أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد علي المزوغي - القطار














المزيد.....

القطار


حميد علي المزوغي

الحوار المتمدن-العدد: 4346 - 2014 / 1 / 26 - 16:51
المحور: الادب والفن
    


القطــــــــــــــــــار

كان الوقت اصيلا حين انتفض من مجلسه دونما سابق انذار .. اقتطع له مكانا في قطار متجها نحو الجنوب .. كان قد اشرف على الفرح إلا ان عائقا ما اجبره على العودة الى عاداته السابقة ..
كان مدمنا لها .. يستحيل في كل حين اناء او وعاء قديما جاء خبرا من ترانيم الله .. اما كل احاديثه الغريبة فكانت عن الوحي الاول ذلك المساء .. كان يستحضر كلمات امه ايضا حين كان يشق غبار الطريق بكل حفيف السموم الذي ملأ المكان و قذفه في قريته عمدا سيد المكان ..
- سيد المكان هذا كان دائم الاختفاء يحيك مؤامرات سرعان ما تعود بالوبال على ابناء همومه.. -
كان يشق الغبار و الافئدة حين دلف الى القطار في مواجهة قد تكون الاخيرة في اسناد كلماته الاخيرة للمجهول .. اتخذ له مكانا عكس التيار و رمى بنفسه و كأنه يوشك على موت قادم او جنون غامض ربما سيغير مجرى نهر يستعد للجفاف في بلد مجاور.
مرت لحظات دون ان يتخذ لنفسه فكرة واحدة ..كان كل همه الاتجاه جنوبا لزيارة خاطفة ربما قد تساعده على الخروج من تراكمات فشله.
قرر دون ان ينبس بكلمة واحدة في تلك الحانة البائسة و هو بصدد تجرع الوقت او ما شابه امنية قديمة او الحياة الدائمة ان يزور قبرا ما ربما يكون قبر والده الذي ترك غيابه فيه شرخا كبيرا كالحجر..
مرت لحظات اخرى تعالى فيها الضجيج و الصخب ثم عم المكان سكون كأنه قدر قديم لامرأة أوغلت في جوعها .. رفع عينيه ليكتشف المكان فانتبه الى امر لم يكن يدري انه ربما سيكون مصدر حتفه و جنونه في الان ذاته.
كانت مغتربة الأنحاء عيناها ملهى ليلي تجاهل رواده منذ وقت طويل.. اما صولتها فكات وقودا سريع الالتهاب .
مالت بعينيها في اتجاه اليمين اولا علها تجد مستقرا لها .. لم تفلح في بلوغ سرها فما كان منها إلا ان انطلقت جهة اليسار لتتخذ مكانا عكس تياره ليكتب في عينيها في وقت اخر ميلادا جديدا للنسيان..
استحضر جزء من ماض قريب كان عليه ان يذكر تفاصيله غصبا و اكراها اذ ان ما وقع معه منذ سنتين لم يكن في الحسبان رغم انه احكم اعداده لعملية توزيع نشرية الفصيل السياسي الذي كان ينتمي اليه و ساهم الى حد بعيد في عديد نشاطاته و التعريف به في كل مكان ذهب اليه .. لقد فر مسرعا تاركا وراءه ما يقارب المائتي نسخة من كلمات سهر هو و الرفاق الليالي على اعدادها و احكامها كي تكون اكثر سطوة على الجلاد لقد تركها بعد ملاحقة دامت اكثر من عشر دقائق تسلل اثرها الى منزل ستشاء الاقدار فيما بعد ان يكون مصدر عذابه و معاناته.
كان يختار لنفسه في كل امسيات الربيع بعضا من ملح الارض يؤثث به ربعه الجميل .. تراءى له فجأة طيف امه الذي يسبقه دائما في كل مواعيده .. كان يعدها في كل حين بأنه سوف يأتي مساء ليتطلع الى حَجَرها المتربع سهوا على عرش ربها .. طفح الكيل هكذا قال اخر مرة بعد ان صب جام غضبه على طلبة اسلاميين كانوا يجيدون اتقان دور المناضل و الواشي .. قرر في حينها ان يدعو عموم الطلبة الى اجتماع يفضح فيه سمومهم.
اعاد النظر في محياها ..كانت عيناها توحي بالوطن في اكثر حالات انتشاءه ، ترابه الذي يأبى الرضوخ للجنرال .. كانت عيناها حانة انيقة و معبد قديم يسترجع فيه كل امانيه .
قال لها بكلتا عينييه بعد ان رفع منها كأس التورية و المجاز .. كان لابد من ان تكوني هنا منذ وقت طويل ..كان لابد من ان تستجمعي خطاك و اوراق الطريق و ان تحاذري غبار المزمجرات بكل سمتياتك القاتلة في عيناي.
كان لا يزال يحفظ عن ظهر قلب القران الكريم .. المعلقات و شروحها .. دواوين شعر بكل ارجاء المها .. مقاطع غاضبة من عدة روايات تداول و اياها على قراءتها .. محاور عدة من كتب فكرية هذا دون ان يغفل حفظ مقاطع من الانجيل و التوراة و كتب اخرى يصف فيها شيوخ الفتنة في بلاده مرتكبها بالمرتد و المهدور دمه ..
هي لم تمت .. لن تموت .. لن يقرا عليها فاتحة الكتاب و لن يصافح احدا فيما اسموه عبثا موكب عزاءها فقط سوف يردد في حضرتها ما حفظه من نشيد.
استمرت عيناه في التقلب في ارجاءها .. امتنع فجأة عن الحديث الى عينيها كما كان يفعل منذ وقت قريب .. سكب نصف ابتسامة على محياها اما نصف سحنته الثاني فكان مزيج من الم وردة و حنين تراب قديم اقترف نسيان خطواتها ..
كان في الاثناء يغادر عديد القرى على التوالي .. كان قطارا .. يحمل كل التراكيب و الممنوعات كما في نصوصه الاولى .
كان سهوا دائما و يقظة ابدية كعينيها في التقاط اخطاء الرسم التي كان يرتكبها عن قصد و غير قصد .. كان يتحدث الى عينيها و كأنه يحادث الله .. تذكر مرة اثناء احد انفلاتاته انه قال لها تعالي نصنع الشمس و الريح و الغيم و المطر و نهدي الله أغنية تافهة عله ينزع عنا غيه .. قالت له حينها بكلتا عينيه و بكل انفلات الانفجار ما أمطرك .
يذكر انه امتلأ و اياها في غفلة من الاوتار .. كان يترنح و اياها موجا و رملا قديما .. كان يأخذ ما تبقى من وزنها بسحر اصابعه ، و ينطلق و اياها كما الريح دورانا ، عكس عقارب ساعة قديمة كان قد اهداها ملك قديم الى تافه في الحياة .. كان العالم يصيح بهجة ، و اما الايادي فقد انشبكت كالمشط حين يخط تفاصيل امرأة رائعة بصدد وضع اخر ما تبقى من زينة قبل الاقلاع الى سهر زئبقي . فيما كانت هي تلقي كامل رخامها على الرخام و تمنح نفسها اجمل ما قيل من القبل .
انقطع عن الحديث في عينيها و اما هي فقد انتصبت بكل ذهول الجماهير الغاضبة التي خرجت زرافات لإسقاط حاكم قاتل امر بالفقر و الجهل و المؤامرات ضد خيرة ابناء الوطن .. كانت عيناها تحتشد بالشعارات التي تمجد الوطن و كانت عيناها امل المعطلين و المتعطشين للحرية و الكرامة .. كانت رفيقة كل الكادحين ممتلئة بالحياة و الفرح و الجنون تعشق الرقص مثله و تنهمك و اياه الى ابعد الحدود في رسم الامنيات .. تدحرجت من على عينيها دموع ربما للفرح او للوداع و انهارت دفعة واحدة من على مقعدها ككاتم للصمت و عج كل المكان في سكون عميق و اما القطار فقد توقف اجلالا لسيدة الطريق : هو الموت يأتي دائما فجأة.



#حميد_علي_المزوغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي
- كتابة في أثر الفراشة
- جميلة
- المتغافلون
- سورة القاتلون
- المعبر الغربي 2 او محاكمة الله
- رسالة الى صديقة رائعة 9 : المسرح . . . جنوننا
- رسالة الى صديقة رائعة 8 : ساكتبني و اقرؤك و ساقتلني لاراك.
- رسالة الى صديقة رائعة 7 : تبا لربهم الوثني.
- رسالة الى صديقة رائعة 6 : حب تحت الدخان
- رسالة الى صديقة رائعة 5 : دم الله
- رسالة الى صديقة رائعة 4 : بيان رقم 1
- رسالة الى صديقة رائعة 3 : موعد مع شمس جديدة
- رسالة الى صديقة رائعة 2 : باقة ورد و لقياها
- رسالة الى صديقة رائعة
- انكيدو صولجان الكادحين
- المعبر الغربي
- يا غريب كل الساعات ضمني اليك : اني اموت
- اطلقوا سراح الحرية
- العشاء الاخير


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد علي المزوغي - القطار