنا مندييتا: الأرض حدساً لجسدها، الأرض حقلاً لفنها
- كارولي شنيمان وبهجة اللحم
- مارينا أبراموفيتش: روح العالم في جسد الفنان
- البرفورمانس فناً والجسد هويةً
- فن فاروق حسني مَن يخاطب وأين يقف؟


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - أربعة مشاريع أرشيفية في معرض بين الواقع الغائم وذاكرة الفن